لغات الحب للصغار

بدر شبيب الشبيب

 

حقائق أربع في غاية الأهمية ينبغي إدراكها في تربية أطفالنا. الأولى أن ما نستثمره فيهم وما نفعله لأجلهم هو استثمار في الذات وللذات أيضا. ولا أدل على ذلك من قول الله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها﴾ الإسراء: 7. فالآية صريحة في أن كل إحسان نفعله وفي أي مستوى ولأي أحد هو في واقعه لأنفسنا، وكذلك كل إساءة أيضا. فإذا أردنا أن نحصد منهم حبا، فلنزرع فيهم الحب. وإدراك هذه الحقيقة يجعلنا نفكر بشكل أعمق فيما نقوم به، كما سنكون أكثر تحملا للمسؤولية تجاه أبنائنا وبناتنا.

الحقيقة الثانية: لكل طفل خزان حب يحتاج إلى تعبئة مستمرة، كي يكون له وقودا في نشأته ومسيرته. وإذا لم يتحقق له الإشباع العاطفي من داخل الأسرة، فقد يلجأ لاحقا إلى مصادر أخرى غير آمنة لملء الفراغ العاطفي لديه.

الحقيقة الثالثة: الحب غير المشروط هو وحده الذي يكون له مفعول السحر في الطفل. والمقصود بذلك أن يشعر الطفل بحبنا له في كل الأوقات، وليس في وقت تفوقه وتميزه فقط. إذ حتى لو أخفق فإننا نحبه أيضا ولن نتخلى عنه، ولذلك نسعى بكل حب لمساعدته في حالة الفشل لو حدثت.

الحقيقة الرابعة: أنه كما تتعدد لغات الحب بشكل عام كما ذكرنا في المقال السابق، فإن لكل فئة عمرية لغتها الخاصة بها ضمن إطار لغات الحب الخمس. وهذا أمر ندركه بالوجدان حين مخاطبتنا للصغار، إذ لو تكلمنا معهم بلسان الكبار فإنهم لن يفهمونا، وبالتالي لن يتفاعلوا أو يتواصلوا معنا. ولعل هذا بعض ما يشير له الحديث الشريف المروي عن رسول الله : من كان عنده صبي فليتصابَ له.

بعد هذه المقدمة نعود للحديث عن لغات الحب الخمس وتطبيقاتها الخاصة بالأطفال من أجل إتقانها وممارستها بعفوية وتلقائية مع أهل البراءة النقية والقلوب الزكية. وسنتناولها بالترتيب السابق مستفيدين من كتاب «لغات الحب الخمس عند الأطفال. تأليف جاري تشابمان وروس كامبل»:

1 - لغة التوكيد «Words of Affirmation»

حفيدتي ذات العام الواحد ترتاح كثيرا عندما نقول لها عند قيامها بشيء ما: «شاطرة، صفقوا ليها»، بل إنها تنظر في من لم يصفق لها كأنها تطلب منه أن يفعل ذلك. تفاعلها مع لغة التوكيد والتعضيد في هذه السن المبكرة يشير إلى أهمية هذا النوع من لغات الحب عند الأطفال. فمن خلال لغة التوكيد يمكن تعزيز السلوك الإيجابي وزرع القيم النبيلة في الطفل، كما إنها تساعد على بناء ثقة الطفل في نفسه. المهم هنا أن نختار الكلمات البسيطة المصحوبة بلغة جسدية متناغمة معها.

2 - لغة اللمسات «Physical Touch»

الضم والتقبيل والاحتضان وقذف الطفل بلطف وعناية في الهواء والدوران به عدة دورات وغيرها من اللمسات الجسدية الحانية تعبر عن لغة حب راقية جدا لا يجيدها كل أحد.

فعنه لما قبل الحسن والحسين فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم. فقال : ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك! أو كلمة نحوها.

الطفل يفرق بين حضنة الحب وحضنة التوتر والعصبية، وبين لمسة دافئة وأخرى باردة. كما أن جسده يستجيب لذلك أيضا. فقد نقلت صحيفة القدس في تاريخ 30 يناير 2012 ما يلي: قال علماء من أميركا إن رعاية الأم لأبنائها تنعكس على حجم المخ لديهم. وقال العلماء في مجلة «بروسيدنغز» التابعة للأكاديمية الأميركية للعلوم اليوم الاثنين إن حجم منطقة الحُصَين المسؤولة عن الذاكرة والعواطف والسيطرة على الإرهاق الذهني تكون كبيرة لدى الأطفال في سن المدرسة عندما يتمتع هؤلاء في طفولتهم برعاية أكبر من قبل أمهاتهم.

إتقان لغات الحب

أخضع علماء النفس تحت إشراف جوان لوبي وزملائها من جامعة سان لويس 92 طفلا في سن ثلاث إلى ست أعوام لاختبارات مختلفة من بينها اختبار خفيف للإجهاد العصبي يحصل الأطفال خلاله على هدية ملونة في علبة تكون قريبة من متناول يدهم ولكن لا يسمح لهم بفتحها إلا بعد ثمان دقائق. ثم حلل الباحثون ردود فعل الأطفال على ذلك وقيموا المساعدة والحنان والدعم الذي قدمته الأمهات لأطفالهن خلال فترة الانتظار من خلال نظام للنقاط.

ثم قام الباحثون بقياس حجم منطقة الحصين في المخ لدى هؤلاء الأطفال بمعدل ثلاث سنوات بعد هذه التجارب باستخدام الرنين المغناطيسي فتبين أنه على الرغم من أن حجم هذه المنطقة يتوقف على جنس الطفل، أكان ذكرا أم أنثى، وليس على عمره والوضع الاجتماعي لوالديه إلا أن هناك علاقة إحصائية قوية بـ«مؤشر الحنان» الذي وضعه الباحثون اعتمادا على هذه التجارب.

هناك دراسة أخرى قام بها علماء أمريكيون تحت إشراف البروفيسور مارتن تايشر من كلية طب هارفرد توصلت لنفس النتيجة. إذ أوضحت الدراسة التي شملت 193 بالغا «73 امرأة و120 رجلا في سن 18 إلى 25 عاما» أن حجم منطقة الحصين في المخ لدى الأشخاص الذين اشتكوا من إساءة معاملتهم في طفولتهم أصغر منها لدى أقرانهم الذين لم يعانوا من المعاملة السيئة.

هذه الدراسات تحثنا على إتقان لغات الحب مع أبنائنا وبناتنا حتى يكون نموهم سليما جسديا ونفسيا. تحدثنا في المقال السابق عن لغة التوكيد ولغة اللمسات، وبقيت ثلاث لغات هي:

1- لغة الوقت «Quality Time»

لعل هذه اللغة من اللغات التي أصبحت في عصرنا الراهن عملة نادرة نتيجة الالتزامات الشخصية والاجتماعية الكثيرة، ونتيجة للأوقات الطويلة التي تُهدر مع وسائل التقنية الحديثة، وبالذات مع الشاشات الثلاث «التلفزيون، والحاسوب بأنواعه، والجوال». لقد صار منظرا مألوفا أن تلتقي العائلة بأجسادها في مكان ما، ولكن كل واحد منها يعيش في عالمه الخاص ويتفاعل معه. فواحد يضحك والآخر يبتسم والثالث يتأوه والرابع يتأفف والخامس يتعجب، كل ذلك في نفس الوقت في نفس المكان.

أثمن الأوقات هي تلك التي نتفاعل فيها مع أبنائنا وبناتنا بكل حواسنا. نصغي لأحاديثهم، ننظر في عيونهم بحنان، نبادلهم البسمة، ونقول لهم من غير كلام: نحن نحبكم ونهتم بكم. أنتم لا تقدرون بثمن.

2- لغة الخدمة «Acts of Service»

يحتاج الطفل منذ الصغر للغة الخدمة المعبرة عن الحب، وهي تختلف باختلاف السن. فمن إطعامه وتنظيفه وتغيير ملابسه وتمشيط شعره إلى مساعدته في المذاكرة وحل الواجب إلى رعايته أثناء مرضه وغير ذلك من الخدمات التي نقدمها بروح المحبة والحنان، فتعمق الحب في داخل أبنائنا وبناتنا.

ومن المهم هنا أن نهتم بطريقة تقديم الخدمة كي توصل رسالة الحب بحب.

 3- لغة الهدايا «Gifts»

الهدايا من لغات المحبة الخمس التي تؤثر في الكبار والصغار. وحتى تؤتي الهدية ثمارها ينبغي اختيار الهدية المناسبة للطفل المناسب والتي يشعر برغبة في اقتنائها. كما ينبغي الاعتناء الشديد بالألوان والتغليف والتوقيت وغير ذلك من الأمور المحببة عند الأطفال وبالذات الإناث منهن.

أخيرا نختم بحديث شريف عن رسول الله ورواية عن حفيده الإمام الصادق:

عن رسول الله : أحبوا الصبيان وارحموهم.

وعن الإمام الصادق : قال موسى بن عمران : يا رب! أي الأعمال أفضل عندك؟ فقال: حب الأطفال، فإن فطرتهم على توحيدي، فإن أمتُّهم أدخلهم برحمتي جنتي.

http://www.facebook.com/profile.php?id=692249194

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/badirshibib.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/أيلول/2013 - 16/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م