تمهيداً لمشروع الدولة الواحدة!

د.عادل محمد عايش الأسطل

في أعقاب تلويح اليمين الإسرائيلي والذي ينتمي إلى معسكر (أرض إسرائيل الكاملة)، بالضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية الائتلافية، بقيادة حزب (الليكود) الإسرائيلي، وزعامة رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو"، للسعي نحو التوجه لاعتماد مشروع الدولة الواحدة والشروع في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني نحو تطبيقه، على قواعد تضمن تحقيق إسرائيل الكبرى من جهة، وضمان أغلبية يهودية من جهةٍ ثانية، ينوي الحزب طرح مشروع قانونٍ أساس يمهّد لهذا المسعى.

جاء ذلك التلويح بعد أن رأى فريق من الساسة الاسرائيليين ومنهم وزير الدفاع ووزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق "موشيه آرنس"، أنه لم تعد هناك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. ولذلك دعا إلى تطبيق حل الدولة الواحدة فيما بين النهر والبحر، (ثنائية القومية) عربية ويهودية. كذلك وبصورة متكررة عبّر "رؤوفين ريفلين" رئيس الكنيست السابق وعضو الكنيست عن نفس الحزب، عن رفضه المطلق لحل الدولتين، حيث فضّل أن يكون الفلسطينيون مواطنين في دولة إسرائيل على تقسيم البلاد. كما أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ومدير معهد الدبلوماسية العامة في المعهد المقدسي للشؤون العامة والسياسية، "ألان بيكر" زعم أنه لا توجد أي وثيقة قانونية تقرر بأنّ قطاع غزة والضفة الغربية تعود للفلسطينيين في أيّة اتفاقات سياسية قادمة. ناهيك عن معارضة غالبية الإسرائيليين لحل الدولتين.

المشروع المنوي طرحه بمبادرة من رئيس الائتلاف الحاكم في الكنيست "ياريف ليفين" سيطرح على جدول أعمال الكنيست خلال الأسبوع الجاري، بهدف ضم منطقة الضفة الغربية التي تسميها إسرائيل (يهودا والسامرة) إليها، حيث سينص أحد بنوده، على أن (أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، ومكان تأسيس دولة إسرائيل). بغض النظر عن ردود فعل محلية إسرائيلية، التي لن تتمثل سوى في أقلية صغيرة تنتمي إلى معسكر اليسار الراديكالي، وهو معسكر صغير في إسرائيل، ليس له وزن وليس ممثلًاً في الكنيست. بمبرر أن ذلك القانون يمثل خطراً على اليهودية وتراجعاً عن الديمقراطية.

كما أنها – إسرائيل- لن تعير اهتماماً زائداً، لردود فعل جهات إقليمية ودولية مختلفة، لأنها في النهاية سترضخ لذلك المشروع، بعد اقتناعها بأن ليس هناك بديل آخر، بعد أربعة عقود من الحروب الدامية والنزاعات المستمرة وعقدين آخرين كاملين من السلام، كما أنه من السهل اقناع الدول العربية والفلسطينيين بشكلٍ خاص، من خلال إجراء بعض الامتيازات والتعديلات التي تساهم في تحسين حرياتهم وظروف حياتهم الاقتصادية.

إن فكرة (أرض إسرائيل الكاملة) لم تغب يوماً عن طموحات اليمين الاسرئيلي ومنذ ولادة الفكرة التي بدأها الرعيل الأول من اليهود في أنحاء العالم، ويمكن استشعار ذلك من خلال كتاباتهم المختلفة وأشهرها تلك التي كان يقول بها "زئيف جابوتنسكي" وأسلافه، وحتى برزت في أعمال منحوتة. حيث نُحتت مجسمات تدل على خريطة (أرض إسرائيل الكبرى)، التي تشمل فلسطين التاريخية وشرق الأردن. كما أن إسرائيل لم تقم إلى الآن بحسم الأجزاء – الضفة الغربية والقطاع - التي أخلتها من الخريطة التاريخية التي تعتمدها لفلسطين. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد اعتمدت في السابق علناً ما هو أبعد من ذلك، من خلال قيامها بصك نقود معدنية، طُبع عليها خارطة (إسرائيل الكبرى) حيث شملت فلسطين التاريخية وشرق الأردن وجزء كبير من الأراضي السورية وشبه جزيرة سيناء إضافةً إلى منطقة واسعة من المملكة السعودية حتى الأراضي العراقية في الشرق، ويمكن رؤية ذلك في ألوان العلم الإسرائيلي ذو الخطين الأزرقين اللذين يعنيان نهري النيل والفرات وتتوسطهما نجمة داوود السداسية.

وبالمقابل فإن هناك بعضاً من الزعماء العرب، سواء من خلال تمثيلهم الدوائر الرسمية أو الشخصية، يرغبون في تحقيق هذه الفكرة على أرض فلسطين، في سبيل تصفية القضية الفلسطينية. وكان سعى زعيم ليبيا "معمر القذافي" إلى ذلك منذ أمدٍ طويل. كذلك فإن هناك جهات فلسطينية مسؤولة تؤيد الفكرة وبقوة، ويمكن تذكّر الدعوة التي وجهها غسان الشكعة منذ أكثر من عقدين لإسرائيل، بأن عليها إمّا أن تضم الأراضي الفلسطينية بساكنيها وإمّا أن تجلو عنها. ومنذ وقتٍ قريب رحب رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير "فاروق القدومي" بعودة الضفة العربية إلى الأردن وبدرت عنه وشخصيات مسؤولة تصريحات أخرى، تدل على أن هناك قبول مبدئي حول البحث في الدولة الواحدة، ناهيك عن أن شريحة أهلية وشعبية كبرى تأمل في تحقيق ذلك الحل، لدواعٍ سياسية واقتصادية ودوافع أخرى. وإن كان كل ما سبق لا يُعبّر عن الموقف الرسمي لمنظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية.

من أجل التقدم نحو هذا المسعى، فإن إسرائيل ستعمل على اتخاذ إجراءات أحادية وغيرها بالاشتراك مع الفلسطينيين، مع الأخذ في الحسبان صعوبة التقدم أو إحراز النجاحات في البداية على الأقل، مثل التمكن من خلق حلول مناسبة للمشكلة الديمغرافية في الدولة ثنائية القومية، وأهمها، إيجاد آليات عملية لجذب نصف مليون يهودي على الأقل للنزول إلى إسرائيل، من خلال تكثيف المحفزات الاقتصادية والدينية أيضاً التي من الضروري تقديمها أمام الأنف اليهودية المتديّنة، وذلك من وجهة نظرها ممكن جداً. في مقابل العمل على إلغاء حق العودة الفلسطيني لا سيما وإن إسرائيل مطمئنة بشكلٍ ما، نحو قبول عربي وفلسطيني نهاية المطاف، من خلال ما يصدر وتستشفّه إسرائيل من خلال المفاوضات واللقاءات مع فلسطينيين وعرب. علاوة على أنه ومنذ سنوات الستينات وما بعدها، كانت هناك مشاريع توطينية وبوادر موافقات (عربية) من السودان إلى المملكة الأردنية. وأيضاً (دولية) من استراليا إلى كندا في هذا الشأن. ولا شك فإن المجتمع الدولي سيساهم بقوة باتجاه تنفيذ المشروع وما يتعلق به من إمدادات وضمانات مختلفة.

في الآونة الأخيرة كشفت تقارير إخبارية غربية وعبرية، عن بعض المعطيات المهمة حول هذا المسعى ليس من الجانب الإسرائيلي وحسب، بل ومن الجانب الفلسطيني أيضاً، بالرغم من الانتقادات ضد هذه الرؤيا. فإن إسرائيل قامت ببناء المزيد من المستوطنات وشرعنة أخرى وتسمينها بآلاف الدونمات وعمدت إلى شق الطرق والكباري، وإنشاء المدارس والجامعات والكنس والمتاحف الدينية داخل مدينة القدس ومحيط المسجد الأقصى، بهدف الحيلولة دون حل الدولتين، أو أيّة حلولٍ أخرى مشابهة.

ومن ناحية أخرى فإن هناك أعداداً هائلة من الجالية اليهودية في دول أوروبية خاصةً فرنسا، أعلنت عن استعدادها للقبول بالانتقال إلى الأراضي الفلسطينية، وقد كانوا يرفضون بحزم هذا المسعى طيلة الأزمان الفائتة، وحدثت المزيد من الإشكالات بين إسرائيل وفرنسا حول دعوة إسرائيل ليهودها بالقدوم إليها. وكان أظهرها الأزمة التي حدثت بين رئيس الوزراء "نتانياهو" والرئيس الفرنسي "جاك شيراك" أواخر التسعينات، بهذا الخصوص. إن القيادة اليمينية في إسرائيل ترى أن التوجه نحو هذا الحل هو توجّه سيء، ولكنه ليس الأسوأ، وتعتبر إذا ما تمت الموافقة على المضي في تنفيذه، فإنه سيعدّ أحد أكبر انجازاتها.

هذا المشروع يتم تداوله منذ الماضي وفي الأثناء بصورةٍ أعمق، الأمر الذي يقودنا إلى التساؤل حول مدى إمكانية تحقيقه، خاصةً في ضوء الأنباء المتواترة حول تطلّع البعض نحو حل الكنفيدرالية مع المملكة الأردنية، والمواقف التي لا زالت تأمل في تحقيق حل الدولتين.

* خانيونس/فلسطين

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/حزيران/2013 - 21/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م