الدور التركي في تونس

عزالدين مبارك

 

ليس هناك من شك أن البلاد التونسية في حاجة ماسة للمساعدة من الدول الصديقة والشقيقة بعد أن قامت بثورتها السلمية وفتحت بذلك الباب واسعا أمام ما يسمى بالربيع العربي وكانت في الموعد مع التاريخ لكن هذا التحول لم يكن بدون ثمن اقتصادي واجتماعي بحيث تباطأت وتيرة النمو وانخفض الانتاج فتقلصت موارد الدولة وقد زاد الطين بلة التعثر السياسي الذي لم يتمخض إلى حد الآن إلى نتيجة ملموسة وواضحة.

وكما هو متعارف عليه في العلوم السياسية فإن الطبيعة لا تحبذ الفراغ فقد تسابقت الكثير من الدول من الشرق والغرب لإيجاد موقع قدم في تونس ما بعد الثورة وقد فتحت الأبواب على مصراعيها وكل حسب امكانياته وغاياته وأهدافه فجاء الدعاة من الشرق مبشرين فاتحين وكأننا في عهد الغزوات الأولى وفتحت خزائن المال للانقضاض على دواليب الاقتصاد التونسي المتهالك واشتدت نزعة الاقتراض الخارجي لتمويل المشاريع الاستهلاكية والنشاطات الغير منتجة.

وكان لتركيا ذات الاقتصاد الصاعد والتي استفادت كثيرا من وضعها كحليف استراتيجي للغرب زمن الحرب الباردة والحرب على العراق وكل أزمات الشرق الأوسط دور هام في تونس الجديدة. فالتوجه التركي نحو مستعمراتها القديمة وإن كان ذلك تحت عباءة الخلافة الاسلامية أصبح من استراتيجياتها الجديدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتلكؤ أوروبا في ضمها إلى حضيرتها وازدراء الكيان الصهيوني بها رغم أن شعرة معاوية لم تنقطع بينهما.

فعلاقة تركيا التي كانت في الماضي القريب محتشمة ولم تتجاوز المبادلات الاقتصادية أصبحت الآن أكثر وضوحا وخاصة من الناحية السياسية ولم يعد خافيا على أحد أنها تبحث عن مزاحمة أوروبا والصين وإيران ولها مزايا في ذلك من الناحية العقائدية والتاريخية وكذلك الاقتصادية بحكم تدني ثمن المنتوج وكلفة النقل.

وهي بذلك تسعى لمغازلة أوروبا والسعي لافتكاك بعض الأسواق التقليدية منها لدفعها للقبول بالشراكة معها كطرف فاعل على المستوى الدولي والاقليمي وهذا يعد أمرا طبيعيا لكن السؤال هل هذه العلاقة في صالح البلاد التونسية كدولة ذات سيادة وهل هذه القروض والهبات ستستثمر في صالح المواطن والتنمية ومحاربة الفقر أم ستذهب إلى جيوب المتنفذين والرأسماليين الجشعين وأصحاب الجاه والسلطة؟

فكل علاقة بين الدول غير متكافئة و لا تخدم الصالح العام والمواطنين البسطاء مآلها الفشل وارتهان القرار السياسي واستنقاص للسيادة الوطنية بحكم أنها تخدم مصالح القلة ولا تنتج غير اتساع الفوارق بين الطبقات الاجتماعية وتوزيع غير عادل للثروة فيتم إفقار الطبقة الوسطى ويزداد التهميش والبؤس والخصاصة.

فتركيا التي تحلم بإعادة نفوذها السياسي والاقتصادي أيام العثمانيين والباب العالي تقتنص الفرصة تلو الأخرى ببراعة نادرة على أنقاض الدمار الاقتصادي والسياسي الذي أحدثته الثورات العربية وأخطاء أبنائها القاتلة بدأت للتو تشتعل النار في تلابيبها وهي حتما غير محصنة من الهزات والقلاقل الاجتماعية وكما كان لتونس قصبتها ولمصر تحريرها فلتركيا أيضا تقسيمها.

وما من شك أن هذا التوجه التركي نحو تونس والمغرب العربي بعد أن انحسرت السوق السورية بفعل الثورة هناك والنفوذ الإيراني على العراق سيصطدم لا محالة بالمصالح الأوربية والفرنسية بالخصوص ومن هذه الناحية يمكن للاعب السياسي التونسي أن يحسن استثمار هذه الوضعية في صالح بلاده.

والخوف هو أن يفكر الساسة والحكام وأصحاب القرار في ظل الحالة المؤقتة والهشاشة السياسية في مصالحهم الحزبية والانتخابية ولا ينظرون لأمور الدولة بمنطق المصلحة العامة مثلما فعل الأتراك فتضيع الفرص المتاحة بدون فائدة.

فالبلاد التي لا تأكل من سواعد أبنائها وبعرق جبينهم وتعيش على الصدقات المغشوشة والقروض المشروطة التي كانت على الدوام وبالا على اقتصاد الدول النامية لم تحقق التنمية الموعودة ووقعت في مستنقع الديون الخارجية والتبعية والتخلف والتاريخ الحديث مليء بالعبر والدروس.

* كاتب ومحلل سياسي

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/أيلول/2013 - 7/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م