هل تخلت مصر عن دورها العربي؟

عبد الكريم ابراهيم

صعود الاسلاميين في مصر الى دفة الحكم غير بوصلة التفكير السياسي المصري وحصرها في نطاق مذهبي ضيق، بعدما كانت مصر تقاتل في سبيل عدم التزحزح عن دورها في قيادة العالم العربي بوصفها اكبر الدول من حيث السكان ومقرا للجامعة العربية مع تمسك في وراثة عرش الامانة العامة لسنوات طويلة.

السياسة المصرية الجديدة تجلت بوادرها بشكل واضح من خلال الحصول على المباركة والدعم السعوديين عبر الزيارة التي قام بها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي ولعل الخلفيات الاصولية للحكام الجدد حعلت من مصر تنسلخ من دورها العروبي والارتماء في احضان السعودية وهو امر جعلها تعيش التعبية السياسية قبل التعبية المذهبية بعدما كانت منذ مطلع القرن العشرين هي الراعية واللاعب المؤثر والقوي في رسم توجهات العالم العربي داخليا وخارجيا لما لها من علاقات دولية جيدة مع اطراف معينة.

كل هذه الامور جعلت من مصر خطا احمرا لايمكن تجاوزه في قضايا العربية والشرق الاوسط ورغم الوضع الاقتصادي والمشكلات الفقر التي تعاني منها، فقد حصرت مصر على عدم التنازل عن دورها القيادي والمحوري خلال الحكومات المتعاقبة، بل هناك اصرار على تكون القاهرة هي المطبخ العربي في صناعة وحل الازمات.

التحول في البوصلة المصرية قد يثير حفيظة اللبراليين والقوميين الذين يرون في تخلي مصر عن دورها العربي امر خطير ولايمكن السكوت عنه وحتى ان كانت الاسباب مذهبية التي قد تدغدغ مشاعر البعض ولكن التنازل عن عرش القيادة العربية له انعكاسات مستقبلية لاتصب في صالح شعبها الذي يرى في انه الاحق في تولي زمام اي مبادرة عربية لما يمتلك من مؤهلات تاريخية وخبرات دبلوماسية تجعل المصري لايريد ان يستقظ من حلم القيادة.

 الحكومات المصرية السابقة رغم كونها ذات صبغة علمانية ولكنها في الوقت نفسه لم تتخلى عن ضخ بعض الجرعات المذهبية التي تناغم التوجه العام ولعل حماية مصر من المدّ الشيعي تأتي في المقدمة. هذا الامر لايعني بالضرورة التخلي عن لعب الدور المحوري في رسم سياسة العربية لان هناك اولويات في السياسة المصرية المتعاقبة ويجب المحافظة عليها : هي عدم الخضوع تحت عباءة الاخرين مع وجود استقلال مذهبي المتمثل في المؤسسة الازهر العريقة التي تحاول دائما عدم الانقياد نحو التطرف الاعمى.

زيارة مرسي للسعودية عكست الاتجاه العام المتوارث وحاولت ان يجعل من مصر تابع يرضى بملاءات الخارجية وهوما يعني خلع رداء القيادة والانخراط ضمن صنف الموالاة والدعاة للغير. لعل هذه السياسة السعودية جاءت بثمارها من خلال اصدار قانون محاربة المدّ الشيعي والذي يمكن ان يجر الى قوانين اخرى دخيلة على الشعب المصري المعروف عنه انفتاحه على كل المذاهب والاديان. ربما يقود هذا الى خلق طبقة متطرفة من السياسيين المصريين في ظل وجود عوامل محفزة الى هذا التحول لاسيما المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الشارع المصري وارتفاع معدلات الفقر في صفوف المجتمع وهي خلطة سعودية اعتمادها في دول الاسيوية.

رد الفعل قد يأتي سريعا من خلال بعض الشرائح التي تعتقد ان تبعية مصر لدولة ما هو انتقاص لمكانتها التاريخية التي سعت الى بنائها عبر عقود طويلة لان مصر بدون دورها الريادي يعني العيش على الهامش هو امر مرفوض من قبل الكثير من الاطراف القومية التي ترى من الضرورة العمل على ترسيخ مكانة مصر عربيا وعالميا وجعلها القطب العربي الذي تدور حوله بقية الدول العربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/كانون الثاني/2013 - 8/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م