قيم التقدم: الصبر والتحمّل

 

شبكة النبأ: يبقى شهر رمضان المبارك، شهرا مختلفا عن شهور السنة، شهرا مميزا، ليس في عمق العبادات وتوّحد المسلمين اجمع في اداء فريضة قمة في السمو، بل ثمة مزايا كثيرة معنوية ومادية، منها الظاهر ومنها الخفيّ، لذلك فإن القيم الانسانية العامة المتعارف عليها، والمتداولة بين الناس، لها مكانة مختلفة ومضاعفة في شهر رمضان، بمعنى أن هذه القيم تصبح اكثر تأثيرا وعمقا، فالصبر وهو قيمة تربوية عالية، يعد احد اهم المبادئ التي يهدف شهر رمضان الكريم الى تعميقها في نفس الانسان وفكره وسلوكه.

يؤدي الصبر بطبيعة الحال الى قيمة مهمة جدا، تساعد الانسان على بناء شخصية قوية، قادرة على مواجهة المصاعب بشتى انواعها واحجامها، تلك هي قيمة التحمّل وقدرة الانسان على مقارعة الضد او الشر بكل انواعه وتأثيراته مهما كان حجمها كبيرا وقويا، إن تدريب الانسان لنفسه على الصبر وعلى تحمل الجوع والعطش، وقدرته على كبح غرائزه ورغباته، إنما هو تدريب على السمو الروحي، وعمل صحيح وجاد على طريق بناء الشخصية القوية القادرة على مواجهة المصاعب مهما عظمت.

إن بناء الشخصية القوية المنضبطة ليس بالامر الهيّن، وهو لا يتحقق إلا لمن يسعى إليه بجدية واصرار متميز، لذلك غالبا ما يستثمر الناس هذا الشهر المميز لكي يتعلموا قوة الاحتمال والتحمل، ويتفاعلوا مع قيمة الصبر، فالانسان الذي يتحمل العطش ثلثي ساعات اليوم في درجات حرارة عالية كما يحدث الان في هذا الصيف اللاهب، إنما يدرب نفسه على تحمّل ما هو أشد وأصعب، كذلك بالنسبة للجوع ومواجهته، بطبيعة الحال الامر لا يتعلق بالعطش والجوع فقط او الماء والطعام، إنما يتعلق بقدرة الانسان على مقارعة نفسه ورغباته في هذا المضمار، فضلا عن الاحساس الذي يتشكل لديه عندما يعاني من الجوع، إذ ستظهر لدية معاناة الفقراء بصورة واضحة، خاصة ان هناك من لا يستطيع الحصول على رغيف الخبر، وهناك آباء يعجزون عن توفير القوت اليومي لعوائلهم، لاسباب شتى، لذلك فإن شعور الصائم بالجوع سوف يذكره دائما بالفقراء والايتام والمرضى والعاجزين عن تحصيل قوتهم أو ما يسد رمقهم لأي سبب كان.

يُضاف الى ذلك تدريب الذات على عدم الاستسلام والانهيار ازاء الشدائد او المصاعب مهما تنوعت واختلفت، فالصيام هو رياضة ناجحة ومناسبة لتطوير التحمل لدى الانسان، واستعداده الدائم للصبر، فيصبح بذلك ذا شخصية غير انهزامية، شخصية عصامية مستعدة لمواجهة المخاطر والصعوبات، وايضا باستطاعة الانسان (الفرد والجماعة) أن يبني شخصية غير قابلة للاستفزاز من لدن الاخرين، ويمكن للجماعة مواجهة استفزاز الاخر وعدم الانهيار او التسرع او الانفعال والفشل في مواجهة اهداف الاعداء المبيّتة.

نعم لا تتعلق قيمة الصبر والتحمل بالفرد فقط، إنها قيمة جماعية ايضا، فالمجتمع الذي يتحلى برباطة الجأش، والانضباط والقدرة على التحمل، حتما سينجح في مواجهة اهداف الاخر مهما كانت قوتها او اساليبها، فضلا عن قدرة هذا المجتمع على عدم الاستسلام والانهيار في حالة ضعف التحمل وقلة الصبر، والتحلي بالضبط والاصرار على انتزاع الحق بالوسائل المتاحة.

لذا يتضح أن قيمة الصبر والتحمل تشكل صفة جماعية، على الرغم من انها تبدو فردية، لأن السمات والمزايا والصفات قابلة للتناقل السريع بين الافراد، بسبب التأثير المتبادل بينهم، فإذا شاعت هذه القيمة بين افرد بعينهم، لا تبقى محصورة بهم، بل ستنتقل الى غيرهم تحت قوة التأثير، وهكذا تصبح قيمة الصبر والتحمل من مزايا الجماعة او المجتمع ككل، فيصبح مجتمعا قويا يتحلى بالانضباط فضلا عن عدم تعرضه للاستفزاز او الانهيار والاستسلام.

هذه القيمة الانسانية، موجودة على الدوام، ولكنها يمكن ان تتجذر لدى الانسان (الفرد والجماعة)، لتصبح من المزايا العامة للمجتمع، ويساعد شهر رمضان المبارك في تطوير هذه القيمة ونشرها وتثبيتها في النفوس والقلوب عموما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/تموز/2013 - 8/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م