الطفولة السياسية

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يرى الامام السيد محمد الشيرازي انه، (من الضروري على ممارسي التغيير تجنب الطفولة السياسية لأنها توجب تأخر الإنسان، فكما ان الطفولة الذاتية تمنع من التفات الناس حول الطفل كذلك الطفولة السياسية تمنع الإنسان من التقدم في البعد الذي يريده ولا يلتف الناس حوله وحيث لا يتمكن هو من التقدم لا يتمكن من تقديم الأمة إلى الأمام، فعلى ممارسي التغيير أن يتجنبوا الطفولة على الإطلاق).

كل مخلوقات هذا الكون تمر بمرحلة عمرية تسمى الطفولة.. وهي بيولوجية في تكوين تلك المخلوقات لايمكن تجاوزها او القفز عليها.

الانسان يمر بتلك المرحلة، وهي لدى علماء النفس اخطر واهم مراحل الانسان العمرية التي كثيرا ماتنتقل خبراتها وتجاربها، الى مراحل عمرية أخرى (المراهقة – الشباب – الشيخوخة – الكهولة) سواءا كانت تلك التجارب مؤلمة او مفرحة، تلقى فيها تربية حسنة او سيئة، مورس ضده العنف او الرفق، كلها تؤثر على مراحل لاحقة من حياة الانسان.

والطفولة يحصرها الدارسون لها بالمرحلة العمرية بين الرضاعة والبلوغ.

وهي على ثلاث مراحل:

* مرحلة الطفولة المبكرة التي تلي مرحلة الرضاعة، وتبدأ عندما يبدأ الطفل بالكلام أو المشي معتمداً على نفسه ويصبح أقل اعتماداً على مساعدة الوالدين في الحاجات الأساسية.

* الطفولة المتوسطة وتبدأ في حوالي سن السابعة أو الثامنة، تقريبا في سن التعليم الابتدائي وحتى قرب البلوغ، عند بداية المراهقة.

* طفولة متأخرة وتبدأ قرب سن البلوغ. ونهايتها تختلف حسب البلد والوظيفة.

لعلم الاجتماع تعريفه أيضا للطفولة، فهو يعرفها على الشكل التالي:

هي تلك الفترة المبكرة من الحياة الإنسانية التي يعتمد فيها الفرد على والديه اعتماداً كلياً فيما يحفظ حياته؛ ففيها يتعلم ويتمرن للفترة التي تليها وهي ليست مهمة في حد ذاتها بل هي قنطرة يعبر عليها الطفل حتى النضج الفسيولوجي والعقلي والنفسي والاجتماعي والخلقي والروحي والتي تتشكل خلالها حياة الإنسان ككائن اجتماعي.

تتميز الطفولة بعدد من الخصائص هي:

(أ) الخصائص العقلية

(ب) الخصائص الجسمية

(ج) الخصائص الانفعالية في مرحلة ما قبل المدرسة

(د) الخصائص الاجتماعية (في مرحلة ما قبل المدرسة)

وكل واحدة من هذه الخصائص تساهم في تطور ونمو الطفل.

السطور السابقة هي في تعريف الطفولة البيولوجية او الذاتية كما يسميها الامام الشيرازي الراحل، وهي مرحلة تعبر وتنقضي من عمر الانسان، لكن هناك أنواع أخرى من الطفولة او حتى المراحل العمرية الأخرى وهي مراحل معنوية تصف الانسان او المجتمعات بميسمها لما لها من تشابه بين الاثنين.

والتوصيف المتعلق بالنمو يمكن ان يطلق على الكثير من الأمور والظواهر، فالمجتمعات البشرية يمكن لها ان تعيش طفولة حضارية او ثقافية، او يمكن لها ان تعيش مراهقة او شباب او شيخوخة، وهو ماحصل ويحصل في الكثير من المجتمعات التي نعرفها، او تلك الحضارات التي قرأنا عنها في كتب االتاريخ، ولو انها كانت تستعير الصفات النفسية لكل مرحلة من مراحل النمو العمري للإنسان، وهكذا سمعنا عن حضارات ومجتمعات بدائية، ووليدة، وفتية، وكهلة.

الامام الشيرازي يستعير صفات مرحلة عمرية يمر بها الانسان ليربطها مع كلمة أخرى لها تأثيرها الفاعل في حياة الافراد والمجتمعات وهي السياسة.. لينحت مفهوما جديدا في مفاهيم فلسفته التغييرية التي ضمها كتابه المعنون (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) وهذا المفهوم هو  (الطفولة السياسية) التي يحذر من مخاطر وجودها لدى العاملين على التغيير او الممسكين بمقاليد السلطة.

وهو في تحذيره يشخص سبعة وستون مظهرا من مظاهر هذه (الطفولة السياسية) والتي تتشابه مع مظاهر (الطفولة الذاتية) التي يستهل بها حديثه.

مظاهر تلك الطفولة متنوعة وعديدة، تتوزع بين ماهو عقلي وجسمي وانفعالي واجتماعي، تتميز بها الطفولة الذاتية في مراحل نموها.. هذه الصفات بعضا منها هي:

الاشتغال بالتوافه والجانبيات - الاستهانة بالناس بمختلف أقسامها - عدم احترام الناس اللائق بهم - الانغلاق وعدم الانفتاح على الناس والجماعات الأخرى - تصور الإنسان نفسه فوق الآخرين ذاتاً أو عملاً أو فكراً - المباهاة والتفكير بأنه أتى بما لم يأت به غيره -  المباهاة بأن زعيمه أتى بما لم يأت به غيره من الزعماء - كثرة الشكوى بدون هدف صحيح – الغرور – الكبر – الاستبداد - تصور أن العمل يثمر فوراً - عدم الحزم - عدم تقدير الأمور حق قدرها -

القاطعية العمياء – اليأس - الكسل والركون إلى الراحة والترف - تطلب الملاذ والشهوات - عدم الاتزان في ضحك أو بكاء أو ما شابه من الأمور الإجتماعية أو الأمور السياسية أو غير ذلك بالإفراط والتفريط فيها - عدم التأدب بآداب الناس - التبجح والبطر والأشر والفرح بشكل اعتباطي - عدم الاتفاق في العمل - زعم أن كل الناس على باطل أو سيئو النية، وأنه المحق الوحيد فقط وأنه هو الوحيد الذي يفهم وأنه هو الوحيد الذي له نية حسنة - الانزعاج حتى من الصغائر - عدم الحلم وكظم الغيظ - المقاطعة والمنابذة - سوء الخلق - الإصرار على أمر ظهر بطلانه - التقلب من وجه إلى وجه - عدم الوفاء - عدم الصفاء - زعم عدم إمكان التغيير - زعم أن كل شيء ممكن قد عمل به، فلم يبق مجال للعمل من جديد - الأنانية وحب الذات) الى غير ذلك من صفات الطفولة الذاتية المنسحبة على سلوك وتصرفات العاملين على التغيير..

ولا تقتصر تلك الطفولة السياسية على العاملين من اجل التغيير بل تتعدى ذلك الى القادة للدول والحكام حين يتفردون في قيادتهم وحكمهم دون السماح بمشاركة الاخرين لهم..

وطبيعة القيادة الفردية (هي الطفولة دائماً) حسب تعبير الامام الراحل، وهي تتخذ عدة طرق حسب تقسيماته لها:

 1 - طريق النفاق، ومن الواضح أن القائد الذي يسلك طريق النفاق ليصل إلى ما يصبو إليه، وينزه نفسه في الظاهر عما يفعله في السر، سرعان ما ينكشف أمره للناس فيسقط حتى عن مقداره الواقعي.

2 -الفوضى والتهريج مكان الواقع والحقيقة، ولذا تتأخر الأمة باستمرار.

3 -تكثير المناصب للملتفين حول النظام بينما تترك سائر الكفاءات.

 4- الاقتحام العاطفي والتهور.

5 - ضرب الكفاءات لأن الكفاءة لا تكون إلا بمناقشة الفكر والآراء، والأخذ بالصائب منها، وهذا مما لا يلائم الدكتاتور حيث ان الدكتاتور يريد تنفيذ رأيه فقط لا رأي الآخرين.

والامام الراحل لايضع الاتهام على الحاكم فقط، بل يتعدى ذلك الى الحكومات والأحزاب السياسية والحركات الإسلامية، والتي عاصر الكثير منها في مشوار حياته..

و(تكون في الحكومات الاستبدادية ولذا نجد أن كل المؤتمرات العربية وغير العربية التي تعقد هنا وهناك لا توجب إلا مزيداً من السوء والتأخر. والسر في ذلك هو أن المؤتمرات لا يحضرها سوى نفس أولئك الحكام الدكتاتوريين، وبالمؤتمر يقوى الدكتاتوريون أكثر فأكثر لأنهم قد انضموا بعضهم إلى بعض، وكلما قويت الدكتاتورية أكثر يكون التأخر أكثر، لأن مشكلة بلاد الإسلام بصورة عامة هي الدكتاتورية).

ويضيف الامام الراحل قائلا:

فالدكتاتورية كلما كانت أكثر كان التأخر أكثر، وهذا هو ما نشاهده في كل بلاد الإسلام بلا إستثناء، ولذا ينحصر العلاج في الخروج عن الدكتاتورية بتسليم الناس زمام أمورهم.

ان التحذير من الطفولة السياسية والعمل على مغادرتها هو مايمكن تسميته (الرشد الفكري) والانتقال من مرحلة الى أخرى من خلال النمو بمعناه الذاتي، هو الكفيل بمعالجة مشاكلنا والتغلب عليها.. يقول الامام الراحل:

(وفي ذلك اليوم الذي عالجنا فيه الدكتاتورية، وأحللنا محلها الاستشارية يعرج المسلمون من حضيض التأخر إلى مستوى الشرق والغرب بل ويفوقون عليهم ويتمكنون من إنقاذ المقهورين، لا في العالم الثالث فحسب بل وحتى الذين يعيشون في بلاد الشرق والغرب ويعانون من الطبقية والعبودية).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تشرين الثاني/2013 - 26/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م