ثَقَافَةُ الْتَّظَاهُرِ

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

حَمَلَتْ تَظَاهُراتُ يَومِ 31 حزيران 2013، الّتي قَامَتْ بِهَا جَمَاهِيرُ بَعْضِ مُحَافَظَاتِ الفُرَاتِ الأَوْسَطِ، وبَعْضِ المُحَافَظَاتِ الجَنُوبِيّةِ، بَصمَةً سِلْمِيَّةً دُوْنِ أَدنَى شَكّ. والمُظَاهَرَاتُ وِفْقَ رُؤْيَةِ النُظُمِ الدِّيْمُقْرَاطِيّةِ، هِيَ حَقٌّ مِنْ حُقُوْقِ المُوَاطِنِ، لِلتَّعبِيْرِ عَنْ رَأْيِهِ. فَهِيَ مُمَارَسَاتٌ شَعبِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ كَفَلَتْهَا الدَّسْاتِيْرُ، ونَظَّمَتْهَا القَوَانِيْنُ والتَعلِيْمَاتُ الخَاصَّةُ بَهَذَا المَوْضُوْع.

وبِالْرَغْمِ مِنْ حُصُوْلِ مُمَاحَكَاتٍ بَيّْنَ بَعضِ المُتَظَاهِريْنَ وبَعضِ أَفرَادِ الأَجْهِزَةِ الأَمْنِيَّةِ فِي مُحَافَظَةِ ذِيْ قَار. إِلاّْ أَنَّ تِلْكَ المُمَارَسَاتَ الخَاطِئَةَ، سَوَاءٌ كانَتْ مِنَ المُتَظَاهِريْنَ أَومِنْ قُوَّاتِ الأَمْنِ أُدِيْنَتْ بِشِدَّةٍ. لَكِنْ بِشَكْلٍ عَامٍ نَجَحَ المُتَظَاهِرُوْنَ، فِيْ التَّعبِيْرِ بِحُرِّيَةٍ تَامَّةٍ، عَنْ مَطَالِبِهِمْ المَشْرُوْعَةِ. ومِنْ مُؤْشِرَاتِ نَجَاحِ هِذِهِ المُظَاهَرَاتِ، وُصُوْلُ المُتَظَاهِريْنَ إِلى نُقْطَةِ تَحقِيْقِ المَطْلَبِ، مِنَ الحُكُوْمَةِ. فَقَدّْ صَرَّحَ السَيِّدُ رَئِيْسُ الوُزَرَاءِ نُورِي المَالِكِي عِبْرَ الفَضَائِيّاتِ، أَنَّهُ سَيَتِمُّ صِيَاغَةُ مَشْرُوْعِ قَانُوْنٍ، مِنْ قِبَلِ رِئَاسَةِ الوُزَرَاءِ، يُحَدِّدُ رَوَاتِبَ الرِّئَاسَاتِ الثَلاَثِ، ورَوَاتِبَ الدَّرَاجَاتِ الوَّظِيْفِيَّةِ الخَاصَّةِ، وسَيُرفَعُ هَذَا المَشْرُوْعُ إِلى مَجْلِسِ النُوَّابِ لِتَشْرِيْعِهْ.

لَكِنْ هُنَاكَ مَوْضُوْعاً آخَراً، يَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوْعِ المُتَظَاهِريْنَ وأَهْدَافِهِمْ. فَفِي الدِّوَلِ الْدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ، تَقُوْمُ مُنَظَمَاتُ المُجْتَمَعِ المَدَنِيّْ، والنِقَابَاتُ والجَمْعِيَّاتُ، والأَحزَابُ المُعَارِضَةِ لِلْحُكُوْمَةِ، وهِيَ مَا يُطْلَقُ عَلَيّْهَا (جَمَاعَاتُ الضَّغْطِ). هَذِهِ الجَمَاعَاتُ هِيَ الأَكثَرُ اهتماماً بِتَصحِيْحِ أَخْطَاءِ الحُكُوْمَةِ. ولِهَذِهِ الجَمَاعَاتُ دَوْرٌ مُهِمٌ، فِي رَسْمِ السِيَاسَاتِ الدَّاخِلِيَةِ والخَارِجِيَةِ، لِتِلْكَ الدُّوَلِ أَيْضاً، مِنْ خِلالِ تَنْظِيْمِ المُظَاهَرَاتِ وتَوْجِيْهِ الرَأْيِّ العَامِّ بِاتِّجَاهٍ مُحَدَدّ.

فَجَمَاعَاتُ الضَّغطِ، تَقُوْمُ بِحَصّرِ مَطَالِبِ الجُمْهُوْرِ المَشْرُوْعَةِ أَوَلاً، ومِنْ ثُمَّ تَقُوْمُ بِحَمْلَةٍ لِجمعِ التَوَاقِيْعِ وبَيَانِ الرَأْيّ بتلكَ المَطَالِبِ. لِقِيَاسِ نِسْبَةِ المُعَارِضِيْنَ والمُؤَيِدِيْنَ لِلْقَضِيَّةِ المَطرُحَةِ. وبَعدَ جَمْعِ نِسْبَةٍ كَبِيْرَةٍ مِنَ الأَصوَاتِ، تَبْدَأُ مَرحَلَةُ النَّشَاطِ الإِعلاَمِيّ المُوَجَّهِ، بِدءً بتَوْزِيْعِ المَنشُوْرَاتِ ووَضْعِ الإِعلانَاتِ المُخْتَلِفَةِ، وعَقْدِ المُؤتَمَرَاتِ والنَدَوَاتِ والمُنَاظَرَاتِ، لِحَشْدِ الجَمَاهِيْرِ وتَوْجِيْهِ أَنْظَارِ الرَأْي العَامِّ، بِاتِّجَاهِ القَضِيَّةِ أَو المَطَالِبِ المُرَادِ تَحقِيْقُهَا، مِنَ الحُكُوْمَةِ. وجَدِيْرٌ بالذِّكْرِ أَنَّ النُظُمَ الدَّيْمُقْرَاطِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ، حَسَمَتْ مَوْضُوْعَ الحَاكِمِ والمُعَارِض. فَهُمَا جِهَتَانِ إِحدَاهُمَا تُقَابِلُ الأُخْرَى. فَلا يُمْكِنُ لِجِهَةٍ مُعَارِضَةٍ، أَنْ تُشَارِكَ فِي الحُكُوْمَةِ. ولا لِجِهَةٍ مُشَارِكَةٍ فِي الحُكُوْمَةِ، أَنْ تَكُوْنَ جُزْءاً مِنَ المُعَارَضَةِ. وفِي العِرَاقِ الدَّيْمُقْرَاطِيّ، لا زَالَتْ هِذِهِ النُقْطَةُ، بِحَاجَةٍ إِلى تَمْحِيْصٍ ومُرَاجَعَةٍ، مِنْ أَجْلِ تَحدِيْدِ دَوْرِ كُلِّ طَرَفٍ مِنْهَا.

ومَعَ كُلِّ ذَلِكَ، فَقَدّْ سَجَّلَتْ مُظَاهَرَاتُ يَوْمِ 31 آب 2013، نُقْطَةَ انْطِلاقٍ إِيْجَابِيَةٍ، يُمْكِنُ أَنْ تَكُوْنَ حَجَرَ أَسَاسٍ، لِمَشْرُوْعٍ إِصلاَحِيٍّ كَبِيْرٍ، يَنْهَضُ بِهِ الْرَأْيُّ العَامُّ العِرَاقِيُّ، لِتَصحِيْحِ انْحِرَافَاتِ وسَلْبِيَّاتِ عَقْدٍ كَامِلٍ، مِنَ الحُكْمِ الدَّيْمُقْرَاطِيّ المُشَوّهِ فِي العِرَاقِ، الّذْي بُنِيَ عَلى أُسُسٍ بَعضِها خَاطِئ.

لَكِنْ مَا يَجِبُ أَنْ يُشَارَ إِلَيّْهِ، أَنَّ المُتَظَاهِرِينَ، قَامُوا بِنَشَاطَهُمْ التَّظَاهُرِي السِّلْمِي، مُطَالِبِيْنَ بِتَحقِيْقِ مَطْلَبٍ، يَقَعُ فِي آخِرِ سُلَّمِ أَوْلَوِيَّاتِ المَطَالِبِ، الّتي يَنْبَغِي عَلى الجُمْهُوْرِ المُطَالَبَةِ بِهَا. وهَذَا مَا يُؤَكِّدُ، غِيَابَ عُنْصُرَيّ الخِبْرَةِ، ونِظَامٍ مُؤَسَسِيٍّ مَدَنيّ، يُوَجِهَانِ المُجْتَمَعَ العِرَاقِيّ. فَكَانَ جُمْهُوْرُ المُظَاهَرَاتِ غَيْرَ مُعَبَأٍ بِطَرِيْقَةٍ وَاعِيَةٍ، حَتَّى يُطَالِبَ بِقَضَايَا تَحمِلُ بُعداً أَعمَقَ، مِنْ تِلْكَ المَطَالَبِ الّتي طَرَحَهَا. فَمَثَلاً لَو قَارَنَّا بَيّْنَ الأهَمِّ والمُهِمِّ، مِنَ القَضَايَا الّتي يُعَانِي مِنْهَا الشَّعبُ العِرَاقِي، ورَتّْبْنَاهَا فِي جَدوَلٍ حَسَبَ أَهَمِيَّةِ أَوْلَوِيَّاتِهَا الّتي تَهِمُّ المُجْتَمَعَ. أَعتَقِدُ سَيَكُوْنُ مَوْضُوْعُ تَخْفِيْضِ رَوَاتِبِ مَجْلِسِ النُوّابِ، والوُزَرَاءِ، وأَصحَابِ الدَّرَجَاتِ الخَاصَةِ، فِي آخِرِ سُلَّمِ الأَوْلَوِيَّاتِ. إِنَّ فِي مُقَدِّمَةِ الأَوْلَوِيّاتِ، الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُطَالِبَ الشَّعبُ العِرَاقِي بِتَحقِيْقِها هِيَ:-

1. تَحقِيْقُ الأَمْنِ.

2. رَفْعُ الحَصَانَةِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ النُوَّابِ، المُوَّجَهَةِ ضِدَّهُمْ قَضَايَا تَتَهِمُهُمْ بِالإِرهَابِ.

3. القَضَاءُ عَلى الفَسَادِ المَالِيّ والإِدَارِيّ. ومُحَاسَبَةُ المُفْسِدِيْنَ تَحتَ شِعَارِ (مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟.)

4. المُطَالَبَةُ بإِنْهَاءِ الصِّرَاعِ السَيَاسِيّ، عَلى المَنَاصِبِ والسُلْطَةِ.

5. المُطَالَبَةُ بِوَضْعِ حَلٍّ، لِمُشْكِلَةِ المُحَاصَصَةِ الحِزْبِيَّةِ، مِنْ خِلاَلِ تَشْرِيْعٍ خَاصٍّ بِذَلِكَ، يَضَعُ الشَّخْصَ المُنَاسِبَ فِي المَكَانِ المُنَاسِبِ.

6. المُطَالَبَةُ بِمُحَاسَبَةِ مَجْلِسِ النُوَّابِ، لِتَعطِيْلِهِ العَشَرَاتِ مِنَ القَوَانِيْنِ، بِسَبَبِ عَدَمِ التَّوَافُقِ بَيّْنَ الكُتَلِ السِيَاسِيَّةِ.

7. المُطَالَبَةُ بِتَشّْرِيْعِ أَهَمِّ قَانُوْنٍ للمَرحَلَةِ المُقْبِلَةِ، هُو قَانُوْنُ الأَحزَابِ.

8. المُطَالَبَةُ بإِجْرَاءِ تِعدَادٍ سُكَّانِي. حيّثُ يُشَكِّلُ التِّعدَادُ وقَانُوْنُ الأَحزَابِ، العَمُوْدَ الفِقَرِيّ للعَمَلِيَّةِ الْدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ بِرِمَّتِهَا.

9. المُطَالَبَةُ بِإِيْجَادِ حَلٍّ عَاجِلٍ لأَزْمَةِ السَكَنِ.

10. المُطَالَبَةُ بِمُعَالَجَةِ مُشْكِلَةِ الخَدَمَاتِ المُخْتَلِفَةِ.

11. المُطَالَبَةُ بِمُعَالَجَةِ البَطَالَةِ.

12. المُطَالَبَةُ بمُعَالَجَةِ مُشْكِلَةِ السَكَنِ العَشْوَائِيّ.

13. المُطَالَبَةُ بِتَخْفِيْضِ رَوَاتِبِ الرِّئَاسَاتِ الثَلاَثِ ورَوَاتِبِ ذَوِيْ الدَرَجَاتِ الخَاصَةِ.

14. المُطَالَبَةُ بِتَوْفِيْرِ مُفْرَدَاتِ البِطَاقَةِ التَّمْوِيْنِيَّةِ.

بناءً عَلى مَا تَقَدَّمَ يَتَّضِحُ، أَنَّ هُنَاكَ مَوَاضِيْعَاً غَايَةٌ فِي الأَهَمِيَّةِ أُهْمِلَتْ، وتَمَّ تَوْجِيْهُ الاهْتِمَامِ، إِلى مَوْضُوْعٍ أَقَلَّ أَهَمِّيَةً مِنْها. فَمَثَلاً فِي شَهْرِ آبٍ 2013 أُسْتُشْهِدَ 804 شَخْصَاً:- (أعلنت الأمم المتحدة، الأحد(1 أيلول 2013)، عن مقتل 804 عراقي وجرح أكثر من 2030 آخرين خلال موجة العنف التي شهدتها البلاد في شهر أغسطس/آب وحده)(المصدر CNN).

كَمَا أعلَنَتْ الأُمَمُ المُتَّحِدَةُ، أَرقَامَاً مُرعِبَةً لعَدَدِ الضَّحَايَا، الّذْيْنَ اسْتَهْدَفَهُمْ الإِرهَابُ فِي شَهْرِ تَمُّوْزَ المَاضِي(2013)، (وصَادَفَ فِي ذَلِكَ الشَهْرِ حُلُوْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ) :-- (أظهرت الأرقام التي أعلنتها بعثة الأمم المتحدة إلى العراق أن 1057 عراقيا لقوا مصرعهم خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، مما يجعل هذا الشهر الأكثر دموية منذ سنوات. وتوضح الأرقام أن 4137 قتلوا، وما يقرب من 10 آلاف آخرين أصيبوا منذ بداية العام الجاري(2013)، وكانت أكثر المدن تعرضا للتفجيرات والعمليات الانتحارية هي العاصمة بغداد)، (موقع الـ(BBC)).

أَمّا مُشْكِلَةُ الفسَادِ المَاليّ، فهُنَاكَ بَيَانَاتٌ، تَتَحَدَّثُ عَنْ أَرقَامٍ كَبِيْرَةٍ، مِنَ الأَمْوَالِ المَهْدُرَةِ، بِسَبَبِ الفَسَادِ، تَصِلُ إِلى 250 مِلْيَارِ دولار، (كَمَا تَذْكُرُ بَعضُ المَصَادِرِ). عِلْمَاً أنَّ رواتبَ الدَّوْرَةِ الإِنْتِخَابِيَّةِ الوَاحِدَةِ تَبْلُغُ (18) مِلْيُوْنَ دُوْلاَرٍ، (كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ، د. أَحمد الجلبي، فِي لِقَاءٍ أَجْرَتْهُ مَعَهُ فَضَائِيَّةُ البَغْدَادِيَّةُ فِي 23/8/2013).

إِذَنْ مَطْلَبُ تَخْفِيْض الرَّواتِبِ، كَمّْ كَانَ بَسِيْطاً، أَمَامَ أَرقَامِ الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ، الّتي يَتَعَرَضُ لَهَا الشَعبُ العِرَاقِيّ، وأَمامَ الفَسَادِ المَاليّ؟.

وبِتَحلِيْلِ الوَقَائِعِ سَنَجِدُ أَنَّ زَخَمَ المُظَاهَرَاتِ، قَدّْ تَوَجَهَ إِلى المَطْلَبِ الأَسْهَلِ، وتُرِكَتْ المَطَالِبُ الأَكْثَرُ أَهَمِيَّةً، فِي حَيَاةِ المُجْتَمِعِ العِرَاقِيّ.

وأُكَرِرُ أَنَّ مُظَاهَرَاتَ يَوْمُ السَبْتِ 31 آب 2013، كَانَتْ بِدَايَةٌ بالإِتِّجَاهِ الصَحِيْحِ. لكِنْ لَو كَانَ هُنَاكَ دّوّْرٌ للأَحزَابِ السِيَاسِيَّةِ، ومُنَظَمَاتٍ ومُؤَسَسَاتٍ مُجْتَمَعِيَّةٍ، لكَانَ النَشَاطُ أَوْسَعُ، فِي تَوْجِيْهِ الجَمَاهِيْرِ نَحو قَضَايا مَصِيْرِيَّةٍ، كَالَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا آنِفَاً. وهَذَا مَأْخَذٌ كَبِيْرٌ، يُسَجَّلُ ضِدَّ هَذِهِ الجِّهَاتِ، ويُمْكِنُ تَأْشِيْرُ فَشَلَهَا، فِي التَّأْثِيْرِ عَلى الجُمْهُوْرِ العِرَاقِيّ، وتَوْجِيْهِ الرَأْي العَامِّ بالاتْجَاهِ الصَحِيْح. إِذَا لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ تِلْكَ الجِهَاتُ، هيَ فَاقِدَةٌ أصلاً لِبَوْصَلَةِ تَوْجِيْهِ نَفْسِهَا!!.

ونُقْطَةٌ أُخْرَى تُحسَبُ لِلمُتَظَاهِرِيْنَ. فَقَدّْ عَكَسَ المُتَظَاهِرُوْنَ، ثَقَافَةَ المُطَالَبَةِ بِالْحُقُوْقِ سِلْمِيَّاً، وتَحدِيْدِ هَدَفٍ مُحَدَدٍ مَشْرُوْعٍ، قَابِلٍ لِلتَنْفِيْذِ مِنْ قِبَلِ الحُكُوَمةِ. وبِمُقَارَنَةِ تَظَاهُرَاتِ هِذِهِ المُحَافَظَاتِ، مَعَ تَظَاهُرَاتِ مَنَاطِقِ شَمَالِ وغَربِ العِرَاقِ، الّتي بَدَأَتْ تَقْرِيْبَاً، فِي شَهْرِ تِشْرِيْنَ الثَّانِي 2012. نَجِدُ أَنَّ المَنَاطِقَ الأَخِيْرَةَ، كَانَ المُتَظَاهِرُوْنَ فِيْهَا، يَتَقَدَّمُوْنَ بِمَطَالِبٍ مُتَغَيِّرَةٍ، تَتَبَدَلُ يَوْمِيّاً وإِسْبُوْعِيَّاً، إِضَافَةً إِلى اخْتِلاطِ المَشْرُوْعِ فِيْهَا، بِغَيّْرِ المَشْرُوْعِ مِنْهَا مَعَاً. واخْتِرَاقُ تَنْظِيْمِ القَاعِدَةِ الإِرهَابِيّ، لِهَذِهِ التَّظَاهُرَاتِ. فَصَادَرَ هَذَا التَّنْظِيْمُ المَشْبُوْهُ، إِرَادَةَ الجَمَاهِيْرِ، وفَرَضَ رُؤْيَتَهُ عَلَيْهَا، بِهَيْمَنَةٍ تَامَّةٍ سَيْطَرَتْ عَلى عُقُوْلِ المُتَظَاهِرِيْنْ. كَمَا اتَّسَمَ خِطَابُ المُتَظَاهِرِيْنَ فِي هَذِهِ المَنَاطِقِ، بِالصِّبْغَةِ الطَّائِفِيَّةِ بامْتِيَازٍ وَاضِحٍ. مَعَ هَجْمَةِ اعتِدّاءٍ فَجَّةٍ غَيْرِ مؤَدَبَةٍ، قَامَ بِهَا بَعضُ المُتَظَاهِرِينَ، عَلى وَفْدِ مُمَثِلِي، عَشَائِرِ وَسَطِ وجَنُوبِ العِرَاق. إِضَافَةً إِلى قِيَامِ بَعضِ المَسْؤوْلِيْنَ والمُعَمَّمِيْنَ، بِالتَّهَجُمِ عَلى شُرَكَائِهِمْ فِي الوِطَنْ، وإِخْوَانِهِمْ فِي الدِّيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ الطَّائِفَةِ المُغَايِرَةِ لَطَائِفَتِهِمْ. فَعِبَارَاتُ الحَيَّةِ الرَّقْطَاءِ، والصَّفَوِّيّيْنَ، وعُمَلاَءِ إِيْرَانَ، وأَبْنَاءِ المُتْعَةِ، والخَنَازِيْرِ، وأَهَازِيْجِ قَطْعِ الرُؤوسِ، كَانَتْ مفردات لاَ يَتَحَرَّجُ بَعضُ المُتَكَلِمِيْنَ، مِنْ تَلَفُظِهَا عَلَنَاً، وتِكْرَارِهَا أَيْضَاً.

بَعدَ هِذِهِ المُرَاجَعَةِ والمُقَارَنَةِ، نَخْلِصُ إِلى نَتِيْجَةٍ مُؤَدَّاهَا، أَنَّ المُتَظَاهِرِيْنَ الَّذِيْنَ تَظَاهَرُوا فِي يَوْمِ 31 آب 2013 فِي بِعضِ مُحَافَظَاتِ وَسَطِ وجَنُوْبِ العِرَاقِ، عَبَّرُوا عَنْ أَصَالَةٍ ثَقَافِيَّةٍ ذَاتِ مَنْهَجٍ سِلْمِيٍّ (عُمُوْمَاً)، حَرُصَ عَلى عَدَمِ التَّمَاحُكِ مَعَ الأَجْهِزَةِ الأَمْنِيَّةِ، والمُحَافَظَةِ عَلى المَالِ العَامِّ، والتَّقَيُدِ بِالإِلْتِزَامِ بِالنِّظَامِ. فَهِيَ مُظاَهَرَاتٌ بِحَقٍّ، تُؤَكِدُ عَلى ثَقَافَةٍ عَكَسَتْ، تَربِيَةً مُجْتَمَعِيّةً جَيِّدَةً، انبثَقَتْ مِنْ فِكْرٍ جَمَاعِيٍّ يُؤمِنُ بالسَلامِ، وسُلُوكٍ جَمَاعِيٍّ عَبَّرَ عَنْ أَخْلاَقٍ رَفِيْعَةٍ.

نَأْمَلُ مِنْ الشَّعبِ العِرَاقِيّ، بِمُخْتَلَفِ مُكَوِّنَاتِهِ، أَنْ يُطَوِّرَ هِذِهِ التَّجْرِبَةَ الرَّائِدَةَ، لِتَكُوْنَ مَسَاراً ومَنَاراً، يُنَضِّجَانِ الرَّأَيَ العَامِّ العِرَاقِيّ. لِيَنْهَضَ بِالمُطَالَبَةِ بِحُقُوْقِهِ المَشْرُوْعَةِ، بِالْطُرَقِ السِّلْمِيَّةِ، الّتِي كَفَلَهَا الدِّسْتُوْرُ العِرَاقِيّ، بِشَرْطِ تَقْدِيْمِ الأَهَمِّ عَلى المُهِمّ. ولْتَبْدَأَ مَسِيْرَةُ التَّصحِيْحِ والإِصْلاَحِ، عَلى ضَوْءِ مُحَدِدَاتِ العَمَلِيَّةِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ، وتَخْلِيْصِ الشَّعبِ العِرَاقِيّ، مِنْ كُلِّ السَلْبِيّاتِ الَّتِي، أَفْرَزَتْهَا الظُرُوفُ الطَّارِئَةُ، فَلاَ يَصِحُّ إِلاّ الصَحِيْحُ، واللهُ تَعَالى مِنْ وَرَاءِ القَصّْدِ.

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِراقيّ

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mohamedjoaad.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/أيلول/2013 - 30/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م