الامن في العراق وتقاطعات النخب السياسية

العنف يمهد لعدة سيناريوهات مرعبة

 

شبكة النبأ: اسهمت الخلافات السياسية في العراق والتي تفاقمت بشكل خطير في الفترة الاخيرة الى تردي الوضع الامني واتساع دائرة العنف التي غلب عليها الطابع الطائفي كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان الصراعات والخلافات السياسية والمشاحنات والحرب الاعلامية بين الكتل والاحزاب السياسية المشاركة واستخدامها الخطاب القومي او الطائفي قد تسببت بخلق فوضى امنية في البلاد واسهم بعودة المجاميع الارهابية المسلحة التي استفادت كثيرا من التصعيدات الاخيرة، يضاف الى ذلك الدعم والتدخل الخارجي الذي تقوم به بعض الدول الإقليمية والعربية التي تسعى الى تغير خارطة المنطقة وفوق اسس طائفية، وفي ما يخص اخر الاحداث في العراق قالت الشرطة ومسعفون إن ما لا يقل عن 79 شخصا قتلوا في تفجيرات سيارات ملغومة وهجمات انتحارية استهدفت الشيعة في مناطق متفرقة بالعراق في اطار موجة من أسوأ أعمال العنف الطائفي منذ انسحاب القوات الأمريكية في ديسمبر كانون الأول 2011. وزادت التفجيرات عدد قتلى الاشتباكات الطائفية في الأسبوع الأخير الى ما يربو على 200 مع بلوغ التوتر الشيعي السني مرحلة يخشى البعض معها العودة إلى الصراع الأهلي.

ولم تعلن أي جماعة على الفور مسؤوليتها عن التفجيرات. وفي العراق عدة جماعات سنية مسلحة من بينها جماعة دولة العراق الإسلامية المنتمية للقاعدة والتي تستهدف الشيعة سعيا لإشعال فتيل صراع طائفي. وقالت الشرطة ومسعفون إن تسعة أشخاص قتلوا في انفجار سيارة ملغومة من اثنتبن انفجرتا في البصرة ذات الأغلبية الشيعية على بعد نحو 420 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من بغداد.

وقال أحد ضباط الشرطة قرب موقع الهجوم في حي الحيانية "كنت في نوبة عملي حين هز انفجار شديد الأرض." وأضاف "أصاب الانفجار مجموعة من عمال اليومية قرب كشك للشطائر. رأيت جثة عامل وكانت الشطيرة ما تزال في يده وقد تشربت بالدماء." وذكرت الشرطة ومسعفون أن خمسة أشخاص قتلوا في انفجار آخر داخل محطة للحافلات في ساحة سعد بالبصرة.

وفي بغداد قالت الشرطة إن ما لا يقل عن 30 شخصا قتلوا في تفجيرات سيارات ملغومة في الكمالية والإعلام وجسر ديالي والشرطة والشعلة والزعفرانية ومدينة الصدر وكلها مناطق بها تركزات كبيرة للشيعة. وقالت الشرطة ومصادر طبية إن سيارة متوقفة انفجرت في حي الشعب ذي الاغلبية الشيعية في شمال بغداد مما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة 26 آخرين.

وفي بلدة بلد التي تبعد 80 كيلومترا شمالي بغداد قالت الشرطة إن سيارة متوقفة انفجرت قرب حافلة تقل زوارا شيعة من إيران مما أسفر عن مقتل خمسة زوار إيرانيين واثنين من العراقيين كانوا في طريقهم إلى مدينة سامراء.

وقالت الشرطة ومسعفون ان 11 شخصا قتلوا في انفجار سيارة ملغومة وهجوم انتحاري في الحلة على بعد 100 كيلومتر جنوبي بغداد. ووقع الهجومان كلاهما قرب دار عبادة شيعية وسوق مفتوحة. وفي محافظة الانبار في غرب العراق قالت الشرطة ومصادر امنية إنه عثر في الصحراء على جثث 14 شخصا خطفوا بينهم ستة من افراد الشرطة مصابين في رؤوسهم وصدورهم بأعيرة نارية. وكانت الأنبار إبان ذروة العنف الطائفي في 2006 و2007 في قبضة جناح القاعدة دولة العراق الإسلامية الذي استعاد بعض قوته هناك في الاشهر الاخيرة.

وفي عام 2007 اتحدت قبائل الانبار مع القوات الأمريكية وساعدت في التصدي للقاعدة. وأصبح مقاتلوها الذين يعرفون باسم مجالس الصحوة على قائمة الرواتب التي تدفعها الحكومة العراقية وكثيرا ما يستهدفهم المتشددون السنة لتعاونهم مع الحكومة التي يقودها الشيعة. وقالت الشرطة إن ثلاثة من أفراد الصحوة قتلوا في تفجير سيارة ملغومة وهم يتسلمون رواتبهم في مدينة سامراء شمالي بغداد.

وفي بيجي التي تبعد 180 كيلومترا شمالي بغداد فجر انتحاري يرتدي حزاما ناسفا نفسه في نقطة تفتيش للصحوة فقتل اثنين من افرادها واصاب سبعة آخرين. ويتعرض النسيج الطائفي الهش في العراق لضغوط متزايدة بسبب الصراع في سوريا الذي يجتذب سنة وشيعة من شنى انحاء المنطقة.

ويقول العراق إنه لا ينحاز إلى أي جانب في الصراع في سوريا لكن الزعماء في إيران وبغداد يخشون أن يفسح سقوط الأسد المجال لقيام حكومة إسلامية سنية معادية في سوريا مما يضعف نفوذ الشيعة في الشرق الأوسط. وشجع احتمال حدوث تحول في ميزان القوى الطائفي الأقلية السنية في العراق بعد سنوات هيمن خلالها الشيعة على البلاد منذ الاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين على ايدي قوات تقودها الولايات المتحدة في عام 2003. وفي أوج الصراع الطائفي بالعراق عامي 2006 و2007 كان عدد القتلى يتجاوز أحيانا ثلاثة آلاف في الشهر.

الى جانب ذلك اتهم رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي رئيس الحكومة نوري المالكي بالتمرد على الدستور بعد رفضه حضور جلسة لمناقشة التدهور الأمني، ملوحا بإمكانية إقامة دعوى قضائية ضده.

وقال النجيفي في مؤتمر صحافي في مقر مجلس النواب ان المالكي "اثبت في تمرده على الدستور هذا اليوم وتحريضه نواب الشعب على عدم ممارسة سلطاتهم الدستورية في مناقشة الانهيار الأمني انه ماض بالاستخفاف بالدماء الزكية". وأضاف ان "امتناع السيد رئيس الوزراء عن الحضور انتهاك واضح للدستور وتعالي على مجلس النواب".

وتابع "كنا نتمنى عليه ان يكون على مستوى عال من الشجاعة ليقف امام أبناء الشعب ممثلا بمجلس النواب ليشرح مكامن إخفاق حكومته وفشلها في الحد من الموت الجماعي على يد الإرهاب لا ان يكون محرضا على خرق الدستور والقوانين". وقال النجيفي ان رئيس الوزراء الذي يحكم البلاد منذ 2006 "كان هو وحده العنوان الابرز والاوحد في صناعة" أزمات البلاد، معتبرا ان المالكي وفر فرصة لعودة النزاع الطائفي الى العراق "من خلال استعدائه بعض شعبنا على بعضه".

وأضاف ان المالكي "يدير الملف الامني من الالف الى الياء ويجب ان يسال عن هذا الملف"، مشيرا الى ان "ميزانية كبيرة للقوات المسلحة دون طائل في الحد من الارهاب والموت الجماعي لابناء الشعب". ولوح النجيفي، احد ابرز الشخصيات السنية في ائتلاف "العراقية"، باحتمال اللجوء الى القضاء على خلفية رفض رئيس الوزراء الحضور الى مجلس النواب. وقال ان "التحريض الذي حصل من قبل رئيس الوزراء واتهام المجلس يعطينا الحق بإقامة دعوى على مجلس الوزراء"، مؤكدا "هذا الامر فعلا ما سنقوم به في الايام المقبلة".

على صعيد متصل اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان الحكومة بصدد اجراء تغييرات في مواقع المسؤولين عن الامن في البلاد وفي الخطط الامنية بعد تزايد وتيرة العنف. وقال المالكي في مؤتمر صحافي في بغداد برفقة عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين "نحن بصدد اجراء تغييرات بالمواقع العليا والمتوسطة والخطط الامنية". واضاف ان الحكومة ستبحث هذه المسالة في جلستها "لاتخاذ قرارات".

واعتبر المالكي ان العراق يشهد "عدم استقرار مجتمعي بسبب الفتنة الطائفية التي ارتبطت هذه المرة بمعطيات خارج الحدود وبصراعات طائفية في العراق ادخلها المفسدون والسيئون من الطائفيين". وتابع "اطمئن الشعب العراقي بانهم لن يتمكنوا من اعادة اجواء الحرب الطائفية" الى البلاد التي عاشت بين عامي 2006 و2008 نزاعا طائفيا داميا بين السنة والشيعة قتل فيه الآلاف.

وسئل المالكي عن اجهزة الكشف عن المتفجرات التي تستخدمها قوات الامن رغم ثبوت عدم فاعليتها، فقال ان "افضل جهاز في العالم لا يكشف اكثر من 60 بالمئة والنتائج التي حصلنا عليها تشير الى ان هذه الاجهزة تكشف من 20 الى 50 بالمئة". وأضاف "قسم من الاجهزة كانت اصلية وكانت تكشف، والقسم الاخر التي اقيمت عليها الدعوى كانت مزيفة"، في اشارة الى الدعاوى التي اقيمت ضد الشركة البريطانية التي صدرت هذه الاجهزة الى العراق والتي حكم مؤخرا على رئيسها بالسجن عشر سنوات. واعلن المالكي ان الاجهزة الامنية ستبدأ الاعتماد اكثر على الكلاب البوليسية "لا نها اكثر قدرة على الكشف عن المتفجرات".

من جهة اخرى دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى اقامة صلاة موحدة بين السنة والشيعة كل يوم جمعة في بغداد بعد تزايد استهداف مساجد الطرفين. وقال المالكي في بيان وزعه مكتبه الاعلامي ان "الصلاة الموحدة يفهم منها انها تجمع العراقيين من السنة والشيعة وهذا ما نتمناه، فالصلاة الموحدة الحقيقية يجب ان تجمع المسلمين بكل طوائفهم في مسجد واحد". واضاف "ادعو الى اقامة صلاة موحدة بهذا الشكل في احد مساجد بغداد الكبيرة وتستمر بصورة دائمة كل يوم جمعة".

وقال المالكي في بيانه ان "الذين يستهدفون المساجد هم أعداء السنة والشيعة على حد سواء ويخططون لإشعال الفتنة وهو مخطط قديم يراد احياءه". وناشد "علماء الدين الأفاضل الى القيام بواجبهم بنبذ الطائفية والفرقة والدعوة الى وحدة الصف"، مؤكد ان "توجيهاتنا الى الأجهزة الامنية بحماية جميع المساجد ودور العبادة واضحة ومشددة، ولا تساهل مع اي تقصير في هذا المجال".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/آيار/2013 - 15/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م