جبناء عبر التاريخ

علي فاهم

 

يذكر لنا التاريخ حادثة غريبة حصلت في معركة صفين حينما خرج للمبارزة الامام علي ابن ابي طالب (ع ) وعمرو ابن العاص الرجل الثاني في معسكر معاوية ابن ابي سفيان وكانت نتيجة المبارزة كفيلة بحسم المعركة لصالح احد الطرفين ولكن بمجرد اقدام الامام علي ابن ابي طالب على عمرو ابن العاص ارتعب الثاني وحاول الهروب والفرار لانه اجبن من ان يواجه شجاعة رجل ذلت له جباه الابطال الاشاوس فأيقن الهزيمة في نفسه ولجأ الى حيلة دنيئة ومخزية تبقى وصمة عار في جبين هذا الرجل حينما خلع ملابسه وكشف عورته وانكفأ على وجهه فأبى الامام ان يقتل جباناً لا يملك من الكرامة ما يغطي به عورته.

يعرف اللغويون الجبان هو مقابل الشجاع وهومن لا يملك الاقدام على فعل شيء من كثرة الخوف الذي يعيشه، لهذا يلجأ الجبناء الى تعويض عدم المقدرة على المواجهة الى أساليب الغدر والخيانة والضرب في الظهر وتسجيلها على انها انتصارات في سجلاتهم.

ولأن شبيه الشيء منجذب اليه نرى منهج الاقدام والشجاعة العلوي في اتباع هذا المنهج وبالمقابل نلاحظ منهج التخاذل والجبن والغدر في منهج ابن العاص الذي كشف عن عورته في اول مواجهة في معركة القصير رغم انه كان يملأ فضائياته المسمومة بترهات القتل وقطع الرؤوس والسباب والشتائم والوعد والوعيد، لقد أيقن ابناء عمرو ابن العاص وحفدة هند بنت عتبة إنهم غير قادرين على مواجهة هؤلاء الرجال فكان اسلوبهم في المواجهة وتحقيق الانتصارات عليهم بتفخيخ الجثث العفنة وتفجيرها على اناس يصلون في المساجد او يشترون ويبيعون في الاسواق او طلاب غادروا مدارسهم او أحياناً أخرى باستعمال الكواتم والسيارات المفخخة والعبوات اللاصقة، فكل مقدرتهم وأقصى شجاعتهم يستعملونها على الناس المسالمين والابرياء ولكنك لا تجد لهم أي وجود في ساحات المعركة اوفي مواجهة الرجال.

 فالجبن تحول عند هؤلاء الى ملكة وثقافة ومنهج يتوارثونه ويتبعونه ويتناسلون في رحمه ولهذا فهم تقبلوا ان تغتصب أرضهم وتستباح نسائهم ويقتل رجالهم في فلسطين ولم تتحرك فيهم شعرة الرجولة لمواجهة عدو اصغر منهم عددا وعدة يستطيعوا ان يبتلعوه في يوم وليلة ولكنهم عاشوا الانهزامية في كيانهم وعقولهم ووجدانهم وأستسلموا لجبنهم وخوفهم وتركوا ابناء جلدتهم يذوقون الامرين ولا من حركة او غيرة بينما تراهم هبوا من كل حدب وصوب على سوريا يستبيحون القرى والمدن الامنة ويضربون ويختبئون كالأفاعي وينحرون الرجال والاطفال ويتفاخرون بنحر الابرياء بسكاكين العهر الطائفي تحت مظلة التكبير التي باتت وصفة تخدير للعقول الملغاة اصلاً، التابعة لمذهب التكفير السلفي الذي ينتج لنا كل يوم طفيليات جبانة مليئة بالحقد الاسود ليس في قلوبها رحمة ولا انسانية ولا تملك مبدأ أو قيمة عليا يبحثون عن أعداء ولكن شريطة ان يكونوا اضعف منهم، ويبحثون عن أصدقاء على ان يكونوا اقوياء وان خالفوا ما يؤمنون به ويبحثون عن انتصارات كبيرة ولكن خارج ساحات المعارك.

إن علي ابن ابي طالب وان خسر معركة صفين حسب قياسات الحروب لانه لم يجهز على أعدائه الا انه ربح التاريخ وفاز بالمجد وأعتلى صهوة الفخر أما ابن العاص فلم يناله الا الخزي والعار وإن ابقى على حياته بضع سنوات فكلاهما خالد ولكن شتان بين خلود في القمة وخلود في الحضيض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/حزيران/2013 - 17/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م