البؤساء يتبعهم الغاوون

رأي في حفل الولاء

ياسر الحراق الحسني

 

هناك ضجة مفتعلة حول تحية الولاء التي سماها بعض الناشطين المحسوبين على العدل والإحسان والتوحيد والإصلاح في المواقع الإجتماعية والإخبارية تدليساً بـ "صلاة الولاء". وإنضم اليهم عدد من الحداثيين من المصطادين في الماء العكر وعشاق الرسم بالرمادي. لقد حملوا موضوعاً غير ذي أهمية أكثر مما يحتمل. وإذا تسائل متسائل عن الباعث على نقاش هذا الموضوع إذا كان غير ذي أهمية، يكون جوابنا هو القول بأن الأهمية هي فيما وراء الموضوع من أهداف وتداعيات. ذلك لأن من مثيريه من نفث في عقده ومنهم من جاء بسحره، فوجب علينا الإسهام في إيقاع الحق وإبطال ما كانوا يعملون، عسى أن يغلبوا هنالك وينقلبوا صاغرين.

التحريف كتكتيك للبؤساء

لقد ظهرت نماذج عديدة لتحريف الكلام وتحريف المعنى نأخذ منها نموذجان للتوضيح. النموذج الأول هو الحديث عن صلاة الولاء ووصف الإنحناء بالركوع. وهذا باطل محض لأن الصلاة لها اركانها وطقوسها وسنن اقامتها وإمامتها وما يقرأ فيها. أما الإنحناء فلا يمكن وصفه بأنه صلاة إلا من باب تمويه الجمهور والتدليس عليه لإيهامه بأن الملك يستعبد الناس. ومثل هذه الأساليب هي أكثر الأساليب جبناً في الممارسة السياسية. كان بإمكان صناع وهم "صلاة الولاء" أن يقدموا أطروحة متماسكة يعبرون فيها عن وجهة نظرهم لتقابلها أطروحات أخرى في إطار نقاش متحضر ومسؤول. لكن اللجوء إلى تحريف الواقع لا يمكن أن يكون سوى تعبيراً عن الإفلاس الفكري والمشاغبة السياسوية التي تحركها جهات تتسم بالجبن ولا تتحلى بميزة الإقدام.

أما النموذج الثاني هو تحريف كلام المذيع مصطفى العلوي والترويج لتلفظه بتعبير "حفل البلاء" سهواً عوض "حفل الولاء". وحتى لا يدخلنا البؤساء مدخلا لا نسلكه، أذكر القارء الكريم بنقدي الذي وصف باللاذع للأخ مصطفى العلوي منذ سنوات في مقال "نموذجان للتطفل الإعلامي". ولكن ما أشربناه من كرامة في طفولتنا يمنعنا من أن نتربص به الدوائر أو نستعمل الأقلام في الحروب الشخصية والقبائلية. فكما انتقدناه سالفاً على أساس علمي، اليوم وعلى نفس الأساس وبنفس المعيار ننتقد البؤساء المدلسين عليه. إذا كان البؤساء أرادوا من "صلاة الولاء " ايهام الناس بإستعباد الملك لهم، فإن ما يريدون ايهامه بالخطأ اللساني "حفل البلا" هو الذهاب إلى حد القول بأنه تعبير عن "لازمة" تصدر عن الإنسان مترجمةً لشعوره،. لكن اللازمة شروطها التكرار أولاً، وثانياً أن تأتي خارج السياق اللفظي والمعنوي. وعلى سبيل المثال، إذا كان مذيع ما في مباراة كرة القدم يذكر إسم فتاة دون مناسبة وفي كل مبارياته، يمكننا في هذه الحالة أن نتحدث عن لازمة نفسية تعبر عن شعوره. أما أن تصدر عن مذيع ما في سياق لفظي توجد فيه كلمتي "بيعة وولاء " كلمة " بلا " فهذا أمر طبيعي جداً لا يستحق تلك الضجة إلا إذا كان - كما قلنا - هدف المروجين لذلك الارتقاء به إلى لازمة لأهداف غير بريئة.

تداعيات

ما من شك أن إلغاء حفل الولاء على أساس ديني خاصةً سيخلق سابقة تمتد إلى نواحي ثقافية ودينية للمغاربة. كما أن الغاءه على أساس حداثي له تداعيات على مستويات أخرى. فبدءًا بالجانب الديني، من المؤكد أنه سيمكن الجماعات السلفية بشقيها (أهل الجلباب في مراكش وأهل البذلة في الدار البيضاء) من تحقيق هدفهم الذي يرمي إلى محاربة الطقوس الصوفية وربما هدم المزارات الدينية والوطنية. ولعل أول باب سيهدم إن مرر هذا الأمر دينياً هو الباب الرئيسي لمرقد مولاي إدريس الأصغر حيث يوجد حاجز حديدي يرغم الزوار على الإنحناء تحيةً قبل الدخول وعند الخروج. فمعركة المكونات الإسلامية الغالبة في المجتمع المغربي مع التطرف السلفي تبدأ عند مراسيم حفل الولاء.

أما إذا نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر الحداثيين، فالأمر أقرب إلى السخرية منه إلى الجدية. ذلك لأننا لم نسمع من أي حداثي ممن انضموا إلى جمهرة البؤساء الراكبة على "تحية الولاء" سبق أن عبر عن قلقه من تحية الكراتي والتيكواندو والجيدو والشوطوكان. فأغلب الحداثيين مارسوا هذه الرياضات أو مارسها أحد من أهلهم أو توجد نواديها في أحيائهم. فالأولى لهم إثارة نقاش عمومي حول تحية "الشوطوكان" كمرحلة اولى. فإذا نجحوا في إقناع المغاربة، يمكنهم بعدها إثارة نقاش "تحية الولاء". ذلك لأن عمر "الشوطوكان" أقل من 50 سنة وعمر "الولاء" يمتد لقرون، فوجب الإبتداء بالحادث.

في الختام

البؤساء يتبعهم الغاوون.. وإذا كنت متشائماً من تغيير البؤساء لنهجهم الفوضوي والفتنوي الراكب على كل ما يتحرك من أجل الوصول إلى مدينة الإنتفاع، فإن لي أمل لا ينتهي في الذين ينجرون مع السيل وتغلف ضمائرهم وملكة التفكير عندهم الأجواء الورقية والإلكترونية التي يختلط فيها الحق والباطل. فعلى قدر عدم الإلتفات للمهندسين من وراء حجاب، يهمني استفزاز المدفوعين إلى الجبهة من الشباب المكرم لعل هذا يحرك فيهم الجرأة على التساؤل...

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/آب/2013 - 7/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م