السلطة الموازية

عزالدين مبارك

 

تعتبر في الفقه السياسي سلطة كل إرادة تتحكم في الأفراد والموارد ولها نفوذ وصاحبة قرار وقد تكون سلطة شرعية نابعة عن إرادة شعبية نتيجة انتخابات كالسلطة السياسية وقد تكون سلطة دينية أو سلطة مدنية بحكم الاستحقاق التاريخي أو حتى سلطة معنوية ليس لها وجود مادي على أرض الواقع.

والسلطة إما أن تكون أصيلة منبثقة مباشرة من الشعب وهي التي تعتلي سدة الحكم أو موازية كالأحزاب والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني. فالدولة الديكتاتورية لضبط المجتمع الشديد التعقيد وفي غياب البعد القبلي والعشائري تخترع مؤسسات مدنية شبه صورية تدور في فلكها وتأتمر بأوامرها بوضع الموالين على رأسها.

وهذه السلط الموازية تعمل تحت عباءة السلطة الحاكمة وتتبنى اطروحاتها وما خروجها المحسوب عن الطاعة في بعض الأحيان إلا ذرا للرماد في عيون منخرطيها حتى تنطلي عليهم الحيلة والحقيقة إن ذلك مجرد تكتيكات لا غير وقد انكشف المستور بعد الثورة ولم يعد الأمر خافيا على أحد.

فبالمال والمناصب تشرى الذمم وتنبطح الهامات وتطأطئ الرؤوس إلى الأسفل والغريب أن الفقاعات التي كانت تصول وتجول في العهد البائد عادت للظهور كالطواويس تملأ الساحة جعجعة بعد أن توارت ردحا من الزمن خوفا من تداعيات الثورة التي كانت متسامحة معهم بشكل غريب ومريب بل بدأت تقضم أصابع المهمشين والفقراء والمحتاجين وكأنها تنتقم من تحديهم للدكتاتورية والظلم والفساد.

فالسلطة المضادة والموازية للأهداف الحقيقية للثورة أصبحت اليوم واقعا ملموسا بعد أن تأخرت الانجازات وتآكلت الشعارات وصارت الخبز اليومي للناس البسطاء والحالمين بغد أفضل وقد تكون تبخرت آمالهم نهائيا في تغيير حقيقي ومثمر على أرض الواقع وليس كلاما معسولا لا يغني ولا يسمن من جوع.

فبعد الثورة مباشرة تناسلت الأحزاب كالنمل جريا وراء المواقع والمال العمومي فتخلى الموظفون عن مواقع عملهم المفيد للمجموعة الوطنية وانحازوا لأهدافهم الشخصية حيث الواجهة الإعلامية البراقة والتفصي من المسؤولية الإدارية وساعات الحضور الطويلة واحترفوا الدجل السياسي لتلهية الرأي العام ليس إلا.

كما اندس الفاسدون والضالعون في الجرائم في هذه الأحزاب بعد أن غيروا من جلودهم وأسسوا منظمات ونوادي ذات أهداف مشبوهة لخلق مصدر حماية وأدوات ضغط وتشويش على الرأي العام ومؤسسات الدولة حتى لا تصلهم يد العدالة والمحاسبة.

فالسلطة الموازية هي نوع من المكر السياسي والخداع الوظيفي بحيث فاقدي السلطة الأصلية يتجهون إلى التنظيمات المدنية للتمكن من السلطة بطرق أخرى والتهرب من الاستحقاقات الوظيفية والعملية بطرق ملتوية بحيث نجدهم في الملتقيات والمقاهي والمفاوضات وفي الشارع يتجولون وذلك كله تحت أنظار القانون ومباركته.

وقد كانت لبعض رؤساء المنظمات مكانة أرفع من الوزراء لدى الحاكم ما دام يسيطر على الأوضاع وقادر على ترويض الشأن العام وخدمة النظام وما حصول هؤلاء على الغنائم إلا دليل على ضلوعهم في السلطة الديكتاتورية ومسؤوليتهم تجاوز مسؤولية الحاكم الفعلي بخداع منظوريه والتلاعب بهم.

وما من شك أن السلط الموازية في العالم المتخلف والذي تغيب عنه الديمقراطية واستقلال القضاء وحرية التعبير لا يمكن أن تعيش مستقلة بذاتها عن الحاكم ووظيفتها الأساسية خداع الراي العام وخدمة السلطة الحاكمة طوعا أو قسرا.

 ولهذا فالعدالة الانتقالية لا بد أن لا تكتفي بمحاسبة الحاكم وأذنابه وحاشيته الفاسدة بل عليها أن توسع مجال سلطانها ليصل إلى المجتمع المدني وخاصة المنظمات التي شاركت في ترسيخ دولة الديكتاتورية والنظام الاستبدادي والفساد.

* كاتب ومحلل سياسي

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/آب/2013 - 25/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م