قواعد الإنجاز: القاعدة السادسة الخطة البديلة

السيد محمود الموسوي

 

" لا يجعلك التعثّر في خطتك أن تتراجع عن العمل، بل أوجد خطة بديلة يمكنها أن تقوم بنفس العمل وتدفع بذات الاتجاه"

 

البرنامج الرمضاني فيه أعمال خيّرة كثيرة كالدعاء وقراءة القرآن والصدقة وسائر الأعمال الصالحة، أمّا الصيام فهو بعد أساسي وهو الواجب الذي يحافظ على كون الإنسان ملتزماً بالعمل الأساس، و لكن عندما لا يستطيع الإنسان أن يؤدّيه كأن يكون فيه مشقة عليه لمرض أو غيره، فإنه يلجأ إلى الإطعام كعمل صالح بديل ليؤدي نفس المقصد، باعتبار أن إطعام المسكين الواحد للمعذور يعدل صيام يوم واحد، أما إفطار يوم واحد لغير المعذور فيعادل صيام ستين يوماً مثلاً.. كما في قوله تعالى في من يقتل الصيد وهو محرم بمكة عندما لا يستطيع أن يعطي مثل ما قتل (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً)[1].

وكما يقول تعالى في شهر رمضان: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

يمكن أن نستفيد من هذا الإجراء أنه عندما تواجهنا صعوبات في الطريق الموصل للهدف، فعلينا أن نبحث عن الطريق البديل من الخيارات المتوافرة الذي يدعم الهدف ذاته، ويكون معادلاً له في التأثير.

فدائماً هنالك طرق وسبل متنوّعة للوصول إلى الهدف الواحد، ولكن هذه الطرق لابد أن تكون متعادلة ويمكن أن يقوم بعضها مكان الآخر، فلا يمكن أن يقوم الإنسان الفقير الذي يريد أن يساعد الفقراء الآخرين بالمال على سبيل المثال، بسرقة إنسان آخر، ليعطيه للفقير، فهذا ليس طريقاً موصلاً لهدف العطاء.. فلا يطاع الله من حيث يعصى.

الحاجة إلى الخطة البديلة

 إن الإنسان في طريقه إلى الإنجاز من حيث الخطة، يحتاج إلى أمرين مهمين:

الأول: خطة واضحة، وأبسطها تحديد الهدف، ومعرفة الوسيلة، وتحديد الوقت الملائم والكافي، كما أسلفنا.

الثاني: يحتاج إلى أن يكون مرناً تجاه تلك الخطة التي يضعها ويعتمدها، وهذه المرونة هي ما تجلعنا نختار خيار (الخطة البديلة)، فإنها ناتجة عن المرونة وعن حالة الرفق، المرونة تجاه الأشياء والأفكار، والرفق تجاه الإنسان، ويمكن هنا أن نشير إلى ثلاث حقائق مهمة تجعلنا نتفهّم قاعدة إيجاد الخطة البديلة ودورها في الإنجاز:

الحقيقة الأولى: أنت لا تعيش وحدك في الحياة، فإن للإشياء وللناس متطلباتها، كما أن لك متطلبات واحتياجات بل ورغبات وطموحات، والإيمان بهذه الحقيقة، يجعلنا نتفهّم خيار التنازل والمرونة.

الحقيقة الثانية: إن أمامك عدة طرق للوصول إلى الهدف الواحد، فليس بالضرورة أن يكون الهدف له طريق واحد، فقد يتعدد الطريق، وأن اختيارك لطريق دون آخر قد اعتمد على مرجحات معيّنة، ويبقى خيار أن تختار غيره فتوحاً، هذا ما يدعو أيضاً لأن يكون الإنسان مرناً، لأن اختياره لطريق لا يعني خطأ سائر الطرق.

 من هنا ينبغي أن نعي أن وضع الخطة البديلة أو تغيير المسار من الخطة الأولية إلى الخطة البديلة، يعني أنك اكتسبت تجربة جديدة، وهي زاد من الخبرة قد أضيف إلى خبراتك، كما يقول الإمام علي (ع): (التجارب علم مستفاد)[2]، ويقول: (في كل تجربة موعظة)[3]. فإن الأمر مختلف بين من لديه علم بموضوع ما، وبين من لديه علم بالإضافة إلى التجربة، لهذا يتم مكافئة الخبراء وتميزهم عن غيرهم في مجالات العمل.

وهذه المرونة وهذا الرفق هو مطلب من مستلزمات النجاح، كما يقول الإمام علي (ع): (الرفق مفتاح النجاح)[4]، و بـ (الرفق ييسّر الصعاب ويسهل شديد الأسباب)[5]، فمن يعمل مع الناس لابد أن يستوعب الناس ويتخطى عقبات الجمود على طريقة واحدة وأسلوب واحد، فـ (ثمرة العقل مداراة الناس)[6] كما يقول الإمام علي (ع)، ولابد أن يرفق بهم ويعفو عنهم إن أخطأوا، فقد قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[7]، لهذا يقول الإمام علي (ع): (اعفوا عن الناس تستمتع بإخائهم).

 والمحصلة من كل ذلك أن يكون الإنسان مرناً متقبلاً للبدائل في أعماله، فلا يعتبر ذلك هزيمة أو نقصان، بل يضيفها إلى رصيد تجاربه، فـ (لا تكن ليناً فتعصر ولا يابساً فتكسر).

خياران في مواجهة الصعاب

 إن أمامنا خيارين في حال واجهتنا صعوبات ومشكلات في طريق الإنجاز من أجل تحقيق هدف ما، وهذا يتطلب منا أن نقرر أي الخيارين نختار، وهما كالتالي:

الأول: قد يكون المطلوب أمام العقبات والصعوبات أن نتراجع عن المضي في الطريق، ويترجّح هذا الخيار إذا اكتشفنا خطأ الطريق، فمثلاً لو أن إنساناً أراد الذهاب للصيد في البحر، واتجه في طريق يعتقد انه مؤد إلى مقصده، إلا أنه في وسط الطريق اكتشف أن هذا الطريق لا يؤدي به إلى البحر، وإنما إلى البر، فإن هذا يتوجب عليه أن يقطع الطريق ويقفل راجعاً، ليختار الطريق الصحيح، لأن (رجوعك عن الخطأ خير من التمادي فيه) كما في مضامين الأحاديث الشريفة، ولعل البعض يصر ويكابر على خياراته عندما يكتشف خطأها، فهو بهذه الحال، سيتوغل في الخطأ.

الثاني: الخيار الثاني عند مواجهة الصعاب، في حال إذا واجهت الإنسان في مسيرته، بعض العقبات في الطريق الصحيح فعلاً، فما عليه بعد إذ إلا تخطيها، ومحاولة إيجاد خطبة بديلة لا تحرفه عن الهدف.

 هذه القاعدة سهلة يسيرة بل وأنت تقرأها لابد انك قلت أنها بديهية ولا تستدعي أي شرح، وهي بالفعل كذلك، إلا أن الأمر المهم هو أن هذه القاعدة عادة تكون في طي النسيان ونحن نمارس حياتنا اليومية، فإن كل واحد منا يتعرض يومياً إلى العديد من مثل هذا التحدي البسيط، ويكبر عند آخرين، إلا أن فكرة أن يبحث عن خطة بديلة وطريق آخر يوصله لنفس الهدف عادة ما نغفل عنها، فمن يريد أن يكون كاتباً يمسك بالقلم ويجد صعوبة في الكتابة تجده يترك القلم ولا يصر على تعلم الكتابة.

 لقد نوى أحدهم أن يسافر لمعالجة أسنانه في دولة فيها أطباء حاذقين في علاج الأسنان، وعندما واجهته صعوبة واحدة، في السفر لتلك الدولة، ألغى سفره، وسافر إلى دولة أخرى للسياحة، والنتيجة أن المال الذي خصصه للعلاج ذهب في السياحة، وبقيت أسنانه دون علاج، فكان ينبغي أن يبحث عن خطة بديلة للهدف الذي حدده سلفاً وهو علاج أسنانه، وهكذا لو تأملنا في حياتنا لوجدنا أننا نقابل خيار الخطة البديلة بالهروب، وإلغاء الأهداف، وهنا لا يتحقق أي انجاز.

الطوسي عطاء في السجن ومع المغول

 لقّب بالعلامة وكان من الأفذاذ القلائل والحكماء الذين ظهروا في القرن الثالث عشر، كتب في الرياضيات والفلك ماهو بحجم مكتبة كاملة تشعّ بالتراث العلمي.

 ولد ـ نصير الدين الطوسي ـ في طوس في سنة 1201م وتوفي في بغداد في السنة 1273م، وقد أنجز أكثر تأليفاته في السجن وهو مكمن العظمة في شخصيته، فقد سجنه أحد الحكام إرضاء لبعض الحاسدين والحاقدين عليه من الوزراء، وقد أطلق سراحه القائد المغولي هولاكو عندما استولى على بغداد لما وجد فيه العلم والحكمة وقرّبه إليه، وجعله أميناً على أوقاف الممالك التي كان يفتحها ويستولي عليها، فتجلّت براعة الطوسي إذ ذاك في أروع صورها، وتجلّى أيضاً حبه للعلم والبحث والدرس فاستغل الأموال التي ائتمن عليها، فأنشأ بها مكتبة كبيرة حوت كل نادر ونفيس، وكانت الأولى من نوعها في العالم، وزاد عدد كتبها على 400 الف مجلّد، وبنى مرصداً في مدينة مراغة الإيرانية التي تبعد عن طهران مسافة (700 كيلومتر) وقد اشتهر هذا المرصد بآلاته وبالعاملين فيه، وقد وضع الطوسي كتباً كثيرة في الحكمة والجغرافيا والطبيعيات والتقاويم والتنجيم والأخلاق والبصريات، فضلاً عن معالجة لبعض الموضوعات التي طرقها الفلاسفة من قبله كالعقل والنفس[8].

فلقد كان نصير الطوسي مؤمناً برسالة العلم وخدمة الدين، لم يمنعه السجن عن العطاء حيث اشتغل في التأليف هناك، ولم يمنعه الحاكم الظالم من العطاء حيث استثمر القدرات في نشر العلم وخدمة الدين، بطريقة لم يكن قد قصدها منذ البدء، فكانت كل حياته خطط بديلة.

كيف أضع خطة بديلة؟

 الأساس أن تحتوي الخطة البديلة على الأسس الثلاثة:

1/ أن أضع الهدف نصب عيني لأنه هو الأساس.

2/ أن أبحث عن أعمال مساوية ومعادلة للعمل المفقود.

3/ أن أبحث عن أعمال مقاربة حتى لو كانت أقل درجة، ولكنها تؤدّي إلى النتيجة ذاتها أو قريباً منها.

والقاعدة هي: لا يجعلك التعثّر في خطتك أن تتراجع عن العمل، بل أوجد خطة بديلة يمكنها أن تقوم بنفس العمل وتدفع بذات الاتجاه.

* قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

.................................................

 [1] / سورة المائدة، آية 95

[2] / ميزان الحكمة، ج1، ص377

[3] / المصدر

[4] / ميزان الحكمة ج2

[5] / المصدر

[6] / ميزان الحكمة، ج4

[7] / سورة آل عمران، آية 159

[8] / سر العبقرية عند العظماء، ص 37

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آب/2013 - 26/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م