اقتصاد أوربا في 2013... بين تفاؤل حذر وامتحان صعب

 

شبكة النبأ: بعدما تعرضت منطقة اليورو لهزات اقتصادية عديدة في العام الماضي أبطئت من تعافيه، يبدو ان اقتصاد اوربا يستعد لاستقبال عام آخر من التخبط، متأثرا بازمة الديون السيادية وحرب العملات والقواعد الضريبة العالمية، فضلا عن نمو اقتصاديات بعض الدولة النامية، ولعل حالة الكساد المستمرة في هذه المنطقة، تشكل أهم المؤشرات المقلقة التي تلقي بظلالها على آفاق النمو المرتقبة للاقتصاد أوربا خلال المستقبل القريب.

لكن في الوقت ذاته تسعى دول منطقة اليورو واقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي منذ سنوات إلى خفض مستويات الديون السيادية التي تؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي.

في حين يرى بعض المحللين انه على الرغم من جهود مكافحي الركود الاقتصادي، لأخرج اقتصاد أوربا الى  بر الأمان، تبقى حلولهم لا تخلو من المشاكل وربما لا يبعد الاقتصاد الأوربي كثيرا عن دائرة الخطر في السنوات القادمة.

فمع دخول أزمة اليورو عامها الرابع تتأرجح تصريحات كبار المسؤولين في الاتحاد الاوروبي بين متفائل بتخطي "المرحلة الاصعب" ومتشائم من اثر تباطؤ تعافي اقتصاديات دول منطقة اليورو على عملتها وسط تطلعات الى انتهاء الأزمة في عام 2013.

لكن على الرغم من التفاؤل الذي يخيم على بروكسل الا ان ألمانيا وهي أكثر الدول قوة وتأثيرا على الوضع الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي تحذر من ان سنة 2013 ستكون "الاصعب" على منطقة اليورو.

بينما يرى محللون آخرون انه قبل عام كانت المخاوف من انسحاب اليونان من منطقة اليورو وما يتبعها من عواقب سلبية على الاقتصاد العالمي امرا واردا جدا اثار اهتمام الراي العام العالمي وانعكست اثاره على اداء الاسواق المالية.

لكن بعد اشهر من المساعي الاوروبية والمفاوضات المكثفة بين الدول والمؤسسات المالية الدولية المعنية، يبدو ان اوروبا بدأت ترى النور في اخر النفق.

وبانقضاء عام 2012 تكون منطقة اليورو قد ودعت عاما حبست فيه انفاسها اكثر من مرة خوفا من انهيار اليورو بسبب تفاقم ازمة الديون السيادية التي هزت اليونان وطالت اسبانيا وايطاليا ودولا اخرى، وادى اخفاق الحكومات الاوروبية في احتواء الازمة في بدايتها الى بروز احتمالات امتدادها من اليونان الى دول ذات اقتصادات كبرى مثل اسبانيا وايطاليا.

وخلال الصيف الماضي، عادت اسعار الفائدة على السندات الاسبانية والايطالية الطويلة المدى الى الارتفاع الى اعلى مستوى لها على الاطلاق عندما بلغت 7.6 في المئة وهي مستويات لم يكن بامكان الحكومتين الاستمرار في الاقتراض بها وكانت تنذر بلجوئهما الى مساعدات من الشركاء الاوروبيين.

لكن تدخل رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي واعلانه "استعداد البنك لاتخاذ كل التدابير اللازمة لانقاذ اليورو" غير مسار الاحداث، التصريحات التي ادلى بها على هامش احتفالات انطلاق الالعاب الاولمبية في لندن كان لها صدى كبير في عالم المال والاعمال بل ان الكثير من المراقبين يرون ان الفضل في تبدد المخاوف من انهيار العملة الاوروبية الموحدة يعود اليه وحده.

وبعد اسابيع من تصريحه الشهير، كشف دراغي عن خطة تقوم على برنامج لشراء سندات الدول المثقلة بالديون –ولو بشروط– في مبادرة اثارت على الفور ارتياحا في نسب الفوائد على القروض الاسبانية والايطالية بحيث تراجعت الى حدود 5.3 % ما يمنح هذه الدول المزيد من الوقت لاعادة ترتيب وضعها المالي.

واضاف قرار وزراء المالية الاوروبيين في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول بالافراج عن اربعة وثلاثين مليار يورو لليونان جوا من التفاؤل بان اروروبا ربما تكون قد قطعت مرحلة حاسمة في معالجة ازمتها. بحسب البي بي سي.

وبالرغم من "الانجازات" التي تحققت خلال العام المنصرم فان الاوربيين يبدون متفقين على عدم الاسراف في التفاؤل واعلان النصر لان الاشهر القليلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات، "الاعتقاد السائد في السوق هو ان البنك المركزي على استعداد لشراء سندات الدول التي تعاني من ديون بدون حدود لكن بعض الدول المعارضة لمثل هذه الخطوة مثل المانيا لا تعتقد ان البنك يملك هذه الصلاحيات".

فالبنك المركزي الاوربي قد يواجه امتحانا صعبا في مدى قدرته على الوفاء بالتعهد الذي قطعه على نفسه بالتدخل في الاسواق لانقاذ اليورو، المستشارة المالية بيبا مالمغرن قالت ان "الاعتقاد السائد في السوق هو ان البنك المركزي على استعداد لشراء سندات الدول التي تعاني من ديون بدون حدود لكن بعض الدول المعارضة لمثل هذه الخطوة مثل المانيا لا تعتقد ان البنك يملك هذه الصلاحيات"

ولا يبدو ان اجراء انتخابات تشريعية في المانيا وايطاليا في العام الجديد سيساعد على تسريع خطى المفاوضات الاوروبية لاعادة هيكلة ديون اليونان .

كما ان المناقشات حول تعزيز التكامل في منطقة اليورو قد تثير المزيد من الخلافات بين الدول الاعضاء ما يفتح الطريق لتوترات جديدة في الاسواق المالية ويزيد من الغموض الذي يحيط بالعام الجديد، وياخذ هذا الغموض بعدا اقتصاديا واجتماعيا وسط توقعات متشائمة باداء الاقتصاد في الاشهر المقبلة.

فبعد دخول الاقتصاد مرحلة انكماش في الربع الثالث، فإن كل المؤشرات تؤكد ان الانتعاش المرتقب لن يحدث في بداية العام، ما يعني استمرار ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت اعلى مستوياتها منذ اطلاق اليورو وبلغت 25 % في اليونان واسبانيا.

التكلفة الاجتماعية التي تتكبدها شرائح واسعة من المجتمع الاوروبي تثير جدلا بين صناع القرار في المنطقة حيث تقول جهات عدة بينها صندوق النقد الدولي ان برامج التقشف الصارمة واثارها على الوظائف والمعاشات والخدمات العامة قد تسببت في تفاقم الازمة.

وتمنح هذه التفسيرات النقابات العمالية الذخيرة لتنظيم المزيد من المظاهرات والاحتجاجات على غرار ما شهدته العديد من الدول المتوسطية خلال الاشهر الماضية.

ويرى العديد من المراقبين ان هذه العوامل وغيرها تعطي الانطباع بان نفق الازمة لا يزال طويلا بالرغم من تجاوز عدة حواجز قبل نهاية العام، وربما يلخص ما قالته المستشارة الالمانية انغيلا ميركل على هامش القمة الاوروبية الاخيرة "باننا حققنا بعض الانجازات، لكن اعتقد ان اشياء كثيرة تنتظرنا" يلخص مزاج السياسيين في اوروبا هذه الايام. وكانت ماركل قد توقعت في وقت سابق ان تستغرق مدة معالجة ازمة اليورو خمس سنوات.

كساد اقتصادي مستمر

فقد اعلنت المفوضية الاوروبية توقعاتها للاداء الاقتصادي في منطقة اليورو خلال العام الجاري حيث قالت انها تتوقع ان يستمر الكساد الاقتصادي خلال العام، وقالت المفوضية إن منطقة اليورو لن تعود للنمو حتى عام 2014 وكنتيجة لذلك فان اسبانيا وفرنسا ستكون ضمن الدول التي لن تتمكن من الوصول الى المستويات المستهدفة لخفض الدين.

ويضم اقتصاد المنطقة 17 دولة تنتج نحو خمس الناتج العالمي ومن المتوقع ان ينكمش الناتج الاوروبي بنسبة 0.3 بالمئة في 2013 بعد انكماشه 0.6 بالمئة العام الماضي وهو ما يعني صعوبة الإقراض للشركات والأسر وخفض الوظائف وتجميد الاستثمارات بما يعطل تعافي الاقتصاد، بذلك خفضت المفوضية من توقعاتها التى كانت قد اعلنت عنها في نوفمبر/تشرين الثاني والتي اشارت الي أن اقتصاد منطقة اليورو سينمو هذا العام.

وقال أولي رين مفوض الشؤون الأقتصادية والنقدية إن "عملية إعادة التوازن الجارية في الاقتصاد الأوروبي مستمرة في التأثير على النمو في الأجل القصير"، وبموجب قواعد الميزانية الأوروبية التي جرى تشديدها اثناء ذروة الأزمة في أواخر 2011 يمكن أن تواجه الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي غرامات إذا لم تلتزم باتخاذ إجراءات للوصول إلى مستوى العجز المستهدف الذي يحدده وزراء مالية الاتحاد. بحسب البي بي سي.

وتعتبر اسبانيا من الدول التي حققت أضعف أداء اقتصادي في منطقة اليورو فلم تتمكن من تثبيت مستوى العجز في الميزانية عند 6.3 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في 2012 وجاء العجز بعيدا عن هذا المستوى اذ بلغ 10.2 بالمئة.

في سياق متصل هبط اليورو إلى أدنى مستوى خلال الاشهر القليلة الماضية أمام الدولار في التعاملات الاسيوية في حين ظل الين على مسافة من أدنى مستوياته في عدة أشهر إذ دفعت الأوضاع السياسية في إيطاليا المتعاملين للجوء إلى العملتين الأمريكية واليابانية.

وهذه الأزمة البرلمانية قد تهدد الإصلاحات الإقتصادية في إيطاليا وتجدد المخاوف من مشكلة الديون في منطقة اليورو. ومن شأن ذلك تغيير حالة التفاؤل التي استفاد منها اليورو والأصول التي تنطوي على مخاطر بشكل عام في وقت سابق هذا العام. بحسب رويترز.

البطالة مرتفعة

فقد ارتفع معدل البطالة في منطقة اليورو إلى معدل قياسي جديد بلغ 11.8 بالمئة بحسب أحدث الأرقام الرسمية، وجاءت أسبانيا، الغارقة في الركود، على رأس قائمة اعلى معدلات البطالة في أوروبا بنسبة 26.6 بالمئة.

وبلغ عدد الأشخاص دون عمل في الاتحاد الاوروبي أكثر من 26 مليون شخص على الأقل بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل في منطقة اليورو 18.8 مليون عاطل بحسب مكتب الإحصاءات الأوروبي (يوروستات)، وجاءت اليونان في المركز الثاني في قائمة البطالة حيث بلغ المعدل بها 20 بالمئة، وبلغت معدلات البطالة بين الشباب 24.4 بالمئة في منطقة اليورو ووصلت إلى 23.7 بالمئة في الاتحاد الاوروبي ككل. بحسب البي بي سي.

وشهدت الصادرات الالمانية انخفاضا حادا تأثرا بالضعف الذي اصاب اقتصاد منطقة اليورو، وأظهرت الارقام الرسمية انخفاض الصادرات بنسبة 3.4 بالمئة مقارنة بنفس الوقت من العام الماضي، وقال الاقتصادي كريستيان تشولز إن "ألمانيا تعاني جراء أزمة منطقة اليورو حيث تأثر اقتصادها بشكل مباشر بضعف الطلب وبشكل غير مباشر من خلال ضعف ثقة المستثمرين"، وتحتل المانيا، التي تذهب 60 بالمئة من صادراتها إلى دول الاتحاد الاوروبي، المركز الثاني في قائمة أكبر الدول المصدرة بعد الصين.

قواعد الضريبة العالمية

من جانب آخر دعا وزير المالية البريطاني جورج اوزبورن ونظيريه الفرنسي والألماني لوضع قواعد جديدة للضريبة العالمية تهدف لتضييق الخناق على الشركات من أجل منعها من التهرب الضريبي، وتبحث هذه الدول الثلاث سبل الدعم من قادة مجموعة الدول العشرين في قمة موسكو.

وكانت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أجرت بحثا أكد أن "الشركات متعددة الجنسية تستغل الثغرات في قوانين الضرائب الخاصة بالدول التي تتعامل معها". وفي غضون ذلك تسربت مسودة للبيان الرسمي الذي تعتزم مجموعة وزراء المالية بالدول العشرين إصداره، وأكدت المسودة أن الوزراء لن يقوموا بتوجيه انتقادات لليابان بسبب اهتزاز موقف الين.

وتأتي هذه الخطوة عقب قيام إحدى الشركات الدولية العملاقة بمحاولة التملص من التزاماتها الضريبية، حيث زعمت جماعة ضغط تدعى "أمريكيين من أجل العدالة الضريبية" أن شركة فيس بوك لم تدفع ضريبة دخل الشركات العام الماضي في أمريكا، وأنها عوضا عن ذلك قامت بتعديل ضريبتها بمبلغ 451 مليون دولار من دائرة الإيرادات الداخلية رغم أنها حققت أرباحا بلغت مليار دولار.

وزعمت جماعة الضغط أيضا أنه بفضل التخفيضات الضريبية على الشبكات الاجتماعية فإنها تمنح مسؤوليها التنفيذيين خيارات متنوعة للأسهم في بورصة ناسداك، مما يعود على الشركة بخصومات ضريبية أخرى تصل إلى 2 مليار دولار في المستقبل، ولم تدل شركة فيس بوك بأي تعليق حول القضية.

ووجد التقرير الذي أصدرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في وقت سابق هذا العام "أن التناقضات بين القواعد الضريبية في الدول المختلفة تمنح الشركات الفرصة لتحريك أرباحها إلى الدول ذات الضغوط الضريبية الأقل".

وقال أوزبورن :"إن التقرير أظهر أن الاقتصاد العالمي تغير على نطاق واسع خلال العقد الماضي، ولكن النظم الضريبية لا تزال دون تغيير منذ ما يزيد عن القرن"، وتتولى بريطانيا مقعد رئاسة لجنة نقل التسعير والتي ستكشف الطريقة الذي تقوم بها الشركات الدولية بحساب المدفوعات بين فروعها في الدول المختلفة، والتي تمكن الشركات من نقل أرباحها من الدول مرتفعة الضريبة إلى الدول ذات الضرائب الأقل، بينما ستترأس ألمانيا المجموعة التي ستبحث الطرق التي يمكن أن تقوم بها الشركات بتخفيض قاعدتها الضريبية على أساس الدخل الخاضع للضريبة والممتلكات، بينما ستدرس فرنسا وأمريكا سويا تحديد اختصاص الضريبة الصحيحة للأنشطة التجارية، وخاصة الأنشطة الإليكترونية.

حرب العملات

وفي غضون ذلك فإن وزراء مالية مجموعة الدول العشرين في اجتماعهم بموسكو سيستبعدون انتقاد اليابان بسبب الضعف الذي أصاب عملتها أخيراً، بعد أن انخفضت قيمة العملة اليابانية بشكل حاد لتصل إلى نسبة 1.5 في المئة أمام الدولار، وذلك حسب مسودة البيان الذي تم تسريبه من اجتماع اللجنة.

ويمنح ضعف الين الصادرات اليابانية فائدة سعرية تنافسية، ولكنه في الوقت نفسه يرفع المخاوف من حرب العملة خاصة وأن المصدرين يتنافسون لتحقيق أكبر قدر من الصادرات خلال فترة الضعف.

وأكد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي أن الحوار المفتوح حول العملات ليس لائقا وسيثير رغبات الدفاع عن النفس، وكان دراغي قد استطاع ببراعة إيقاف الحديث عن قيمة اليورو خلال مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، عندما أكد أن البنك المركزي يرصد سعر الصرف، وأكد جيري ريس المتحدث باسم صندوق النقد الدولي أن المحادثات حول العملات كانت كثيرة، وقال :"تقييمنا المتعدد الأطراف لا يشير إلى انحرافات كبيرة عن القيم الرسمية للعملات ذات الصلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/آذار/2013 - 21/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م