هل اصبحت اللجان البرلمانية بديلا عن مجلس النواب؟

القاضي سالم روضان الموسوي

 

من ابرز سمات سيادة القانون في البلد هو العمل على وفق مبدأ الفصل بين السلطات، وتعد السلطة التشريعية واحدة من السلطات التي تتشكل منها الدولة وهي السلطة انتاج القوانين التي تشكل وتبني مؤسسات الدولة الديمقراطية، فضلا عن المهام التشريعية الاخرى والدور الرقابي الذي يضطلع به مجلس النواب لحماية مصالح البلاد والمجتمع.

 وهذه المهام الجسيمة والكبيرة التي رسمها له الدستور لا يمكن ان تكون ناجحة ما لم يتوفر على اليات تمكنه من اداء عمله على وفق ما رسم له، وتعد اللجان الدائمة والمؤقتة من اهم ادوات المجلس النيابي في تنفيذ مهامهن والتفتت الدساتير الى ذلك ومنحت المجلس صلاحية تشكيل لجان دائمة ومؤقتة وفي دستور العراق لعام 2005 اعطى للمجلس سلطة تشكيل بعض اللجان منها ما اشير اليه في المادة (142) والمتعلقة بتنفيذ حكم المادة اعلاه وعلى وفق الاتي (يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقريرٍ الى مجلس النواب، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها).

 كذلك الفقرة (سادسا) من المادة (115) المتعلقة بالمساءلة والعدالة وعلى وفق الاتي (يشكل مجلس النواب لجنةً نيابيةً من أعضائه لمراقبة ومراجعة الإجراءات التنفيذية للهيئة العليا لاجتثاث البعث ولأجهزة الدولة، لضمان العدل والموضوعية والشفافية، والنظر في موافقتها للقوانين وتخضع قرارات اللجنة لموافقة مجلس النواب).

 ثم اشار النظام الداخلي لمجلس النواب الذي صادق عليه المجلس الى تشكيل اللجان وعلى وفق ما ورد في المادة (69) من النظام الداخلي التي جاء فيها (تشكل اللجان الدائمة في أول جلسة يعقدها المجلس بعد اقرار النظام الداخلي ويراعى في تشكيلها رغبة العضو واختصاصه وخبرته) ثم عدد اللجان حسب الحاجة وحد مهامها وصلاحيتها ومن يطلع على الصلاحيات سيجد انها محددة وحصرية على وفق حكم المادة (87) من النظام الداخلي وجميعها تتعلق بدراسة ما يحال اليها من هيئة الرئاسة ومن ثم تقديم التوصيات الى هيئة الرئاسة لعرضها على المجلس لاتخاذ القرار المناسب وعلى وفق النص الاتي (اولا: لكل لجنة دائمة اقتراح القوانين ذات العلاقة باختصاصها وفقًا للضوابط التي ينص عليها هذا النظام. ثانيًا: تتولى كل لجنة من اللجان الدائمة دراسة مشروعات القوانين واقتراحات مشروعات القوانين، المتعلقة باختصاصها وإبداء الرأي فيها وغير ذلك من الموضوعات التي تحال إليها من هيئة الرئاسة والمتعلقة بالاختصاصات المبينة في هذا النظام. ثالثًا: لكل لجنة متابعة ومراقبة حفظ التوازن في المؤسسات ذات العلاقة باختصاصها)، وبذلك فإنها لا تملك سلطة القرار بدلا عن المجلس ولا يجوز ان تقرر رفض او قبول وإنما تجري دراستها وتحرياتها على وفق ما رسم لها وترسل التوصية الى رئاسة المجلس لعرضها على المجلس للتصويت عليها.

 وبما ان لمجلس النواب مهام اخرى رسمها الدستور لا تتعلق بالجانب التشريعي فحسب وانما دور رقابي وسلطة الموافقة او المصادقة على تعيين بعض الاشخاص لبعض الوظائف والمناصب التي وردت في الدستور فله ان يستعين باللجان المختصة ذات العلاقة على وفق حكم الفقرة(خامسا) من المادة (61) من الدستور التي جاء فيها (الموافقة على تعيين كلٍ من: أ ـ رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، بالأغلبية المطلقة، بناءً على اقتراحٍ من مجلس القضاء الأعلى. ب ـ السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، باقتراح من مجلس الوزراء. ج ـ رئيس أركان الجيش، ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات، بناءاً على اقتراحٍ من مجلس الوزراء) فضلا عن سلطة اعلان الحرب وإنهائها، وهذه المهام يمارسها المجلس بعد الاستعانة باللجان المختصة لدراسة تلك المهام التي تحال اليها ففي الجوانب المالية والموازنة وسواها تحال الى اللجنة المالية والقضايا العسكرية الى لجنة الامن والدفاع والجوانب القانونية الى اللجنة القانونية، وما دعا الى مناقشة الموضوع في هذا العرض ان مجلس النواب له صلاحية الموافقة والمصادقة على تعيين بعض الاشخاص في بعض المناصب والمواقع منها المناصب العسكرية والقضائية والخارجية واصحاب الدرجات الخاصة وسواها وعلى وفق ذكر في أعلاه.

 إلا اننا نجد الواقع يشير الى ان مجلس النواب لم يمارس هذا الاختصاص بشكل يتناسب وحاجة البلاد الى التعيين في هذه المناصب وبقى الجميع يدير هذه المؤسسات بالوكالة مما ادى الى تعطيل الاداء او اضعافه لان من يعمل بالوكالة وبناء على تكليف رئيس الوزراء الذي يمثل السلطة التنفيذية سيكون في مركز ضعيف قد يخضع لأهواء ومزاج تلك السلطة لان من يملك سلطة التفويض والتوكيل هو ذاته من يملك سلطة الانهاء.

 ولنا في الواقع امثلة كثيرة منها رئيس هيئة النزاهة ودعاوى الملكية وقادة الفرق العسكرية وغيرها من المناصب لذلك اصبحت الدولة تدار بالوكالة وللسلطة التنفيذية العذر الذي وفره اداء مجلس النواب السلبي لان المجلس لم يصوت بالموافقة او المصادقة على التعيين والترشيح وانما يتم الاكتفاء بحفظ هذه الترشيحات في مكاتب المجلس او اللجان وكنا نسمع من وسائل الاعلام ان اللجان المكلفة بدراسة هذه الترشيحات لم توافق او انها اعترضت على الترشيح او التعيين ولانعدام الشفافية في العمل لم يكن احد يطلع على الية الرفض واسباب عدم الاسماء للتصويت، الا ان ما حدث اخيرا برفض عرض ترشيح رئيس محكمة التمييز الاتحادية على التصويت في مجلس النواب من قبل اللجنة القانونية، بعد الاطلاع على الكتاب الذي ارسلته تلك اللجنة الى مجلس القضاء الأعلى، والذي نشرته وسائل الاعلام بعد تسريبه، وذكر فيه بان هذه اللجنة رسمت طريق ومواصفات لمن يطلب ترشيحه او عرضه على التصويت.

 وهذه الواقعة شخصت لنا اشكالية دستورية تتعلق بمن يملك صلاحية القبول او الرفض هل صاحب القرار مجلس النواب ام رئاسة المجلس ام لجانه؟ وبقراءة النصوص الدستورية نجد ان معنى مصادقة المجلس او الموافقة على التعيين او الترشيح يكون بقرار مجلس النواب عن طريق التصويت العلني على وفق نسب الاغلبية المطلقة او البسيطة وليس عن طريق قرار هيئة رئاسة المجلس او اللجان لان الدستور حدد المهام بالقبول او الرفض فقط بعد ان يكمل المجلس دراسته للاشخاص وتقديم اللجان المختصة تقاريرها او توصياتها بالقبول او الرفض ومن ثم تعرض على المجلس للتصويت ولا يمكن لأي جهة اخرى غير جهة التصويت ان تملك صلاحية الرفض او القبول وعند ذاك اذا حصلت الموافقة على ذلك الشخص فانه يسير باتجاه التعيين اما اذا لم يحظى بالقبول فيكون على الجهة التي رشحت او طلبت ان تقدم شخصا اخر لان الدستور اشار بصراحة واضحة غير قابلة للتأويل الى ان صلاحية الموافقة او المصادقة على التعيين في المناصب تكون بقرار من مجلس النواب حصرا وليس من اللجان او هيئة الرئاسة في المجلس وعلى وفق حكم المادة (61) من الدستور.

 وتأكيدا على ذلك ما جاء في المواد التي عالجت موضوع اللجان لم نجد ما يشير الى صلاحية اللجان برفض او قبول الترشيح او التعيين وانما مهامها محدد بعدد من الصور التي رسمت وفي النتيجة انها لا تصدر قرارا وإنما ترفع توصية الى هيئة الرئاسة لعرضها على المجلس للتصويت وفي المثال المتعلق برئيس محكمة التمييز نجد ان اللجنة القانونية جاوزت صلاحياتها عندما رفضت الترشيح وبخطاب منها وليس من المجلس لان المادة (90) من النظام الداخلي حدد عملها وعلى وفق النص الاتي (اللجنة القانونية: تختص هذه اللجنة بما يأتي: أولا: مراجعة القوانين السابقة وتكييفها وفق الدستور. ثانيًا: دراسة التشريعات المتعلقة بالسلطة القضائية. ثالثًا: معاونة المجلس ولجانه في صياغة النصوص التشريعية. رابعًا: تحسين وتطوير النظم القانونية والقضائية. خامسا: دراسة مقترحات مشروعات القوانين المقدمة لها من قبل المجلس والحكومة وإبداء الرأي بشأنها وإعداد نصوصها وصياغتها، بحسب ما تكلف به من قبل هيأة الرئاسة في المجلس. سادسًا: مراجعة قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل. سابعًا: متابعة المفوضة العليا للانتخابات (وبذلك اعطت هذه اللجان العذر للسلطتين التنفيذية والقضائية من العمل بمفهوم الوكالة التي لا تؤدي الى بناء دولة حديثة ذات سمة قانونية، فضلا عن صيانة حقوق الاطراف المشاركة في عملية الترشيح او التعيين في الطعن بقرارات المجلس لان التصويت بالقبول قد لا يرى فيه بعض فئات المجتمع صلاح للبلاد ومخالفات دستورية وله ان يمضِ الى الطعن الدستوري في قرار المجلس الذي صدر من خلال التصويت، او الشخص او الجهة التي لم يحظى مرشحها بالقبول ان يمضِ الى الطعن على وفق مقتضى القانون، اما قرار او توجيه اللجنة فانه لا يمثل قرارا خاضعا للطعن فيه لدى جهات الطعن التي رسمها القانون او الدستور.

 ومن ذلك فان امتناع رئاسة مجلس النواب عن عرض الاسماء التي تقدم للمصادقة عليها مع مرور مدة طويلة فانه يمثل امتناع عن اداء عمل رسمه الدستور ويتعلق بحقوق اشخاص معنوية وطبيعية اخرى ويعد صورة من صور المعارضة لهذه الاشخاص في اشغال المناصب من خلال ذلك الامتناع عن عرض الاسماء على التصويت، وارى بان هذه المعارضة في عرض الاسماء تشكل عملا غير مشروع يجوز معه لهؤلاء الاشخاص اللجوء الى القضاء الدستوري او العادي لإلزامه بمنع المعارضة في عرض الاسماء على التصويت وعلى وفق مقتضى القانون.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/salemrozanalmosawi.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تموز/2013 - 26/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م