نفط ايران... آمال كبيرة لعودة مرتقبة

 

شبكة النبأ: في السنوات القليلة الماضية، تعرضت ايران لسلسلة من العقوبات الاقتصادية الصارمة اضعفت اقتصادها فتراجعت صادراتها النفطية لأقل من النصف وتقلصت إيرادات الميزانية للجمهورية الاسلامية بواقع 35 مليار دولار سنويا على الأقل.

لكن الجهود الدبلوماسية في الاونة الاخيرة للرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني في الأمم المتحدة إلى جانب محادثة هاتفية تاريخية مع الرئيس الامريكي باراك أوباما، انعشت آمال السوق في عودة النفط الإيراني بقوة اذا ما ترجمت هذه الجهود إلى انفراجه في المواجهة بين الطرفين بسبب برنامج طهران النووي.

فقد طرحت إيران لاول مرة منذ عامين عطاء لشراء اسمدة فيما اعتبره تجار بالون اختبار لتخفيف العقوبات على انشطة الاستيراد والتصدير.

كما تبعث إيران برسائل مهمة لأسواق النفط بشأن سياسة التسعير في حالة احراز تقدم خلال المحادثات النووية مع الغرب، بينما ما زالت خمس دول فقط تشتري النفط الايراني هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا ولكن الكمية لا تزيد عن نصف ما كانت تصدره إيران قبل فرض العقوبات في 2012 لاكثر من 12 دولة، وتوقفت مشتريات دول الاتحاد الاوروبي كليا بينما لم تبع ايران نفطا للولايات المتحدة منذ نحو عقدين.

فيما يرى الكثير من المحللين إذا استطاع الرئيس الإيراني حسن روحاني تحقيق حلمه في التوصل إلى إتفاق مع القوى العالمية حول برنامج طهران النووي في غضون ستة أشهر فإن سلطنة عمان وهي وسيط مهم في النزاع قد تصبح فائزا كبيرا.

لكن دعوة روحاني في نيويورك للتوصل إلى اتفاق في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر تأتي بعد ارهاصات كثيرة لم تتبلور لحل أزمة إيران المستمرة منذ عشر سنوات مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.

وتحوز إيران أكبر احتياطيات من الغاز في العالم وتحاول عمان شراء الغاز الإيراني منذ عام 2005 لتشغيل صناعات تحتاج إلى طاقة كثيفة ووحدات لتصدير الغاز الطبيعي المسال كانت تخطط لإنشائها قبل أن تخفض تقديراتها لاحتياطياتها من الغاز.

في حين يرى محللون آخرون ان إيران تجس نبض عملاء سابقين تحسبا لتخفيف العقوبات، حيث تتواصل ايران مع عملاء سابقين وتبدي استعدادا لخفض الأسعار في حالة تخفيف العقوبات المفروضة عليها ما ينبيء بصراع على الحصص في السوق مع تراجع الإقبال على النفط عما كان عليه قبل العقوبات على طهران.

وقال متعامل في شركة امتنعت عن الشراء من إيران بسبب العقوبات "يتصل الإيرانيون بالفعل ويقولون لنتحدث... ينبغي ان تكون حذرا بالطبع ولكن لا يوجد قانون يمنع الحديث"، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الجاري ان لا أحد يتوقع تخفيف العقوبات قريبا رغم اجراء أول محادثات رفيعة المستوى بين إيران والولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، وتابعت "بل الاغلبية تتوقع أن يطول أمد خطوات الغاء العقوبات بما يتمشى مع تحقيق تقدم دبلوماسي ملموس في القضية التي نحن بصددها ولا يزال كثيرون يرونه احتمالا بعيدا"، ونقلت وكالة انباء شانا عن محسن قمصري مدير الشؤون الدولية بشركة النفط الوطنية الإيرانية قوله "في ظل الظروف الحالية يجري عدد كبير من المشترين التقليديين التحضيرات ويقدمون التسهيلات لزيادة المشتريات من النفط من إيران".

وقال قمصري ان ايران قد تضطر لتحديد سعر أقل او تقبله لتعود للسوق، وصرح لشانا "من الطبيعي ان تؤدي عودة الخام الإيراني للاسواق إلى هبوط أسعار النفط. تظهر الارقام في الوقت الحالي أن الطلب على النفط يقل 30 بالمئة عنه في الاحوال العادية.، كما ان الجودة عامل مهم، وقال مسؤول بمصفاة اوروبية طلب الا ينشر اسمه "اذا سمح لنا بالشراء من جديد لن نتردد. تعاني اوروبا من نقص حاد من الخام الثقيل الذي يحتوى عل نسبة كبيرة من الكبريت والوحيد المتاح خام الاورال الروسي الذي اصبح سعره باهظا جدا".

وما تزال عقوبات الاتحاد الاوروبي على شركات ايرانية ومن بينها شركة النفط الوطنية الايرانية سارية وقالت الحكومة البريطانية ان عائدات الشركة الايرانية من مبيعات الغاز في روم ستوضع في حساب مجمد.

وفرض الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة عقوبات على شركات ايرانية منذ ثلاث سنوات بزعم ان ايران تحاول تطوير اسلحة نووية. وتقول طهران ان ابحاثها سلمية تماما وذات اهداف مدنية.

اعادة تشغيل حقل غاز في بحر الشمال

وفي ذات الاطار رفعت بريطانيا حظرا على انتاج حقل الغاز الضخم روم في بحر الشمال الذي تشترك في ملكيته شركة بي.بي وشركة النفط الوطنية الايرانية لمنع اي ضرر للبيئة وللحقل بعدما اغلقته في 2010 بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على شركات ايرانية، وقالت وزارة الطاقة انها ستسمح ببدء التشغيل مجددا لمنع وقوع ضرر دائم للحقل ذي الضغط المرتفع والحرارة العالية والذي لم يكن مصمما لان يبقى مغلقا بشكل دائم.

وقالت الوزارة في بيان "الحكومة تدعم اعادة بدء الانتاج في روم وهذا ضروري لتجنب ضرر بيئي محتمل ولمنع دمار محتمل في قيمة الحقل"، وساهم حقل غاز روم بحوالي اربعة بالمئة في انتاج الغاز في بريطانيا في اكتوبر تشرين الاول 2010 قبل اغلاقه. وبدأ الحقل في ضخ الغاز في ديسمبر كانون الاول 2005 وتكلف تأهيله 350 مليون جنيه استرليني (656.6 مليون دولار)، وقالت بي.بي انه من السابق لأوانه تحديد متى سيبدأ الانتاج في الحقل مجددا، وقال متحدث باسم بي.بي "نتطلع للحصول على الموافقة النهائية خلال الاسابيع القليلة القادمة ومن شأن هذا ان يمكننا من بدء العمل نحو اعادة تشغيل الحقل".

تركيا تسورد النفط الايراني في 2014

من جهة أخرى قال وزير الطاقة التركي تانر يلدز إن تركيا ستستورد خمسة ملايين طن (100 ألف برميل يوميا) على الأقل من النفط الخام الايراني العام المقبل نظرا لأن أي تخفيضات أخرى في واردات البلاد من النفط الايراني ستشكل "تهديدا" للاقتصاد التركي، وقال الوزير في حديث للصحفيين خلال مؤتمر الطاقة العالمي في كوريا الجنوبية إن تركيا تستورد أيضا عشرة مليارات متر مكعب من الغاز من ايران وسترفع مستوى مشتريات الغاز إذا عرضت ايران المزيد منه. بحسب رويترز.

وقال يلدز إن الطلب على الطاقة في تركيا زاد إلى مثليه في السنوات العشر الماضية وسيتضاعف إلى مثليه مرة اخرى في السنوات العشر القادمة، وأضاف أن تركيا مستعدة أيضا لشراء مزيد من الغاز من العراق إذا رفع انتاجه، وجددت الولايات المتحدة في يونيو حزيران إعفاء تركيا وثمانية اقتصادات أخرى لستة أشهر من العقوبات على إيران مقابل موافقتها على خفض مشترياتها من النفط الإيراني, وستستضيف تركيا مؤتمر الطاقة العالمي التالي في عام 2016.

عمان والغاز الايراني

على الصعيد نفسه قبل أسابيع من أول رحلة خارجية يقوم بها روحاني منذ توليه مهام منصبه في أغسطس آب زار مسؤولون من سلطنة عمان طهران في محاولة لشراء الغاز من إيران آملين في رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية في يوم ما حتى تستطيع بلادهم الحصول على امدادات من الغاز تحتاجها بشدة عبر خليج هرمز.

ولم يتم إحراز أي تقدم في مشروع خط أنابيب ينقل الغاز من إيران إلى عمان منذ ذلك الحين نظرا لخلافات حول الأسعار وعقوبات غربية عرقلت مشروعات طاقة إيرانية إضافة إلى ضغوط أمريكية على عمان لإيجاد موردين آخرين، لكن عمان تحتل مركزا متقدما في طابور يتشكل أمام أبواب إيران مماثل لما شهدته ميانمار عند رفع العقوبات المفروضة عليها.

وتحركت مسقط سريعا لتعزيز العلاقات مع طهران منذ انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني وهو ما يساهم في تحسين آفاق التجارة على الأجل الطويل. وكان السلطان قابوس بن سعيد أول رئيس دولة يجتمع مع روحاني بعد تولي الرئيس الإيراني مقاليد السلطة في أوائل أغسطس آب.

وفي تلك الجولة وقع وزيرا الطاقة في البلدين إتفاقية لتوريد الغاز يقدر وزير الطاقة الإيراني قيمتها بنحو 60 مليار دولار على مدى 25 عاما وهو ما سيكون أكبر صفقة تجارية على الاطلاق بين طهران ومسقط.. هذا إذا بدأ تدفق الغاز بينهما.

وتشهد العلاقات توترا بين حكام الخليج السنة وقادة إيران الشيعة لكن سلطان عمان قابوس بن سعيد يحتفظ بعلاقات جيدة نسبيا مع طهران طوال فترة حكمه البالغة 43 عاما. وقابل السلطان قابوس وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وكبار المسؤولين العسكريين في طهران خلال زيارته للعاصمة الإيرانية مؤخرا كما وقع وزير دفاعه إتفاقية تعاون عسكري مع إيران في منتصف سبتمبر بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء العمانية الرسمية.

وعمان حليف وثيق للولايات المتحدة وعملت كوسيط بين واشنطن وطهران في النزاع حول البرنامج النووي الإيراني وذلك بحسب برقيات للسفارة الأمريكية في عمان ترجع لعام 2006 نشرها موقع ويكيليكس. وتنفي طهران مزاعم الغرب بأنها تهدف لإنتاج أسلحة نووية وتقول إن برنامجها مخصص فقط لأغراض سلمية. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي غربي إنه رغم تحسن المناخ السياسي منذ مجئ روحاني إلى السلطة إلا ان العقوبات لا تزال تعمل بقوة وأي شركة تشارك في مشروع تعد منتهكة لتلك العقوبات.

وبدأت عمان في استيراد الغاز القطري من خلال خط أنابيب يمر عبر دولة الامارات العربية المتحدة في 2007. لكن تلك الكميات ليست كافية. ونقلت برقية للسفارة الأمريكية يرجع تاريخها إلى السادس من مايو 2009 عن الوزير الرمحي قوله إن واردات الغاز من إيران ضرورية وحتمية نظرا لأن قطر والسعودية رفضت طلباته لاستيراد الغاز.

وقال محللون إن تنامي طلب عمان على الغاز بدأ يؤثر بالفعل على صادراتها المحتملة من الغاز الطبيعي المسال وإذا لم توفر السلطنة مزيدا من الغاز فإن تلك الصادرات قد تنضب على مدى العقد القادم.

وقال مسؤولون إيرانيون إنهم يتوقعون بدء تصدير الغاز لعمان في غضون عامين لكن الرمحي قال إنه يستبعد بناء خط أنابيب تحت البحر يشكل تحديا فعليا في هذا التوقيت، وتزامنت محادثاته في إيران مع مواصلة شركة الطاقة البريطانية بي.بي مفاوضاتها المتعلقة بمشروع خزان لاستخراج كميات من الغاز يصعب الوصول إليها في عمان وقد تصل امدادات المشروع إلى نحو مليار قدم مكعبة بحلول 2018.

ولا تزال عمان في حاجة إلى مزيد من واردات الغاز على الأجل الطويل لذا فمن المنطقي أن تمهد الطريق من الناحية السياسية حتى وإن عرقلت العقوبات إحراز تقدم.

وقال ريتشارد كوين كبير محللي بحوث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى وود ماكينزي للاستشارات في ادنبرة "نظرا للتغييرات الأخيرة في القيادة السياسية الإيرانية فالوقت جيد للعمل من أجل التوصل إلى صفقة منفعة مشتركة، "يتيح هذا العمل على الأجل الطويل وقتا أمام التحديات الجيوسياسية القائمة بين إيران وبقية العالم لتحرز بدورها بعض التقدم الفعلي".

ولم يتحدد بعد مسار خط الأنابيب المزمع من إيران إلى عمان لكن الخيارات المتاحة جميعها تشكل تحديات من الناحية الفنية لبلد لم ينشئ من قبل خط أنابيب يمتد تحت مياه الخليج، ويقول محللون إن آمال الإيرانيين في الاستفادة من الطاقة الزائدة في وحدات تصدير الغاز الطبيعي المسال العمانية لشحن الغاز الإيراني إلى الأسواق العالمية لا تعدو أكثر من حلم بعيد المنال نظرا لأن الشركات الغربية القلقة من العقوبات تملك حصصا في تلك الوحدات.

وقد تتمثل أكبر عقبة تعترض التوصل إلى إتفاق في تحديد أسعار الغاز الإيراني. فأسعار الغاز في عمان عند مستويات أقل من التكلفة لدى معظم المنتجين وحتى بعد الزيادة المزمعة في الأعوام القليلة القادمة فإنها ستظل أقل من المستويات العالمية.

وترى إيران إن الجزء المتعلق بالغاز الطبيعي المسال في المشروع سيحسن النواحي الاقتصادية نظرا لأنه سيتيح الوصول إلى الأسواق في شرق آسيا التي تدفع حاليا أسعارا تزيد بخمسة أمثال لشراء الغاز، لكن محللين يقولون إنه من الصعب أن يوافق شركاء عمان على شروط الإتفاق مع إيران وإذا لم توافق إيران على توريد الغاز لعمان بسعر أقل من المستويات المنخفضة لصادرات الغاز الطبيعي المسال التي وقعتها مسقط على الأجل الطويل فإن عمان قد تجد أنه من الأجدى اقتصاديا وقف صادراتها من الغاز الطبيعي المسال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تشرين الاول/2013 - 22/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م