تمثال صدام حسين... وديمقراطية ساحة الفردوس

عن الاعلام والتضليل السياسي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل عام وعلى مدار عشرين يوما من شهرين هما اذار ونيسان، تنشط الصحف والمواقع الالكترونية ومراكز الدراسات في الغرب في استذكار الحرب العراقية الامريكية في العام 2003..

تتعدد المقاربات لهذا الاستذكار، منهم من يرى في اسباب الحرب انها كانت من اجل النفط، وهؤلاء تجدهم في المعسكرين الغربي والعربي المناهض للحرب، ومنهم من يجد في صدام حسين قائدا وقف بوجه المخططات الامريكية والحرب ضده واسقاطه عقابا له، وهؤلاء يمثلون التيارات القومية في العالم العربي، ومنهم من يرى ان صدام حسين قد احترقت ورقته وكان يجب اسقاطه بعد الكثير من الخدمات التي قدمها لامريكا وهو الذي وصل بقطارهم الى سدة الحكم منذ الستينات، وهؤلاء يمثلهم من هم في خانة المعارضين لحكمه.

في النتائج، ايضا تختلف المقاربات باختلاف الكتاب والباحثين، فهناك من يركز على الجانب السياسي وتحديدا حول ثيمة الديمقراطية ومدى نجاح الحكام الجدد في ترسيخها في العراق، وهناك من يتحدث عن الفساد المالي الذي اصبح ثقافة سياسية بامتياز لدى النخبة الجديدة، وهناك غيرهم من يتحدث عن واقع الخدمات من كهرباء وطرق وجسور ومساكن بعد عشر سنوات، وهناك اخرون يميلون الى الحديث عن العنف والبطالة وهوامش سياسية اخرى.

هذه السطور محاولة لمقاربة الموضوع من زاوية اخرى وهي دور الاعلام في الحرب ومآلاتها، ودوره المستمر في الحراك السياسي العراقي حتى هذه اللحظة، وربما حتى سنوات قادمة اخرى..

في الجهتين والزمنين، مارس الاعلام تضليلا فاضحا تحت عدسات الكاميرات للفضائيات الاجنبية والعربية، وهذا التضليل الاعلامي يستتبع تضليلا اخر هو التضليل السياسي الذي يمارسه شركاء اليوم فيما بينهم وضد بعضهم الاخر.

قبل بدء الحرب، استخدمت امريكا وسائل الاعلام في التحشيد للحرب بصورة فاقت كل التوقعات، وقد اعتمدت في ذلك على خطة اعلامية وقف وراءها (برايان ويتمان) مساعد وزير الدفاع في ذلك الوقت دونالد رامسفليد، وكانت الخطة تتلخص في اربع نقاط كما يذكرها علي ناصر كنانة في كتابه (جيوش اللغة والاعلام) وهي:

1 – التاكيد على التهديد الذي يمثله النظام العراقي.

2 – استبعاد ومحاصرة جميع الذين يخلقون الشك بشأن هذا التهديد.

3 – عدم الالتفات الى المنطق وانما التوجه الى قلوب وحواس الرأي العام.

4 – ترسيخ هذه الرسالة بين الرأي العام والتي تقول: ثقوا بنا، نحن نعرف اكثر مما نستطيع الحديث عنه.

على الجانب العراقي، تسيد محمد سعيد الصحاف منصات الحديث الاعلامي امام عدسات ومراسلي الصحف والفضائيات العربية والاجنبية، وزير الاعلام العراقي حينها، وقد نالت تلك الشخصية شهرة واسعة بسبب قاموسها اللغوي وبسبب التضليل الاعلامي الذي مارسته مع مجموعة اخرى من الاسماء في رسائلهم الاعلامية الى قناة الجزيرة الفضائية اذكر منهم، هدى النعيمي ولا اعرف اين هي الان في المشهد السياسي العراقي، وظافر العاني المتحدث الرسمي باسم كتلة (متحدون) التي يرأسها اسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي الحالي.

لست معنيا في هذه السطور بالاستمرار في الحديث عن امريكا وعن الحرب ومآلاتها، بل ساقصر حديثي اللاحق عن الاعلام العراقي و (المشهدية السياسية) التي يواصل تغطيتها باستمرار وعبر الاسترشاد بالنقاط الاربع التي كانت في صلب الخطة الاعلامية الامريكية في التهيئة للحرب وفي خلالها، ولا اقصد ان هذه المشهدية السياسية وعبر الفاعلين فيها قد قرأت تلك النقاط وتحاول السير وفق تعليماتها، بل ما أعنيه هنا، استيحاء المعاني والمدلولات بالتالي التي تقود اليها تلك النقاط.

اول المشهديات والذي سيرسخ مستقبلا صورة الانقسام السياسي والاجتماعي العراقي هو مشهد اسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وماتبع ذلك من ردود فعل من قبل العراقيين بين فرح وحزن تبعا لاي فريق تكون في صفه.

فالاكراد والشيعة في الصف الاول، صف الفرحين، والسنة، ولا اقول معظمهم في الصف المقابل، صف الحزينين على ذلك السقوط، خاصة بعد ظهور صدام حسين في منطقة الاعظمية ذات الغالبية السنية محاطا بالمصفقين له والهاتفين بحياته.

المشهدية الاخرى هي انقسام العراقيين بين مساحتين او مكانين للتعبير الجماعي من خلال التظاهرات التي كانت تخرج قبل ان يتكفل الدستور المكتوب والمصوت عليه في العام 2005 بحمايتها والحق فيها، كانت تختار ساحة الفردوس للتعبير عن مطالبها وكانت اغلب من يتظاهر فيها هم من جماعة الصف الاول، وتحديدا الشيعة، مقابل ساحة التحرير التي رأت فاعليات سياسية اخرى من الطرف الاخر وهم السنة مع البعض من تجمعات جديدة نشأت خلال الاعوام التي تلت العام 2003 تحت مسميات عديدة، ربما يمكن مقارنتها بما اطلق عليه في مصر اسم (الفلول) وهم اتباع نظام حسني مبارك والكثيرين من المتضررين من اسقاطه.

رمزية المكانين ومفارقتهما لم تستمر طويلا في هذه المشهدية السياسية، واستجدت رمزيات اخرى جديدة، وهذه المرة مناطقية، مثل المستنصرية او العامرية او ابو غريب او الاعظمية او الكاظمية، وهي مناطقية مذهبية ايضا.

ثاني المشهديات والتي اود التركيز عليها هي مشاهد الختام للتمثال او الشخوص الذين سيطروا على المشهد الاعلامي وصوره، فتمثال صدام حسين بعد اسقاطه تم توديعه من قبل العراقيين باحذيتهم التي انهالوا بها عليه وهم يجرونه قريبا من ساحة الفردوس، ولاننسى في هذا المقام شحاطة ابو تحسين الشهيرة، وهو ينهال بها على احدى صور صدام حسين والتي يرفعها بيده اليسرى، وكان ذلك قبل اسقاط التمثال الاحتفالي، ثم نذكر حذاء منتظر الزيدي وهو يقذفه على جورج بوش في اخر ايام رئاسته في دورته الثانية، والمثل الاخير في هذه المشهدية هو حذاء النائبة عالية نصيف بوجه النائب عن القائمة العراقية والتي لم نسمع بعدها صوته عبر الفضائيات، وكأن هذا الحذاء قد كتب نهاية حياته الاعلامية.

ثالث هذه المشهديات والتي تستمر فصولها كل يوم عبر العشرات من التصريحات والتصريحات المضادة، والتي في معظمها هي عبارة عن ممارسة منهجية للتضليل السياسي من قبل جميع الاحزاب والكتل والشخصيات الفاعلة في مسرح السياسة العراقية.. ويتم ذلك عبر منصة الدائرة الاعلامية للبرلمان العراقي، وعبر الترويج لها من خلال وسائل اعلام في جلها الاعم مملوكة لنفس الكتل والاحزاب والشخصيات السياسية او عبر ممولين يحسبون عليهم.

هذه المشهدية الاعلامية اذا كانت منفتحة عبر فضاء واسع جدا من خلال الدائرة الاعلامية لمجلس النواب، وبالتالي بامكان اي نائب التصريح بما يشاء انطلاقا من التضليل السياسي الذي يخدم كتلته التي ينتمي اليها، فانها بالمقابل تكون محدودة في الظهور عبر الرسالة الاعلامية التي توزعها نفس الدائرة لجلسات مجلس النواب عبر موشور رقابي دقيق لايخدش ايا من الحاضرين.

بالمقابل ليست هناك مشهدية مرئية لجلسات مجلس الوزراء والتي تصدر قراراته بالتصويت عليها من قبل الوزراء ممثلي الكتل، وما يدور من لغط حول بعض القرارات هو ماتنقله الينا الدائرة الاعلامية للنواب الذين لهم وزراء لايكونون امام الكاميرات الا عبر الاشاعات والاشاعات المضادة، والاشاعة كما هو معروف وجه من وجوه التضليل السياسي.

يمكننا ختاما ان نعيد صياغة النقاط الاربع التي عملت بها الالة الاعلامية الامريكية بلغة تنسجم مع المشهدية السياسية العراقية:

1 – التاكيد على التهديد الذي يمثله (رئيس الوزراء العراقي – البرزاني – علاوي – النجيفي) على العراق.

2 – استبعاد ومحاصرة جميع الذين يخلقون الشك بشأن هذا التهديد..

3 – عدم الالتفات الى المنطق وانما التوجه الى قلوب وحواس الرأي العام..

4 – ترسيخ هذه الرسالة بين الرأي العام والتي تقول: ثقوا بنا، نحن نعرف اكثر مما نستطيع الحديث عنه.

لم نغير الا في النقطة الاولى، وذلك تبعا لتغير الوجوه بين زمنين... اين نحن الان بعد عشر سنوات؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/نيسان/2013 - 29/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م