قائد جماهيري... القيادة في الزمن العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل شيء يستفز اعصابك في العراق، ويحرق دمك، وانت تتلفت بحثا عن مخرج لكل هذا الاستفزاز.. وحتى في محيطك العربي، يصيبك الاستفزاز وانت ترى هذه الحشود الغاضبة والمنفلتة والعنيفة وهي تتحرك تحت عناوين شتى، ليس اقلها الاصلاح، واقصاها التغيير.

عناوين في محصلاتها لا تاتي الا بالدمار، ولا تستبدل وضعا الا بوضع اخر شبيه به. والسبب غياب القائد الحقيقي والفاعل، لتلك الحشود، القائد الفيلسوف والمفكر والمتأمل والحكيم.

 يصف الاعلامي غسان بن جدو ما اصطلح عليه بالثورات العربية وصفا فيه الكثير من الدقة والصواب، فهو يقول في مقالة له حملت عنوان (ثورات الربيع العربي) جثة متعفنة تتنقل على متن راحلة قطرية:

(لا تلام الديكتاتوريات اذا لم تكن لها فلسفة ولا فلاسفة يعتد بهم وبفكرهم.. فالثيران لاضروع لها لتنتج الحليب.. ولا أتوقع أن تنتج الديكتاتوريات فلسفة ذات أثر.. لكن لايغفر للثورات فقرها بالفلسفة وغياب الفلاسفة والمفكرين عنها وهم الذين يضيؤون ويتوهجون بالأفكار.. والثورات العظيمة يوقدها عظماء وتضيئها عقول كالشهب وتتكئ على قامات كبيرة ترسم بالنور زمنا قادما بالقرون.. وغياب هؤلاء يسبب تحول أي ثورة الى مجرد تمرد أهوج وانفعال بلا نتيجة سوى الدمار الذاتي).

والقيادة الثورية كما كتب المستشار قصي محبوبة في كتابه (القائد بين السياسة والسلطة والنفوذ) تتطلب درجة عالية من الالتزام والمثابرة والشجاعة ونكران الذات، وتصل درجة النكران اعلى مستوياتها حتى لو تطلب ان تضحي القيادة بنفسها،وهذه الدرجة من نكران الذات يتميز بها القادة الثوريون في تشكيل رؤيتهم الثورية وفي تعاملهم مع الاتباع.

العراق مبتلى ايضا كمحيطه العربي، بكل ما من شأنه ان يصيبنا بالاستفزاز المستمر، نتيجة لما يحدث فيه... في احد اللقاءات الصحفية، يصرح احد رؤساء الكتل السياسية، بانه يرفض التوزير او اي منصب حكومي لانه كما يقول (قائد جماهيري).

قرأنا في كتب التاريخ عن القادة العظام الذين تمكنوا من قيادة شعوبهم في ظروف حالكة وصعبة، وقسم منهم تركوا بصمات واضحة في فن القيادة، مثل غاندي وديغول ومانديلا وجيفارا وغيرهم، وحتى الذين نقف بالضد منهم ومن تجاربهم القيادية، الا انهم سجلوا اسماؤهم في سجلات القادة لشعوبهم.

هناك عدة نظريالت حول القيادة: النظرية التحويلية – النظرية الجزائية – نظرية الادوار – شبكة القيادة – نظرية القيادة الظرفية – النظرية السلوكية – نظرية السمات – نظرية الرجل العظيم.. وكل نظرية من تلك النظريات لها اشتراطاتها وظروفها الموضوعية.

تعتمد القيادة على عدد من الاعمدة الرئيسية وهي:

القراءة والتعلم والنمو، يقول ديغول الزعيم الفرنسي: لا تسألني من الذي اثر في، فالاسد يكبر من التهام فرائسه، وانا طول حياتي اقرأ.

التواصل والاتصال، والذي يتم عبر الخطابة يقول عنه نيلسون مانديلا: القائد الذي يتكلم مع شعبه بلغة يفهمها هو فان كلماته سوف تدخل الى عقولهم، ولكن القائد الذي يتكلم مع شعبه بلغة يفهمها الشعب فان كلماته تدخل الى قلوبهم.

القادة لديهم تخطيط ويمتلكون رؤية: وهو يترافق مع الرؤية الاستراتيجية، والتي اكد عليها المفكر السياسي جون ناسيت بقوله: التخطيط الاستراتيجي للقائد غير ذي قيمة اذا لم تكن له رؤية استراتيجية.

الاخلاق والضمير: والتي يجسدها مفهوم المحبة لشعبه واتباعه، وقد اكد عليها الفيلسوف الصيني لاوتزو بقوله (عندما يحب القائد شعبه بقوة يحصل على القوة، وعندما يحبه شعبه بقوة يحصل على التشجيع).

الشجاعة في اصدار القرارات وليس الاوامر.

التاثير لا السلطة.

الكاريزما.

بالمقابل هناك عدد من الدلائل للانحدار الاخلاقي للقائد، منها:

الحاشية والبطانة الفاسدة – النرجسية – عدم العدالة – عدم امتلاك الرؤية – الانعزال عن اتباعه – الجمود وفقدان قوة المرونة – الانغماس بالسياسة..

يحدد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ثلاثة طرق يستطيع القائد من خلالها الوصول الى الحكمة، وهي:

عن طريق التفكير، وهي الانبل..

عن طريق التقليد، وهي الاسهل.

عن طريق التجربة، وهي الامرّ والاقسى.

لاوقت للطريقة الاولى يمتلكه القادة السياسيون في العراق، فالتفكير والتامل يحتاج الى زمن خارج فضاءات المماحكات والمشاحنات والتصريحات السياسية، وهو نبل لايمكن ان يحوزه اي من اولئك الذين يوصفون بانهم قادة.

التقليد يتوفر بكثرة، واقرب الصور المقلدة هي صورة صدام حسين، لما كان يمتلكه من كاريزما شخصية رسختها كثرة ظهوره العلني عبر وسائل الاعلام والزيارات، وهو تقليد نلمسه بمحاولة التماهي في الكثير من الاطلالات التلفزيونية للقادة السياسيين وطريقة تحدثهم الى وسائل الاعلام، وايضا من خلال محاولة تقليده في مواكب حمايته.

التجربة، لم نتعلم منها الشيء الكثير، لانها ربما قاسية ومرّة، ونحن نرفض ان نكون تحت وطأة تلك القسوة والمرارة، لان التجربة تتطلب الكثير من التنازلات والمرونة التي لاتتوفر في ماتوصف بالقيادات السياسية، ولان التجربة ايضا تضعك في موقف المقابل على افتراض تبادل الادوار وتجنيب الاخر ما تريد انت ان تتجنبه.

واختم بهذا القول للكاتب الانكليزي الشهير وليم شكسبير: بعض القادة يولدون عظام، وبعظهم نالوا العظمة، وبعضهم فرضت عليه العظمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آذار/2013 - 16/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م