ثلاث محاور رئيسة تسهم في صعود قوى إرهابية

علي الطالقاني

أصبحت الجماعات الإرهابية تشكل تهديداً كبيراً داخل العراق بسبب تصاعد وتيرة الخلافات السياسية، وتساهل بعض الجماعات الإسلامية في بعض المدن مع المتطرفين، وضعف الدولة العراقية.

هناك أزمات خطيرة لها تداعيات تلقي بظلالها على الساحة الداخلية ويبقى تنظيم القاعدة المستفيد من الفوضى الحاصلة، فالعراق يفتقر إلى نظام الدولة الذي يمكنها من إدارة الحرب، مما يشكل ذلك تهديداً كبيراً. ومن غير المتوقع أن يستسلم جميع عناصر تنظيم القاعدة أو أن يلقي السلاح.

وبلغ عدد ضحايا العمليات الإرهابية في العراق خلال عام 2012 أكثر من أربعة آلاف و982 بين قتيل وجريح. وكشف تقرير لبعثة الأمم المتحدة في العراق أن ألف و346 مدنياً قتلوا، وثلاثة آلاف و660 آخرين جرحوا، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2012.

وبسبب الفوضى السياسية يرى مراقبون أن تنظيم القاعدة بدأ يسترجع قوته بسبب افتقار العراق إلى المعلومات والإمكانيات الاستخبارية وهناك أدلة متزايدة من تحول بعض المناطق إلى عامل استقطاب للتطرف، فان بعض المناطق قد تصبح مركز تجمع للإرهابيين وخصوصاً مع دخول العامل السوري في هذه المناطق. وقال بعض أفراد تنظيم القاعدة في العراق أن لهم علاقات مع تنظيم "جبهة النصرة" في سوريا وهناك مصالح متبادلة.

ولاشك أن هناك عوامل داخلية وخارجية تقف بوجه جهود مكافحة الإرهاب قد جعلت من الإرهاب يضرب بقوة داخل العراق من أبرزها :

الأمر الأول، فشل إدارة العملية السياسية بسبب تبني سياسات توافقية مبنية على أساس طائفي وقومي ومناطقي.

الأمر الثاني، مساهمة دول الجوار في محاولات تسقيط الحكومة على أساس أن الشيعة هم من يقودون الحكم.

الأمر الثالث، دخول المحور الأمريكي السعودي التركي الإيراني حيث يشهد العراق استقطاباً بين إستراتيجيات هذه الدول.

إن الظروف الخاصة في العراق قد تكون السبب وراء هذا النهج المختلف، وبمرور الوقت شهدت بعض المناطق التي تعارض الحكومة العراقية وخصوصاً السنية منها تحول بعض الجماعات إلى التطرف واتخذت من العنف كوسيلة للضغط على الحكومة من أجل تقديم تنازلات معينة، مما أدى إلى إيجاد قوى قتالية مدعومة من بعض السياسيين ورجال الأمن.

أن جعل بعض المدن تتبرأ من التنظيمات الإرهابية قد لا يكون مهمة سهلة ولعل أدل ما يُعبر عن ردود الأفعال تلك الصورة التي حدثت خلال المظاهرات، حيث حمل عدد كبير من المتظاهرين شعارات طائفية تخللها رفع العلم العراقي القديم وعلم ما يسمى بالجيش الحر وعلم تنظيم القاعدة. حيث الاستقطاب الطائفي واستخدام الخطب الحماسية، وبث المظاهرات عبر وسائل الإعلام وتحريض المتظاهرين، مستغلين في ذلك معاناة المواطنين. في وقت من المفترض أن يكون هناك تمييز بين المظاهرات الحقيقية وتلك التي تسرقها التنظيمات الإرهابية.

توصيات سياسية

إن مقاتلة الإرهاب في العراق مرتبط وبقوة بجهود الدول الإقليمية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية -التي بينها وبين العراق معاهدة أمنية- أما أن تقف مع العراق من أجل القضاء على الإرهاب أو التنحي مما يبقي العراق ساحة مفتوحة للصراعات.

ولا يمكن لأي سياسة لمكافحة الإرهاب أن تكون ناجحة دون معالجة الظروف التي تؤدي إلى انتشار الإرهاب، وهناك عوامل ينبغي إدراكها.

أولا، إعادة النظر بمفهوم الحرب على الإرهاب، حيث يتعين على الحكومة أن تدرك أن قوات الأمن بحاجة إلى خبرة عسكرية أكبر مثل الدعم القتالي واللوجستي والاستخباراتي والتدريب المكثف والتواجد الاستشاري.

ثانيا، أن زيادة عدد أفراد الجيش والشرطة يساهم تحقيق الاستقرار. ومن اجل التمكن من توفير الأمن. ويهدف ذلك إلى تواجد مستمر لقوات أمنية ذات طابع دفاعي وهجومي يتم تجنيدها محلياً وتُدرب على يد قوات العمليات الخاصة. على أن تخضع الشرطة المحلية وبعض قوى الصحوة لسلطات الشرطة الاتحادية ويتم تزويدها بأسلحة أساسية.

ثالثا، الضغط على الدول المجاورة. لا يتمكن العراق من تحقيق السيادة دون حل مشكلة الأمن في دول الجوار. ويتطلب ذلك معالجة الأمر ونقاشه مع الدول المعنية. إن عدم القضاء على التنظيمات المتطرفة داخل دول المنطقة تكشف إستراتيجيتها الحقيقية حول استقرار العراق.

رابعا، استهداف كبار قادة التنظيمات الإرهابية. إن وجود هذه إلاستراتيجية سوف تقدم دعماً عسكرياً ومعنوياً للحكومة وللقوات الأمنية، وبالتالي ستكون هناك مساحة أمنية أكبر بينما تتولى الحكومة شؤون أمنية أخرى. أما المداهمات التي تحقق انتصارات تكتيكية فهي غير كافية. ويتعين على الأجهزة الحكومية الأخرى واللجان العشائرية والشعبية متابعة هذا الأمر إن كانوا يستطيعون ذلك.

خامسا، القضاء على الفساد، إن صفقات التسليح والنثريات التي تصرف بشكل كبير أدت إلى تفشي الفساد. كما أن قصور الحكومة وعجزها عن التصدي لهذا الملف يثير أسئلة خطيرة بشأن قدرتها على إدارة الصراع بشكل مسؤول.

وعلاوة على ذلك يتطلب أن تكون هناك ميزانية عسكرية مدروسة تخفض من الإنفاقات الفائضة مما يقلل ذلك من التكاليف التي يتكبدها البلد.

سادسا، شن حملة كبيرة لهزيمة القاعدة سوف يؤدي بالتأكيد إلى سعي بعض المتعاطفين مع القاعدة إلى الانضمام تحت لواء الحكومة أو التصالح معها. كما يمكن أن تحدث هذه الآلية من وضع فرصة أمام من يريد التخلي عن التنظيم ولو بشكل مخفي.

سابعا، إجراء انتخابات رئاسية، من أجل عدم تكرار الأزمة كما هو الآن مع الحكومة الحالية. فاتهامات السيطرة المطلقة من قبل رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي أثارت الشكوك حول شرعية البقاء.

ثامنا، من المهم أن تكون هناك متابعات حثيثة وتنفيذ الخطط الموضوعة حول قضايا الإرهاب والتهديدات المستمرة التي يشكلها وأفضل السبل لصياغة استجابات شاملة للتعامل مع ويلات هذه الآفة..

تاسعاً، من أجل كبح العنف الذي تقوم به التنظيمات الإرهابية، ينبغي على واشنطن أن تفهم حقيقة التنظيمات الإرهابية وان تقدم دعما للحكومة العراقية في هذا المجال من خلال مجموعة من الحوافز منها اقتصادية ودبلوماسية وتوفير المعلومات الاستخباراتية.

كذلك حث رجال الدين لإقناع بعض الذين يؤمنون بالفكر المتطرف بخطأ تفسيراتهم للدين. وكإستراتيجية مستقبلية ينبغي على الحكومة العراقية توفير فرص عمل وفرص اقتصادية للمناطق الفقيرة.

لكي يواجه البرنامج الحكومي مشكلة القاعدة ينبغي عليها الاستعانة بأدوات مختلفة، ينبغي على الحكومة أن تتعاون في مجال الحصول على المعلومات من أجل تحديد أماكن الإرهابيين ومراقبتهم. وعلى الرغم من أن العديد من المتهمين بالإرهاب لم تثبت إدانتهم وإطلاق سراحهم، إلا أن تفكيك خلاياهم أصبح أمر ضروري ويتطلب المراقبة والتأكد من عدم عودتهم لأي نشاط مشبوه مستقبلا، وتفعيل تكنولوجيا التعقب للإرهابيين وتنفيذ مذكرات الاعتقال حتى بحق الذين تظهر عليهم مؤشرات القيام بالتخطيط لأعمال إرهابية.

* محلل وكاتب صحافي في شؤون السياسة والإرهاب

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/شباط/2013 - 2/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م