انقراض صحف اليسار في إسرائيل

توفيق أبو شومر

لم يكتسح اليمين الإسرائيلي الديني الحريدي الأحزابَ السياسية ولم يسيطر على مقاليد الأمور في شوارع القدس، ويفرض إرادته على نساء القدس، ويمنعهن من السير في ممرات مشاه الرجال في حي مائة شعاريم، ولم يكتفِ هذا اليمين الحريدي برجم السيارات اليهودية بالحجارة يوم السبت، ولم يقنع بمطاردة الشبان العرب وقمعهم وضربهم حتى الموت لمنعهم من السير في شوارع القدس فقط، بل إنهم اعتدوا بالضرب على صحفيين إسرائيليين دخلوا أحياء الحارديم في القدس،لأنهم من غير الحارديم، وهاهم اليوم يصلون إلى آخر المواقع المتمردة عليهم، فهم اليوم يعيدون صياغة الإعلام والصحافة في إسرائيل!!

إنهم ينتقلون إلى الخطوة التالية الجديدة، وهي (حردنة) وتأميم الصحف الإسرائيلية لمصلحة المتزمتين الحارديم، فقد كانت معظم الصحف اليومية تشكل الرأي العام الإسرائيلي، غير موالية للحارديم!!

لم يفاجئني خبر إفلاس صحيفة معاريف، والتي بيعت بمبلغ بخس فقط بعشرين مليون دولار يوم 8/9/2012 ، وكانت الصحيفة ملكا خاصا لعائلة (نمرودي يعقوب وعوفر)، وكانت الصحيفة تساهم في سوق الصحافة بنسبة 12% وكانت توصف بأنها في المنتصف بين اليسار واليمين، ويصفها بعضهم بأنها(معتدلة)!!

إن الإفلاس متوقع لكثير من المؤسسات، فهو يقرع أبواب معظم الصحف الورقية في العالم، غير أن مالك صحيفة معاريف الجديد هو الذي دفعني لرصد ظاهرة احتلال التيار الأصولي الحريدي قطاع الصحافة في إسرائيل، باعتباره أهم القطاعات المسؤولة عن توجيه الجمهور، فقد اشترى (نوحي دانكنر) صحيفة معاريف، ونوحي حريدي متزمت عضو الوكالة اليهودية وخريج الدفيئة العسكرية الإسرائيلية دفيئة سلاح الطيران ، ومن أبرز أصدقاء رئيس الحكومة نتنياهو ، فقد مدحه نتنياهو لأنه أنجز أكبر صفقات تجارية لإسرائيل، حين باع شركة الصناعات الكيماوية التي يملكها إلى الصين، فقال نتنياهو:

إنه أنجز أكبر صفقة تجارية في تاريخ إسرائيل!!

وأوردت صحيفة ذي ماركر بأن نوحي دانكنر سيغير اتجاه الصحيفة من الاتجاه الوسطي المعتدل إلى اليمين المتطرف!!

أصبحت صحيفة (إسرائيل هايوم) هي موديل الصحافة الجديد في إسرائيل الصحافة السلطوية، التي تمثل وجهة نظر الحزب الحاكم، حزب الليكود برئاسة نتنياهو، فصاحب إسرائيل هايوم هو المليونير شلدون أدلسون الصديق الحميم لنتنياهو، وهو الليكودي المتعصب!!

 هاهو الموديل الصحفي الجديد[ إسرائيل هايوم] يحلُّ محل أقدم الصحف الإسرائيلية، وينافس أيضا أكثر الصحف الإسرائيلية توزيعا، وهي يديعوت أحرونوت، فقد أثبتت استطلاعات الرأي بأن إسرائيل هايوم هي وحدها التي تنافس يديعوت أحرونوت في التوزيع، بل قد تتفوق عليها، على الرغم من أنها صحيفة حديثة أسست بتاريخ 30/7/ 2007 فهي تحظى بنسبة 37% من سوق الصحافة في إسرائيل!!

وقال عنها الصحفي أورن فرسكو بعد انتخابات عام 2009:

"إن إسرائيل هايوم لم تكتب سوى موضوع واحد فقط هو (الليكود) وعشرات المقالات في نقد حزب كاديما"!!

ووصفها الصحفي بن درور يميني:

" إنها خطر على الديمقراطية)!!"

أما أقدم صحف إسرائيل فهي صحيفة الأرض (هارتس) التي أسست عام 1918 فإنها في طور التفكك بعد إعلانها عن تسريح عدد كبير من صحفييها فهي صحيفة الصفوة الإشكنازية اليسارية ونسبتها بين الصحف الإسرائيلية 6% ، ومؤسسها المليونير سلمان شوكن الذي عاش في ألمانيا، ويرأس تحريرها اليوم ألوف بن!!

أما يديعوت أحرونوت فما تزال متماسكة حتى اليوم رغم انخفاض مبيعاتها، وهي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأقدمية، فقد أسست على يد ناحوم كوماروف 1930 ثم باعها لعائلة موزس الثرية (يهودا ورؤفين ونوا وعاموس موزس) وما تزال الصحيفة تحظى بالمرتبة الأولى في التوزيع!

أما عن الجورسلم بوست فقد أسسها الصحفي اليهودي الأمريكي اليساري غرشون أغرون 1/12/ 1932 وكان اسمها الأول( فلسطين بوست) وكانت يسارية تحولت بالكامل إلى اليمين عام 1980 عندما اشتراها دافيد غروفيتش، وصار اسمها الجديد جورسلم بوست، ثم تحولت ملكيتها للملياردير اليهودي الكندي البريطاني السير كونراد بلاك صاحب شركة هولنغر، وأصبح دافيد لنداو رئيس تحريرها، ثم باعها الملياردير عام 2006 لشركة جديدة يرأس تحريرها اليوم ستيف لند.

فها هو إعلام إسرائيل(الديمقراطي)!! يُغير زيَّهُ المدني المؤقت ، ويُغطي رأسه بطاقية الكيبا الدينية الحريدية، طاقية الحريدي الذي ينتظر الماشيح ليعود إلى هيكله الثالث، ويُحرَّر العبيدَ العبرانيين فقط ، حتى العبيد مثقوبي الآذان!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تشرين الأول/2012 - 28/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م