الموت في العراق من اسرار العملية السياسية

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من المراقبين من خطورة استمرار الخلافات السياسية بين قادة الكتل والأحزاب المتنفذه في العراق، والتي أسهمت بعودة موجة العنف الى الشارع العراقي والتي اتخذت الطابع الطائفي خصوصا بعد ان سعت بعض الأطراف الداخلية والخارجية الى إثارة وتحريك مثل هكذا ملفات في سبيل تحقيق مكاسب خاصة، وهو ما ساعد على عودة المجاميع الإرهابية المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي أصبحت تمارس دورها بشكل معلن في بعض المناطق والمدن العراقية تحت غطاء طائفي في سبيل خلق فوضى أمنية الهدف منها إشعال الحرب الطائفية من خلال تكثيف هجماتها الإرهابية في البلاد، وفي هذا الشأن فقد استعادت أعداد ضحايا أعمال العنف في العراق خلال ايار/مايو، معدلات سنوات الحرب الطائفية، حيث أظهرت الأرقام ان الشهر الماضي كان الأكثر دموية منذ النصف الأول من العام 2008. وأوضحت بعثة الأمم المتحدة في العراق في بيان ان 1045 عراقيا قتلوا في اعمال عنف متفرقة في البلاد الشهر الماضي، بينما أصيب 2397 آخرون بجروح.

وبحسب ارقام البعثة، قتل 782 مدنيا و263 من أفراد الجيش والشرطة في ايار/مايو، وأصيب 1832 مدنيا بجروح و565 من عناصر القوات الامنية. وبلغت أعداد ضحايا العنف معدلاتها الاعلى في بغداد مقارنة بباقي المحافظات، حيث قتل 532 مدنيا وأصيب 1285 بجروح. وقالت متحدثة باسم بعثة الأمم المتحدة في العراق ان هذه الأرقام "يمكن مقارنتها بما كانت عليه معدلات ضحايا العنف" في 2008.

من جهتها، أظهرت أرقام وزارات الداخلية والدفاع والصحة مقتل 630 شخصا في ايار/مايو، هم 446 مدنيا و88 عسكريا و96 شرطيا، بينما أصيب 1097 شخصا، هم 152 عسكريا و193 شرطيا و752 مدنيا. وهذا اعلى معدل رسمي لضحايا العنف منذ نيسان/ابريل العام 2008. وشهد العراق بين عامي 2006 و2008 حربا اهلية طائفية دامية قتل فيها الآلاف. وقد استعادت البلاد على مدى الاسابيع الماضية بعضا من اعمال العنف المشابهة لتلك الحقبة، حيث استهدفت المساجد السنية والشيعية، وحملت معظم الهجمات طابعا طائفيا.

وشهدت أحياء سنية وأخرى شيعية في العاصمة العراقية عدة تفجيرات وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أغلب القتلى الذين وصل عددهم إلى 1045 شخصا مدنيون. ويستعيد مقاتلو جناح القاعدة في العراق وجماعات سنية مسلحة أخرى بعضا من قوتهم التي فقدوها أثناء المعركة الطويلة مع القوات الأمريكية التي انسحبت في ديسمبر كانون الأول عام 2011 بعد مرور ما يقرب من عقد على الغزو الذي دفع بالأغلبية الشيعية إلى السلطة.

وفي ذروة العنف الطائفي بالعراق عندما كانت بغداد منقسمة بين مسلحين سنة وشيعة يتبادلون الهجمات الطائفية كانت حصيلة القتلى الشهرية تتجاوز ثلاثة آلاف قتيل أحيانا. ومنذ أبريل نيسان استهدفت تفجيرات وهجمات مساجد وأحياء شيعية وسنية في بغداد وبعض المدن الأخرى إلى جانب قوات الأمن والقادة السنة المعتدلين. ويخشى الكثير من العراقيين خاصة في بغداد من عودة فرق الإعدام وعمليات القتل الانتقامية حيث تغلق المتاجر أبوابها مبكرا ويتم تشديد الإجراءات الأمنية.

وقال ستيفن ويكن من معهد دراسات الحرب في واشنطن "ابتعدت الجماعات المتشددة الشيعية إلى حد كبير عن أعمال العنف في الآونة الأخيرة. وإذا كانت وراء التفجيرات التي استهدفت مساجد سنية فهذا يعني أنه يتم جرها إلى الصراع." وأضاف "ذلك من شأنه أن يهيئ الظروف للانزلاق نحو صراع طائفي أوسع نطاقا." بحسب رويترز.

وتسببت الحرب الأهلية السورية التي يسعى فيها المعارضون السنة إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في تدهور العلاقات بين الشيعة والسنة بالعراق. ويعبر مقاتلون عراقيون من الطائفتين الحدود للقتال بجانب الطرف الذي يساندونه في الصراع السوري. ويخشى المسؤولون الشيعة في العراق أن يتولى الإسلاميون المتشددون السنة الحكم في سوريا في حال سقوط الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية. وتعكس هذه المخاوف تناحرا إقليميا أوسع بين إيران الشيعية ودول سنية مثل السعودية.

ويرى خبير الشؤون العراقية في مجموعة "ايه كي اي" جون دريك ان "شعور السنة بالتهميش" يقود بالفعل اعمال العنف الأخيرة. ويوضح "هناك شعور مستمر بالتهميش في المجتمع السني، يتلخص في الغضب من قلة الوظائف والظروف المعيشية". ويتابع دريك ان هذا الامر يزيد من رغبة الجماعات السنية المسلحة في ضرب أهداف جديدة، حيث ان "استهداف الحكومة والقوات الامنية قد يفيد هؤلاء في كسب تعاطف المواطنين السنة العاديين".

وتقول ماريا فنتاباي المحللة في "مجموعة الأزمات الدولية" ان "الوضع سيكون عبارة عن اشتباكات متواصلة بين المتظاهرين والقوات الموالية للحكومة". لكنها ترى ان هذا العنف "سيبقى محليا"، اي في المناطق التي تشهد تظاهرات واعتصامات ضد المالكي منذ نهاية العام الماضي، كون "الجماعات المسلحة المرتبطة بالمتظاهرين منفصلة عن بعضها البعض من منطقة الى اخرى".

من جانب أخر قال مسؤول أمريكي إن إدارة اوباما تعاونت بشكل وثيق مع الجانب العراقي عقب اشتباكات الحويجة للحيلولة دون مزيد من التصعيد بعد ان طوقت القوات العراقية مسلحين سيطروا على بلدة قريبة. وقال المسؤول الذي طلب الا ينشر اسمه "لا أريد المبالغة في تصوير نفوذنا ولكن هذا ما نفعله خلف الكواليس. حين تكون هناك أزمة حقيقية يهرعون جميعا الينا.. نحن الطرف المحايد." ويقول آخرون إن النفوذ الامريكي ينحسر وان التراجع بدأ حتى اثناء وجود القوات الامريكية هناك.

وصرح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لمحطة سي.ان.ان التلفزيونية "فقدنا جهود وسيط نزيه. كان الولايات المتحدة (هذا الوسيط) في وقت سابق." وأكثر ما يقلق المسؤولون والمحللون الامريكيون الذين يتابعون الوضع في العراق عن كثب تجدد أعمال العنف من جانب السنة وجماعات مثل دولة العراق الإسلامية التي يعتقد بمسؤوليتها عن تفجيرات تهدف لإشعال الصراع في البلاد. وقال مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني الذي يدرس شؤون العراق منذ سنوات ويسافر إليه كثيرا ان حوادث العنف زادت إلى 1100 حادثة شهريا من 300 في نهاية 2010.

وعقب اشتباكات الحويجة قال المسؤول الأمريكي "لاول مرة منذ بضع سنوات نرى اشخاصا ملثمين وقذائف صاروخية واسلحة ثقيلة في الشوارع بهذه الكثافة." ووصف تصاعد التفجيرات الانتحارية التي تنفذها القاعدة في العراق بانه مبعث قلق شديد مضيفا أن مثل هذه الجماعات يمكن ان تربك الجهود السياسية الرامية لحل النزاع. وقال المسؤول متحدثا عن العنف "لن اصفها بزيادة ملحوظة من الناحية الاستراتيجية بعد.. نحن في مرحلة ما بعد الحرب الاهلية وفترة فراغ قبل المصالحة."

ويقول كينيث بولاك المسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية والبيت الابيض والذي يعمل حاليا بمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينجز "اعتقد اننا سنشهد قدرا كبير من العنف الطائفي. السؤال هو  إلى اي مدى سيتدهور الوضع؟

هجمات كيميائية

على صعيد متصل أعلنت وزارة الدفاع العراقية اعتقال خلية كانت تستعد لشن هجمات كيميائية ضد أهداف في داخل العراق وفي اوروبا واميركا الشمالية، وذلك بالتعاون مع اجهزة استخبارات اخرى. وقال المستشار الاعلامي لوزارة الدفاع الفريق الركن محمد العسكري في مؤتمر صحافي ان "هذه العصابة المؤلفة من خمسة أشخاص لاحقتها استخبارات وزارة الدفاع واستطاعت ان تتابع عملها من اول لحظة".

وذكر ان أعضاء الخلية "استطاعوا خلال ثلاثة الى اربعة اشهر ان يؤسسوا مصنعين في بغداد ومصنعا اخر في محافظة اخرى لغرض تصنيع وانتاج هذا السلاح الذي هو السلاح الكيميائي". وتابع العسكري ان الخلية حصلت على "برامج وصلتها من تنظيمات القاعدة في الخارج وكانت تعمل وفق برنامج خاص بغاز السارين وغاز الاعصاب وغاز الخردل".

واشار الى ان اعضاء الخلية عندما قبض عليهم كانوا يستعدون لشن هجمات "محليا" عبر استخدام طائرات تعمل بجهاز تحكم عن بعد، و"ثم هناك اعترافات وشبكة منظمة لتهريبها خارج العراق في احدى دول الجوار واستخدامها في ضرب اهداف في اوروبا واميركا الشمالية".

واعلن العسكري انه "بالتعاون مع الكثير من اجهزة الاستخبارات الاخرى في داخل وخارج العراق استطعنا ان نتوصل الى هذه الخلية وتم القاء القبض عليهم وكل محتوياتهم وكل مخططاتهم". ولم يحدد العسكري البلد المجاور الذي كان ينوي المعتقلون تهريب السلاح اليه، ولا اجهزة الاستخبارات التي تعاون معها العراق. بحسب رويترز.

في السياق ذاته قال مسؤول أمني رفيع ومصادر في صناعة النفط إن العراق أحبط مؤامرة لتنظيم القاعدة كانت تستهدف مهاجمة منشأة نفطية رئيسية في بغداد باستخدام عربات صهريج محملة بالمتفجرات. ولم يفصح المسؤول الامني عن المنشأة نظرا لاستمرار التحقيق لكن مسؤولين بوزارة النفط قالوا ان قوات الامن في حالة تأهب قصوى بعد سلسلة من الهجمات على خط انابيب في الشمال.

وقال مسؤول كبير في مكافحة الارهاب "ألقينا القبض على زعيم محلي للقاعدة دبر مؤامرة لشن هجوم ضخم على منشأة نفطية كبيرة في بغداد." وقال المصدر الامني ان المتمردين خططوا لوضع متفجرات في عربات صهريج تنقل النفط الخام من الحقول الجنوبية في البصرة الى مستودعات التخزين داخل منشأة النفط الرئيسية في بغداد حيث سيتم تفجيرها.

لقاء رمزي

الى جانب ذلك عقد قادة العراق اجتماعا رمزيا موسعا لهم بعد نحو عام ونصف عام على اول محاولة لعقد لقاء مماثل، في وقت تشهد البلاد تدهورا امنيا متصاعدا وتعصف بها ازمات سياسة متواصلة. وحضر الاجتماع في منزل رئيس المجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم في بغداد، رئيس الوزراء نوري المالكي، ورئيس البرلمان اسامة النجيفي، ونائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي.

كما حضر الاجتماع نائبا رئيس الحكومة ووزراء ونواب وقادة دينيون بينهم رئيسا الوقفين السني والشيعي، بينما غاب عن الاجتماع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ورئيس ائتلاف "العراقية" اياد علاوي. وشهد اللقاء مصالحة بين المالكي، رئيس الوزراء الشيعي الذي يحكم البلاد منذ 2006، والنجيفي، احد ابرز قادة ائتلاف "العراقية" السنة، حيث تصافح الرجلان وتبادلا القبلات تحت انظار وتصفيق الحاضرين.

وقال لهما رئيس الوقف السني احمد عبد الغفور السامرائي "اليوم هو احسن بشرى للعراقيين جميعا، اقسم بالله لقد افرحتم العراقيين، والله يبيض وجوهكم مثلما بيضتم وجوه العراقيين". كما قال الحكيم "هم كبار وعلى قدر المسؤولية". من جهته، اعتبر النجيفي ان "اللقاء كان طيبا وازال الخلافات وان شاء الله نبدا بداية جديدة، وسيبنى على هذا اللقاء لقاءات اخرى لنبحث كل الملفات بروح اخوية". بحسب فرانس برس.

واضاف ان هذه اللقاءات ستهدف الى معالجة "كل المشاكل التي يطالب بها المتظاهرون وكل المكونات العراقية بصورة صحيحة وسريعة". كما شدد على ان "لا خلاف شخصيا مع المالكي بل هو خلاف مبني على اختلاف وجهات النظر وان شاء الله تزول جميع القضايا ونلتزم جميعا بالدستور ونبني البلد". وتابع النجيفي "وضع العراق كان صعبا جدا وعلى شفير انهيار وعلى وشك ان يشهد حربا اهلية وهذا اللقاء كان مهما جدا ولا بد ان نعيد الوضع الى استقراره".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/حزيران/2013 - 25/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م