منهجية التغيير: الذات أولا

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن التغيير ينبغي أن يبدأ من الذات أولا، على مستوى الفرد والجماعة ايضا عندما تكون ذات هيكل تنظيمي واحد، عليها أن تتحرك وتنشط بطريقة متناسقة وكأنها فرد واحد، ولا شك أن التغيير المرتقب نحو الافضل يتطلب ارادة قوية، وتخطيط مسبق، فضلا عن قضية التنفيذ الملزم، الذي من دونه لا يمكن أن يتحقق أي نوع من التغيير.

لذا فإن التركيز على أهمية التغيير الذاتي ورد في كثير من مؤلفات ومحاضرات الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، ومن هذه الرؤى التي تدعو بقوة و وضوح وإلحاح الى اهمية التغيير، ما ورد في كتاب الامام الشيرازي الموسوم بـ (الصياغة الجديدة)، وهو كتاب قيّم متعدد الرؤى مكتنز بالافكار، ويركز بصورة منهجية على الدور الكبير الذي يلعبه التغيير الذاتي في اعادة الريادة الى المسلمين، بعد أن تدهورت اوضاعهم قياسا للمجتمعات المتقدمة التي تقود العالم الآن، بعد أن كانت تعاني من الضعف والاضطراب والتراجع، ولكنها تمكنت من أن تغير نفسها، كأفراد وجماعات، وتتقدم الصفوف، لذا يؤكد الامام الشيرازي على الاهمية القصوى لتغيير الذات اولا.

الثقة بالنفس أولا

إن التغيير الذاتي يتطلب توافر عناصر داعمة لتحقيق هذا الهدف المهم، ولعل عنصر او دافع الثقة بالنفس يتقدم جميع العناصر، لأن الانسان عندما يؤمن بنفسه وطاقاته وقدراته ومواهبه، يكون قد حقق الاساس السليم والمتين لعملية التغيير، ومن ثم الوصول الى الهدف الاساس وهو تغيير الحياة على مستوى الذات والجماعة.

من الواضح أن المسلمين بما لديهم من تعاليم اسلامية تراعي جميع الثقافات وتضع الجانب الانساني فوق كل اعتبار، فإنهم اقدر من غيرهم على التغيير الافضل، إضافة الى التجربة التي خاضها المسلمون في المعترك الاول، الذي قام بتغيير الفرد في العصر الجاهلي عندما كانت البيئة تعج بالتعصب والقبلية والتخلف، والايمان بمعتقدات وعادات واعراف لا تراعي اطلاقا كرامة الانسان، كما هو الحال مع (وأد البنت) كمثال على ذلك، لذا فإن التغيير الذي حدث في مجتمع العصر الجاهلي اثبت أن المسلم اذا احسن التصرف والتفكير، فهو قادر على التغيير وقيادة المجتمع نحو الافضل دائما.

يقول الامام الشيرازي بكتابه (الصياغة الجديدة) حول هذا الجانب: (يجب أن لا نفكر بأننا غير مؤهلين للقيادة وأخذ زمام الأمور في العالم وبناء حضارة الأمة الإسلامية، بل علينا أن نطرد كلمة – مستحيل- من قاموس حياتنا وعندها سنستطيع إذا ما أخذنا المبادرة وتفهمنا الرؤية والبصيرة الصائبة).

ولا شك أن عملية التغيير لا تتاح لكل من يرغب بها، لأنها قضية تتعلق بالاصرار والتمسك بعد الايمان، مقرونا بالتخطيط والتنفيذ بارادة لا تقبل التكاسل او التراجع او النكوص، لذلك من اجل أن يقلع الانسان عن السلوكيات والافكار الفاسدة، التي تدمر الذات والجماعة، لابد انه يحتاج الى منظومة تغيير متكاملة، تبدأ بالاستعداد للتغيير ثم التخطيط السليم والتنفيذ بارادة لا تعرف الكلل، لأن تحقيق البناء الذاتي وخدمة الآخرين، تستدعي جهودا استثنائية.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه حول هذا الموضوع: (إن الأنماط الأخلاقية الفاسدة يلزم أن نقلع جذورها من الأساس بيننا كأفراد وكأمة، حتى تكون نفوسنا صافية وخالية كي ننطلق للبناء الذاتي ونخدم الآخرين ونقيّمهم التقييم السليم، فلا نقيم الإنسان بسنه وبماله وجاهه ونسبه). ويؤكد الامام الشيرازي على اهمية المعرفة المتبادلة وتحطيم الحواجز لتحقيق التغيير المرتقب، إذ يقول سماحته في هذا المجال: (يجب أن نشعر أنفسنا في هذه المرحلة بضرورة تحطيم الحواجز، وذلك بمعرفة بعضنا للبعض الآخر، وتقييم كل منا للآخرين، كي نكتشف طاقاتنا كشعب ونعترف بهذه الطاقات، وتكون لدينا قناعة تامة بطاقاتنا وقدراتنا، وإن باستطاعتنا بلوغ الهدف وهذا هو أهم شيء نحتاجه).

العودة الى الارادة الحرة

لقد تمكن الانسان المسلم من تحقيق التغيير الاكيد في بيئة كانت تعد من أسوأ البيئات من حيث الجهل والتعصب والاحتراب، الامر الذي تمخض عن حكومات وسلطات قمعية جائرة، كان من الصعب مقارعتها والحد من طغيانها، لو لا قدرة الفرد والجماعة على احداث التغيير الذاتي، من خلال الالتزام بالقيم السليمة، فضلا عن التنظيم الامثل، والارادة التي تتغذى من قوة الايمان الهائلة التي يتحلى بها الفرد والجماعة، حتى تمكن هؤلاء من مقارعة الطغاة بعد تحقيق التغيير الذاتي لصالح الفرد والمجتمع.

لذلك يذكرنا الامام الشيرازي في هذا الشأن قائلا: من (الواجب على المسلم أن يلقن الحكام ما لقنه المسلم الأعزل ـ إلا من سلاح الإيمان ـ في أول الإسلام، فصاروا عبرة للشعوب في نضالها ضد قوى السيطرة والظلم، أما أن لا نحرك ساكناً ولا نبذل جهداً، فمعنى ذلك إنا لا نعترف بمواهبنا وقدراتنا وطاقاتنا).

ولابد أن نعرف بأن عملية التغيير لا تتحقق بصورة آلية من دون تدخل الانسان وارادته، بمعنى أن التغيير يحتاج الى جهد ورغبة وتصميم وايمان، فضلا عن التخطيط والتنفيذ، بمعنى لا يمكن أن يتحقق التغيير الذاتي او الجماعي بصورة عشوائية، لذلك فإن قضية الانتصار على الذات وفرض انماط تغيير افضل وارقى، تتطلب تنظيما وتنسيقا واعدادا جيدا لتحقيق هذا الهدف الذي يسهم بصورة حتمية في تغيير الجميع نحو الأفضل.

لذلك يرى الامام الشيرازي كما يرد في كتابه المذكور نفسه: (إن تنظيم عملنا وتنظيم أنفسنا، والتنسيق فيما بيننا في مرحلة الإعداد، شيء نحتاج إليه كما نحتاج إليه بعد الوصول إلى الهدف، وإننا في هذه المرحلة إذا لم نعمل بإتقان وتنظيم، فسوف تتأخر مرحلة الانتصار لربما إلى سنين طويلة). وهكذا ينبغي أن لا نكف عن قضية التغيير الذاتي لانها السبيل الى تحسين الحياة، على أن يكون التنظيم والتنسيق والمعرفة والتعاون المتبادل هو الطريق لتحقيق هذا الهدف الاساسي لتطور الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/أيلول/2013 - 16/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م