ثمانية عوامل لخروج العملية السياسية في العراق من أزماتها

علي الطالقاني

أخفق العراقيون في بناء دولة ديمقراطية حديثة، ومع مرور دورتين انتخابيتين لم يشهد العراق أي تقدم سياسي، بسبب التوافق والمحاصصة السياسية المبنية على رؤية مذهبية وقومية، في وقت من المفترض فيه أن يقرأ القادة السياسيون التجارب التاريخية للبلدان التي خاضت تجارب سياسية والتي أثبتت في نهاية المطاف أما أن يجلس الجميع على طاولة الحوار الإيجابي، وتأسيس دولة قوية قادرة على أن يعيش جميع أبناؤها تحت ظل نظام يؤمن حياة الأفراد. أو سيقسم البلد إلى أجزاء وربما ستكون هناك حرب داخلية ليقع البلد تحت وطأة الدمار.

ويبدو أن كبار القوم لا يفهمون مخاطر الدمار الذي يحدث الآن فالشرخ الاجتماعي والانقسام الطائفي والتدخلات الدولية والفساد والإرهاب بدا واضحاً، فالعراق يعيش في ظل نظام هش. يضاف إلى ذلك أن غالبية المجتمع العراقي بمختلف طبقاته الدينية والسياسية قد تعاطى مع هذه الأحداث ومع شخصيات سياسية تؤمن بالعمل العسكري والسياسي في الوقت ذاته تحمل هذه الشخصيات تناقضات تتعارض مع واقع ما هو مطلوب داخل الأحزاب.

وقد تزايدت الأدلة والشكوك حول ارتباط الإرهاب والفساد ببعض القادة السياسيين وبنظام الدولة، وأصبحت التنظيمات الارهابية تضرب بقوة داخل العراق. وأصبح الإرهاب والفساد جزءا من الكيان السياسي لبعض الأحزاب.

معادلة معقدة

وهناك معادلة معقدة مكونة من أطراف ثلاثة الشيعة والأكراد والسنة ولو قرأنا كل طرف على جهة نرى أن الشيعة لا يريدون أن يقعوا تحت وطأة حكم السنة في العراق لأسباب تاريخية، وللشيعة الحق في أن تكون الحكومة مكونة من الأكثرية الشيعية وهو حق طبيعي كفلته الانظمة الديمقراطية.

السنة من جهتهم لا يريدون فهم هذا الواقع وأن نسبتهم وتمثيلهم الانتخابي هو ذات الحجم الذي يتمتعون به الآن ولكن ما يهمهم هو حكم العراق لأنهم يعتبرون أنفسهم هم الأولى بذلك لأن الحكم كان بأيديهم من قبل وهناك امتداد أيدلوجي وتأثر بثورات الربيع العربي في المنطقة لأن هذه الثورات تقودها الطائفة السنية.

ويبدو أن المشروع السياسي السني في العراق تحول نحو خوض انتخابات في قائمة واحدة في تجربة قد تعوضهم عن الماضي بعد أن فشل ممثلو السنة في التوصل إلى مكاسب لطائفتهم. وقد يكون لهم إقليم كما هو حال الأكراد.

الأكراد من جانبهم يتمتعون بحكم ذاتي ولهم سيادة مطلقة عاشوا نشوتها إبان حكم صدام حسين للعراق وهم يرفضون أن تقع محافظاتهم تحت سيادة السلطة المركزية وهم متخوفون أيضاً من إن الحكومة المركزية قد تسلبهم جزءا من الثروات التي يتمتعون بها وهم لا يريدون الخضوع لأية سيطرة سوى تلك التي يتمتعون بها. ولا أحد ينكر ما جرى من جرائم مختلفة طالت الجميع. وهنا يبقى سؤال محير إلى أين تتجه الأوضاع في العراق والى متى ستنتهي؟.

توصيات سياسية

أولا، أن تتمتع الأحزاب العراقية بالقدرة والحسم نحو تصحيح مسيرتها وان تمتلك رؤية واضحة للأوضاع الداخلية إضافة إلى ضرورة وجود النخب والكفاءات القادرة على بناء الدولة وفق الموازين التي تكفل بناء البلد. وكلما كانت بنية الأحزاب مغلقة يسود الاستبداد ويضعف أداؤها وتنحرف مساراتها.

ثانياً، تعديل قانون الانتخابات، فهناك إشكاليات كثيرة منها توضيح كيفية احتساب مقاعد الكتل السياسية، إن التعديلات، لا تعد ترجمة حقيقية لتوصيات وحيثيات المحكمة الدستورية، حيث يوجد كثير من العوارض في النصوص التي تم تعديلها، ما يهدد الانتخابات البرلمانية القادمة.

ثالثاً، أن يشترك الجميع في الحكومة.

إن العراقيين اليوم بحاجة لتمثيل حقيقي في بناء الدولة وإجراء محادثات سياسية مع المعارضة الموثوق بها، كما ينبغي أن يُحترَم جميع الطوائف والأديان التي تعمل من أجل البلد. وهناك طبقة كبيرة من الشعب تريد العيش تحت ظل دولة مستقرة.

رابعاً، حوارات شفافة تحت غطاء دولي. يجب أن يتحاور العراقيون فيما بينهم بقيادة عراقية ودعم دولي من لدن الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ولا يمكن للولايات المتحدة بعد انسحابها من العراق أن تتخلى ببساطة. وخاصة هناك مخاوف عديدة من نشوب حرب داخلية.

خامساً، أن يكون للشيعة تمثيلاً سياسياً شاملاً على أن تتفق الكتل السياسية الشيعية على برنامج انتخابي سياسي وطني شامل.

سادساً، أن يكون للسنة برنامجاً سياسياً وكتلة برلمانية تمثل السنة في العراق.

سابعاً، أن يسهم الأكراد في دعم الدولة العراقية وان يكون لهم ممثلون حقيقيون في البرلمان العراقي على أن تخضع المناطق الكردية لقانون دستوري يتوافق مع مبدأ الديمقراطية والمواطنة.

ثامناً، أن يأخذ القضاء دوره في حسم القضايا وتنفيذ القوانين بحق المخالفين، وان لا يترك القضاء المجال للخلافات أن تسود مهما كان الأمر.

ويبقى الأمر مرهوناً بيد السياسيين العراقيين نحو التغلب على الخلافات والتوجه نحو برنامج وطني بعيداً عن النزاعات الفردية والشخصية. ويجب على الشعب العراقي أن لا يسمح من خلال البرنامج الانتخابي بدعم  تكريس السلطة من أجل مصالح معينة. بالإضافة إلى ذلك يجب أن يختار الشعب قادة جدد وبلورة انتخابات جديدة يقودها نخب قادرة على إدارة الدولة. 

الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها يجب أن تسعى إلى الضغط على وقف التدخلات الخارجية في العراق وإبعاده عن اللعب السياسية والحرب بالوكالة. وهي مطالبة بالتصدي لنفوذ الدول المجاورة للعراق أجمعها وأن تستعمل صلاحياتها الدبلوماسية لمنع إراقة الدماء.

* كاتب صحافي في شؤون السياسية والإرهاب

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/شباط/2013 - 17/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م