هواجس أفول نجم الارهاب الطائفي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: طالما اعتاشت دول على الارهاب الطائفي، فجاءت اسهاماتها في تشكيل الجماعات المسلحة، أو في تغذيتها بالرجال والمال والعتاد، أو حتى فتح ممرات عبور عبر الحدود الى حيث تقوم هذه الجماعات بعملياتها القذرة والدموية، وربما لا تسمع هذه الدول بأعداد الضحايا من الابرياء الذين يسقطون جراء وحشية تلكم الجماعات، لأنها بخروج الارهابيين والمتطرفين خارج حدودها، تكون قد ضمنت لشعوبها واقتصادها، الامن والاستقرار، واكثر من ذلك، فانها تكون قد تخلصت من عدد لا بأس به من اصحاب العقول المتحجرة التي تدعي تمثيل الدين والتديّن. لتطبق ما يجول في عقولها من خيال وأوهام في مناطق أخرى، وهذا ما لاحظناه بكثير من الأسف في عراق ما بعد صدام، ثم تكررت التجربة بشكل عجيب في سوريا.

هذا النهج الطائفي – التحريضي الذي توزع على الدول الثلاث: السعودية في تقديم المال والرجال، وقطر في الإعلام (الجزيري)، وتركيا في الدعم اللوجستي، واكب مخططاً دولياً – صهيونياً للمنطقة، بأن تتجه دول مثل العراق وسوريا والبحرين على وجه التحديد، في صراع مرير من أجل البقاء، وليس العيش، ثم البحث عن فرص التقدم والتطور، وهي المعادلة التي تمضي عليها الشعوب الناجحة والبعيدة عن ساحات الصراع الدموية، كالتي نعيشها في هذه المنطقة المنكوبة. ولذا نلاحظ حرصاً بالغاً من لدن الجماعات الارهابية على إيقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا في عمليات التفجير، سواء بالسيارات المفخخة أو بالأحزمة الناسفة أو العبوات وغيرها، وبعد العراق، تم تحقيق هذا الأمر في سوريا، حيث وجدنا كيف أن الجماعات المسلحة تتحصن في المناطق السكنية، وجعلها دروعاً بشرية، مما ألحق خسائر فادحة في الارواح بين المدنيين خلال المواجهات مع الجيش السوري، وبالنتيجة الحصول على مشاهد مريعة يتهمون بها النظام السوري بالمسؤولية عن مقتل هؤلاء، كما يفعلون الشيء نفسه مع حكومة بغداد، حيث ما يزالون يحملون الورقة الرابحة، ويصورون أن هذه الحكومة عاجزة عن تحقيق الامن للشعب العراقي.

أما في البحرين؛ فان قمع الاحتجاجات المطلبية جاء بسلاح طائفي، قبل السلاح الناري، فقد أطلقت وسائل الاعلام المملوكة قطرياً وسعودياً، النار على التظاهرات السلمية والمطلبية في البحرين، واصفةً إياها بـ "الطائفية". وأنها لا تستحق الدعم والمساندة، الى جانب هذا كان هنالك الصمت المريب من دول اسلامية ومؤسسات دينية وثقافية في العالم الاسلامي، وهذا ما يفسر ممارسة القمع الوحشي وبشكل علني – سافر من سلطات المنامة، ثم التدخل العسكري السعودي لمساعدة نظام حكم المنامة على مواجهة التحدي الجديد.

وحسب مصادر مطلعة، فان السعوديين لم يدخلوا عسكرياً الى البحرين، إنما دخلوا طائفياً وبقوة لمواجهة المد الشيعي المتصاعد، وقمع أي مطالبة بتغيير النظام الحاكم في المنامة، وتحويله الى نظام ربما يشبه النظام الحاكم في العراق. فقد ذكر أحد علماء الدين المفرج عنهم في البحرين، إنه تعرض لأسئلة طائفية بحتة خلال الاستجواب، اختلفت تماماً عن التحقيق الذي جربه قبل سنوات والتي اقتصرت على الجانب السياسي.

المعطيات السياسية الاخيرة تؤشر تراجع دور رعاة الارهاب الطائفي في المنطقة، ويمكن ملاحظة ذلك على مستويين: المستوى الداخلي، بين الجماعات الارهابية نفسها، وعلى المستوى الدولي من خلال التغيير المعلن في السياسة الامريكية اتجاه المنطقة.

على الصعيد الميداني، بات من الواضح التورط السعودي في مستنقع الارهاب الطائفي في سوريا، و راجت اخبار الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي تدعي معارضة النظام السوري أنها البديل المفضّل لها. فقد تشكلت جبهة نزاع واضحة المعالم بين الجماعات السلفية والمتطرفة دينياً، وبين ما يسمى بالجيش السوري الحر، الذي يعد الذراع العسكري "للائتلاف السوري المعارض" والمقيم في تركيا.

وآخر جولة من الاشتباكات كانت يوم الأربعاء الماضي، بين مقاتلين من الجيش الحر وآخرين ينتمون لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وذلك في المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا، وتحديداً عند معبر " باب السلامة". الامر الذي دفع المسؤولين الاتراك لغلق هذا المنفذ بعد غلق منفذ "باب الهوى" قبل فترة لنفس السبب.

وبغض النظر عن أهداف ودوافع العناصر الارهابية من التحرش بالمواقع العسكرية للجيش الحر، ومحاولة الاستيلاء على المدن والقرى الحدودية المتاخمة لتركيا، وما اذا كانت تحاول الاستفراد بالمعونات والمساعدات القادمة من السعودية او تركيا او غيرها، إلا ان سقوط أعداد كبيرة من هؤلاء، بين قتيل وجريح، في اقتتال داخلي وليس مع قوات النظام السوري، يؤشر خللاً كبيراً في إدارة هذه الجماعات الارهابية، والشعور بضياع المصلحة الحقيقية والغاية من وجود كل هؤلاء الارهابيين في سوريا، في ظل سعي الجماعات الارهابية الى كسب الامتيازات والبحث لها عن دور في الحاضر والمستقبل، وعدم القبول بدور "كبش الفداء".

وأكثر ما يقلق السعوديون اليوم، هو اختفاء أعداد كبيرة من الشباب السعودي في سوريا، وعدم العثور عليهم في صفوف الجماعات الارهابية، وهم الذين يخوضون المعارك الشرسة مع القوات الحكومية. وحسب المصادر، فقد بلغ عدد المفقودين حتى الآن (2265) سعودياً. ونقل موقع "الحدث نيوز" أن القيادي السلفي "حازم المصري" أقرّ بسقوط حوالي (400) قتيلاً ممن أسماهم "المجاهدين" في معركة واحدة بمنقطة "بارودة" بريف اللاذقية. وجاء في تغريدة له على حسابه في "تويتر" إن أكثر من (1200) من المسلحين اصيبوا خلال هذه المعركة، بينهم أكثر من (700) إصابة تسببت بعجز دائم.

هذا الارقام ربما تشكل جزءاً بسيطاً من الحضور السعودي في صفوف الجماعات الارهابية على  الاراضي السورية، الى جانب العناصر القادمة من دول اخرى، وهذا من شأنه ان يخلق أزمة اجتماعية داخل السعودية، لاسيما مع استمرار الحرب والقتال دون وجود احتمالات قريبة بقرب تحقيق ما كان يحلم به أولئك المغرر بهم، ومن خلفهم المعنيون بالملف السوري في الرياض.

أما على الصعيد السياسي والدولي، فبعد الصمت وغض الطرف الغربي والامريكي عن هذه الجماعات الارهابية، ظهرت بوادر تغيير في السياسة الامريكية نحو الحوار والحل السلمي، فيما اكتفت العواصم الاوربية بمواقف باردة إزاء الحل العسكري في سوريا. فقد تفاجأت الاوساط الاعلامية والسياسية في السعودية على وجه التحديد، من الخطوات البعيدة التي رفعتها كلٌ من ايران والولايات المتحدة في تطبيع العلاقات بينهما، وأظهرت غير قليل من التبرّم والاعتراض والقلق الشديد. هذا القلق منشأه انعكاس التغيير في السياسة الامريكية على عموم الاوضاع في المنطقة، وليس فقط الملف السوري، لأنه سيشمل ايضاً بؤرة متوترة أخرى لا تقل أهمية عن سوريا، وهي البحرين، وهو ما استشعره بقوة السعوديون وحلفاؤهم الحاكمون في البحرين.

وما جاء في خطاب الرئيس الامريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن ان يشكل ورقة عمل للسياسة الخارجية الامريكية في المرحلة الراهنة، مع عدم  القطع بأن يكون هذا الخطاب أساساً لاستراتيجية امريكية بعيدة المدى. إلا إن جوهر الفكرة التي استخلاصها من الخطاب المطول لأوباما ، أن بلاده تخشى بعد اليوم التأثر بالسلبيات القادمة من الشرق، بسبب سياسة الاستكبار التي مارستها الادارات الامريكية السابقة، وفرض الديمقراطية بالقوة، التي انتقدها في خطابه، وفي الوقت نفسه، دعوته بلدان المنطقة لأخذ زمام الامور بيدها، فقد أعلن رفضه للفكرة "القائلة بأن هذه المبادئ ليست سوى صادرات غربية لا تتوافق مع الإسلام أو العالم العربي"، وقال ايضاً: "العمل الشاق من أجل نشوء الحرية والديمقراطية هو مهمة جيل بأكمله".

كانت إشارة أوباما واضحة وصريحة لمن تبقى من النسخ القديمة لأنظم الحكم التي استنفذت الغرب استغراضه منها، في مقدمتها السعودية والبحرين، حيث ما تزال العشيرة والقبيلة هي التي تشكل نظام الحكم وتتعامل مع العالم على اساس هذه العقلية، فقد تحدث عن "السيادة" التي قال انها لا يجب أن تكون " درعاً للطغاة كي يرتكبوا القتل العشوائي". وأكد بوضوح لا لبس فيه، أن "تسوية التوترات الطائفية التي تواصل الظهور في أماكن مثل العراق والبحرين و سوريا، لا يتأتى للأطراف الخارجية أن تحلها؛ بل ينبغي على المجتمعات الإسلامية نفسها أن تعالجها..".

هذه الافكار الجديدة لامريكا، كشفت اكثر من ذي قبل حجم الدعم الاعلامي والسياسي السعودي للارهاب الطائفي في المنطقة برمتها. فقد خرج كتاب صحفيون ومحللون عن لباقتهم الاعلامية، وهم يتهجمون على خطوات التطبيع التي يمضي عليها الرئيس الامريكي باراك أوباما مع ايران، ويعربون عن خيبة أملهم من عدم تحقيق ما كانوا يصبون اليه من توجيه "ضربة تأديبية" للرئيس السوري بشار الأسد، فيما أعلنت الحكومة البحرينية عن تحفظها على التصريحات التي أدلى بها أوباما في خطابه الأممي، طالبةً "توضيحاً" من واشنطن، ربما للمقاصد التي يرمي اليها الرئيس الامريكي، وما اذا كان بالفعل سيعلن سياسة جديدة إزاء نمط النظام الحاكم في المنامة، حيث يذهب المراقبون الى أن خطوات الرئيس الامريكي الحالية، ربما تؤدي الى ولادة حل سياسي في البحرين يلبي مطالب الشعب البحريني الى حد تشكيل نظام حكم ملكي دستوري، تتحدد فيه صلاحيات الملك الى الحد الأدنى وتتعزز فيها فرص الديمقراطية والنظام البرلماني.

نفس النموذج، ربما تشهده سوريا في المرحلة التي تعقب الحرب، لكن السؤال يبقى هنا؛ وهو: اين ستكون السعودية وقطر من هذه الخارطة الجديدة، بعد ان ألفوا الدعم الاعلامي والسياسي وحتى المذهبي للجماعات الارهابية والدموية؟ وهل ستهبّ رياح التغيير الامريكي – الغربي على السعودية بعد التغيير الذي حصل في قطر؟

المؤشرات والدلائل تؤكد الخشية الكبيرة للسعودية من أفول نجم الارهاب الطائفي في المنطقة لان هذا الأفول سيؤدي – حسب المراقبين- الى عودة التضخم المذهبي والطائفي في السعودية، وربما يتحول الى قنبلة داخل نظام الحكم السعودي القائم على التنافس المحموم على السلطة بين شريحة الأمراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الاول/2013 - 28/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م