للمراهقين لغات حب أيضا

بدر شبيب الشبيب

 

مرحلة المراهقة مرحلة انتقالية تحفل بالكثير من التغيرات الراديكالية في جسد ونفسية الولد أو البنت، وتتمتع بحساسية فائقة. وهي كأي مرحلة عمرية تحتاج إلى فهم عميق من قبل الأبوين لخصائصها وسماتها حتى يمكنهما التعامل معها بصورة سليمة، وبالتالي مساعدة أبنائهما على اجتيازها بنجاح وتفوق.

كثيرا ما نلوم المراهقين والمراهقات من أبنائنا بسبب ما نراه من سلوكياتهم غير المقبولة من وجهة نظرنا، دون أن نكلف أنفسنا عناء الاطلاع المعرفي على شخصية المراهق أو استشارة أحد من الأخصائيين. فقد ألِفنا أسلوب التربية بالتجربة والخطأ. فلا بأس أن نجرب فيهم كما جرب الآخرون فينا، فإن أخطأنا فلنا أجر، وإن أصبنا فلنا أجران. هكذا يعتقد البعض، وللأسف الشديد.

إن الحاجة لحيازة رخصة قيادة الأسرة أهم من الحاجة لرخصة قيادة السيارة، وهذا أمر في غاية البداهة، ولكنه مغفول عنه. فكثير من المشاكل الأسرية ترجع إلى عدم إحاطة الوالدين أو أحدهما بالأساليب التربوية المناسبة لكل مرحلة عمرية. يضاف لذلك الجهل بالأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع الخطير. لذا فإن على كل من الوالدين أن يتهم نفسه بالتقصير أولا قبل أن يوجه اللوم للمراهق أو المراهقة من أبنائه.

المراهَقة مرحلة طبيعية يمر بها كل شاب وشابة، وهي كما تقول الدكتورة منيرة بلحمر استشارية طب مجتمع ذات مراحل ثلاث:

- مرحلة المراهقة الأولى، وهي مرحلة البلوغ وتكون في عمر 11 - 14 سنة.

- مرحلة المراهقة المتوسطة، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية وتكون في عمر 15 - 18 سنة.

- مرحلة المراهقة المتأخرة، وفيها يصبح الشاب والشابة إنسانا راشدا في المظهر والتصرفات وتكون في عمر 19 سنة - 21 سنة.

ويمكن إيجاز التغيرات النفسية لدى المراهق أو المراهقة في التالي بحسب الدكتورة بلحمر:

«الحساسية الزائدة وسرعة التأثر. البحث عن الذات، والشعور بعدم الوضوح، والتساؤل: من أنا؟ ماذا أريد؟ ولمن أنتمي؟. التقلب في المزاج. القلق الزائد وعدم الاستقرار النفسي. روح التأمل والتفكير في القضايا الدينية. الرغبة في تحدي الأهل والمعلمين والمعلمات والتمرد على سلطتهم. الاستغراق في أحلام اليقظة. الاهتمام كثيرا بالمظهر الخارجي. بدء الميل والاهتمام بالجنس الآخر».

أما التغيرات الاجتماعية فتتمثل في: «الشعور بالحاجة إلى الانفصال عن الأسرة أو الوالدين، والبحث عن بديل كالعم أو العمة أو المدرس أو الأصدقاء. رفض أسلوب المعاملة على أنه طفل، والشعور بالانتماء إلى عالم الراشدين. الاتجاه نحو الاستقلال والاعتماد على النفس. الميل للانطواء على النفس أحيانا والابتعاد عن الناس. الاهتمام بالمظهر الخارجي أكثر مما سبق. الميل إلى الزعامة. زيادة الوعي بالمكانة الاجتماعية. التآلف والتكتل في جماعات الأصدقاء والخضوع لها. عدم التوافق والرضا عن وجهة نظر الكبار».

والسؤال: هل يمكن للغات الحب أن تلعب دورا في ترشيد حالة المراهقة؟ والجواب: نعم بلا شك، بل هي المفتاح الرئيس للدخول لعالم المراهق أو المراهقة بأمان. فالمراهق أو المراهقة هما في حاجة ماسة للغات الحب أيضا، كما كانا يحتاجانها قبل ذلك. الفرق في أنهما يحتاجان مفردات مختلفة من لغات الحب تناسب مرحلتهما العمرية. وهنا يكمن خطأ كثير من الآباء حيث يواصلون مخاطبة أبنائهم بنفس اللغة السابقة التي كانوا يتخاطبون بها معهم من قبل، فيقع سوء الفهم، ويحدث الانفصال والتمرد.

يحتاج المراهق أو المراهقة إلى لغات الحب الخمس «لغة التوكيد، لغة اللمسات، لغة الوقت، لغة الخدمة، لغة الهدايا». ولكن على الآباء والأمهات معرفة اللغة الأقرب لابنهم أو بنتهم والتركيز عليها. بالإضافة إلى ضرورة اختيار اللغة التي تتناسب وسمات شخصية المراهق والمراهقة، تماما كما يحدث عندما نقوم بتطوير لغة التخاطب مع الطفل كلما نما وكبر.

تفهم احتياجات واهتمامات المراهق

كانت زوجتي رحمها الله كلما أرادت أن تتحدث عن أولادنا، تذكرهم بعبارة «الجهال» أي الصغار، حتى بعد أن شبوا عن الطوق وتزوج بعضهم. كانت هذه العبارة منها تشير إلى حاجة الأبناء في نظرها للحب والتدليل وإن كبروا. وهو ما كانت تفعله كإحدى لغات الحب التي أجادت تطبيقها جميعها أيما إجادة.

عند مطالعة النصوص المتعلقة بالتربية، نجدها تلحظ فروق السن ومتطلباتها بشكل دقيق. فكل فئة عمرية لها احتياجاتها التي ينبغي أن تراعى وتتم تلبيتها بوعي وعناية. ونورد هنا بعضها:

عن رسول الله : الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين سنة، وإلا ضُرب على جنبيه فقد أعذرت إلى الله.

وعن الإمام الصادق : الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين. وعنه أيضا: أمهل صبيك حتى يأتي له ست سنين، ثم ضمه إليك سبع سنين، فأدبه بأدبك فإن قبل وصلح وإلا فخل عنه. وفي رواية أخرى عنه : دع ابنك يلعب سبع سنين، وألزمه نفسك سبعا فإن أفلح وإلا فإنه ممن لا خير فيه.

المراهَقة كما ذكرنا مرحلة عمرية ذات خصائص مختلفة عن سابقتها، حيث الميل للاستقلال وتكوين الهوية الخاصة، والمبادئ الشخصية، والاهتمام بتطوير التفكير المجرد، وطرح أسئلة المستقبل. كل ذلك مصحوبا برغبة في التمرد والخروج عن سلطة الطاعة.

لذا فإن ما ينبغي على الوالدين عمله أولا هو تفهم احتياجات واهتمامات المراهق أو المراهقة وتقبل رغبته أو رغبتها في الاستقلال. فالتفهم والتقبل يؤديان للاكتشاف الأعمق للغة الحب الأكثر تفضيلا من قبل الولد أو البنت، ومن ثم ممارستها معه بشكل أكبر، مع عدم الغفلة عن بقية لغات الحب. فبالحب يمكن احتواء واستيعاب المراهق، ومن ثم مساعدته على اجتياز المرحلة بنجاح. وإلى هذا يشير الإمام علي في قوله: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».

يرشد مؤلف كتاب «لغات الحب الخمس للمراهقين» الآباء والأمهات الذين يجدون صعوبة في التعرف على لغة الحب المثلى التي يفضلها أبناؤهم في مرحلة المراهقة إلى عدة طرق لمعرفة ذلك. منها ملاحظة الأبناء عن قرب، من خلال سلوكهم وشكاواهم وطلباتهم، والتعرف على الطرق التي يستخدمونها هم أنفسهم في التعبير عن حبهم لوالديهم وإخوتهم وأصدقائهم. فطبقا ل «جاري تشابمان» فإن الإنسان في الغالب يعبر عن حبه للآخرين بنفس الطريقة التي يفضل أن يتلقى بها الحب منهم. فإن كان المراهق يظهر حبه وتقديره للآخرين بامتداحهم أو إطرائهم بكلمات رقيقة، فهذا دليل كبير على أنه هو نفسه يفضل أن يمتدحه ويطري عليه من يحبونه عندما يفعل أو يقول شيئا طيبا. وبهذا تكون اللغة الأولى هي المفضلة بالنسبة له. كما يمكن ذلك أيضا بواسطة طرح الأسئلة المفتوحة عليهم، أو تجريب اللغات واحدة واحدة وملاحظة مدى التأثير لكل منها.

أما كيف يمارس الوالدان لغات الحب مع أبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة العمرية فهذا ما يحتاج إلى بعض بيان.

1 - لغة التوكيد «Words of Affirmation»

المراهقون الذين يفضلون هذه اللغة يحتاجون دائما لكلمات الثناء والإطراء والحب. كما إن الكلمات السلبية والتأنيبية تؤذيهم وقد تدمر شخصيتهم، أو تدفعهم لمزيد من التمرد. ولكي تؤدي الكلمات الإيجابية مفعولها السحري ينبغي أن تكون صادقة نابعة من القلب، ومحددة، أي تثني على سلوك معين، أو على شخصية المراهق أو موقفه مثلا. وأن تكون أمام الآخرين من أسرة أو أصدقاء.

2 - لغة اللمسات «Physical Touch»

يحتاج المراهقون والمراهقات للغة اللمسات الحانية. ولكن من المهم جدا هنا مراعاة الوقت المناسب والمكان المناسب والطريقة المناسبة. فالمراهقون أو بعضهم يكون حساسا تجاه استخدام هذه اللغة معه، وقد يفسرها على أنه لا يزال يُتعامل معه كطفل.

3 - لغة الوقت «Quality Time»

من اللغات الهامة جدا إذا تم استخدامها بشكل صحيح. ولكي تؤدي هذه اللغة وظيفتها ينبغي أن يشعر الولد أو البنت بتخصيص الوقت لهما، وتكريسه للتواصل معهما. فالاستماع والإنصات والمشاركة هو ما يبحث عنه أصحاب لغة الوقت، وليس المكان أو الحدث. إن اختيار أسلوب الحوار الهادئ، ومراعاة طريقة ومستوى المجالسة المناسبة مع المراهق، أي الجلسة المكافئة، لا الفوقية ولا التحتية، وانتقاء الزمان الكافي والمناسب، يساعد في إيصال رسالة حب قوية.

4 - لغة الخدمة «Acts of Service»

وذلك بأن يقوم الوالدان بخدمة الولد أو البنت دون شروط. كأن تقوم الأم مثلا بترتيب غرفة البنت أو الولد، أو تقديم الطعام لهما عند قدومهما من المدرسة. أو أن يقوم الوالد بمساعدة أبنائه في المذاكرة أو شراء حاجياتهم.

5 - لغة الهدايا «Gifts»

وتكون مؤثرة حين تلمس رغبات المراهق أو المراهقة وتفضيلاتهم واهتماماتهم. وهو ما ينبغي مراعاته عند تقديم الهدايا لهم.

تلك باختصار لغات الحب للمراهقين.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

http://www.facebook.com/profile.php?id=692249194

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/badirshibib.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تشرين الاول/2013 - 25/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م