العراق والفضيحة القاتلة... أجهزة (سونار) تسهم بموت المئات

 

شبكة النبأ: فضيحة أجهزة كشف المتفجرات البريطانية ADE 651 التي أسهمت بحصد رواح الآلاف من الأبرياء فضلا عن الخسائر المادية الأخرى، أصبحت اليوم محط اهتمام وترقب في العراق وباقي دول العالم، خصوصا بعد ان أثبتت التحقيقات أن هذا الجهاز هو جهاز فاشل ومزيف وليس له القدرة على كشف المتفجرات وغيرها من المواد. وقد كشفت واشنطن مطلع عام 2010عن أن اغلب أجهزة كشف المتفجرات التي استوردتها الحكومة العراقية من شركة بريطانية غير صالحة للاستخدام، وطال عقود الشراء فساد مالي، إذ بلغ سعر الجهاز الواحد 60 ألف دولار فيما يباع في أسواق بريطانيا بـ40 دولارا فقط.

وفي كانون الثاني 2010، حظرت الحكومة البريطانية تصدير الجهاز إلى العراق وأفغانستان وألقي القبض على العضو المنتدب لشركة ATSC للاشتباه بالاحتيال، وفيما يخص اخر تطورات تلك الأجهزة فقد قضت محكمة بريطانية بحبس رجل الأعمال البريطاني المليونير جيمس ماكورميك، 56 عاما، بالسجن عشر سنوات بعد إدانته ببيع أجهزة مزيفة للكشف عن القنابل. وقال قاضي محكمة أولد بيلي إن ماكورميك، الذي يعيش في لانغبورت الواقعة في سمرست، ارتكب "حيلة قاسية". ويعتقد بأن ماكورميك حقق 50 مليون جنيه استرليني من مبيعات هذه الأجهزة، من بينها 26.2 مليونا قيمة أجهزة بيعت للعراق وحده.

وقال القاضي إن جريمة الاحتيال هذه "أثارت شعورا مزيفا بالأمان"، وكان لها دور في سقوط قتلى وإصابات، ووصف الأرباح التي تحقق من ورائها بأنها "مشينة". وخلال تلاوته العقوبة الموقعة على ماكورميك، قال القاضي هون مخاطبا ماكورميك، "لقد كنت القوة المحركة والمدبر الوحيد الذي يقف خلف (عملية النصب)".

وأضاف بأن "الأجهزة لم تكن فعالة، والأرباح مشينة، ويجب النظر إلى مسؤوليتك الجنائية كمحتال على أعلى مستوى". ووصفت النيابة العامة البريطانية أجهزة ماكورمك بأنها "غير فعّالة تماماً وتفتقر إلى أي أسس علمية". وكانت الشرطة البريطانية اتهممت في حزيران العام الماضي ستة أشخاص ببيع معدات يزعم انها وهمية للكشف عن التفجيرات في العراق بمبلغ خمسة وثمانين مليون دولار، ثبت عدم كفائتها، مما تسببت في مقتل المئات من العراقيين الأبرياء.

وقد وجهت ست تهم الى جيمس ماكورميك تتعلق بالاحتيال، وهو مدير شركة أعمال الحراسة ايه.تي.اس.سي ومقرها بريطانيا التي باعت أجهزة للكشف عن المتفجرات لدول من بينها العراق وكذلك السعودية.

وقال المدعي العام في القضية ريتشارد ويتام إن وزارتي العدل والخارجية في بغداد تعرضتا لتفجيرات بشاحنات مفخخة مرت عبر نقاط تفتيش كانت تعمل فيها هذه الأجهزة دون جدوى. وأوضح الإدعاء بأن "النتيجة الحتمية" كانت مقتل عراقيين بسبب استخدام هذه الأجهزة. ويذكر أن تلك الأجهزة بيعت في العراق وجورجيا والنيجر.

وقام ماكورميك بتسويق الأجهزة لجهات عسكرية وحكومات وأجهزة شرطة وأيضا إلى الأمم المتحدة. ولا توجد أية أدلة على قيام ماكورميك بمحاولة بيع الأجهزة لوزارة الدفاع البريطانية. ويزعم ماكورميك أن تلك الأجهزة يمكنها اكتشاف أية قنبلة مهما كانت مخبأة. يذكر أن العراق اشترت ستة آلاف جهاز خلال الفترة ما بين 2008 و2010. وجرى استخدام تلك الأجهزة عند نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد مما هدد أمن المدنيين والقوات المسلحة.

وأنفقت الحكومة العراقية قرابة 85 مليون دولار على الجهاز لكن استخدامه لم يساهم في كشف وإيقاف عمليات التفجير التي تقتل المئات من الأبرياء. ولا تضم هذه الأجهزة أي ذاكرة أو أي مكون يمكن برمجته لقراءة البيانات وفهم أداء هذه الاجهزة. ويباع الجهاز الصغير المحمول بحوالي خمسين ألف دولار فقط، وتزعم الشركة أنه يكشف المواد المتفجرة. وقال سيدني ألفورد كبير خبراء المتفجرات الذي يقدم استشاراته لكل فروع الجيش البريطاني إن بيع هذه الاجهزة هو عمل "لا أخلاقي قطعا" فاستخدامها سيؤدي إلى شعور زائف بالأمان قبيل مقتل المئات.

فساد واتهامات

على صعيد متصل أكدت إدارة المصرف المتحد، أن علاقتها بملف أجهزة كشف المتفجرات يقتصر على التمويل فقط، نافية الاتهامات التي وجهتها لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بالتورط في صفقة شراء تلك الأجهزة. وقال المستشار القانوني لرئيس مجلس إدارة المصرف فاضل الدباس، إن "علاقة رجل الأعمال العراقي فاضل الدباس والذي يتولى رئاسة مجلس إدارة المصرف المتحد، بملف أجهزة كشف المتفجرات تقتصر على التمويل فقط".

وأكد المستشار أن "المصرف يمول الدولة دون أن يكون له أي دور فني أو تقني بما تقوم به من تعاقدات أو توريدات بغض النظر عن ماهية تلك العقود". وكانت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية قد اتهمت في وقت سابق، رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد فاضل الدباس، بالتورط بصفقة شراء أجهزة كشف المتفجرات.

من جانب اخر كشف عضو في لجنة النزاهة النيابية عن تورط مسؤولين كبار في مكتب القائد العام للقوات المسلحة ووزارة الداخلية في استيراد اجهزة الكشف عن المتفجرات السونار . وقال عضو اللجنة جواد الشهيلي " لدينا مايثبت بان مكتب القائد العام للقوات المسلحة اوصى بشراء كميات كبيرة من هذا الجهاز وهذا يجعله متورطا بهذا الملف ولدينا ما يثبت بان مفتش عام وزارة الداخلية قد اعترض منذ 2007 على شراء هذا الجهاز واعتبره جهازا فاشلا ولايستحق ان يشترى من الجهات العراقية ولكن لم يؤخذ بكلامه انذاك ".

وأضاف كا نملك ادلة ما تثبت بان وزارة العلوم والتكنلوجيا قد اعترضت على هذا الجهاز واعتباره جهازاً فاشلاً وأوصت بوجوب عدم شرائه كما نملك من الأدلة ما تثبت بان وزير الداخلية السابق والوكيل الاقدم لوزارة الداخلية وشركة النخيل المستورد للجهاز كلهم جزء من الصفقة وكل هؤلاء متورطون بهذا الملف ". ورجح عضو لجنة النزاهة النيابية " محاولات إغلاق هذا الملف لوجود أسماء متورطة فيه من شخصيات كبيرة جدا لايراد الإفصاح عنها " مشيرا الى ان " لجنة النزاهة لديها الاوراق والوثائق تثبت تورط هذه الشخصيات بالملف ".

على صعيد متصل تتجه الحكومة العراقية الى شراء اجهزة كشف متفجرات حديثة ومتطورة، ضمن خططها لتوفير الأمن للمواطنين. وكشف رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي عن اتخاذ الحكومة الإجراءات ضد المتورطين بملف اجهزة كشف المتفجرات منذ اكثر من عامين. ونقل بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء عن المالكي تأكيده "استمرار الحكومة في متابعة هذا الملف طبقاً لتطوراته في داخل العراق وخارجه، وتقديم كل من يثبت تورطهم الى العدالة، وشدد بالقول "لن نتساهل في هذا المجال".

من جانبه كشف مفتش عام وزارة الداخلية عقيل الطريحي عن ان قرار المحكمة البريطانية بخصوص اجهزة الكشف عن المتفجرات اثبت تهمة استهداف دماء الأبرياء على المتورطين بصفقة الاجهزة، مشيراً الى ان الوزارة تدرس شراء أجهزة حديثة متطورة. وقال الطريحي ان "قرار سحب الأجهزة من السيطرات والأجهزة الأمنية بيد الجهات الامنية المسؤولة"، مضيفاً أن هناك عروضاً قدمت بهذا الاتجاه للوزارة وهي قيد الدراسة من قبل ضباط من الوزارة ومختصين من خارج الوزارة من جهات علمية اخرى لاختيار البدائل.

بدورها، اعلنت لجنة الامن والدفاع عن عزمها اعادة فتح التحقيق في ملف اجهزة كشف المتفجرات. واكد عضو اللجنة النائب حاكم الزاملي ان "اللجنة عاكفة على دراسة فتح هذا الملف لافتاً إلى ان "لجنة الامن والدفاع ستحقق مع المسؤولين وجميع المتورطين في هذا الموضوع وجميع الذين تعاملوا مع هذا الملف وروجوا له"

النزاهة النيابية تطالب

الى جانب ذلك طالبت لجنة النزاهة النيابية الحكومة العراقية والإدعاء العام العراقي ، بالإسراع الى رفع دعاوى تعويض ضد الحكومة البريطانية وجميع المتورطين بتوريد جهاز كشف المتفجرات الذي ثبت فشله. وقالت عضو اللجنة النائب عالية نصيف ان " إدانة الرأس المدبر لصفقة تزويد العراق بأجهزة ثبت فشلها وعدم فاعليتها يحتم على الحكومة العراقية المسارعة برفع دعاوى تعويضات ضد الحكومة البريطانية التي سمحت بتصدير الجهاز وجميع المتورطين بالصفقة من البريطانيين والمسؤولين العراقيين والوسطاء كافة والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى فضلا عن الخسائر المادية ".

وبينت ان "الإدعاء العام العراقي سيكون مخولاً في تحريك دعاوى ضد الحكومة البريطانية ممثلة بجهاز السيطرة النوعية الذي سمح بإنتاج وتصدير هذه السلعة الفاسدة والتي تسببت بإزهاق ارواح الكثير من الابرياء فضلا عن ايجاد شعور بالاطمئنان المزيف لدى عناصر القوى الامنية ممن اقتنعوا بفاعيلة الجهاز ودقته".

ورأى الضابط برتبة نقيب في وزارة الدفاع العراقية صالح محمد انه "لا بد من ادانة الحكومة البريطانية وتحميلها مسؤولية جميع التفجيرات التي وقعت". وأضاف ان "بريطانيا بلد متقدم ولديها سيطرة نوعية وجمارك. الا يعلم المسؤولون هناك كيف جرى تسويق هذه الاجهزة؟ الا يعلمون انها لا تعمل بحسب فحصهم لها؟ الم ياخذوا ضرائب لقاء تصديرها؟".

وتابع ان "بريطانيا شريكة في الجريمة لأنها انتظرت كل هذه الفترة التي على أثرها سقط آلاف القتلى والجرحى نتيجة عدم صلاحية الجهاز". وذكر النقيب ان "الجندي نفسه الذي يحمل الجهاز غير مقتنع به لكنه مفروض عليه. قلنا للمسؤولين في السابق ان هذا الجهاز لا ينفع لكنهم ارادوا ان يظهروا للناس انهم يحاولون انجاز شيء".

من جهته قال الشرطي حسين جواد "نحن نعرف ان الصفقة هي صفقة فاسدة من البداية، ونحن نعرف ان الجهاز ذاته يباع بـ25 دولار في لبنان فيما اشترته الحكومة بـ50 الف دولار. هكذا يكون الفساد". وانفقت وزارة الداخلية العراقية اكثر من 143.5 مليار دينار عراقي لشراء اجهزة الكشف من هذا النوع عام 2007، عندما "كانت البلاد في شبه حرب اهلية وتقع التفجيرات الإرهابية على نطاق واسع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آيار/2013 - 26/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م