الذكرى العاشرة لحرب ما زالت قائمة

علي الأسدي

توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سبتمبر من عام 2010 بكلمة الى الأمة الأمريكية بمناسبة عودة أكثر الجنود الأمريكيين الى الوطن بعد انتهاء مهمتهم في العراق قائلا:

لقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية بنتيجة حربها على العراق ثمنا باهظا حيث فقد 4400 عسكري أمريكي حياته وجرح حوالي 35 ألفا آخرين، وانفاق مايزيد عن 700 بليون دولارا. وحتى بعد هذا كله مايزال لنا هناك 50 ألفا من العسكريين للدعم والتدريب، وسيكونون هنا العام القادم، ومع الحزن فان بعضهم سيفقد حياته. وبرغم كل ذلك ما يزال العراق بعيدا عن الاستقرار، فلم يتمكن بعد من تشكيل حكومة رغم مضي خمسة اشهر على انتهاء الانتخابات في وقت يعاني شعبه من نقص في الكهرباء والماء الصالح للشرب.

وفي مذكراته التي صدرت أخيرا  ذكر توني بلير الحليف الأقرب للرئيس جورج بوش في الحرب على العراق كتب: لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا قد توقعتا ما تمخضت عنه الحرب من تزايد الدور الايراني والقاعدة في العراق. وذكر بلير: انه ذرف الدموع على الذين فقدوا حياتهم في تلك الحرب، وانه غير نادم على قرار الذهاب للحرب، وسيكرس جزء كبيرا مما تبقى له من الحياة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وقد علق المحرر في قناة سي أن أن الأمريكية جاك كافرتي على كلمة الرئيس أوباما وما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في مذكراته قائلا: يبدو الآن انه من المستحيل أن تضع اصبعك على ما أمكن تحقيقه من تلك الحرب، فالمجتمع منقسم في آرائه عن الحرب، وفي الغالب سيبقى كذلك للقرون القادمة، وبالطبع كل ذلك بسبب النفط.(1)

لكن لماذا تكون سلعة كالنفط بالأهمية التي تحشد لها دولة كالولايات المتحدة عشرات الآلاف من جنودها ومعداتها العسكرية المتطورة والعبور بهم آلاف الأميال عبر المحيط الاطلسي لتغزو بلدا من أجل تلك السلعة، بينما تستطيع الحصول عليها عن طريق المراسلة، أو عبر الانترنيت والهاتف أو عبر موظفي قنصليتها التجارية في بغداد لعقد صفقة مع شركاتنا النفطية المسئولة عن بيعه وتصديره كما تفعل بقية دول العالم..؟

الولايات المتحدة تعلم اننا نعيش على موارد بيع النفط لها ولغيرها من الدول، ويسعدنا بيع المزيد منه لتحسين حياة الملايين  من مواطنينا الفقراء والعاطلين منهم عن العمل.

ديفيد فروم , المحرر في مجلة نيوزويك الأمريكية وديلي بيست، أبدى رأيا مغايرا بعض الشيء عن الرأي أعلاه عند تحدثه بمناسبة الذكرى العاشرة لحرب حكومته على العراق قائلا: " بعد عشرة سنوات يكون من الخطأ القول ان الحرب على العراق لم تحقق أي شيئ، فدول الشرق الأوسط العربية هي الآن غير مستقرة، فالاسلاميون يحكمون مصر وقريبا ربما سوريا. الأدلة التي ساقها جون كيري وبيرينت سكوكروفت بأن الحرب ستخدم ايران وتقويها لم تثبت صحتها. لقد حصلت هذه الفكرة على بعض التأييد في  عام 2005 و 2006 لكن الأمر لم يعد كذالك الآن.

 أدت الحرب الى زيادة انتاج النفط، ففي العام الماضي انتج العراق من النفط أكثر من اي وقت مضى منذ حرب الخليج الأولى، وبعض التقديرات تقول ان انتاج العراق سيتجاوز انتاج النفط في روسيا. لقد تراجعت ايران عن أكبر مصدري النفط العشرة في العالم. لوكنا نعرف الخسائر التي كنا سنتكبدها قبل خوض الحرب لما كنا قد خضناها أصلا. لكن من الخطأ القول ان الحرب لم تحقق أي شيء. فلايمكننا ان نغلق عيوننا عن النتائج الفظيعة فيما لو بقي صدام في السلطة."(2)

 قد يمنح هذا التبرير بعض الرضا عن النفس للسيدين بوش وبلير، لكنه لن يعيد الحياة لضحايانا من آباء وابناء وبنات وأطفال، ولن يعيد الى عاصمتنا زهوها بعد الخراب الذي طالها، أو نستعيد ما فقدناه من ممتلكات آثارية وتراثية، فتلك خسارة غير قابلة للتعويض أو الاستعادة. لم يقل بروم الحقيقة، ونعذره ان كان لا يحسها، وندينه ان كان يكذب، فليس بين مسوغات الحرب على العراق انقاذنا من نظام صدام، فهم من عزز بطشه بنا خلال كل فترة حكمه وهم من خطط  تنفيذ انقلاب الفاشست عام 1963. انهم يقفون لنا بالمرصاد فيقمعون كل محاولة من شعبنا للانعتاق من النفوذ والهيمنة واصبحنا كالكرة في الملاعب الرياضية، تتقاذفنا الركلات بصرف النظر عن الفائز في السباق. 

لقد شنت الحرب على العراق تنفيذا لسياسة الادارة الامريكية الجديدة التي انتقلت من اسلوب الاحتواء التقليدية الى سياسة الحرب الوقائية، ويخطأ من يعتقد أن الرئيس الحالي للولايات قد خرج عن تلك الاستراتيجية. الرئيس أوباما ينفذها فعلا وقولا، وبناء عليها تدخل في كل من  ليبيا ومصر وحاليا وبصورة مكشوفة في سوريا، وسرا ضد ايران، وربما قريبا في دول الخليج النفطية، وهذا ما ستكشفه السنين القادمة من ولايته الثانية.

 دشنت الولايات المتحدة ستراتيجيتها الجديدة بحربها على العراق بعد ان كرست اعلامها ليصوره امام العالم بانه الخطر الذي يهدد الحياة على الأرض، وقد نجحت حتى في اقناع شعبنا بأن الولايات المتحدة وحدها من بامكانها أن تنقذه وتنقذ بقية العالم من نوايا نظامه المتوحش. لقد كانت الأسلحة ذات الدمار غير المحدود وغير المتصور قد دخلت العقل الباطن العراقي عنوة، ومن كثرة ترديدها أصيب اطفالنا بالخوف وتحولت أحلامهم البريئة الى كوابيس. كان ذلك قد أخذ سنينا قبل ان تقنع العالم والشعب العراقي أن العراق ليس فقط ضد الولايات المتحدة بل ضد نفسه أيضا.

لقد خلقت الحركة الاعلامية الأمريكية منا نحن العراقيين اعداء لبلدنا، بل قادتنا بوعينا الكامل ضد بعضنا البعض، فقسمتنا الى اكراد وشيعة أصدقاء، والى سنة اعداء، وفي مرحلة تالية جعلت من الكرد حلفاء، فيما دفعت بالشيعة الى خانة مجهولي الهوية، بينما رفعت بالسنة درجة الى خانة الاصدقاء كمرحلة قبل ان تجعلهم حلفاء. وقد سر الجميع بما آلت اليه القسمة الأمريكية العادلة من مراتب سياسية وثروات مادية ومكاسب معنوية، فصور لكل فئة منها انها الأجدر على حكم العراق، والأطول باعا في ترويض ابنائه لما يخدم الاستراتيجية السياسية والاقتصادية الأمريكية. لقد حولتنا الى مختبر لتجاربها السياسية فتمسخ هذا الجنس من البشر في وادي الرافدين، بينما ترفع آخر في فلسطين المحتلة الى مصافي الآلهة الوثنية، تحطمها ان شاءت كما حطم النبي أصنام الكعبة، فالمصالح اذا اقتضت تتوقف كل الكتب السماوية عن  كونها كتبا سماوية.

العراق لم يكن ابدا عدوا للولايات المتحدة، بل كان وما يزال يسعى لصداقتها وفق المصالح المشتركة، ولنا الكثير من تلك المصالح التي نريد مبادلتها بمصالحها المشتركة. لكنها ترفض ذلك، لأنها ترغب أن تكون هي صاحبة اليد العليا، تأخذ ولا تعطي، تعتدي وترفض حقنا في الدفاع عن النفس، وترفض دفاعنا عن حقوقنا بثرواتنا الوطنية، وتعاقبنا ان دافعنا عن كرامتنا وعزتنا الوطنية وتربة وطننا.

ليس ذنبا ان نحب وطننا، ونحافظ وندافع عن وحدة شعبنا، ونحترم من يحترم مقدساتنا، ونعادي من يسيئ لنا، فهذه معادلة لا تقبل النقض، ولا تسقط بالتقادم. وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة، وفي هذا الخلل يكمن عدم التوازن في سياستها تجاهنا وتجاه كل شعوب العالم الحرة، فليس هناك شعب يتخلى عن أرضه وثرواته وكرامته دون احتجاج وكفاح سلمي أو عنفي. وهذا بالضبط ما تريده الولايات المتحدة من شعبنا عندما غزت بلادنا عشرة سنوات مضت. لقد صور لها ان العراقيات سيستقبلن المحتلين بالهلاهل، الأهزوجة المعبرة عن الفرح والعنفوان، لكن أحدا لم يسمع تلك الأهزوجة أبدا احتفاء بالغزو الأمريكي لبلادنا، بل صراخا اطلقته الأمهات ألما وحسرة على فقد الأعزة من الأبناء والاباء وخراب الممتلكات.

لقد اختلقت الولايات المتحدة ما شاءت من الحجج لاحتلال العراق، لكننا أعرف بالنوايا الأمريكية التي لم تعلنها لا قبل الغزو ولابعده، فهي اعتادت على اختلاق الحجج بينما النوايا غير ذلك. وكنا أعلنا أننا لا نريد شرب بحيرات النفط الكامنة في أرض العراق، بل نريد اتاحة الشعوب الأخرى للافادة منه كما نطمح للافادة منه لتطوير حياتنا. وهناك مجالات رحبة للتعاون لتقاسم بعدالة وبالتفاهم المشترك مكامن النفط لخير بلدنا والعالم، ولن نغمط حقوق الشركات التي ستتعاون في مجال استخراج وصناعة النفط.

لكن الولايات المتحدة لها أجندتها الاقتصادية التي يشكل النفط فيها أولوية، بينما تحتل حماية اسرائيل أولوية في استراتيجية سياستها الخارجية. وقد أثبتت الحياة مرات كثيرة أن النفط يتراجع عن كونه أولوية عندما تتعرض مصالح اسرائيل لأي خطر حتى لوكان وهميا داخل محيطها الجيوسياسي. ستراتيجية الولايات المتحدة واسرائيل تلتقيان عندما يتعلق الأمر بأمن اسرائيل، ولهذا فالدولتان تتعاونان في تدمير أي دولة تعتبرها اسرائيل تهديدا لأمنها حتى لو لم تشكل تهديدا حقيقيا وهو ما دفع ثمنه العراق.

أما حجة حماية احتياطيات النفط المتمركزة في الخليج العربي فيندرج في سياق هذه الاستراتيجية، ولا يشذ عنها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وهذا ما يؤكده اثنان من اساتذة العلوم السياسية في الولايات المتحدة، هما، البروفيسور جون مير شايمر استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، والبروفيسور ستيفن والت استاذ الشئون الدولية في جامعة هارفارد. فقد قدما بحثا مشتركا استغرق منهما 81 صفحة بعنوان " اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية".  وأدناه جزء مما جاء بذلك البحث: (3)

 "Pressure from Israel and the [pro-Israel] Lobby was not the only factor behind the decision to attack Iraq in   March 2003, but it was critical. Some Americans believe that this was a war for oil, but there is hardly any direct evidence to support this claim. Instead, the war was motivated in good part by a desire to make Israel more secure... Within the United States, the main driving force behind the Iraq war was a small band of neoconservatives, many with close ties to Israel's Likud Party. In addition, key leaders of the Lobby's major organizations lent their voices to the campaign for war. an unrelenting public relations campaign to win support for invading Iraq. A key part of this campaign was the manipulation of intelligence information, so as to make Saddam look like an imminent threat."

الولايات المتحدة في الواقع تهيمن على الدول النفطية ولا تواجه أزمة مع أي من دوله العديدة في منطقة الخليج والمغرب العربي في شمال أفريقيا. فتلك الدول خاضعة لها أما مباشرة أو غير مباشرة ومن صالح تلك الدول أن يستمر تدفق النفط  الى الأسواق الأمريكية خاصة و الغربية عامة. وايران مثالا حيا على ذلك، فقد اقتضت حماية اسرائيل الضغط على ايران لاجبارها على الرضوخ تنفيذا لاستراتيجية السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تعتبر أمن اسرائيل كأولوية على حساب النفط.

ولا يشك أحد بأن أهمية النفط الاستراتيجية نابعة من حاجة القوات العسكرية الأمريكية لها في أي وقت الآن وفي المستقبل غير المنظور. ولهذا السبب تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بوجود دائم لها في وحول منطقة الشرق الأوسط، لحماية الأنظمة الموالية لها ولضمان تدفق النفط من حقولها الى السوق الأمريكية.مع علمها ان شعوب المنطقة ترفض تواجدها وتدخلها في شئونها الداخلية وانحيازها الكامل لدولة اسرائيل.

 محاولة السيطرة على احتياطيات النفط العراقي فيما لو نجحت كما خطط لها لا يشكل هدفا بحد ذاته، بل كاجراء ضروري لتفتيت وحدة دول الأوبك المصدرة للنفط التي تتحكم بأسعاره بناء على تحديد كميات الانتاج ومن ثم المعروض منه في السوق العالمية. وبحسب بعض المحللين فان المحافظين الجدد المنتمين لأقصى اليمين في الحزب الجمهوري المرتبطين بعلاقات وثيقة باليمين الاسرائيلي في حزب الليكود قد شكلوا الدائرة المحيطة بالرئيس بوش المحافظ هو الآخر. وتحت تأثير هذه المجموعة، وتعبيرا عن مصالحها صيغت الكثير من السياسات الأمريكية الخارجية، وبوجه خاص تلك المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي. العراق كان موضوعا محوريا في صناعة القرار السياسي في القصر الأبيض ابان ولاية الرئيس بوش دون تجاهل دور الرؤساء الأمريكيين الآخرين السابقين.

المجموعة المكونة من بول ولفوفيتز وديك جيني وريجارد بيرل ودونالد رامسفيلد كانت فعالة في السياسة الامريكية حتى قبل مجيئ الرئيس بوش الى القصر الأبيض، فقد قامت المجموعة بطرح مبادرة على الرئيس كلينتون لازاحة صدام حسين عن السلطة في العراق. مجيئ الرئيس جورج بوش أعاد الدماء الساخنة الى شرايين اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري متعهدا دون تحفظات باعادة العراق الى عهد ماقبل الحضارات، وقد وفى بما وعد.

كوابيس تلك المهمة التي أنجزت

للتذكير فقط: " قبل عشر سنوات وفي ليلة التاسع عشر من آذار 2003 بدأت الولايات المتحدة بقصف بغداد ثم تلته بالغزو. وبعد مضي ستة أسابيع على بدء الغزو وقف الرئيس بوش على ظهر احدى حاملات الطائرات ليعلن " أن المهمة قد أنجزت "، كما أعلن عن انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق. الآن وبعد عشرة سنوات على ذلك الاعلان الأقرب للكوميديا منه الى خطاب رئيس أقوى دولة في العالم مازلنا نعيش كوابيس تلك المهمة التي أنجزت". 

خلال الشهور التي سبقت الحرب أطلق الرئيس بوش وعددا من مساعديه  تحذيره من أن التهديد الذي يواجه الولايات المتحدة والعالم من قبل بغداد ليس فقط شنيعا بل وشيك وحقيقي، وان الولايات المتحدة الأمريكية يجب ان تتحرك بسرعة لقصف وغزو واحتلال العراق.

وفي 28 \9\2002 عاما تقريبا بعد الحادث المروع في 9\11 وسبعة شهور قبل موعد غزوه العراق قال الرئيس بوش الآتي: " الخطر على بلادنا شنيع ويتزايد. النظام العراقي يمتلك أسلحة بايولوجية وكيماوية، وهو يعيد بناء المنشئات لصناعة المزيد. وطبقا لادعاءات الحكومة البريطانية يمكن لصدام أن ينفذ اعتداء كيماويا وبايولوجيا في ظرف 45 دقيقة بعد صدور القرار. هذا النظام يسعى لحيازة قنبلة نووية واذا توفرت له المواد فيمكن أن ينتج واحدة خلال عام.(4)

"The danger to our country is grave and it is growing. The Iraqi regime possesses biological and chemical weapons, is rebuilding the facilities to make more and, according to the British government, could launch a biological or chemical attack in as little as 45 minutes after the order is given... This regime is seeking a nuclear bomb, and with fissile material could build one within a year."

خطابات الرئيس بوش التحذيرية والمبالغة بالخطر الذي يشكله العراق وبرغم ما تصوره من خطر وشيك لم تلقى استجابة أو حماسا من قبل الرأي العام الأمريكي أو البريطاني. وبعكس ما يصرح به الرئيس ووسائل الاعلام على ضفتي الأطلسي  فان حملته قد أثارت الشكوك حول أهداف الحرب وتوقيتها وبالدرجة الرئيسية شرعيتها. فالمجتمع الدولي غبر مقتنع بالمسوغات التي ساقتها الولايات المتحدة وبريطانيا، بل لقيت معارضة واسعة داخل أروقة الأمم المتحدة، وبالأخص أعضاء مجلس الأمن الدولي والسكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان.

 قسما واسعا من الرأي العام الأمريكي والبريطاني لم يعطيا تأييدهما لشن الحرب، وقد شاركت مئات الآلاف من الجماهير في كلا البلدين احتجاجا على الاستعدادات لها. لكن التحشيد للحرب رغم ذلك استمر ولم يتوقف، فالقواعد العسكرية الأمريكية في أوربا والشرق الأوسط كانت مستعدة لاستقبال الطائرات والعتاد الحربي والقوات العسكرية من مختلف الأصناف انتظارا لصدور الأوامر بالزحف نحو العراق عبر الكويت والسعودية والبحرين وقطر وتركيا وقبرص والأردن وغيرها من الدول الحليفة.

وكرر الرئيس بوش الادعاءت نفسها في 6\3\2003 اسبوعان قبل بدء هجومه وغزوه لبلادنا. تلك الادعاءات لم تكن صحيحة في تلك الفترة، فما يعرفه العالم ان العراق لم يعد يملك اسلحة خطرة ذات دمار شامل بعد أن دمرت لجان التفتيش ماعتبرته بنية تحتية لاسلحة كيماوية ونووية، ولم يعد يشكل أي خطر لا على الولايات المتحدة ولا على جيرانه. لكن الرئيس بوش لم يكتف بترديد تلك الادعاءات فحسب، بل اتهم العراق بتعاونه مع منظمة القاعدة الارهابية التي ثبت ايضا أن لا أساس لها من الصحة.

لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة التي زارت العراق مرات كثيرة قد أكدت خلو العراق من تلك الأسلحة، كما أكدت السي آي أيه بتقارير أعدتها لهذ الغرض وخرجت باستنتاجات مشابهة لتلك التي أكدتها لجان التفتيش. وقيل حينها أن تقارير السي آي أيه حول عدم امتلاك العراق أسلحة كيماوية كانت على مكتب الرئيس بوش عندما اصدر قراره ببدء الهجوم على العراق. فاذا ثبت ان اتهام الرئيس الأمريكي بوش للعراق غير صحيح فلماذا تحارب الولايات المتحدة العراق..؟

في محاولة للبحث عن الاجابة الشافية عن هذا التساؤل سنستعرض آراء عدد من الصحفيين والمحللين السياسيين المتخصصين وأعضاء في مجلسي الكونغرس الأمريكي وجنرالات عسكريين سابقين لنتقاسم والقارئ العزيز المعرفة بالحقيقة الكامنة وراء الحرب على العراق. فللسناتور أيرنست هولينغ الضليع بالسياسة الخارجية الأمريكة رأيا مغايرا قال فيه:  (5 )

" أن الولايات المتحدة قد غزت العراق من أجل طمأنة اسرائيل ". وقد سمى السيناتور هولينغ ثلاثة من أكبر المؤثرين اليهود لموالين لاسرائيل الذين لعبوا دورا مهما في دفع الادارة الأمريكية لشن الحرب على العراق. وهم ريجارد بيرل عضو مجلس السياسات  الدفاعية في وزارة الدفاع، وبول ولفوفيتز وكيل وزير الدفاع، وجارلس كراوثامر كاتب وصحفي."

وقد تحدث الجنرال الأمريكي المتقاعد وأحد القادة العسكريين السابقين للناتو ويسلي كلارك في مقابلة له مع لجنة رفيعة المستوى من أحد عشر عضوا من مجلس الكونغرس تمت قبل أشهر من توقيت شن الحرب على العراق حيث قال: (6) " أولئك المؤيدون لمهاجمة العراق يقولون لك شخصيا انها حقيقة بان صدام لا يشكل تهديدا للولايات المتحدة، لكنهم يخشون الى حد ما بأنه ربما يهاجم اسرائيل باسلحة نووية."

وعندما وجه السؤال للسيد صاموئيل فرانس الكاتب والصحفي الأمريكي المرموق عن دور المحافظين الجدد في قرارات ادارة الرئيس بوش في شن الحرب على العراق رد قائلا: (7)

 " الكذبة بأن التسلح العراقي يشكل خطرا وشيكا على الولايات المتحدة هي فبركة من قبل المحافظين الجدد في الادارة الأمريكية الموالين لاسرائيل. اولئك المحافظون يعتبرون اسرائيل ومصالحها أولوية في سياسة الولايات المتحدة، وسعوا من اجل قيام الولايات المتحدة بمهاجمة العراق لانه يشكل اعظم تهديد لاسرائيل في المنطقة. وانهم معروفون بسعيهم لشن الحرب منذ عام 1996، لكنهم لم يكونوا قادرين على تسويغ ذلك الا بعد احداث 9\11 \ 2001. لقد استخدموا تلك الفاجعة للدفع بالادارة الأمريكية لوضع أجندتهم موضع التنفيذ وقد حصلوا على تأييد الحكومة الاسرائيلية التي قامت بالضغط على البيت الأبيض لمهاجمة العراق."

وفي تقرير لمراسل صحيفة الغارديان البريطانية في اسرائيل جوناثان ستيل كتب فيه قائلا: (8)

 " كشفت اسرائيل عن قرارها لتشكيل ضغط عام على الرئيس بوش للسير قدما في مهاجمة العراق، وهي تعتقد أن صدام حسين ربما يقوم بمهاجمة اسرائيل".

 وتعتبر وكالة الاستخبارات الاسرائيلية شريكا لكل من أمريكا وبريطانيا لاصدار والمبالغة في قدرة العراق لشن الحرب. وان الاستخبارات الاسرائيلية زودت ولعبت دورا مهما لدعم قضية أمريكا وبريطانيا بشن الحرب، وقد قيمت بشكل سيئ ومبالغ فيه التهديد العراقي لاسرائيل، ودعم المعتقد الامريكي والبريطاني بان الاسلحة العراقية للدمار الشامل حقيقة.(9)

ولعضو الكنيسيت الاسرائيلي لعدة دورات والحائز على عدة جوائز في مجال الصحافة أوري أفنيري رأيه في الحرب على العراق، واصفا اياها بكونها تعبيرا عن التأثير والقوة لليهود في الولايات المتحدة. وتسائل: من هم الفائزون..؟ ويجيب هو نفسه: (10)

" انهم مجموعة المحافظين الجدد الذين كل أعضائها من اليهود، يحتلون مواقع مهمة في ادارة الرئيس بوش الذين لعبوا دورا في صياغة سياسة الولايات المتحدة والـتأثير على أهم الصحف فيها. انهم قريبين من اليمين المسيحي المتطرف الذي يسيطر على الحزب الجمهوري الأمريكي. وكما يظهر، ان كل ذلك جيد بالنسبة لاسرائيل، أمريكا تسيطر على العالم نحن نسيطر على أمريكا. لم يحصل في السابق أن يحقق اليهود هذا التفوق على مركز القوة في العالم."

لكن لابد من التساؤل، كيف للدائرة المتطرفة المحيطة ببوش أن تأخذ الولايات المتحدة الى حرب لا أحد غيره يريدها..؟  لعل العامل المهم في هذا هو التحالف الواسع بين اليمين المتطرف الجديد وجزء واسعا من اللوبي الصهيوني، واليمين المسيحي الصهيوني، الحركة التي تؤمن بان الكتاب " The Bible " جعلهم يعتقدون بان المسيح سيعود للظهور فقط عندما يتمكن اليهود استعادة كامل الأرض الموعودة، وان الاسلام دين شرير وهمجي." (14)

الرفض العراقي للحرب أولا ولاحقا للاحتلال ومشاريعه كان واضحا منذ العام الأول لحدوثه، وبخاصة عندما اكتشفت جماهير شعبنا الأهداف الأمريكية الحقيقية من وراء حرب تحرير العراق. وكان للسلوك الهمجي للقوات الأمريكية تجاه المواطنين البسطاء العراقيين، والعقاب الجماعي والاعتقالات العشوائية، والاذلال اليومي للمعتقلين بدون تمييز قد ألهب مشاعر الغضب ضد القوات العسكرية لقوى التحالف وخاصة الأمريكية منها المصنفة باعتبارها الأكثر عدوانية وقسوة وانتهاكا لحقوق الانسان العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/آذار/2013 - 7/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م