أمريكا ومصر... علاقات في مرمى التوترات

 

شبكة النبأ: خلال الأشهر الأخيرة، أي منذ عزل الرئيس الاسلامي محمد مرسي من منصب رئاسة الجمهورية بعد احتجاجات شعبية صاخبة وبمساعدة الجيش في تموز الماضي، شابت العلاقات الأمريكية المصرية موجة فتور غير مسبوقة، قد تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لخسارة حليف مهم في قلب الشرق الاوسط.

حيث تراجعت العلاقات الثنائية بينهما تراجعا ملحوظا بعد تجميد جزء من المساعدات المالية والعسكرية التي كانت تقدم للجيش المصري من لدن الحكومة الامريكية، لكن في الوقت نفسه ما زالت حكومة واشنطن مرتبكة جدا بشأن ما اذا كانت تصف اطاحة الجيش بالرئيس المعزول "انقلابا"، على الرغم من حجب معظم المساعدات العسكرية لمصر الى ان تحرز تقدما في الديمقراطية وحقوق الانسان.

وتوضح قضية التعبيرات اللغوية تلك بخصوص تسميت ماحصل في مصر الانقلاب أم لا؟،  يعتبر بعض المحللين ان امريكا قلقة تجاه مصر حيت تتعارض الرغبة في النظر لواشنطن على انها داعمة لحقوق الانسان والديمقراطية والامل في الاحتفاظ بنفوذ في بلد مهم من الناحية الاستراتيجية وعدم ازعاج الجيش المصري.

وظهرت احدث تعبيرات بلاغية للادارة الامريكية عندما اطلع المسؤولون الامريكيون الكونجرس على قرارهم بحجب تسليم طائرات مقاتلة ودبابات وطائرات هليكوبتر وصورايخ بالاضافة الى 260 مليون دولار من المساعدات لمصر.

وابلغ المسؤولون مساعدين بالكونجرس انهم قرروا في هدوء احترام قانون يحظر المساعدات للحكومة المصرية في حالة وقوع انقلاب عسكري حتى على الرغم من اتخاذ الادارة قرارا في الصيف بانها غير مجبرة على تقرير ماذا كان هذا انقلابا ام لا ومن ثم فانها ليست مضطرة لتطبيق القانون.

وقال مساعدون بالكونجرس ان مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاجون) ووكالة التنمية الدولية والذين ناقشوا الوضع في مصر في الكونجرس مازالوا يرفضون استخدام تعبير "انقلاب" لوصف الاطاحة بمرسي الاسلامي واول رئيس لمصر منتخب بشكل حر، وقال مساعد بمجلس النواب بعد المناقشة "اوضحوا تماما انهم لايصفونه بانقلاب".

وقال جون الترمان مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "هناك الف طريقة لوصف تقاطع مصالحنا وقيمنا هنا"، وعلى الرغم من تعليق المساعدات يعتزم الرئيس باراك اوباما مواصلة تقديم بعض المساعدات للقاهرة بما في ذلك قطع الغيار العسكرية وتدريب ضباط الجيش واموال لتشجيع التنمية الصحية والتعليمية والاقتصادية، ولكن مسؤولين ومساعدين بالكونجرس قالوا ان تحويل هذه الاموال سيتطلب ان يمنح الكونجرس اوباما سلطة انفاقها وهو امر اختاره اوباما في محاولة لتفادي اثارة غضب النواب باحترام القانون ضد اعطاء مساعدات لدول يقع فيها انقلاب.

وشعر النواب الامريكيون باستياء في وقت سابق من العام الجاري عندما تملص اوباما من اتخاذ قرار بشأن ما اذا كان يصف اطاحة الجيش بمرسي انقلابا. وكان من شأن توصيف كهذا ان يؤدي بشكل تلقائي الى تعليق المساعدات السنوية التي تبلغ نحو 1.55 مليار دولار، واصبح تفادي وزارة الخارجية الامريكي كلمة"انقلاب" مادة للكوميديا التلفزيونية واثار تساؤلات عما اذا كانت الولايات المتحدة تنافق برفضها التحدث بصراحة وبوضوح.

في الوقت نفسه قد يكون لقرار الولايات المتحدة تقليص مساعداتها العسكرية والمدنية لمصر أثر عكسي إذ يدفع القاهرة لطلب المساعدات من اماكن أخرى وهو ما يقلص دور واشنطن في التأثير على الاستقرار في البلد الواقع في قلب منطقة الشرق الأوسط.

وتواجه واشنطن مأزقا في التعامل مع مصر حليفها الرئيسي في المنطقة والتي تسيطر على قناة السويس وتربطها معاهدة سلام بإسرائيل لكن جيشها أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا وهو الإسلامي محمد مرسي في يوليو تموز الماضي.

وقالت الحكومة المصرية ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل إنها لن تذعن للضغط الأمريكي،  وبمقدور جيش البلاد الذي يقود حملة على جماعة الاخوان المسلمين ابداء تحد أكبر، وظهر الفريق اول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة باعتباره أكثر الشخصيات العامة شعبية في مصر وهو يدرك تماما ان مصريين كثيرين اصبحوا يعادون الجماعة التي استخلصوا بمرارة أن الولايات المتحدة تدعمها.

وفي الوقت نفسه يعتقد العديد من أعضاء الاخوان أن إدارة أوباما كانت وراء ما تصفه بالانقلاب العسكري، واشنطن التي أصبحت مصداقيتها على المحك ليس امامها من فرصة لحمل الطرفين على المصالحة والمشاركة في عملية ديمقراطية تشمل جميع الاطياف السياسية.

فحتى الاتحاد الأوروبي الذي ينظر إليه باعتباره أكثر حيادا بكثير لم يتمكن من احراز تقدم في هذا الاتجاه، وما يقلق الولايات المتحدة هو امكانية لجوء الجيش المصري وهو أكبر الجيوش العربية لدولة منافسة للحصول على مساعدات بعد العلاقات الوثيقة التي ربطته بالولايات المتحدة على مدى عشرات السنين.

وقال مسؤولون عسكريون إن القادة العسكريين في البلاد تراجعت ثقتهم في الولايات المتحدة خلال الأزمة السياسية التي اندلعت بعد عزل مرسي، وثار غضبهم في وقت مبكر عندما بدأت الولايات المتحدة في التلميح باتخاذ إجراء لإظهار استيائها لعزل مرسي. وقال المسؤولون العسكريون إن خفض المساعدات لم يفاجئهم. بحسب رويترز.

وقال مصدر عسكري "لدينا قول مأثور نتداوله بيننا.. المتغطي بالامريكان عريان"، ويدرس الجيش المصري خياراته، وقال المصدر العسكري دون الخوض في التفاصيل "الجيش لديه خطط بالتأكيد لتنويع مصادر الأسلحة تشمل الذهاب إلى روسيا"، ونقلت صحيفة الوطن المقربة من الجيش عن مصدر عسكري قوله إن مصر ستعلن قريبا عن صفقات سلاح من أسواق جديدة غير السوق الأمريكية وبنفس جودة الأسلحة الأمريكية.

وعمقت محاولات الامريكيين الترويج لفكرة الديمقراطية وعودة الاخوان المسلمين للحياة السياسية الافتقار للثقة في الولايات المتحدة، فتزايد بدرجة كبيرة الحديث عن مؤامرات أمريكية لتقسيم مصر وعن الشرق الأوسط الكبير وعرضت صحف رسوما توضيحية لبعض هذه الخطط، وقال عنوان رئيسي لصحيفة باللون الأحمر "طظ في المعونة الأمريكية". وفي أحد أحياء القاهرة لصقت صورة للرئيس الأمريكي باراك اوباما بلحية بيضاء وكتب عليها "أوباما ارهابي". بحسب رويترز.

ويصدق الجيش بعض نظريات المؤامرة ومنها تلك التي تقول ان إسرائيل حليفة الولايات المتحدة تريد حكم الإسلاميين في الشرق الأوسط لتبقي على المنطقة في حالة اضطراب، وقال أحد القادة العسكريين "حكم الإسلاميين للعرب سيكون كافيا لضمان أن تبقى أسرائيل أكبر قوة في المنطقة".

كم ان الدعم من دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية التي سعدت برحيل مرسي لبغضها للاخوان المسلمين قد يعطي مصر فرصة للمناورة إذا ما قررت الاستغناء عن المساعدات الأمريكية.

فبعد عزل مرسي وعدت السعودية والكويت والإمارات مصر بقروض ومنح وشحنات وقود تبلغ قيمتها نحو 12 مليار دولار، ومكنت هذه المساعدات البلاد من إدارة الاقتصاد وقد توفر لمصر قدرا من المرونة السياسية.

وتشعر مصر والسعودية أهم حليفين للولايات المتحدة في المنطقة بخيبة أمل في السياسة الأمريكية وتريان واشنطن باعتبارها قوة عظمى لا تستطيع حسم خياراتها، وقال مسؤول حكومي "الموقف الأمريكي غير واضح وغير مفهوم ويأتي في وقت تحتاج فيه مصر للمساعدة... بالتأكيد ستفقد الولايات المتحدة تأييد الشعب المصري وبالتأكيد فإن الفراغ الذي سيخلفه ذلك ستستفيد منه قوة أخرى في العالم".

ووعد السيسي بخارطة طريق تأتي بانتخابات ديمقراطية نزيهة. وهو لا يتعرض لأي ضغط حقيقي من المصريين للإسراع في هذه العملية والمسؤولون المصريون لن يتقبلوا ان تستمر الولايات المتحدة في الضغط على الجيش.

حيث انتقدت مصر قرار الولايات المتحدة تجميد بعض المساعدات العسكرية والاقتصادية لها غير أن واشنطن أكدت أنها لن تقطع علاقاتها معها، وقال مجلس الوزراء المصري إنه يرى هذا القرار غريبا "في هذا التوقيت الحيوي الذي تخوض فيه مصر حربا ضد الإرهاب".

غير أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال إن واشنطن ستنظر في استئناف بعض المساعدات لمصر "على أساس الأداء" فيما يتعلق بالسير وفق "خارطة الطريق" التي تعد بإجراء انتخابات نزيهة.

وتواجه واشنطن مشكلة في التعامل مصر حليفتها الرئيسية بالمنطقة. فمصر تسيطر على قناة السويس وأبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل ولكن جيشها عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو تموز بعد احتجاجات حاشدة مناهضة لحكمه.

وفي واحدة من أشد موجات العنف التي شهدتها في تاريخها الحديث لجأت قوات الأمن إلى استخدام القوة في التعامل مع احتجاجات نظمها أنصار مرسي. وبدأ إسلاميون متشددون يصعدون هجماتهم على القوات المصرية لتمتد هذه الهجمات من شبه جزيرة سيناء إلى مدن رئيسية أو بالقرب منها بما في ذلك القاهرة.

ويبرز موقف الولايات المتحدة الاختلاف مع حليفتها الخليجية السعودية التي رحبت بعزل مرسي وأغدقت الدعم المالي على الحكومة الجديدة في مصر. ويثير أيضا تساؤلا حول الجهة التي قد تلجأ إليها مصر -ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل- للحصول على مساعدات عسكرية.

فيما لم تستطع إسرائيل إخفاء خيبة أملها إزاء قرار الولايات المتحدة بحجب بعض المساعدات عن مصر وعبرت عن مخاوفها من أن تضر هذه الخطوة بوضع واشنطن في المنطقة وتقوض معاهدة السلام مع مصرـ وقال كيري إن واشنطن تريد التأكد من أن خارطة الطريق المؤدية إلى الانتخابات مازالت هدفا أساسيا للحكومة الانتقاليةـ وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن القرار الأمريكي له "تأثير محدود على الوضع المالي الخارجي للبلاد" ولا يؤثر كثيرا على وضع الدين، كما انتقد مسؤولون إسرائيليون كبار تعامل الولايات المتحدة مع مصر منذ الاطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في 2011 وحثوها على دعم الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش عقب عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو تموز.

وبرغم عدم وجود ما يشير إلى أن تجميد المساعدات من شأنه أن يؤثر على قدرة مصر على الحكم يخشى الإسرائيليون من أن تبعث خطوة الولايات المتحدة بإشارة خاطئة لحلفائها في الشرق الأوسط الذين يتوقعون قيادة قوية من واشنطن في أوقات الإضطرابات.

وقال وزير الدفاع السابق بنيامين بن اليعازر الذي كان قريبا من مبارك "المفاجيء في هذه العملية كلها هي أن الأمريكيين يعملون بالضرورة وعن غير قصد ضد مصلحتهم"، وأضاف "يجب إدراك أن هذه المنطقة ضعيفة للغاية وللحفاظ على استقرارها يلزم وجود قوة عظمى لتأمينها." وقال إنه لن يفاجأ إذا بدأ حلفاء لأمريكا مثل السعودية في التطلع نحو روسيا، وقال مسؤول إسرائيلي كبير طلب عدم الكشف عن اسمه إن من المحتمل أن تتحول مصر باتجاه روسيا ايضا.

وتعتبر إسرائيل واشنطن أهم حليف لها على الإطلاق ومن الواضح أنها تشعر بقلق من أن عملية صنع السياسة الأمريكية في الفترة الماضية - لاسيما ما اعتبر ترددا بشأن كيفية التعامل مع الحرب السورية - تقوض سمعة الولايات المتحدة في المنطقة.

في حين يعتقد محللون سياسيون أن قرار إنهاء العلاقات الكاملة بين امريكا ومصر في هذه المرحلة صعب رغم فتور العلاقات بينهما مؤخرا، نظرا للمصالح المشتركة بين البلدين، وعليه فان انقطاع العلاقة السياسية بينهما مازالت ضئيلة جدا كي لا تضرر المصالح الأمريكية في المنطقة فكما يبدو ان السياسية الخارجية الأمريكية الجديدة لن تتغير وإنما ستستمر في السياق نفسه بأكثر واقعية وابعد عن الشعارات خلال المرحلة القادمة وخاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.

خصوصا وان نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يتدنى بشكل غير مسبوق، نتيجة لتغيرات الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي وانتقال صناعة القرار إلى داخل المنطقة، بعدما كانت الادراة الامريكية لسنوات طويلة تملي ما تريده عليها، ستقف ادراة أوباما أمام تحدي المواصلة لاحتواء آثار الربيع العربي.

لذا توقع محللون سياسيون بان السياسية الخارجية الأمريكية تجاه مصر من لدن رئيس باراك أوباما ستكون سياسية مسك العصا من المنتصف وبأكثر واقعية وابعد عن الشعارات خلال المرحلة القادمة.

من جهة أخرى يجمع العديد من المحللين على ان اهتمامات الولايات المتحدة وتوجهاتها في السياسة الخارجية ستتجه الى القارة الآسيوية بدلا من منطقة الشرق الاوسط التي يخسر فيها اوباما استثمارات سياسية كبيرة، وعليه تظهر المؤشرات آنفة الذكر بأن سياسة اوباما الخارجية خلال ولايته الثانية ستكون ذات طابع متوازن سياسيا في المرحلة المقبلة، لكن رغم كل ذلك يرى هؤلاء المحللين ان امريكا تغير مواقفها بناء على مصالحها وفي نهاية الأمر هي لا تريد ان تخسر مصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تشرين الاول/2013 - 17/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م