العراق بين الهشاشة والفشل

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: على المستوى العالمي، هناك الكثير من البلدان التي تتوزع بين مصطلحات (الدول الفاشلة او الرخوة او الهشة) والتي تتشارك في عدد من المعايير التي تضعها في تلك الخانة.

في تقرير للبنك الدولي، يمكن قراءة الكثير من الارقام التي تسلط الضوء على تلك المعايير، من ذلك مثلا: أكثر من 1.5 مليار شخص يعيشون في بلدان هشة عانت من صراعات تتسم بالعنف... معدلات الفقر تزيد 20 في المائة في البلدان المتأثرة بدورات العنف المتكررة، وكل عام من العنف المنظَم يرتبط به التأخر في إنهاء الفقراء بمقدار نقطة مئوية واحدة.

بحلول عام 2015، سيكون ما يُقدَر بنحو 32 في المائة من فقراء العالم يعيشون في ظل أوضاع هشة ومتأثرة بالعنف، ولن يتمكن سوى القليل من البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات من بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015، إذ أن أكثر تلك البلدان إما انحرفت عن المسار المرسوم لذلك أو خرجت عنه تماماً . ولا يُتوقع أن يفلح في بلوغ الأهداف المتعلقة بالفقر بحلول ذلك الموعد سوى أقل من 20 في المائة.

الدولة الفاشلة حسب تعريف المنظمات الدولية، هي دولة ذات حكومة مركزية ضعيفة أو غير فعالة حتى أنها لا تملك الا القليل من السيطرة على جزء كبير من اراضيها. 

وتصبح الدولة فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها أو أن تفقد إحتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.

تشمل وصفة الدولة الفاشلة خليطا يضم غياب سيادة القانون واستشراء العنف والفساد والهجرة غير الشرعية والفقر المدقع والأمية، فضلا عن ضعف النظم التعليمية والتفكك الاجتماعي وضعف المؤسسات مع غياب الحكومة.

وقد يصعب تحديد مفهوم "الدولة الفاشلة" لكن يمكن بالمقابل الحديث عن درجات في الفشل. ولعل الدراسة الأكثر شمولية تلك التي تصدر دوريا عن معهد بروكينز ومقره واشنطن والتي تعرف باسم مؤشر ضعف الدولة في البلدان النامية.

تتضمن هذه الدراسة الدورية عشرين مؤشرا في تقييم أداء الدول النامية وقد تم رصد دولتين فاشلتين هما الصومال وأفغانستان إضافة إلى وجود أربع وعشرين دولة أخرى تعاني "ضعفا شديدا" في الأداء. استنادا إلى هذه الدراسة فإن الدول تفشل من عدة أوجه، إليكم بعض الأمثلة:

العراق دولة غنية بالنفط غير أن خدماتها الاجتماعية متدنية، كما أن بيئتها تظل غير آمنة.

زيمبابوي: دولة آمنة نسبيا مقارنة بعدة بلدان أخرى في القارة السمراء على وجه الخصوص غير أنها تظل تعاني دمارين سياسيا واقتصاديا فادحين.

في ما يتعلق بالعراق، اصبح له مكانا محجوزا ضمن قائمة الدول الفاشلة والتي نشرت اولى القوائم عام 2005 عن صندوق دعم السلام،  يحوي على قائمة بأسماء الدول الأكثر فشلاً في العالم بناء على مقاييس معينة. وصدر في العام 2007م تقرير آخر عن مجلة (فورين بوليسي) فيه تصنيف لمائة وسبع وسبعين دولة يبين درجة كل منها بعدد من النقاط للدلالة على مرتبة الدولة في ضمن مقاييس الدول الفاشلة. واعتمدت هذه التقارير الأخيرة على اثني عشر مؤشراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً تم اعتمادها لتحديد مكانة أي دولة من الدول السبع والسبعين وفقاً لهذه المؤشرات... والمؤشرات المعتمدة هي:

1. الضغوط الديموغرافية من قبيل سوء توزيع السكان وتعدادهم والنزاعات بينهم.

2. اللاجئون والمهجرون والمشاكل الناشئة عن الهجرة واللجوء.

3. تغليب النظام السياسي لصالح أقلية معينة يوفر لها حقوق على حساب الأكثرية المحرومة.

4. هجرة العقول من أوطانهم والاغتراب داخل المجتمعات.

5. غياب التنمية الاقتصادية وعدم المساواة بين السكان في الوظائف والتعليم و المداخيل.

6. وجود تراجع اقتصادي حاد واختلال في الميزان التجاري وضعف في سعر صرف العملة المحلية وانخفاض في معدلات الاستثمار وهبوط في الدخل الإجمالي.

7.   فقدان شرعية الدولة وفساد الحكام وغياب المحاسبة والشفافية وضعف الثقة بالمؤسسات.

8.  تدهور حاد في تقديم الخدمات العامة للجمهور.

9. انتهاك القانون وحقوق الإنسان.

10. تشتت الأمن –دولة داخل دولة- من قبيل سيطرة نخبة عسكرية داخل الجيش أو تكون قوى أمنية خاصة واندلاع نزاعات مسلحة بين مراكز القوة المختلفة.

11. تنامي الانشقاقات داخل النخب الحاكمة نفسها وحدوث انقسامات دستورية.

12. تدخل دول أخرى في الشؤون الداخلية من خلال دعم تنظيمات عسكرية وشبه عسكرية أو من خلال الاستعانة بقوات دولية أو بقوات حفظ السلام.

اما اذا اتينا الى مصطلح الدولة الرخوة الذي ابتكره عالم الإقتصاد السويدي جونار ميردال الذي كتب عن الدولة الرخوة عام 1970 «أن رخاوة الدولة هي سبب البلاء الأعظم وأنها سبب أساسي لإستمرار الفقر والتخلف».

والدولة الرخوة في نظر ميردال، توجد بسبب تمتع الطبقة العليا بقوة تستطيع بها فرض إرادتها علي سائر فئات المجتمع، وهي وإن تصدر قوانين وتشريعات تبدو وكأنها ديمقراطية وعادلة في ظاهرها، إلا أن لهذه الطبقة من القوة ما يجعلها مطلقة التصرف في تطبيق ما في صالحها، وتجاهل ما هو عكس ذلك، كما أن أفراد هذه الطبقة لا يدينون بالولاء للوطن بقدر ما يشعرون بالولاء لطبقتهم وعائلاتهم ومحاسيبهم.

وتعتبر وثيقة الاستراتيجية الأمنية الأوروبية أن فشل الدول يمثل ظاهرة بالغة الخطورة في عالمنا المعاصر، وقد جاء في هذه الوثيقة الاستراتيجية ما يلي:

"إن الدول المجاورة التي تشهد صراعات عنيفة والبلدان الضعيفة التي تمثل مرتعا خصبا لعصابات الجريمة المنظمة والدول التي تعاني تفكك مجتمعاتها وانفجارها الديمغرافي تنشئ مشاكل كثيرة وخطرة تتهدد الأمن الأوروبي".

الكثير من المؤشرات السابقة توجد في العراق او هو يندرج تحتها، بسبب من غياب الرؤية السياسية الناضجة للحاكمين، والمتقلدين لمراكز السلطة والقرار فيه.. اضافة الى اسباب خارجية تتداخل فيها الايديولوجيات المذهبية والمصالح الاقتصادية ذات التنافس الحاد في جوار يعتمد على سلعة رئيسية لادامة اقتصاده وهي النفط، ومايعنيه ذلك من زيادة او تآكل في الحصص لكل دولة وبالتالي مردوداتها المالية التي تؤثر على اقتصاديات تلك البلدان..

المستقبل وفق المعطيات الراهنة مفنوح على الكثير من الفشل والهشاشة والرخاوة والتي لن يستطيع العراق تجاوزها في السنوات المنظورة، خاصة وانه مرشح للكثير من الصراعات واستمرار اعمال العنف فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/حزيران/2013 - 30/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م