عن الصداع والمورفين في السياسة العراقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ليس مهما ما تقوله، فالفضاء فيه متسع لكل الاقوال والقوّالين، جمهرة عريضة من المتشدقين، والمثرثرين، بياعو كلام لجمهور اوسع، يسكنه الخوف من تدابير ملك الموت، عبر سيارة مفخخة او عبوة ناسفة او حزام ناسف او مسدس كاتم، وهو جمهور، ان كان تابعا للجهة المتكلمة، كأن على راسه الطير، وهو يستمع لاقوال الرئيس القائد او غيرها من استعارات لغوية للرئاسة والقيادة.

وهو جمهور تتسع اميته يوما بعد يوم، وقد لاتقتصر على الامية الابجدية بل تتعداها الى امية السلوك والاخلاق والثقافة.. جمهور ادمن التحديق بصور قائده، وادمن التصفيق لتخريفه وتهريجه.. وهو جمهور سريع الغضب وسريع الاستفزاز، وطالما هو كذلك، فلايمكنه ان يفقه معاني الكلمات، او الاقوال.

كان احد الضباط من الذين خدمت معهم في اثناء الحرب العراقية الايرانية، وكان القائد الضرورة وقتها صدام حسين، قد ابتدع رتبة عسكرية ليست في قاموس الرتب المتعارف عليها في الجيش العراقي، وهي رتبة (ضابط تلميذ حربي)، لتجنيد خريجي اعداديات الصناعة او الزراعة او المعاهد الفنية، كان هذا الضابط، وهو القادم من احدى القرى، كثيرا مارايته شارد الفكر، ينظر الى البعيد، وكثيرا ماسالته عن هذا الشرود، كان يجيبني: اني اتخيل نفسي اخطب في (ربع مليون شخص)، لم اعرف حتى الان سر هذا الرقم الذي اختاره مشروع الضابط ذاك، في وقت كانت الخطابة فيه تحتاج الى مؤهلات ليس اقلها الصوت الجهوري الذي نابت عنه مكبرات الصوت ومؤثراته في سنواتنا هذه، اضافة الى اختلاف المنابر وتعددها، فلم تعد ميادين الخطابة الان تقتصر على الساحات والميادين العامة، بل اصبحت عابرة للفضاء الرحب ودون اي مجهودات تذكر..

هل تشاهدون خطباء اللخظات الاحتجاجية؟ انهم يذكروني بذلك الضابط الصغير، وهو كان صغيرا اكثر مما تتصورون، طالما ان احلام يقظته لم تتجاوز هذا الوهم بالخطابة لربع مليون من الناس..

ماعلينا، الزمن يعيد انتاج هذا النمط من الخطباء، والقوالين، والمثرثرين، طالما ان هناك مايكروفونات تطارد اصواتا لملء فترات البث التلفزيوني، وطالما هناك جمهور يضحكون عليه، وجمهور اخر يضحك عليهم.. في لعبة تخادم للضحك المتبادل..

اللغة السياسية للمتخاطبين بها من سياسيين واصحاب سلطة وقرار في عراق الارهاب والفساد والتظاهرات، لغة فقيرة، سقيمة، بائسة، لاتستطيع ان تبدع شيئا جديدا، لان العقل الذي قد يبدع او يبتكر قد توقف عند اللحظة الانية، بكل ماتكتنزه من جمود وقلة افق..

النائب قيس الشذر عن القائمة العراقية وفي معرض تعليقه على الاجتماع الاخير بين الشركاء – الفرقاء السياسيين قال ان:اجتماع السيد الحكيم عالج الصداع السياسي الذي أصاب الكتل البرلمانية.

للصداع في التشخيص الطبي انواع كثيرة: صداع الجيوب الأنفية و يكون الألم حول عظام الحاجب و الخدين، الصداع العنقودي و يتركز الألم حول عين واحدة، الصداع الناتج عن الضغط و يكون المه كحزام يعتصر الدماغ، الصداع النصفي "الشقيقة" و يسبب ألما مبرحا و غثيان و تغيرات في النظر.

وايضا تتعدد اسبابه: ارتفاع ضغط الدم- اضطرابات العين : كالتهاب الملتحمة .. قصر النظر .. التهاب أعصاب العين، التهاب الأذن الوسطى، التهاب الجيوب الأنفية، مشاكل الأسنان..، الحمى، الزكام والأنفلونزا، اضطرابات السكر في الدم ( ارتفاع وانخفاض السكر في الدم ).

أسباب الصداع الغير عضوية ينتج في الغالب نتيجة لأسباب نفسية وعاطفية أو نتيجة اضطراب في وظائف بعض أعضاء الجسم ( كالمخ واضطرابات الدورة الدموية ) أو تغير في بعض أنماط الحياة اليومية ( كتغيير مواعيد النوم ) وقد يكون وراثيا (خصوصا الصداع النصفي). وتعتبر الضوضاء والحياة المدنية المتسارعة سببا مباشرا لتكرر نوبات الصداع.

أسباب أخرى -الروائح القوية. - قلة النوم أو كثرته، بعض أنوع الأطعمة والبهارات، التغير المفاجئ في درجات الحرارة.

وقد اضاف النائب المبجل قيس الشذر صنفا جديدا من اصناف الصداع الى القاموس الطبي العالمي، من المؤكد سوف يتم تدريسه في ارقى الجامعات العالمية مستقبلا وهو وصفه لما يحدث في العراق بالصداع السياسي..

لايقف بؤس اللغة وفقرها وسقمها عند هذا النائب وذاك، بل هي اصابت الجميع باعراضها، فالكل يسابق الكل في عملية الانحطاط اللغوي، وهو انحطاط لايفرق بين متحدث صغير لايسبقه غير لقب واحد، او متحدث كبير تسبقه القاب متعددة..

احد الكتل الكبيرة وعلى لسان عضو برلماني فيها، كثير الصخب والضجيج، يصرح ان "الحلول والمبادرات التي تطرح حاليا هي عبارة عن مورفين مهدئ للمشكلات".

والكتلة الكبيرة التي ينتمي اليها صاحب الابتكار (المورفيني) دائما ماتتوجه اليها الاتهامات بان قواعدها الجماهيرية عبارة عن (حشاشين ومكبسلين) اي متعاطي مخدرات ليس اقلها المورفين، تضم بين صفوفها الكثيرين من فدائيي صدام ومن افراد اجهزة الامن والمخابرات الذين اندمجوا فيها بعد الاحتلال الامريكي..

والمورفين كتوثيق تاريخي، قام الكيميائي الألماني فريدريك سرتورنر بعزله من الأفيون الخام وذلك في عام 1804 وأطلق على المركب الجديد اسم مورفيس ، إله الأحلام عند الإغريق.

ويعتبرالمورفين هو أقوى أنواع الأفيونات ويسبب الإدمان بدرجة كبيرة . وبالرغم من أن الاعتماد الكيميائي على المخدر قد يستغرق حدوثه شهورا عديدة ، فقد يحدث الاعتماد النفسي بعد عدد قليل فقط من الجرعات، وهنا تكمن قوة العقار وفاعليته في تخفيف الألم ومنح المتعاطي حالة من الابتهاج والنشوة .

المورفين بتسميته وباعراضه، هو عبارة عن حلم يبعث على الابتهاج والنشوة، التي يطاردها من يدمن على تناول المخدرات..

والمورفين من باب التوسعة بالمعلومة للقاريء، اسم لاخر اغنية سجلها (مايكل جاكسون) قبل وفاته، وهو ايضا اسم لفلم للمخرج الروسي أليكسي بالابانوف حصل لاجله على جائزة في مهرجان السينما الألماني لأفلام شرق ووسط أوروبا في عام 2009 ..

وهو ايضا اسم لرواية للكاتب الروسي ميخائيل بولجاكوف حملت عنوانا فرعيا هو (يوميات مدمن).

والمورفين ايضا اسم لقصيدة شهيرة للشاعر نزار قباني، يصف فيها كلام الحكام في شرقنا العربي، يقول فيها:

اللفظة طابة مطاطٍ..

يقذفها الحاكم من شرفته للشارع..

ووراء الطابة يجري الشعب

ويلهث.. كالكلب الجائع..

اللفظة، في الشرق العربي

أرجوازٌ بارع

يتكلم سبعة ألسنةٍ..

اللفظة إبرة مورفينٍ

يحقنها الحاكم للجمهور..

لا اتعجب من استخدام مفردات مثل الصداع السياسي او المورفين او غيرها، من صغار الساسة او متوسطي الاحجام في لعبة المصالح والمنافع، اذا كان الكبار لهم نفس القاموس اللغوي الرديء والبائس والفقير والسقيم.

 لنقرأ اخيرا ماقاله احد قادة الكتل مخاطبا شخصية سياسية امريكية، (اسمع نحن لسنا بحاجة الى اطروحاتك وافكارك الشيطانية والعراق عراقنا والكرد احباءنا والسنة انفسنا والشيعة اهلونا فلا تدس انفك فيما لايعنيك وكما يقول المثل العراقي (مد رجليك على كد بساطك).

ولا اعرف كيف استقبل الاتباع تلك الكلمات، ولا اعرف كيف سيقوم المترجم بترجمة هذا المثل العراقي الى تلك الشخصية السياسية؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/حزيران/2013 - 28/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م