وطنَّا... أجار لو ملك؟

علي فاهم

عند زيارتي لصديق قديم يسكن داراً في إحدى الضواحي الضائعة للعاصمة المفخخة (بغداد) دعاني فيها لوليمة أقامها على شرفي عبارة عن سمكة (سبوح) وللسمك مع العراقيين أسرار لا يعرفها الا الراسخون في علم (ما يجوز ولا يجوز في استقبال الضيوف الشباب والعجوز)...

عند دخولي لبيت صديقي وهي المرة الأولى التي أزوره فيه منذ انتقاله من بيته السابق، لفت نظري الحالة المزرية لوضع البيت الذي يسكنه صاحبي وربما كان اطلاق عليه اسم بيت هو للتشبيه فقط فالحيطان مهربشة ومخربشة والارض مكسرة ومنحسرة والسقوف تمطلا تراباً على الجالسين والجدران تحتضن معرض مشوه لرسوم شيطانية وزجاج مكسر صدمني المنظر فواجهت صاحبي بواقع داره وحالها الذي لا يسر صديق ولا عدو فما كان تبريره الا بكلمة واحدة: إن هذا البيت (أجار مو ملك) نعم فلو كان البيت ملكه لما تركه بهذه الحال فهولا يشعر بالانتماء الى هذا المكان وانما يعتبره مرحلة يمر بها وسينتقل بعدها الى بيت آخر فلا يهتم بما يحدث في لانه ملك لآخرين، وهنا قفز لذهني حال بعض المسؤولين عندنا، فعندما يستلمون مناصب معينة يتعاملون مع المنصب او المسؤولية في هذا الوطن بطريقتين فبعضهم يتعامل معها على انها ملك له ولأبنائه ولأهله ولإخوانه وكل شعبه وهو موظف عندهم ولا اقصد بالملكية هنا بمعنى التملك وانما هو ذلك الشعور بالانتماء لهذا البلد وانك جزء من كل فعندما تقدم خدمة ما ستعود بالتالي بالفائدة عليك وعلى الجميع والذي يسميه الناس (الوطنية).

أما الصنف الثاني الذي ابتلينا به فهم المسؤولون الذين يتعاملون مع وطنهم على أنه (أجار) وهم نزل فيه فلا يهمهم إن أصبح الوطن خربة ولا يهتمون بهذا الشعب أو يهتمون بمسؤوليتهم بقدر ما يدر عليهم من مكاسب شخصية او أموال فهو بيت أجار سينتقلون منه بعد ان تنتهي صلاحياتهم ولهذا فهم في سباق مع الزمن لاقتناص الفرص في الكسب المادي من وراء المنصب وبالطرق المشروعة او غير المشروعة على حد سواء بغض النظر عما تخلفه أعمالهم من أضرار على الناس في المستقبل القريب أو البعيد فأمثال هولاء يجب الا يستلموا مناصب وان يجتثوا من اماكنهم لانهم سرطان انتشر في الجسد العراقي حتى بات هو السمة البارزة وهولاء من جعلوا العراق في صدارة قائمة الدول الاكثر فساداً في العالم اصبح وجودهم الذي يفترض ان يكون شاذاً بات طبيعياً لا بل اصبح الانسان الشريف الوطني الذي يعتبر وطنه ملكاً لا أجاراً هو انسان شاذ عن القاعدة ويطلق عليه الناس لقب (بطران) ليزيحوه من الواجهة ويصبوا عليه غضبهم ويسقطونه لانه (يمشي مستقيماً في شارع أعوج) أما الفاسد فبدل أن يشخص وينبذ من المجتمع تراه مقدر ومحترم ويمدح به الناس فكأن الميزان نكس على رأسه وباتت نبوءة النبي الاعظم واضحة (كيف بكم وانتم ترون المنكر معروفاً والمعروف منكراً) ؟؟؟

ودمتم سالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/آيار/2013 - 19/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م