قضية بن لادن جوكر حي في ساحة الأمريكان

 

شبكة النبأ: كان أسامة  بن لادن - مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة- يمثل هاجسا مرعبا للأمريكيين  طوال العقدين الماضيين، بسبب إعلانه الحرب على أمريكا، والتي نتج عنها العديد من العلميات أبرزها هجمات 11 سبتمبر، وعلى إثرها أصبح بن لادن هدفاً رئيسياً للادراة الأمريكية، وتحقق هذا الهدف بتصفية اخطر رجل في العالم زعيم القاعدة في شمال باكستان، ليصبح مقتله القضية الغامضة والمحيرة، وسر من اسرار ملفات الادارة الامريكية التي قامت بتلك الخطوة الخاصة، وبعد مرور عام على مقتله في شمال باكستان لا يزال ملف اسامة بن لادن مشوبا بغموض كبير، فيما تعد تغطية وسائل الإعلام لموت أسامة بن لادن ثالث أكبر قصة إخبارية بالعالم في القرن الحادي والعشرين. فبعد أقل من اسبوع على إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن القوات الأمريكية قتلت زعيم القاعدة في باكستان، وردت قصة بن لادن أكثر من 84 مليون مرة في وسائل الإعلام العالمية المطبوعة والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، في حين اثار كتاب عن كيفية مقتل بن لادن موجة من الانتقادات الواسعة لوزارة الدفاع الأميركية، التي هددت بتقديم الكاتب وهو عسكري شارك في تصفية اسامة بن لادن، للمحاكمة بتهمة افشاء معلومات سرية تمس الامن القومي، وان كتابه يناقض الرواية الرسمية لعملية قتله، ولا يعرف ما اذا كان الكتاب يحتوى على تفصيلات عمليات الكوماندوس التي تعتبرها الحكومة الامريكية سرية، ولكن مسؤولي الحكومة الامريكية قالوا ان هذه الرواية لم تخضع للمراجعة المطلوبة قبل النشر، وربما تعد هذه القضية اغراء اعلامي اذا صح تعبير، او ربما سلاح من اسلحة المتنافسين في الانتخابات الامريكية التي شهدت صراعات ونزاعات حامية الوطيس لاقتناص الرئاسة الأميركية، كون قضية بن لادن واسرار الحرب من الامور التي تشكل ظاهرة موجهة لإثارة الرأي العام الأمريكي.

بن لادن والانتخابات الاميركية

فقد قرر قطب الانتاج السينمائي في هوليود هيرفي وينشتاين وهو احد جامعي الاموال لحملة الرئيس بارك اوباما، ان يبث قبل يومين من الانتخابات الرئاسية الاميركية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، اول فيلم يروي الغارة التي ادت الى قتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن في باكستان، وسيبث الفيلم يوم الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر على قناة ناشيونل جيوغرافيك بحسب ما اعلنت القناة نقلا عن رئيسها هوارد اوينز ووينشتاين الذي قال ان هذا الفيلم "سيخاطب جميع الاميركيين"، والفيلم الذي اخرجه جون ستوكويل وانتج للعرض لاحقا في قاعات السينما من قبل نيكولا شارتييه سيكون ايضا متاحا للايجار على موقع نتفليكس، وفي الاعلان عن الفيلم الذي بث على الانترنت يقول الممثلون وهم فريق الغارة "سنكون الفريق الذي يمحو اسامة" و"رئيس الولايات المتحدة يضع رئاسته في الميزان في هذه المهمة". بحسب فرانس برس.

وكان اوباما اعطى شخصيا الاذن بمهمة الكومندس الذي قضى على زعيم القاعدة في الثاني من ايار/مايو 2011 في معقله في مدينة ابوت اباد بباكستان، ووينشتاين منتج العديد من الافلام الشهيرة مثل "ذي انغلش باشين" و"ذي ارتست" او آخر افلام "رامبو"، هو مؤيد معروف للحزب الديمقراطي، وكان نظم في آب/اغسطس في دارته على شاطىء بحر ويستبورت في ولاية كونيتكوت (شرق) حفل جمع اموال لباراك اوباما اثناء عشاء لخمسين شخصا دفع كل مشارك فيه 38500 دولار.

معلومات سرية

من جهته قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن كتابا عن الغارة الأمريكية التي قتل خلالها اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يحتوي على معلومات سرية وإن الوزارة تبحث الخيارات القانونية المتاحة، والكتاب ألفه جندي سابق بالقوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية شارك في المهمة. لكن مؤلفا شارك في وضع الكتاب نفى احتواءه على اي معلومات يمكن أن تعرض سلامة أفراد القوات الخاصة التابعة للبحرية او مهامها المستقبلية للخطر، ويسجل كتاب "يوم عصيب" العملية السرية التي هبط فيها فريق من ستة افراد من القوات الخاصة من طائرة هليكوبتر على منزل بن لادن في باكستان وقتلوه مما أنهى عملية بحث استمرت عشر سنوات وبدأت بهجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على نيويورك وواشنطن.

ومثلت العملية الناجحة انتصارا للرئيس باراك أوباما في مجال الأمن القومي يتباهى به خلال حملته لانتخابات الرئاسة التي يخوضها لولاية ثانية ضد منافسه الجمهوري ميت رومني، ولم يتضح بعد ما اذا كانت الحكومة ستوجه اتهامات جنائية لمؤلف الكتاب مات بيسونيت الذي كان ضمن فريق اعتبر أعضاؤه أبطالا قوميين بعد أن قتلوا بن لادن. بحسف فرانس برس.

وطرح الكتاب في وعليه اسم مستعار للمؤلف هو "مارك أوين"، وقال المتحدث باسم البنتاجون جورج ليتل إنه كان من البديهي أن يعرض الكتاب على الحكومة الأمريكية لمراجعته قبل النشر. وأضاف أنه يجري بحث الخيارات القانونية لكنه رفض التعليق على ما اذا كان سيتم اتخاذ خطوات فعلية، وقال ليتل في إفادة صحفية "يحتوي الكتاب على معلومات حساسة وسرية"، وقال كيفين مورير وهو صحفي مخضرم شارك بيسونيت في تأليف الكتاب إن الجندي السابق بالقوات الخاصة كان شديد الحذر بشأن ما يحتويه الكتاب، وأضاف في بيان تلقته عبر البريد الالكتروني "حين عملنا على هذا الكتاب كان مارك اوين شديد التدقيق بشأن الالتزام برغبته في الا يفعل اي شيء يقوض مهمة القوات الخاصة بالبحرية او يعرض زملاءه السابقين للأذى"، وأضاف "انا شخصيا اشعر أن مارك بطل وضع كتابا يحتفي بزملائه في الفريق وبأفراد القوات الخاصة وحين تتاح الفرصة للناس لقراءة هذا الكتاب فإنهم سيتفقون معي"، وكان محامي بيسونيت قد شكك فيما اذا كان موكله ملزما قانونا بتقديم الكتاب للسلطات لمراجعته قبل النشر مثلما يقول البنتاجون.

تناقض مع الرواية الرسمية لعملية قتله

فيما يكشف احد العسكريين الذين شاركوا في تصفية اسامة بن لادن تفاصيل عن هذه العملية تناقض المعلومات التي نشرتها السلطات الاميركية، وتختلف بعض العناصر عن التفاصيل التي سربتها ادارة باراك اوباما منذ العملية التي جرت في منزل في ابوت اباد (باكستان) في الاول من ايار/مايو 2011، واكدت السلطات اولا ان بن لادن قاوم وقتل في غرفته، وبعد ذلك اعترفت بانه كان اعزل، ويقدم اوين تقريرا مختلفا الى حد ما اذ يقول ان اسامة بن لادن لم يقتل في غرفته، ويقول انه صعد سلم المنزل باتجاه غرفة بن لادن وهو يتبع عنصرا آخر من القوة الخاصة "وقبل اقل من خمس درجات من عتبة الغرفة" سمع "اطلاق نار من سلاح مزود بكاتم للصوت". وكان زميله هو من اطلق النار، ويتابع "لم استطع ان اقل من مكاني ما اذا كان الرصاص اصاب الهدف ام لا". الرجل الذي اطل برأسه من فتحة الباب "اختفى في الغرفة المظلمة"، وعندما اصبحا في الغرفة، يقول اوين "شاهدت دماء واجزاء من الدماغ على جانب جمجمته". وكان جسده ما زال يرتعش. فقام اوين وعسكري اميركي آخر "بتصويب سلاح الليزر على صدره واطلقا النار" الى ان توقف عن الحركة، واعترف مسؤول في وزارة الدفاع بان "بن لادن لم يكن مسلحا، هذا صحيح. لكن الفريق كان خارجا للتو من تبادل لاطلاق النار (...) ثم اطل الرجل (بن لادن) برأسه من باب الغرفة"، ومع ان بن لادن كان اعزل، لا تشكل العملية اعداما برأيه. فقد عثر في غرفته على رشاش كلاشنيكوف ومسدس روسي لكنهما غير محشوين، ويورد اوين نقطة قد تربك الولايات المتحدة التي تؤكد انها تعاملت مع جثمان بن لادن باحترام. ويقول ان افراد الوحدة الخاصة جلسوا على صدر زعيم تنظيم القاعدة على ارض المروحية خلال رحلة العودة. بحسب فرانس برس.

وبما ان واحدة من مروحيتي البلاكهوك اللتين تم تعديلهما تضررت في حادث خلال العملية، اضطر الجنود الى استقلال المروحية المتبقية ولم يكن ترك جثة بن لادن امرا واردا لانه كان يجب التعرف عليها رسميا، وبدون ان يؤكد صحة هذه المعلومات، اوضح احد الافراد السابقين في قوات النخبة هذه ان افراد القوات الخاصة يجلسون في بعض الاحيان على جثة زميل لهم قتل نظرا لضيق المكان، واكد ان ذلك لا يشكل على الاطلاق مساسا بكرامة الجثمان بل ضرورات لوجستية، وفي مقابلة مع شبكة سي بي اس التلفزيونية، اكد مارك اوين ان كتابه لا يرتدي "اي طابع سياسي" على الرغم من صدوره في اوج الحملة الانتخابية وبينما يتهمه عاملون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) وفي القوات الخاصة بتسريب معلومات عن العملية لتحسين صورته، وخلافا للقواعد المفروضة على العسكريين، لم يعرض الكتاب على وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ولا على السي آي ايه قبل نشره للتأكد من عدم احتوائه على معلومات سرية، وقال اللفتنانت كولونيل ستيفن وارن احد الناطقين باسم البنتاغون ان وزارة الدفاع والسي آي ايه حصلتا على نسخ من الكتاب ما زالا يطلعان عليها.

تهديدات وتحقيق

الى ذلك يواجه الان عضو فريق القوات الخاصة التابعة للبحرية الامريكية والذي الف كتاب عن الغارة التي ادت الى قتل اسامة بن لادن تهديدات بالقتل بالاضافة الى احتمال مقاضاته جنائيا، وابلغ قائد قيادة العمليات الامريكية الخاصة الجنود الحاليين والسابقين ان الجيش سيتخذ اجراء قانونيا ضد اي شخص يثبت انه كشف معلومات حساسة يمكن ان تلحق اذى بجنود اخرين، وقال الاميرال بيل مكرافين في رسالة مفتوحة ارسلت عبر البريد الالكتروني لمجتمع العمليات الخاصة الموجودين في الخدمة "سننتهج كل الخيارات المتاحة لمحاسبة الاعضاء بما في ذلك المقاضاة الجنائية اذا أمكن"، واضاف"كأعضاء حاليين او سابقين في مجتمعنا للعمليات الخاصة فان على المؤلفين التزاما اخلاقيا وواجبا قانونيا لعرض اعمالهم للمراجعة الامنية قبل نشرها"، وذكر ايفان كولمان مؤسس شركة فلاشبوينت جلوبال بارتينرز للامن والتي تتخذ من نيويورك مقرا لها نشر منتدى "شبكة الفداء الاسلامية" وهو احد موقعين على الانترنت تقرهما رسميا القاعدة اسم الرجل وصورته وسنه، وتلا ذلك تعليقات دعت الى موت الرجل.

وحددت ايضا وسائل اعلام امريكية اخرى شخصية عضو القوات الخاصة التابعة للبحرية الامريكية. واكدت اسمه ولكنها لا تنشره بسبب مخاوف تتعلق بسلامته، وقال مسؤولون عسكريون امريكيون ان هذا الشخص يواجه تحقيقات لانه لم يحصل على موافقة وزارة الدفاع الامريكية قبل نشر الكتاب حتى لو لم يكن يكشف تفصيلات سرية محددة، وقالت رسالة مكرافين ان الكتب والافلام المتعلقة بفرق العمليات الخاصة يمكن ان تكون ادوات تعليمية مفيدة وان الجيش سيعمل مع المؤلفين المحتملين ولكن الاعضاء الحاليين والسابقين في الخدمة سيحاسبون اذا عرضوا سلامة القوات الامريكية للخطر، واضاف ان هناك"خطا مميزا بين سرد قصة لاغراض تعليمية او ترفيهية ورواية قصة تكشف انشطة حساسة لمجرد جمع عدد اكبر من القراء والارباح الشخصية"، وقال كولمان ان العضو السابق في قوة العمليات الخاصة قد يكون معرضا الان لخطر فعلي من المتعاطفين مع القاعدة الساعين للثأر لموت بن لادن او الساعين لكسب مكانة لانفسهم، وقالت مؤسسة دوتون ناشرة الكتاب ان المؤلف كان"من بين اوائل الرجال الذين اجتازوا باب الطابق الثالث من مخبأ الزعيم الارهابي وكان موجودا عند موته"، ولا يعرف ما اذا كان الكتاب يحتوى على تفصيلات عمليات الكوماندوس التي تعتبرها الحكومة الامريكية سرية ولكن مسؤولي الحكومة الامريكية قالوا ان هذه الرواية لم تخضع لمراجعة مطلوبة قبل النشر، وقال مسؤول طلب عدم نشر اسمه"حتى اذا لم يتم الكشف عن شيء سري كان يجب مراجعته وهذا لم يحدث."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/تشرين الأول/2012 - 1/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م