قطر والإرهاب في العراق وسوريا.. أية علاقة؟

ياسر الحراق الحسني

ظل الحكم في قطر يتكتم على الجرائم الإرهابية للمعارضة المسلحة في سوريا ناكراً لها إلى أن غردت بنت الأمير تغريدتها المشهورة على التويتر، مستنكرةً للإرهاب الذي يمارسه "سعوديون" على حد تعبيرها في سوريا. خرجة التويتر للأميرة هند بنت حمد آل ثاني التي مضمونها كون أباها دعم الثورة السورية عن حسن نية، فوجد نفسه متورطاً بسبب اندساس سعوديين يقتلون السوريين الأبرياء هي بمثابة عمل مدروس بدقة داخل القصر القطري. تحاول السلطات بمثل هذه التغريدة خلق تقسيم وهمي داخل مشهد صنع القرار القطري للنأي بالأمير وعائلته عن التورط في جرائم ضد الإنسانية مستقبلاً.

 إن الأميرة تريد أن توحي أن هناك كيان سياسي قطري يدعم المعارضة المسلحة في سوريا إستفاد من تعاطف الأمير. وهذا لعب على العقول وتزوير لحقيقة أن في قطر، الكيان الأوحد المتجبر وصاحب القرار هو أمير البلاد والعائلة الحاكمة. فلا مجال للإيحاء بوجود حياة سياسية تتجاذب فيها القوى المختلفة في قطر. يأتي هذا بعدما مني المرتزقة الأجانب الذين تدعمهم قطر بهزائم نكراء في الأرواح والعتاد ما بدأ يتحول إلى عبء على الميزانية القطرية. ويمكن أيضاً النظر إلى تغريدة الأميرة كتعبير عن التناحر بين الجماعات السلفية المتسعودة والجماعات الإخونجية المتقطرنة من أجل الغنائم والسلطة، وهذا مشهد صغير لمشهد أكبر منه تتصارع فيه قطر والسعودية على نشر الفوضى في المنطقة وتقسيمها طائفياً بما يضمن تسويق السلاح والبضائع الأمريكية والفرنسية والبريطانية مقابل الحماية الغربية لإستمرار حكم العشائر. فما هي علاقة قطر بالإرهاب؟ وهل تغريدة الأميرة إمضاء على نهاية هذه العلاقة بعدما تبين أن الرهان على الإرهاب رهان خاسر؟

في فهم لجوء قطر لدعم الإرهاب

لا أحد يشكك في كون قطر دولة ديكتاتورية قمعية تصدر أحكاماً قد تصل إلى المؤبد (كما في حال الشاعر محمد العجمي) بسبب التعبير المخالف لسياسات الأمير أو الناقد لذات الأمير أو عائلته. قطر دولة تطحن حقوق الأقليات طحناً دون أن يثار ذلك في قنوات التعليمات الأميرية الفضائية والأرضية. فقد أقدمت الحكومة القطرية على هدم المساجد الشيعية والحسينيات وآخرها مسجد الصفار ومسجد وحسينية الإمام الحسن بالدوحة، ومنع استقدام خطباء للحسينيات الموجودة الى جانب التضييق على علماء الشيعة القطريين. فضلا عن ذلك، قامت قطر بإغلاق المركز الثقافي الشيعي وسحب ترخيصه، إضافةً الى انتهاكها لحرمة مقابر المسلمين الشيعة وهدمها قبل بضعة اشهر. هذا الى جانب انتهاكات أخرى جسيمة في حق الأقليات الوافدة من الخارج. والمقصود من المرور عبر هذه النقاط هو توضيح صورة النظام القطري الحقيقية والتي تتسم بالإستبداد.

إن دولة مستبدة تحكمها عشيرة أو عشيرتين تعادي بالضرورة أي دولة مجاورة أو قريبة بدأت تظهر فيها ملامح الديموقراطية والحكم المدني. الإعلام الحر وإن نسبياً مثلاً في دولة مجاورة تجد فيه الدولة المستبدة تهديداً لأمنها ما دام أمنها قائم على قدسية الحاكم وحرمة مساءلته. في هذا السياق، يمكن فهم دعم قطر لما من شأنه زعزعة الإستقرار في بلدان مثل العراق وسوريا.

من المؤكد أن هامش الحرية والحكم المدني في كل من العراق وسوريا يفوق بكثير دول المنطقة العربية الشرق أوسطية بإستثناء لبنان الذي له وضع خاص. بلدان يعدان الأكثر قابلية لدمقرطة شاملة وحقيقية رأت فيهما بلدان خليجية أهمها قطر تهديداً للوضع القائم حيث تهيمن فيه عشيرة واحدة على مقدرات الوطن. وهذا تخوف معقول إذا ما نظرنا إلى جدية تهديد البلدان السائرة نحو دمقرطة شاملة بما يصاحب سيرها من ثورة على المستوى الإعلامي والحقوقي والجيوسياسي. ولعل هذا يفسر رغبة قطر العائلة الحاكمة في ضرب إستقرار العراق وسوريا. ضرب قامت عليه الأدلة والبراهين تجسد في الدور الإعلامي والفتوائي وأخيراً بطريقة لم تعد قابلة للإخفاء، تجسد في الدعم المالي والعسكري للجماعات الإرهابية المختلفة.

في أشكال دعم قطر للإرهاب

1. الدعم الإعلامي

اخترت تقسيم دعم قطر الإعلامي للإرهاب خاصةً في العراق وسوريا إلى قسمين: دعم موجب ودعم سالب. الدعم الموجب ينبني على خلق فعاليات وأنشطة وترويج ملفات وتبني مصطلحات تدعم التيارات الإرهابية. أما الدعم السالب فهو عبارة عن تجاهل وإهمال قضايا وأحداث وملفات تخص المنطقة خاصةً العراق وسوريا والتي مجرد تناولها وتسليط الضوء عليها يساعد في مكافحة الإرهاب.

بدءً بالدعم الإعلامي الموجب، يرى الدكتور جاسم الحبجي في بحث "الإعلام والإرهاب.. قناة الجزيرة أنموذجا" أن قطر تدعم الإرهاب في العراق من خلال قنوات إعلامية أهمها فضائية الجزيرة، بحيث قامت بتوفير منبر إعلامي عالمي للتنظيمات الإرهابية في العراق ما زاد من قوتها وتأثيرها. فكانت " أول قناة قامت بعرض فيلم قام فيه الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي بذبح مقاول أمريكي يعمل في العراق، ثم تلى ذالك عرض جميع أفلام الذبح الأخرى التي قام بها الإرهابيون، حيث توسعت لتشمل العراقيين من الحرس الوطني والجيش والشرطة والمدنيين العزل والزوار لتكرس بذلك ثقافة القتل والإرهاب وتصبح المروج الأول للإرهاب في العراق". كما أن استضافة الجزيرة لمتطرفين إسلاميين ليتكلموا عن ثقافة الذبح ويصفوها بالمقاومة وفر مساحة مهمة لتبرير القتل والذبح". وإستشهد الدكتور على فعالية الخطاب المتطرف الذي روجته الجزيرة بقيام أحد المتطرفين ومنذ فتره مبكرة لسقوط النظام البائد في العراق بالتحريض من خلال الجزيرة على استهداف خطوط أنابيب البترول والبنى التحتية للبلد، وهو ما حصل بالفعل فيما بعد ولا زال يحصل. ومن الدعم الإعلامي الموجب تبني مصطلحات إعلامية تحريضية وترويجها مثل "المثلث السني" و"الجنوب الشيعي " و"الشمال الكردي " و"ما يسمى بمجلس الحكم " وغيرها من المصطلحات التي تحاول أن تقسم العراق وفق كيانات سياسية أو طائفية أو عرقية. وفي سوريا تبنى الإعلام القطري "الشبيحة" و"ميليشيات الأسد" ووصف جبهة النصرة الإرهابية بـ"مقاتلي المعارضة". وكل هذا يعد دعماً للإرهاب وحشداً للرأي العام لصالحه وايهامه بما هو خلاف للواقع.

أما الدعم الإعلامي السالب فيكمن في تجاهل قطر لمواضيع مثل المقابر الجماعية والجرائم الصدامية في العراق والتي اهملها الإعلام القطري بعدما أثار شخصية وهمية حول صدام كقائد قاوم الغزو فمات " شهيداً ". وكذلك موضوع ذبح المواطنين العراقيين على الهوية وتفجير الزوار والمقامات المقدسة وغير ذلك. نفس الشيء يصدق على النموذج السوري حيث يتم التستر على كل المذابح التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية دون تخصيص أي مادة لذلك، خاصة وأن بعض الملفات مثل حرق جثت المقاتلين وقتل الجرحى في صفوف المعارضة وذبح الأسرى والتمثيل بهم مواضيع اثارتها جل الوكالات العالمية. وهذا ينبي بضلوع مباشر للإعلام القطري في دعم الإرهاب من ناحية تجاوز أشهر مذابحه.

2. الدعم الفتوائي:

إذا ما جمعنا بين فتوى الشيخ يوسف القرضاوي التي تعتبر أن الديكتاتور صدام حسين مات شهيداً مع تستر الاعلام القطري واهماله كلياً جرائم صدام، واستضافته في مقابل ذلك لشخصيات تبارك العمل المسلح ضد الحكومات المنتخبة في العراق، فإننا سنحصل على صورة واضحة حول تشجيع قطر للأعمال الإرهابية في العراق مستغلةً عامل الفتوى الدينية. هذا الأمر يتجلى بوضوح أكثر عندما ننظر إلى فتاوي القرضاوي المشهورة التي تبيح قتل المسؤولين السوريين وحتى المتعاونين والمتعاملين مع النظام من علماء وعامة وموظفين وغيره. وقد نفذت فتاوي القرضاوي بصفته الواعظ الرسمي والعالم الأكبر في قطر على الأرض فرأينا أحداثا ارهابية راح ضحيتها إبن الشيخ حسون والعلامة البوطي وآخرين من عامة الشعب السوري. فهذا النوع من الفتاوي يدعم الإرهاب في البلدين المذكورين عن طريق توفير الغطاء الديني له.

3. الدعم المادي:

انه لا معنى للحديث اليوم عن تنظيم القاعدة بكونه جماعة ارهابية مستقرة في مكان ما بين أفغانستان وباكستان. الحديث عن القاعدة اليوم هو ذات الحديث عن تنظيم طالبان وجبهة النصرة وتنظيم دولة العراق الإسلامية والقاعدة في بلاد الرافدين وغيرها من التنظيمات الموالية للقاعدة والحاملة لإديولوجيتها. فمن غير الممكن أن يكون الواحد مع القاعدة وضد باقي التنظيمات المذكورة والعكس صحيح.

لقد كانت قطر ملاذاً آمناً لقيادات من تنظيم القاعدة مثل خالد الشيخ محمد طوال التسعينيات بحسب منظمة مشروع التحريات حول الإرهاب الذي يرأسه الصحافي الأمريكي ستيفن ايمرسون. وقد إستفاد قادة من القاعدة مما يعتبر دعماً مادياً من خلال الموافقة على اقامتهم وما يتعلق بها من حماية وتسهيلات. وقد وظفت قطر في مؤسساتها متآمرين مع تنظيم القاعدة مثل تيسير علوني الذي عمل لدى الجزيرة وادين بجرائم دعم وإيواء لعناصر القاعدة من طرف القضاء الإسباني الذي حكم عليه ب 7 سنوات سجناً. وكذلك توظيفها لسامي الحاج وهو متهم آخر بدعم القاعدة أفرج عنه من سجن غوانتنامو بعد مفاوضات مع الدولة القطرية.

 ليس هذا أمر يتعلق بالماضي فحسب، فقد ذكرت يومية "ذي باكستاني دايلي" الباكستانية الصادرة بتاريخ 5 أبريل 2013 أن العاصمة القطرية الدوحة أصبحت تستضيف مكتباً جهوياً لتنظيم طالبان. وكانت اليومية المذكورة استندت على مصدر موثوق من محيط الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. وكانت قناة السي إن إن في نشرتها حول مساعي الجزيرة شراء شبكة الكايبل التلفزية الأمريكة بتاريخ 23 أبريل 2013 وصفت الجزيرة القطرية بالقناة الإرهابية. وصف نالته الجزيرة من قناة فرانس 24 بتاريخ 23 يناير 2013 بناءً على تقرير معنون "هل قطر تؤجج الأزمة في شمال مالي" والتي تحدثت عن دعم مالي تلقاه أعضاء القاعدة من الدوحة. وكانت الواشنطن بوست نشرت تقريراً عن دعم قطر المادي لصالح عبد الحكيم بلحاج قائد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والمصنفة كتنظيم إرهابي من طرف الولايات المتحدة ويشتبه في قيامها بدور مهم في تجنيد وإرسال شباب من ليبيا وتونس لزعزعة الإستقرار في سوريا. هذا إلى جانب تقارير عديدة أخرى نختم منها بتقرير النيويورك تايمز بتاريخ 21 دجنبر 2012 الذي يتهم قطر بدعم جماعة النصرة في سوريا التي توالي تنظيم القاعدة وهي كذلك مصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية من طرف الولايات المتحدة.

في الختام

لا يمكن بعد كل الذي تطرقنا له في هذه الورقة التشكيك في وجود علاقة بين قطر والإرهاب الدولي خاصةً في العراق وسوريا. علاقة لا تخفى ملامحها بتغريدة الأميرة القطرية على التويتر. العراق ينزف وسوريا تدمر لا لشيء سوى قابلية هاذان البلدان لدخول مناخ ديموقراطي شامل. الدول العشائرية المستبدة وعلى رأسها قطر ستستمر في مساعيها لإجهاض الإنتقال الديموقراطي وسلاحها في ذلك افتعال وتأجيج الحساسيات العرقية والدينية ثم دعم المجاميع الإرهابية المتطرفة إعلامياً وفتوائياً ومادياً حتى تصبح تجارب الإنتقال الديموقراطي تعني القتل والتفجير وينفر منها شعوب المنطقة. المطلوب اليوم، هو تكثيف العمل الإعلامي الكاشف للدول القمعية وادوارها الهدامة على كل المستويات بدءًا من إعلام الدول وأعمال النخب وليس إنتهاءً عند إعلام التواصل الإجتماعي البسيط. كما يجب على الجهات المعنية الأخذ بعين الإعتبار متابعة قطر دولياً وجعل الآلة الديبلوماسية في خدمة هذا الملف للدفع به إلى الأمام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/آيار/2013 - 15/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م