النظام الانتخابي والتمثيل الحقيقي للمواطن

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: النظام الانتخابي السليم، هو صمام الامان الذي يحمي حقوق الانسان السياسية والمدنية، وهو السبيل الأفضل لتجنب تركيز السلطات في شخصية واحدة ونظرة واحدة ورؤية واحدة مغلقة على نفسها، تقود الحاكم الى التضخم الذاتي، ومن ثم القفز على ارادة الشعب، وقهر الارادة الجماعية والطموحات المشروعة لعامة الناس، ليتم سرقة جهود المجتمع ككل، من خلال الاهمال التام للنظام الانتخابي الجوهري، و وضع نظام شكلي بديلا له، كما تفعل دائما الانظمة الدكتاتورية التي ترسم نظامها الانتخابي الخاص، لتضمن بقاءها في السلطة الى اطول مدة ممكنة، كما فعل مثلا الرئيس موغابي (89) مؤخرا وفاز بدورة رئاسية سابعة، ليواصل وجوده على قمة السلطة (33) عاما، متجاوزا بذلك على الاحزاب والشعب في آن واحد.

إن النظام الانتخابي السليم كما اثبتت التجارب لدى الشعوب التي سبقتنا الى الديمقراطية، هو النظام البرلماني الذي يكفل المساواة بين الجميع في حق الاختيار الامثل لمن يمثل الشعب ويقوده الى مرافئ التقدم والاستقرار والازدهار.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، في هذا المجال: (لقد ثبتت بالتجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيها بينها فـي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام وجعله على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

الجماهير والاحزاب السياسية

من الواضح أن الرأي العام بحاجة الى من يبلوره، ويوجه مساراته لصالح المجتمع، بمعنى لابد من وجود وعاء يحتوي الآراء الكثيرة، كي ينظمها ويجعلها في بوتقة واحدة، نتيجتها تصب في الصالح العام، وليس هناك من هو قادر على القيام بهذه المهمة (مهمة بلورة الرأي العام)، أكثر من الاحزاب السياسية، التي تأخذ على عاتقها لم شمل الجماهير وفق رؤى محددة وبرامج سياسية اقتصادية صحية تعليمية امنية واضحة المعالم، وبهذا يكون الحزب هو الوعاء الكبير الذي بامكانه جمع الاراء المختلفة وبلورتها وتوجيهها بما يخدم المجتمع ككل، لكن يحتاج الامر الى درجة كافية من الوعي السياسي والثقافي، لابد أن يتحلى به المواطن، حتى يكون قادرا على المشاركة في صنع القرار عبر ممثليه في البرلمان.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه على أن: (أنظار الجماهير تتجه إلى الأحزاب السياسية ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية، بهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعبٍ من الشعوب في العالم).

هكذا ينبغي أن يتم بلورة الآراء مهما اختلفت، لكي تصبح حزمة واحدة قادرة على تحقيق رؤية تصب في هذدف واحد يخدم الجماهير، عبر الآراء التي تتحول الى قرارات ثم يتم تنفيذها على الارض، هذا يعني أن الرأي مجزّأ غير موحد، لذا ينبغي تقنينه في اطار والوعاء الحزبي.

يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: (إنّ الرأي العام مجزَّءٌ ومتنوعْ، أي انه غير موحد، وإذا لم يجر تقنينه في إطار حزب ما فانه لن يكون له تأثير يُذكر، لكن الحزبَ يصنّف الآراء والاتجاهات المتباينة ويوجد لها قاسماً مشتركاً ويبلور بذلك الرأي العام، أي انه يجسِّد رأي الأكثرية). هكذا تتضح أهمية توحيد الآراء حتى لو كانت تمثل الأكثرية، حتى يكون لها القدرة على التأثير في مجريات السياسة وتوجيه مساراتها في الاتجاه الذي يخدم المجتمع.

نظام الاكثرية والأقلية

من الواضح أن النظام الانتخابي الامثل، هو الذي يمثل الرأي والاختيار الحقيقي لمجموع الناخبين، بخلاف ذلك لا يعد هذا النظام مناسبا لحماية صوت الناخب، ولا شك أن نظام الاكثرية يعبر عن أحقية الرأي الذي ينال اصواتا اكثر، هو الذي ينبغي أن يؤخذ به، ويتم الالتزام به، مع الاهتمام الأكيد برأي الأقلية وعد إهماله كليا، حماية لحقوق الجميع من كلا الطرفين، الأكثرية والاقلية، لهذا يجب أن يمثل النظام الانتخابي عدد الاصوات للناخبين بصيغة دقيقة وامينة لا تقبل الخطأ المقصود او ما يسمى بالتزوير، كون هذا السلوك يمثل تجاوزا على ارادة الناخبين.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا حول هذا الموضوع: (في نظام حكم الأكثرية يتم انتخاب مرشحين لعضوية البرلمان فيما لو فاز هؤلاء بأصوات أكثر، وفـي النظم الحزبية يتم توزيع المقاعد البرلمانية بنسبة الأصوات التي تفوز بها الأحزاب السياسية، وعلى سبيل المثال إذا كانت أصوات الناخبين في منطقةٍ تقدر بمائة ألف صوتٍ لصالح عشرة مرشحين، وإذا كانت أصوات حزب المحافظين خمسين ألف صوتاً والحزب الليبرالي ثلاثين ألف صوتاً والحزب الراديكالي عشرين ألف صوتاً، فانّ حزب المحافظين يحظى بخمسة نواب والحزب الليبرالي بثلاثة نواب والحزب الراديكالي بنائبين).

ولاشك أن النظام الانتخابي الحقيقي يحتاج الى آليات عمل واضحة وراسخة ايضا، لكي يتم تحقيق اقصى ما يمكن من درجة التمثيل للارادة الشعبية التي تمثل في الوقت نفسه الأكثرية، وهذا يتطلب ايجاد العمل السياسي المنظم، ولا يمكن ان يتم ذلك بدون وجود الحزب السياسي النموذجي، القادر على بلورة الرأي وتثقيف الناس وبث الوعي بين الجميع، لكي تتزايد نسبة المثقفين سياسيا القادرين على الفهم والمشاركة في حماية الحقوق المدنية بأقصى ما يمكن، وهذا لا يمكن أن يتحقق الا اذا تم تأسيس وتطوير الاحزاب السياسية المؤهلة لقيادة الجماهير.

لذا يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه حول هذا الموضوع: (إنّ كلَّ حزبٍ لابد وان يعلن خياراته ومرشحيه وأن يجعل الناس قادرين على اختيار المذهب السياسي الذي يريـده الحزب والالتحاق بتنظيماته، والحزب يسعى إلى تثقيف أعضاءه فـي نفس الوقت الذي يسعى فيه إلى فرض نفوذه عليهم، ومن هذه النقطة يتولى الحزب مهمة مرشد ومُعلّم بالنسبة لأعضائه، ومن خصائص الحزب البارزة هي أنه يُزيل عن كاهل أعضاءه الكسل والتقاعس ويجعلهم في طريق الأحداث ومُجريات الأمور، ويدعم النشاطات الجماعية، ويقوِّي الاتجاه الشعبي على صعيد الخيارات الإنسانية، وبهـذه الصور يقوم بتحريك عجلات الديمقـراطية والنظام الديمقراطي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/أيلول/2013 - 9/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م