الانتخابات الأمريكية... ماراثون الوصول الى البيت الابيض

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تزداد حده المنافسة وتتسع نبرة التسقيط الإعلامي بين مرشحي الحزب الجمهوري والديمقراطي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشهد اليوم حربا انتخابية شرسة وتصعيدا غير مسبوق بين الخصمين المتنافسين للفوز بالرئاسة، ويرى بعض المراقبين ان لهجة التسقيط والاتهام الشخصي بين المرشحين قد اتسعت وازدادت وهو دليل واضح يعكس ما يمر به المرشحين من ضغوط نفسية صعبة، قد انعكست بشكل فاعل على كل تصرفاتهم وكلماتهم، وربما ستشهد الفترة القادمة العديد من المفاجأة المهمة التي ربما ستغير موازين اللعبة الانتخابية التي لاتزال مبهمة في ما يخص تحديد المرشح الأوفر حظاً بالفوز بسبب تقارب نتائج الاستطلاعات التي تجرى بشكل دوري ومستمر، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس ان المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية ميت رومني ظل على مسافة قريبة من الرئيس باراك أوباما حيث يتأخر بفارق نقطتين فقط عن المرشح الديمقراطي لليوم الثالث على التوالي بعد فوزه في المناظرة التي جرت بينهما في دنفر. وأوضح الاستطلاع الذي أجري عبر الانترنت ان 47 في المئة من الناخبين المحتملين سيصوتون لصالح أوباما مقابل 45 في المئة لرومني. ويمثل ذلك ترسيخا للتقدم الذي أحرزه المرشح الجمهوري الذي كان يتأخر بفارق ست نقاط عن منافسه في نفس الاستطلاع اليومي قبل المناظرة.

وقالت جوليا كلارك منظمة استطلاعات الرأي في إبسوس "اعتقد ان اداء رومني في المناظرة عزز من نصيبه من الاصوات في الوقت الراهن هذا تغيير كبير عما كان عليه الامر قبل اسبوعين." لكن التقدم الذي احرزه رومني بعد المناظرة التي تعد الأولى من بين ثلاث مناظرات مقررة مع اوباما كان محددوا على ما يبدو. وأضافت "أود القول بأن المناظرة أحدثت تغييرا في الموقف .سنرى رومني يواصل التقدم..لقد قلص الفارق في السباق ولكن لا يبدو انه يتجاوز أوباما."

ويعتقد 55 في المئة من الناخبين المسجلين ان رومني كان الافضل في المناظرة حيث انتقد بشدة السجل الاقتصادي للبيت الابيض. ونال اداء اوباما الفاتر على المنصة تأييد اقل من 25 في المئة. ويتقلص بالفعل عدد الاصوات التي يكافح اوباما ورومني للحصول على تأييدها.

ففي حين قال 48 في المئة انهم استقروا "بشكل قاطع" على المرشح الذي سيصوتون له قال 16 في المئة فقط انهم ربما يغيرون رأيهم. وقالت كلارك ان عددا اقل سيفعل ذلك. وفي تطور ايجابي لحملة اوباما أظهر تقرير تراجع في معدلات البطالة في الولايات المتحدة. وأعلنت الحملة جمع 181 مليون دولار في شهر سبتمبر ايلول وهو رقم قياسي حتى الان لانتخابات 2012.

وبعد يوم من أدائه الباهت في أول مناظرة رئاسية بين مرشحي الرئاسة الأمريكيين رد المرشح الديمقراطي للرئاسة الرئيس باراك أوباما على المرشح الجمهوري ميت رومني فيما تعهدت حملة اعادة انتخاب أوباما لفترة أخرى بالاستفادة من الأخطاء. وقال أوباما أمام حشد مكون من نحو 12 ألف شخص إن رومني لم يكن صادقا خلال المناظرة التي استمرت 90 دقيقة. وأضاف "عندما صعدت على خشبة المسرح التقيت بهذا الشخص المفعم بالحيوية الذي قال إنه ميت رومني. "لكن لا يمكن أن يكون هو ميت رومني لأن ميت رومني الحقيقي جاب البلاد خلال العام الماضي ووعد بخفض في الضرائب بقيمة خمسة تريليون دولار لصالح الأغنياء. وقال الزميل على المسرح إنه لا يعلم شيئا عن هذا."

وكثيرا ما وصف أداء رومني بشكل عام بأنه متبلد لكن أداءه الهجومي في المناظرة أعطى حملته زخما من الطاقة بعد أسابيع من الانتكاسات. وقال ديفيد اكسلرود كبير المساعدين إن حملة أوباما ستعدل من استراتيجيتها نتيجة للمناظرة. وتحدث أوباما أمام حشد كبير في بلدة ماديسون في ولاية ويسكونسن وقالت حملته إن الحشد كان يضم 30 ألف شخص.

والمناظرة كانت خليطا للنقاط التي تم التطرق إليها في الحملات الانتخابية وتفاصيل مستفيضة عن السياسة لم تظهر النقاط التي ارتكزت عليها حملة أوباما لخفض نسب تأييد رومني خلال المناظرة. ولم يشر أوباما الى عمل رومني في (بين كابيتال) شركة الاستثمار المباشر التي كان يعمل بها والتي كانت مهمتها إرسال آلاف الوظائف إلى الخارج والتي استندت إليها حملة أوباما باعتبار أن رومني يقضي على فرص العمل في الداخل. وقاوم أوباما انتقاد رومني بشأن عزوف الحاكم السابق لماساتشوستس عن الإعلان عن سجله الضريبي طوال عامين. ويتساءل الديمقراطيون عما إذا كان رومني الذي تقدر قيمة ثروته بنحو 250 مليون دولار يخفي شيئا بشأن شؤون الميزانية ولماذا يحتفظ بملايين الدولارات في حسابات خارج البلاد.

لكن أكثر ما أثار الدهشة فيما يتعلق بما تجنب أوباما التحدث عنه هو عدم نطق عبارة ظلت تهيمن على الحملة الانتخابية خلال الوقت الأغلب من الاسبوعين الماضيين وهي عبارة "47 في المئة". وهذه هي نسبة الأمريكيين الذين تحدث عنهم رومني خلال مناسبة خاصة لجمع التبرعات والتي تم تصويرها بالفيديو سرا في مايو ايار عندما قال إنهم "ضحايا" ويعتمدون على اعانات الحكومة ومن غير المرجح أن ينتخبوه.

وكان تسجيل الفيديو لما قاله رومني علامة بارزة في الحملة الانتخابية. وتحدث فريق أوباما عن إعلان يرد فيه ذكر لعبارة 47 في المئة التي تحدث عنها رومني وذلك في سبع ولايات رئيسية بما في ذلك كولورادو التي استضافت المناظرة. ويقول الكثير من الناخبين إن تصريحات رومني أعطتهم رؤية سلبية عن الحاكم السابق لماساتشوستس.

ومن تداعيات تسجيل الفيديو أن تقدم أوباما على رومني في استطلاعات الرأي التي أجريت في أنحاء البلاد زاد بنقاط محدودة. وفي الوقت ذاته حاول الجمهوريون الذين يشنون حملات انتخابية في سباقات محتدمة لمجلسي النواب والشيوخ في أنحاء البلاد أن ينأوا بأنفسهم عن تصريحات رومني.

ومن ناحية لغة الجسد قالت جانين درايفر خبيرة لغة الجسد ومؤلفة كتاب (لن تستطيع أن تكذب علي) "فيما يتعلق بلغة الجسد فإن ميت رومني هو المتقدم." وأضافت درايفر أن رأس أوباما ظل مائلا للجانب بدلا من أن يكون مرتفعا للأعلى مما يظهر ثقة أقل في النفس في حين أن رأس رومني كان "قائما" وكانت عيناه تركزان إما على الرئيس أو على مدير المناظرة وقالت إن هذا تطور بالنسبة لرومني لأنه كان يميل دائما إلى أن يجول ببصره بين اتجاهات مختلفة.

لكن أيا من الرئيسين لم يرتكب هفوة في لغة الجسد تحسم المناظرة في صالح أي منهما غير أن أسلوب رومني دل على ثقة أكبر في النفس وقوة في حين أن أوباما لم يبد عليه الاهتمام الكافي. وقال مؤيدو رومني إن تحاشي اوباما للقضايا التي كان من الممكن أن تجبر رومني على اتخاذ وضع الدفاع ربما تظهر تحولا في استراتيجية من جانب فريق أوباما.

وقال كيفين مادن كبير مستشاري رومني "ربما يكون مساعدو أوباما أصبحوا يشعرون بأن هذه الطريقة لم تعد تجدي." كما أن أوباما لم يشر أغلب الوقت إلى الإنجاز الذي قال نائبه جو بايدن إنه يجب أن يكون من بين الأسباب الرئيسية التي تدعو إلى إعادة انتخاب أوباما وهو المهمة الناجحة التي أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. بحسب رويترز.

ولدى اختتام المناظرة تجنب أوباما مرة أخرى التطرق لانتقاد رومني في نقاط محددة كانت من النقاط الرئيسية التي ارتكزت عليها حملته. وبدلا من ذلك أقر أوباما بأنه كانت هناك مجالات كان مقصرا بها خلال فترة الرئاسة. وقال أوباما "كما تعلمون قبل أربع سنوات قلت أنني لست رجلا كاملا وأنني لن أكون رئيسا كاملا وربما يكون هذا وعد يعتقد الحاكم رومني أنني نفذته."

مناظرة قياسية

على صعيد متصل تابع اكثر من 67 مليون اميركي عبر التلفزيون المناظرة بين باراك اوباما وخصمه الجمهوري ميت رومني وهو رقم قياسي منذ 20 عاما، حسب ما اعلن معهد "نيلسين". وتابع حوالى 67,2 مليون مشاهد بينهم 46% من الذين تزيد اعمارهم عن ال55 عاما، المناظرة بين الرجلين على خلفية الانتخابات الرئاسية التي ستجري في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر والتي بثت مباشرة من دينفر بولاية كولورادو (غرب). بحسب فرنس برس.

وسجل هذا الرقم ارتفاعا بمعدل 28% نسبة الى 52 مليون شخص تابعوا اولى المناظرات بين باراك اوباما وخصمه الجمهوري آنذاك جون ماكاين عام 2008. وكذلك هي اعلى نسبة مشاهدة لمناظرة تلفزيونية منذ المناظرة التي جرت بين الديموقراطي بيل كلينتون والجمهوري جورج بوش والمستقل روس بيروت في تشرين الاول/اكتوبر عام 1992 والتي جذبت 69,9 مليون مشاهد، حسب معهد نيلسين. كما سجلت المناظرة بين الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر ومنافسه الجمهوري رونالد ريغان التي جرت في 28 تشرين الاول/اكتوبر 1980 رقما قياسيا حيث شاهدها 80,6 مليون ناخب. وقد فاز ريغان في تلك الانتخابات.

نقاش وهفوات

من جانب أخر انتقد المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الاميركية ميت رومني الهجمات "غير الدقيقة" التي يشنها منافسه الرئيس الديموقراطي باراك اوباما بشأن مشروعه الضريبي، في حين اتهم اوباما خصمه ب"السير الى الوراء. وقال رومني خلال تبادل اول للاتهامات مع اوباما "عمليا كل ما قاله بشأن مشروعي الضريبي غير دقيق". وأكد المرشح الجمهوري انه من غير الوارد تخفيض الضرائب بقيمة 5 الاف مليار دولار كما يدعي منافسه الديموقراطي، واعدا بان مشروعه لن يفاقم العجز الضخم في الميزانية الاميركية.

وقال اوباما ساخرا "خلال 18 شهرا، لقد ركز حملته على مشروعه الضريبي، والان، قبل خمسة اسابيع من الانتخابات، يقول انسوا ذلك في حديثه عن فكرته العظيمة". كما اعتبر الرئيس الاميركي ان برنامج رومني لتقليص العجز من دون زيادة الضرائب سيؤدي الى تخفيض كبير في النفقات على التعليم والصحة.

وقال اوباما "اذا ما كان لديكم مقاربة غير متوازنة لهذه الدرجة، فهذا يعني ضرب الاستثمارات في المدارس والتعليم". واضاف "بشكل ملموس، هذا يعني اقتطاعا بنسبة 30% في البرامج الموجهة للأشخاص المسنين في دور الرعاية، للأطفال المعوقين، وهذه ليست الإستراتيجية الصائبة". واستهل اوباما مداخلته في هذا الموضوع بالتذكير بالازمة الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال فترة تسلمه الحكم في كانون الثاني/يناير 2009 مبرزا "الخمسة ملايين وظيفة التي تم انشاؤها في القطاع الخاص" مذاك.

لكن رومني اعتبر ان السياسة الاميركية سلكت خلال عهد باراك اوباما مسارا "عقيما". وقال رومني "الرئيس لديه رؤية شبيهة للغاية بتلك التي كانت لديه لدى ترشحه قبل اربع سنوات، رؤية لحكومة اكثر اهمية، مع مزيد من النفقات، مزيد من الضرائب ومزيد من القوننة".

في السياق ذاته ارتكب نائب الرئيس الاميركي جو بايدن هفوة صبت في صالح الجمهوريين اذ قال ان الطبقة الوسطى "طمرت" خلال السنوات الأربع الأخيرة. وسلطت الاضواء على هفوة بايدن التي سارع الجمهوريون الى اعتبارها اعترافا من الديموقراطيين قبل خمسة اسابيع من انتخابات السادس من تشرين الثاني/نوفمبر. وتساءل بايدن مخاطبا مؤيدين في شمال كارولاينا حول خطة رومني الضريبية "كيف يمكنهم تبرير زيادة الضرائب على الطبقة الوسطى التي كانت مطمورة في السنوات الاربع الاخيرة؟"

وسعى البيت الابيض على الفور الى الحد من الاضرار فاوضح ان بايدن كان يقصد كيف ان سياسات الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش ظلت تضر بالطبقات الوسطى حتى في ولاية اوباما. وقام بايدن نفسه بتصحيح هفوته فكتب في حسابه على موقع تويتر "ان الطبقة الوسطى طمرت بفعل السياسات التي دعمها رومني و(مرشحه لمنصب نائب الرئيس بول) راين". غير ان الجمهوريين الذي يؤكدون ان الطبقة الوسطى تضررت جراء خطط اوباما الاقتصادية على مدى اربع سنوات، سارعوا الى اغتنام هذه الفرصة غير المنتظرة.

وكتب رومني في حسابه الرسمي على موقع تويتر "اننا اوافق جو بايدن الراي، الطبقة الوسطى طمرت فعلا خلال السنوات الاربع الاخيرة، ولذلك نحن بحاجة الى تغيير في تشرين الثاني/نوفمبر". كما رد راين بدوره فقال خلال تجمع في ايوا "البطالة تخطت 8% على مدى 43 شهرا واقتصادنا متعثر حاليا. قال نائب الرئيس جو بايدن اليوم ان الطبقة الوسطى كانت مطمورة خلال السنوات الاربع الاخيرة واننا نوافقه الراي".

وتابع "هذا يعني ان علينا ان نوقف تدهورنا بانتخاب ميت رومني رئيسا مقبلا للولايات المتحدة".

واشار الجمهوريون الى انه بوسع رومني استغلال هذا الامر في المناظرة التلفزيونية غير ان فريق اوباما حذر من انه سيترتب على المرشح الثري بالاحرى ان يوضح ان كانت اصوله وشركاته في الخارج تهدف الى التهرب من دفع ضرائب. بحسب فرنس برس.

والمحت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير الى ان الترتيبات الضريبية التي اجرتها "باين كابيتال"، شركة الاستثمار التي انشأها رومني، قد تكون ساهمت في زيادة ثروته. وقال جين بساكي المتحدث باسم اوباما "هذا يطرح الكثير من التساؤلات يجب على حملة رومني ان ترد عليها". واضاف "نتطلع الى سماع ما سيقوله". ودققت الصحيفة في الاف الوثائق الخاصة بشركة باين وغير المنشورة سابقا تتعلق بعشرات الشركات في الخارج "اوفشور" مقرها في جزر كايمان. وكتبت الصحيفة ان الترتيبات سمحت في بعض الحالات لرومني بتجنب دفع ضرائب على حسابه التقاعدي لدى باين وقد تكون خفضت الضرائب على الدخل المترتبة عليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/تشرين الأول/2012 - 24/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م