في إستنكار جنسنة الصغار

ياسر الحراق الحسني

أثارت تصريحات شاذة لرجال دين وهابيين إنتباه العديد من مراكز البحث مثل منتدى الشرق الأوسط الأمريكي ومقره بفيلادلفيا. هذا الأخير كانت له وقفة مع كوارث بعض العلماء اللاأخلاقية المنسوبة ظلماً إلى الدين الإسلامي السمح والإنساني. كوارث عمل المركز المذكور على جعلها مادة إعلامية تخبر الرأي العام الغربي عامةً والأمريكي خاصةً بالانحطاط الأخلاقي "الإسلامي" المتجسد في خطب وفتاوي وآراء علماء الفرقة الوهابية المجنسنة للأطفال.

 وحيث لم تصدر تنديدات وازنة من علماء الدين المسلمين وكذلك نخبهم، أصبح من الصعب الحديث عن كون الفكر الوهابي في مثل هذه المواضيع حالة معزولة، وصار إلحاق كوارثه اللاأخلاقية بالإسلام مسألة سهلة. إن إيراد بعض هذه الكوارث المتلبسة بلباس الدين الإسلامي أمر ملح هدفه تسجيل الإعتراض على إلحاق آراء شاذة بالإسلام كدين للعفة وإتمام مكارم الأخلاق. كما أنه يفيد في التحسيس بأهمية التصدي لمثل هذه الآراء واستنكارها كي لا يكون السكوت عنها علامة رضاً تعرف الأمم الأخرى من خلالها استفحال هذا الفكر السقيم عند عموم المسلمين.

من التقرير

جاء في تقرير لمنتدى الشرق الأوسط بتاريخ 2 فبراير 2013 عرض لعدد من الأفكار المنحرفة المنسوبة إلى الإسلام عن طريق علماء الفرقة الوهابية نذكر منها ما يلي:

1. دعوة العالم السعودي عبد الله داوود إلى فرض النقاب على الطفلة الصغيرة كي لا تكون عرضة لإثارة التي قد تؤدي إلى التحرش.

2. قيام الداعية السعودي فيحان الغامدي بقتل طفلته التي لم تكمل ربيعها الخامس بعد تعذيبها بسبب شكه بأنها لم تعد بكراً. الداعية خرج بحكم رجعي يدفع من خلاله الدية لأمها بحسب القانون السعودي.

3. فتوى العريفي التي أباحت زواج المناكحة والسترة للجماعات المسلحة في سوريا. زواج بحسب المركز راح ضحيته عدد من الفتيات السوريات اللاجئات اللواتي يبلغن ما بين 12 و16 سنة. وأشار المركز إلى حالات في تركيا وليبيا والأردن ودول أخرى.

4. قيام بعض الدعاة في بريطانيا بتزويج بنات دون سن البلوغ في كل من كامبريدج وشرق لندن. الشيء الذي تم إستغلال المساجد والمراكز الدينية لتنفيذه.

5. حادثة قيام أب أفغاني بقتل ابنته وسائق دراجة نارية بعد ضبطها ورائه على نفس الدراجة، وقيام جموع من الناس بمنع الإسعافات الأولية عنهما والدخول في أعمال عنف ضد الشرطة نصرةً للأب المتطرف. الشيء الذي وصفه المركز بأنه من نتائج فتاوي علماء الدين.

مناقشة عفوية

من المعروف في الإسلام عدم جواز إجبار البنت على الزواج، هذا ناهيك عن اجبارها على الزواج من شخص معين. الإسلام يعطي لنفس الإنسان حرمة ويعطي حتى لجثة الإنسان الميتة حرمتها. في الحالات المذكورة تجد جنسنة مريضة لشخصية الطفلة البريئة التي حملها الرجعيون ما لا تحتمل. وتجد قتلاً للنفس المحترمة وتلاعباً بأحكام الدين وهتكاً للطفولة البريئة. الإسلام وضع حدا للزنى ووضع لإثباته شروطاً صارمةً كأن يرى الشهود العدول الأمر متلبساً تلبس العود في المكحل. وحتى إن تم، فلا عقوبة على الطفل. ثم أين من يملك العصمة من قضاة هذا الزمان لكي يدعي أن لحكمه يقينية لا ينتابها شك؟ إذا كان الجواب لا، فلماذا الحكم بالحد اليقيني المقدس في حالات يحتمل فيها الخطأ والحاكم فيها غير معصوم ؟ الأمر يبدو وكأن "ادرؤوا الحدود بالشبهات" أخذها المتألهون الجدد بالمقلوب فدرؤوا الشبهات بالحدود.

لقد ادخلت الطفلة لما الغامدي بنت الداعية فيحان الغامدي إلى المستشفى بتاريخ 25 ديسمبر 2011 وهي مثخنة بالجراح. طفلة دون الخامسة من عمرها مكسورة بكسر في الجمجمة والضلع واليد اليسرى وآثار حروق على جسدها. ليس هذا فقط، بل قام والدها المتدين العنيف بتمزيق وحرق شرج الطفلة البريئة. ومع شك الأب بزنى الطفلة وعدم ظهور أي زان بها في القضية، تبقى الشكوك كما ذكر منتدى الشرق الأوسط سائدة في كونه هو المغتصب الفالت من العقاب بتواطؤ نظام قضائي فاسد. يتساءل كل مطلع على القضية: إذا كان الإسلام يحرم التمثيل بجثة الكلب، فأي إسلام يسود في السعودية حيث لا يعاقب الممثل بجثة الطفلة بأبشع طريقة يمكن تصورها!

لا يمكن إلقاء اللوم على المثقف النخبوي غير القول بأن التنديدات النخبوية لم تكن وازنة في التصدي لهذه الأفكار والأفعال اللاإنسانية. وحيث أن الأمية تعم في عدد من المجمعات المتضررة من الرجعية والرجعيين الذين لهم وسائل الوصول إلى العوام من خلال منابر الدين الأرضية والفضائية، فإن المسؤول الأول هي الدول التي تتساهل مع الخطاب الرجعي ثم رجال الدين من أصحاب الفكر المأفول. وهذا ما يحتم على النخب التركيز على ما يمكن أن يؤدي إلى الضغط على الحكومات المتاجرة في الأديان من خلال تحسيس الرأي العام العالمي. من الضروري مخاطبة الرأي العام الفاعل في الدول المتقدمة كي تضغط على حكومات أغلبها تحتاج إلى دعم الدول المتقدمة من أجل إيقاف مد التطرف الديني الذي أصبح مطلوق العنان في دول ما بعد "الربيع العربي خاصةً" بدعم من دول تحمل ثقافة دينية متطرفة دخلت على خط "الربيع العربي" وأصبحت بقوة المال لاعباً لا يستهان به.

لقد لاحظنا كيف يتم حصار وزندقة كل من يأتي ببينة على بطلان جنسنة الصغار في التراث الإسلامي. جنسنة حضرت بقوة في الجاهلية وعند المجتمعات القبلية ولا يستبعد قيام المدونين الأوائل بتوطينها في المقدس الإسلامي؛ خاصةً مع العلم بأن هذه الجنسنة التي نستنكرها اليوم كانت من كبريات المناقب عند المجتمعات القبلية التي كانت هدف خطاب المدونين الأوائل للحديث. فلا أحد يشك أن رجال ذلك الزمن كان زواجهم بالبكر الصغيرة مفخرة. ونساء ذلك الزمان كذلك كن تتقاسمن النظرة نفسها. وليس رجال ونساء ذلك الزمن فقط، بل اننا نلاحظ إستمرارية ذلك واستقراره في مجتمعات ظاهرها حداثي اليوم. هنا نأخذ بعين الإعتبار مسألة "التسامح في السنن" ومفادها أنه إذا ورد حديث مشتمل على حسب، وعمل به المكلف فقد أدى مستحبا، وله الثواب المذكور له حتى لو كان الحديث غير صحيح، بل حتى لو تبين انه غير مستحب واقعا. فإذا كانت مسألة جنسنة الصغار قيمة في حد ذاتها كما تبين سابقاً في إطار زمني معين، فإنه من المعقول جداً الإعتقاد بحداثة ادماجها في الدين من باب التسامح المذكور حتى لو كان النبي لم يفعلها.

وما يدعم هذا التوجه بطريقة مختلفة تجده فيما ذهب إليه الدكتور عدنان إبراهيم الرائد الإصلاحي في المدرسة السنية بعد بحوث مكثفة في كون عمر عائشة حين تزوجها النبي كان حوالي العشرين سنة. وقد فصل الدكتور في كون روايات زواج النبي بعائشة - والتي يستند إليها في جنسنة الصغيرات- إنفرد بها شخص واحد وهو هشام بن عروة الذي ولد عام 61 هج. هذا الراوي عاش 71 سنة في المدينة وإنتقل إلى الكوفة في أخر 10 سنوات من حياته. والاشكال المطروح كما بينه الدكتور إبراهيم هو في كون هذا النوع من الأحاديث لم يروه عنه معاصروه; لا من العلماء والرواة المدنيين ولا من المغمورين، ولا حتى تلاميذه في المدينة وعلى رأسهم مالك بن أنس والحمادان والسفيانان. وسجل الدكتور إبراهيم نقطة مهمة اثارها الذهبي وغيره في كون الراوي المنفرد بحديث زواج النبي بطفلة عمرها 6 سنوات كان يتساهل في حديثه في آخر عشر سنوات للعراقيين، الشيء الذي أنكره تلميذه مالك. وإستشهد الدكتور إبراهيم بأقوال علماء الحديث في كون الراوي المنفرد المذكور تناقص حفظه واختلطت لديه المسائل.

 ويبقى المجال مفتوحاً للتساؤل عما إذا كان فعلاً تناقص حفظه أو اختلطت مسائله أووضع أشياءً لأهل العراق حيث تراث مناقب أهل البيت يوجد بكثرة من أجل الإتيان بمناقب كما تصورها هو ومخاطبه- لصالح الطرف المقابل. المهم هو أن مثل هذه الأخبار لا تصح وأنه من الواجب مواجهة رجال الدين المروجين لها بطرق علمية والزامهم بما الزموا به أنفسهم وإبراز تناقضاتهم.

إن رجال الدين المتشبعين بثقافة القبيلة أساؤوا عن قصد أو غير قصد إلى الإسلام وادمجوا فيه أشياءً جاء لأجل مناهضتها. وإستناداً إلى آرائهم البالية والمنافية للإسلام ولقيم المشترك الإنساني تجدهم اليوم يفتحون الباب على مصراعيه أمام التسقيط من سمعة الدين والإساءة إليه. ومرروا عبر المنابر الدينية أفكاراً مريضة مغلفة بغلاف الإسلام إلى الكثيرين ممن حرموا من فرصة التعلم والإطلاع. ويبقى الأمل دائماً معقوداً على تحرك المثقف في دائرته وخارجها من أجل الإستمرار في مجهوده للتحسيس بخطر الفكر المتطرف ومقاومته بالوسائل العلمية قدر الإمكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/شباط/2013 - 7/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م