حماس ومعاناة الضَّرَسْ!

د. عادل محمد عايش الأسطل

 

ربما الحالة الجيدة التي بدت عليها حركة حماس طوال الفترة الفائتة ومنذ فوزها في الانتخابات التشريعية في أوائل عام 2006، وإلى الآن، قد بدأت تتآكل أو تتوقف إلى فترة ما على الأقل ، وذلك يرجع إلى التقلبات السياسية والعسكرية السيئة بالنسبة لها، وهي الحاصلة في المنطقة العربية والصديقة، وخاصة التي تربطها معها علاقات استراتيجية وأخرى تكتيكية وعلى مختلف الأصعدة والمجالات.

منذ قيامها كحركة إسلامية مقاومة، كان بداهة أن تلجأ إلى نسج علاقات مركزية مهمة مع الدول والتيارات والتنظيمات المختلفة، خاصةً التي تتشابه معها في القيم المقاومة والاتجاهات التي من شأنها تقوية وتصليب النموذج العام الذي تقوم عليه كحركة مقاومة. وانطبق ذلك بدايةً مع إيران الإسلامية المناصرة في الأصل للقضية الفلسطينية والمناوئة في الجوهر للغرب وإسرائيل، التي بدورها أبدت رغبتها من خلال إنشاء جملة العلاقات التعاونية فيما بينهما حتى وصلت إلى أبعد الحدود من حيث الدعم والمساندة سواء بالمال أو العتاد وغير ذلك وحتى الوقت القريب. لكن هناك متغيرين اثنين قريبين، كان لهما الأثر في زلزلة العلاقات بينهما وتصدعها على نحوٍ هو إلى القطيعة أقرب، حتى لم يكن وصول تهنئة الحركة بفوز الرئيس الإيراني الجديد "حسن روحاني" وتولّيه مقاليد الحكم، إلاّ بشق الأنفس.

الشأن السوري هو الذي شكل المتغير الأول، حيث ألقى بكل ثقله على جملة العلاقات بينهما بشكلٍ عام. فبعد خروج الحركة وكافة مؤسساتها من سوريا، في ضوء عدم تسليمها الكامل بشأن معالجة النظام للأزمة الدموية الحاصلة، فقد تضادت المصالح وتنافرت بشدة المواقف السياسية وفي كافة الاتجاهات، من حيث الرفض والتأييد لطرف ضد آخر. الأمر الثاني، تولي الإصلاحيين الحكم في إيران الذين ولا بأي حال، سيكونون على القدر المعتاد من الاهتمام بالشأن الفلسطيني تحديداً والشأن الخارجي أيضاً، إلاّ فيما يتصل بالمصالح الإيرانية الآنيّة والمستقبلية، وفي الحدود المقبولة دولياً، وستكون هناك تراجعات لافتة بشأن العلاقات مع حركة حماس في هذا الاتجاه منذ الآن وفي الفترة اللاحقة.

وهكذا ينطبق على تنظيم حزب الله اللبناني باعتباره الابن الوحيد والنادر للجمهورية الإيرانية في المنطقة، الذي ساءت علاقاته مع الحركة بعد أن اتهمته بحرف البوصلة عن العدو الحقيقي وهو إسرائيل وتدخله في الاتجاه غير الصحيح. وكانت الحركة قد أقرّت بتجميد جزئي للدعم المالي المقدم من إيران وحزب الله. وهي بصدد البحث عن مصادر أخرى تقدم لها الدعم والمساندة. وبالرغم من نفي الحركة عن أن نقص الدعم المالي لم يعرّض الحركة لأزمة، إلاّ أنها حاصلة وستتوضح أكثر خلال الفترات اللاحقة.

أيضاً ومنذ تولي حركة حماس حكم القطاع، ما فتئت تنظر إلى تركيا باعتبارها الدولة الصديقة والحليفة ولها دورها ووزنها الإقليمي والدولي الكبيرين في المنطقة، سواء من حيث الدعم المادي والمعنوي أو بشأن التصدي للممارسات الإسرائيلية السياسية والعسكرية على الأرض.

ولا شك فإن تركيا يهمها الشأن الفلسطيني وعلى نحوٍ أوسع الشأن العربي لوجود مشتركات عدة فيما بينها. وقد لمسنا العديد من الاهتمامات التركية في الفترات الأخيرة بالشأن الفلسطيني وخاصةً منذ وصول العدالة والتنمية الذي وصل إلى الحكم في العام 2002، ولكن بما لا يمس مصالحها أولاً، وبما لا يؤثر على علاقاتها مع الدول الأخرى ثانياً، خاصة الدول الأوروبية الغربية، التي تسعى جاهدةً ومنذ الأزل إلى الدخول ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، وأيضاً الولايات المتحدة التي تعتبرها الحليف الأكبر من بين دول العالم. ومن جهةٍ أخرى وهي الأهم، تلك الأحداث التي شهدتها تركيا مؤخراً والتي ضربت فجأة حالة الهدوء والاستقرار التي نعمت بها الأراضي التركية وعلى كافة المستويات السياسية والاجتماعية، طوال الفترة الماضية، حيث كانت لها آثاراً سيئة ولها تداعياتها ليس على الداخل فقط، وإنما بلغت الصعيد الأوروبي أيضاً، وبالرغم من التقليل من شأن تلك الأحداث من خلال اتخاذ الإجراءات المناسبة والتي من شأنها تهدئة الأوروبيين من حوله، وأيضاً عزمه تنفيذ الزيارة التي كان وعد بها للقطاع قريباً، لن تشفع له داخلياً أو خارجياً حنى تسوية الأمور وتنجلي آثارها. ومن الآن وإلى أن تحصل تلك بمجموعها، فإن حركة حماس سوف تتأثر مباشرةً ترتيباً عليها.

وعند اتجاهنا صوب الجارة مصر، وهي إحدى الدول العربية الكبرى والمهمة التي غمرها الربيع العربي، فمنذ انطلاقة ربيعها أوائل 2011، وتولي الإخوان المسلمين مقاليد الحكم فيها، قامت الحركة إلى تعليق الآمال وتمني الأماني عليهم، لا سيما وأنها ترتد بكل مكوناتها إلى الحكام الجدد من حيث الجذور والفروع أيضاً. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد كانت الخطوات المصرية الجديدة معقودة - من خلاف- بالولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، بحيث لا يسهل الفكاك منها.

ومن ناحيةً أخرى الاضطرابات السياسية التي صاحبت الثورة المصرية وأدت إلى حالة الانقسام الغريبة بين الساسة على اختلافهم وامتدت إلى الشارع المصري، ومن ثم دخول أو إدخال حركة حماس في الشأن الداخلي المصري، جعل من الصعب أن تفيد الحركة بالشيء اللافت من الجهة المصرية، إن لم تواجه الخسران والمزيد منه في المستقبل. لا سيما وأنها محل تشكيك واتهامات متواصلة لدى شرائح مختلفة في مصر لا سيما اليساريين منهم، بأنها تشارك في ضعضعة أمن واستقرار مصر على نحوٍ عام. وحتى فيما لو استبعدنا كل ما سلف، فإن الاختلافات والمهاترات والتهديدات المتبادلة التي تُعلنها كافة التيارات المصرية، من شأنها أن تكون لها انعكاسات مؤلمة ليس على الحركة وحسب، بل على مجموع الشعب في القطاع الذي يرتزق بصورة شبه كاملة علي مصر، وبالتالي سيكون لتداعياتها الجانب الأكبر في مضاعفة الآثار السيئة التي يعيشها سكان القطاع.

قطر، بالإضافة إلى مشوارها الطويل في علاقاتها مع حركة حماس ودورها الكبير في محاولتها العمل على إنشاء وتعزيز علاقات الحركة مع دول وتيارات أخرى، خاصة مع المملكة الأردنية، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها في هذا المجال، فقد كانت تعتبر من أكبر الدول الداعمة للحركة، وذلك من خلال دعمها للقضية الفلسطينية وحقوقها الشرعية، وإن كان على طريقتها وتبعاً لمصالحها، التي ترتكز على نوال الأدوار الفاعلة وحيازة المكانة التي تلائمها بين الدول المؤثرة. وعن تخلي أمير قطر عن الحكم لصالح نجله، فإن ما حصل اعتبرته حماس نموذجاً يحتذى من قبل الشيخ "حمد بن خليفة" لأنه تنازل عن حكمه وهو في قمة عطائه وتمنّت أن يواصل الابن دعم الشعب الفلسطيني واقتفاء أثر والده. وبالرغم من ذلك فإن من الواضح الآن وعلى الأرجح، أن قطر ليست قطر الأمير "حمد"، ولكنها قطر الأمير "تميم بن حمد" وإن بادر إلى الالتقاء برئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" فهو بالتأكيد لم يقل له (سر على ما نحن عليه) بل أنبأه عن خطوط يجب اتباعها.

ومن ناحية أخرى فإن مجموع الاتصالات السياسية والديبلوماسية التي تجريها الحركة مباشرةً وغير مباشرة، مع الدول الغربية لفك عزلتها وشطبها من قائمة الإرهاب – كما في نظرها- فإنها لن يكون الطريق إليها ممهداً وسهلاً، بل شاقاً وطويلاً، والأصعب بالنسبة للولايات المتحدة، حيث سيكون من المستحيلات حصول شيء من ذلك، حتى تنفتح حماس بشكلٍ كلّي (طواعيةً) إلى 180 درجة هندسية و180 درجة مئوية أخرى تحت الصفر، وهذه ليس في الوارد- بالمطلق- حصولها.

وأما إسرائيل التي تتمتع بأفضل حال، فهي يروقها تماماً الوضع كما هو بغير زيادة ولا نقصان، وتسعدها المشاهد من حولها فأينما التفتت وكأنها تقلّب الفضائيات التي تحفل بأفلام الرعب والخيال، تصب بقوة في صالحها العام، وبالرغم من استبعاد البعض من أن تشن حرباً ضد سوريا أو القطاع، فإن نواياها بقيامها بتلك الحرب غير مستبعدة، وإن ما يبعدها فقط غير آمال أمريكية وإسرائيلية للوصول إلى اتفاقات بشأن عودة المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى أية حال فإن هذه الفترة تعتبر من أكثر الفترات حرجاً وحساسية، لم يعهد التاريخ مثلها، ليس على حركة حماس وحدها، بل على سائر دول المنطقة وخاصةً الدول العربية بكل مكوناتها ومستقبلها، لذلك يتوجب عليها جميعها، الوقوف قليلاً أمام النفس والانتباه إلى ما يدور داخلها ومن حولها، من أحداث ووقائع عصيبة ومخجلة، والامتناع عن أكل المر والحصرم وذلك لاجتناب الضرر وجملة المخاطر المحدقة بها وحتى لا يضرس الآخرين.

* خانيونس/فلسطين

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/تموز/2013 - 21/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م