الأزهر وما أدراك ما الأزهر

ياسر الحراق الحسني

لنمر على نقاط من التاريخ مشى فيها الأزهر مشي القهقري بلا طلعة ولا مشتري. لم ينفذ بمن فيه من أقطار الصكوكية النظامية التي قبع تحتها منذ ذبحت في مصر الحضارة الفاطمية. صك الغفران الأزهري صك ممأسس ليس للعامة. إنه صك السلاليم الإدارية وخدمة الملكية والجمهورية معاً. أليس هو الأزهر الجامع! هو كذلك ما دام جمع بولائه التام والمطلق بين فاروق وعبد الناصر ومبارك وطنطاوي ومرسي.. كن فاروقياً أو مرسياً، المهم أزهرياً هو أن تشغل كرسياً.

 لم يصنع من الفكر إلا ما شاذ ونذر قياساً بالحجم، ولولا تراث إستحوذت عليه أمم في أزهر لم تبنه لما جاوز بشيوخه حد بور سعيد ناهيك عن حد القنطرة.. الأزهر وما ادراك ما الأزهر، سيف السلطان الأكبر الذي هم به منخدعون. للأزهر جنس مزدوج...تارة أزهر وتارة أزهرية.. والأزهرية مطلاقة تعشق المهر والصداق وهذا أخر أعراسها. بعل وهابي لم يدع لها فرصةً لإنهاء عدة مبارك، فكان مخرجها تكفير للعهد القديم يبطل العقد ويعجل ببناء الوهابي بالأزهرية كما فعلوا بالنويرية أيام خالد.

جاء عرس الأزهرية والفقر فلا تعجبن إذا خرج الناس من دين الله أفواجاً، فالذي دخل إلى الإسلام ببطنه يخرج منه بطنه. لكن الذي ليس بالطبيعي هو تحول الأزهر إلى مجمع تجنيد للمتيفقهين لنشر جيش يدق الأبواب على المواطنين لكي يقنعهم بالتسنن كما يدعون، وحقيقة الأمر أنهم يرمون إلى حملة دعائية سياسوية على نفقة المواطن لأخونة المجتمع المصري.

الأزهر يشكل لجاناً لمواجهة المد الشيعي كما يقال، ويتساءل الذي يحمل أفكاراً أين لجان محاربة الفقر، أين لجان دعم الشعب الفلسطيني الذي ذبحه الإخونجية بعدما فجروا أطفاله كالقنابل من أجل دراهم معدودات، ومن أجل إعلاء سقف الصفقة مع إسرائيل. أين لجان الأزهر في مواجهة المد الإرهابي والمد البورنوغرافي والمد الحشيشي والهلوسي والسفاحي الذي يرعى جسد الأمة المصرية؟ قد تكون هناك اجوبة عدة لكن المؤكد هو كون الأزهر أصغر من أن يخوض فيما لا يرضي الحكام. إنه كما سيتبين سيف السلطان الأكبر، والشاهد مكان وزمان يحكي الكثير ونسرد من الحكي القليل لمن حار وأراد أن يدور مع الدليل.

الأزهر الذي يسعى فاشلاً خائباً محو طائفة من المسلمين في مصر لم يتورع في التودد للديانة اليهودية على شاكلة تودد الأسبقين لكعب الأحبار، فترى إعلام دولة إسرائيل يشيد بأمثال الشيخ فوزي الزفزاف ويطري على سعة صدره التي وسعت الديانة اليهودية ولم تسع المسلمين الشيعة. ليس هذا فقط، بل إن صدر الأزهر وسع مختلف المعاهد اللاهوتية في أوروبا وأمريكا كما ذكرت الجيروساليم بوست (25/11/2010). ياترى ما الذي يخيف الأزهر ومن دار في دائرته من التشيع !

كان الأزهر من أكبر دعائم العائلة الحاكمة في عهد الملكية في مصر. ولم يذخر كبار مشايخه جهداً في تعظيم الحاكم وتبجيله على طريقة وعاظ بني أمية. فكان الأزهر الذي يحارب اليوم ذكرى إستشهاد الحسين عليه السلام على رأس الملتزمين بإحياء ذكرى رحيل الملك فؤاد، كما كان على رأس المحتفلين بعيد جلوس الملك فاروق على العرش والمواظبين على ذلك. وكان الأزهر الذي يحارب المنتظرين لمهدي آخر الزمان الذي تنتظره كل الديان على وشك التبشير بمهدوية الملك فاروق. وليس في هذا ما يقبل التأويل إذ تجد في بيان شيخ الأزهر محمد مأمون الشناوي في عيد ميلاد الملك فاروق ما قاله حرفياً: "وقد استجاب الله دعاء هذا الشعب المخلص لجلالته الوفي لعرشه. فتحققت للبلاد أمانيها واستكملت استقلالها وهبت نشطة بفضل توجيه الفاروق العظيم" (مجلة الأزهر أعداد رمضان وجمادى الأولى عام 1368 ه‍). ذاك شيخ الأزهر أمام مخلصه من أيام لا نعلم إن كان يضع فيها الحجر على بطنه وهو يتدور جوعا، أم أن الأمر يتعلق بالحالة الجامية التي كانت تسيطر على الأزهرية في بيت طاعة الجائر !

وبعد إنفصال الأزهرية عن الملكية زوجت نفسها بالعصر الجمهوري وكان مما انجبت فتاوي ساندت عبد الناصر ضد الإخوان المسلمين ودعمت توجهاته الاشتراكية وانتهجت الخط السياسي المعادي لإسرائيل والغرب الذي انتهجته الدولة في فترة الستينيات. وما إن اكتملت عدة عبد الناصر حتى زوجت الأزهرية نفسها بالسادات منقلبة مع متقلبات الحاكم الجديد الذي أعلن المصالحة مع الاخوان المسلمين والانضمام إلى المعسكر الغربي في الحرب الباردة والإعتراف بإسرائيل ودعم معاهدة الصلح. وبعد عدة من مقتل السادات دخلت الأزهرية المطيعة بيت مبارك وكان المواليد كثر في هذا الزواج الأزهري الجمهوري. فلا تكاد تجد تحركاً سياسياً لجماعة مبارك الحاكمة إلا ومعه البركات الأزهرية. ولقد بلغ الأزهريون مبلغاً في عبادة المادة وصل حد تبشير عائلة الديكتاتور مبارك بالجنة كما هو الأمر مع المفتي علي جمعة في قصته الشهيرة التي سجلت على الهواء مباشرةً عقب وفاة أحد أحفاد مبارك. ولم تحترم الأزهرية عدة الإنفصال عن مبارك بعد سحب كرسيه الرئاسي وقطعت مع حقبة الزواج لتدخل عالم الرقص على الأوتار المختلفة. الأزهرية اليوم ترقص حافية القدمين في مشهد آلته سلفية ونغمته إخونجية والماكياج مما تبرعت به الشيخة موزة القطرية..

الأزهر كان ولا زال مجمعنا لتشخيص مصلحة الطغاة والدفاع عنهم. ولا يمكن لعاقل أن يعتد بما يصدر من آراء وقرارات ومشاريع عن مؤسسة لم تسجل يوماً موقفاً مخالفاً لسياسات دولة هي إحدى مؤسساتها. فليس هناك أدنى شك أن هذه المؤسسة تشكل عائقاً أمام التحرر من عبادة المادة وشرعنة مختلف أنواع الحكم في مصر. مؤسسة نافحت عن الإستبداد في مصر وسكتت عن سرقة ثروات الشعب المصري تأتي اليوم وبكل وقاحة لا لإسترجاع كرامة الشعب ولكن لاستعباده بالدين والعقيدة من جديد.

اليوم لا يمكن للأزهر إخفاء حقيقة تاريخه المخجل. الناس يعلمون بعد كل هذا التاريخ الأزهري أنه ما من حق في مصر تمظهر إلا وشانئه هو الأزهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/تشرين الثاني/2012 - 26/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م