هدم البقيع وظاهرة التجاوز على المقدس الاسلامي

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من النتائج الخطيرة للتطرف والتكفير والتعصب، أن يتم تشويه الجوهر الحقيقي للاسلام، بواسطة تحريف النصوص القرآنية المباركة عبر التفسير الخاطئ، فضلا عن تحريف واختلاق الاحاديث، والادعاء بأنها من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو منها براء، لانها تسيء للاسلام، وتشوه صورته وجوهره امام البشرية جمعاء.

ولكن نتيجة للأدبيات والافكار المتطرفة والمسيئة للاسلام ظهرت اتجاهات ومسارات متعصبة ومغالية في التطرف، وتم تأسيس وبناء وتطوير زمر وجماعات ارهابية متعصبة، قامت بأفعال غريبة وقاسية بل مغالية في التوحش وعدم الاحترام للمقدس الاسلامي، فضلا عن عدم احترامها لشخصيات مقدسة كالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذويه من الائمة الطاهرين، حيث قامت زمر التطرف والتكفير بهدم القبور الشريفة التي تضمها هذه التربة المباركة، علما أن الدفن في هذه المنطقة بدأ منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وفي وجوده ايضا.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم، الموسوم بـ (البقيع الفرقد) في هذا المجال: (ابتدئ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأحياناً كان الرسول بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة. ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء، كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما).

شرعية بناء القبور

من المعروف تاريخيا وكما هو موثق بالادلة والحجج والاسانيد، ان الدفن وبناء القبور ظاهرة اعتاد عليها المسلمون منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم تكن هناك اعتراضات على بناء القبور حيث تم التعارف عليها وقبولها من لدن المسلمين كافة.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في كتابه المذكور نفسه عن الدفن وبناء القبور: (لقد تلقى جميع المسلمين بكل حفاوة وترحاب هذه الظاهرة الشرعية لا في المدينتين وأطرافها فحسب، بل في سائر بلاد الإسلام كالهند بما فيها الباكستان وبنغلادش، وكذا العراق وايران ومصر وسوريا وإندونسيا وغيرها. إلى أن هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مائتي سنة، ثم استرجعها سائر المسلمين، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات! وكانت فيها كتب ثمينة جداً .. ولو كان دأب الوهابيين أو كان إيحاء من الخارج إليهم بهدم المساجد لهدموها أيضاً).

وهكذا تم تحريف ما اعتاد عليه المسلمون بشأن بناء القبور، وتم تخريب وهدم القبور والمراقد المقدسة بسبب التطرف والادعاءات المشبوهة والادبيات المسيئة التي كانت ولا زالت تحث على التطرف والتكفير والتجاوز على المقدس الاسلامي، وهم لم يتورعوا في ذلك حتى عن قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن، حتى أن عالمهم - بن باز-  لا يزور مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: ما دام هذا الصنم - أي قبة الرسول - هناك لا أزوره، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد).

ظاهرة السباب والهدم

ولم تكتف زمر التكفير والتطرف بهدم القبور الشريفة في البقيع، بل زادت على ذلك ظاهرة السب، فأخذت تنال من الصحابة بالسب والتجاوز ونشرت هذه الظاهرة وكأنها مقبولة شرعيا، بسبب الادبيات والافكار المشوهة التي انتجتها العقول المريضة المحسوبة على الاسلام وهو منها براء، علما ان السب مرفوض قطعيا من الائمة الطاهرين، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في كتابه نفسه، إذ نقرأ قوله في هذا المجال: (قال أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث سمع أن بعض أصحابه يسب من حاربوه: اني اكره لكم أن تكونوا سبابين. والحاصل إن هؤلاء كأنهم أرادوا أن يعرف الناس أخلاق الإسلام من باب - وبضدها تعرف الأشياء-!! ونتيجة لذلك العنف والخشونة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبأمر من المستعمرين جاء هدم البقيع وسائر البقاع المشرفة هناك. وقد ولدت هذه الظاهرة السيئة مع ولادة تلك الخشونة المشينة والسباب المقذع، فيجب أن يذهب كلاهما بإذنه سبحانه، ولا يكون ذلك إلا إذا احترمت الحكومة نفسها).

ولا تزال هذه الظاهرة تتنامى في نفوس التكفيريين، حيث يقومون بهدم القبور والاماكن المقدسة كما فعلوا مؤخرا مع القبر الشريف للصحابي حجر بن عدي في سوريا، والدعوات التي تتكرر لهدم الاضرحة المقدسة الاخرى، في ظاهرة أريد لها ان تشوه الاسلام، وتتجاوز على الارث الاسلامي الذي اصب حارثا انسانيا، ترفض جميع المنظمات والجهات المعنية التجاوز عليه باعتباره ارثا للجميع وليس للمسلمين، في وقت يقوم ممن يدعون الانتساب للاسلام من زمر التكفير بهدم هذه القبور المقدسة بالقوة الغاشمة، أي باستخدام السلاح والهجوم على العزل والموتى من صحابة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص بكتابه نفسه: (إن الذين هدموا بقاع البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلا بالسيف من دون أي منطق عقلائي، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الصالحين). ولكن لن ينجح هؤلاء في اساءاتهم للاسلام ولا للمقدس الديني، لأن المنطق والعقل يقف بالضد من اهدافهم ونواياهم وافعالهم ايضا.

وهذا ما يؤكده الامام الشيرازي في قوله الواضح بهذا الشأن: (إن المنطق هو الذي يصلح للبقاء، وإلا فصاحب السيف يسقط حين يسقط سيفه، والسيف مؤقت جداً). ويضيف سماحته قائلا ومحذرا المسلمين والانسانية جمعاء: (إن بقاء القبور المباركة مهدمة دليل على أنه لازال السيف بيد الهادمين إلى الآن ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم، ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء).

لذلك ينبغي على الحكومات الاسلامية أن تتخذ الاجراءات الرادعة والقوية، للحد من التجاوز والانتهاك الذي تتعرض له الاماكن المقدسة، كذلك مطلوب من المنظمات الدولية المعنية بهذا الامر التدخل الفوري عالميا، لمنع الاعتداءات والجرائم التي تطول الاماكن المقدسة والقبور الشريفة، وعلى الجميع العمل بقوة لمنع التكفيريين والمتطرفين، من التجاوز وتشويه جوهر الاسلام، بمثل هذه الانتهاكات والتجاوزات المرفوضة جملة وتفصيلا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/آيار/2013 - 25/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م