فقه الدولة: الحاكم وشرط الالتزام بتطبيق الإسلام

الشيخ فاضل الصفّار

الشروط التنصيبية «القانونية»، والمراد بها الشروط التي يستحق الحاكم بتوفرها فيه أن يكون رئيساً وحاكماً في الدولة الإسلامية وهي عديدة، وأهمها ثلاثة:

الأول: رضا الناس، بمعنى أنه يتولى الحكم برضاهم، سواء كان بالانتخاب المباشر أو غير المباشر.

الثاني: أن يأخذ بالشورى في الحكم.

الثالث: أن يلتزم بتطبيق الإسلام، ولهذا الالتزام مظاهر وعلامات سنتعرض إليها. وقد مر ذكر الاول والثاني في البحوث السابقة.

الالتزام بتطبيق الإسلام

وهو ما ربما يعبر عنه بالعدالة العملية، فإن الفقهاء وإن اتفقوا على معنى واحد للعدالة في باب العبادات والشهادات والاجتهاد والتقليد والقضاء ونحوها، وفسرت العدالة عند المشهور بالملكة[1]، فترجع الى العدالة النفسية ؛ بناء على أن الملكة من مقولات الكيف النفساني، وإنّ العدالة في مختلف الابواب بمعنى واحد[2]، الا ان الظاهر امكان اضافة العدالة العملية في باب الحكومة والسلطة لتوقفهما على فعل الطاعات واجتناب المحرمات.

وعليه فإنه ربما يمكن تصنيف العدالة الى صنفين:

أحدهما: العدالة النفسية، وهي مايشترك فيها الحاكم وسائر الناس؛ اذ هي واجبة على الجميع، وهذا ما تعرفت عليه في اول الشروط الترشيحية.

ثانيهما: العدالة العملية، وهي من مختصات الحكام والامراء والوزراء ونحوهم ممن يتولون شؤون الناس؛ وذلك لخصوصية في الحكم والحاكم، وهذا ما ينبغي التعرض اليه لمعرفة الملاكات العملية في شرعية الحاكم حين توليه، او لغاية عزله؛ ولذا يشدد الشرع المقدس على التعامل معه بنحو من الشدة، ومن هنا ذهبت جماعة من الفقهاء قديما وحديثا الى عدم إجراء أصالة الصحة في فعل الحاكم حين الشك مع انه موضوعا من المسلمين، وتنطبق عليه احكامهم؛ وذلك لان أصل الصحة في فعل المسلم يصحح ما يشك في صحته من افعال، إما من جهة الاعتبار الشرعي لمثل قولهم (عليهم السلام): «ضع امر اخيك على أحسنه»[3] أو الاجماع، أو من جهة الاعتبار العقلائي لدعوى قيام سيرة العقلاء على الاصل المذكور إلاّ أنه يستثنى منه موارد منها مورد التهمة[4]، اما لجهة انصراف الدليل اللفظي عنها، او قصور الاجماع عن شموله لها؛ للوقوف فيه على القدر المتيقن، وهو غير مواضع التهمة؛ ولعدم قيام سيرة عقلائية على الحمل على الصحة في موارد الاتهام كما يشهد به الواقع الخارجي لمعاملات العقلاء.

والحاصل: فإن القدر المسلم بخروجه من عموم اصل الصحة هي افعال المتهمين، ولا اشكال في ان الحاكم موضع تهمة وريبة لتوافر مقتضياتهما فيه؛ لكون السلطة والحكم من مزال الاقدام[5]؛ ولذا نهى الشارع عن توليها الا للخواص،[6] فتشكل قرينة على المنع من العموم، او لقيام القرائن الخارجية المانعة من الحمل على الصحة في افعال السلاطين، كالغلبة في ظلمهم وتعسفهم المقتضية عقلائيا لإلحاق الشيء بالأعم الاغلب فيه ولو في مثل هذه الموارد الخطيرة، او للأضرار الخطيرة المحتملة في تصرفاته التي يحكم العقل بلزوم دفعها بواسطة مراقبته والاطمئنان بصحة تصرفاته في شؤونه الخاصة والعامة، ولا يكفي فيه الحمل على الصحة على القول بكونها اصلا عمليا، وليس المراد من التهمة الحالة الفعلية منها، بل يكفي كونه في معرض التهمة اما لكونه من مواردها موضوعا او للملازمة العرفية او العادية بينهما.

وعليه فإن الحاكم ينبغي أن يؤاخذ في مأكله وملبسة ومنطقه ونحو ذلك حين الشك دون غيره من المسلمين، وذلك تشديداً لمصلحة العدل وحفظ حقوق الناس والحيطة من الوقوع في مفاسد الحكم والحكام الخطيرة[7].

ولعل من هنا شدّد المشّرع على الحكام فيما دون ذلك، وفي نهج البلاغة: «إن الله تعالى فرض على ائمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره».[8]

العدالة العملية

يدل على لزوم مراعاة العدالة العملية العقل والشرع، أما العقل فمن وجوه:

الأول: من جهة استقلاله بحسن رعاية العدل وقبح تضييع الحقوق مهما أمكن، فيحكم الشرع بوجوب الأول وحرمة الثاني لقاعدة الملازمة، ومن الواضح أن عدم الحكم بوجوب ذلك فيه مظنّة الوقوع في المحذورين، فيحكم العقل بوجوب دفعهما لاستقلاله بوجوب دفع الضرر المحتمل فضلاً عن المظنون.

الثاني: الحكم العقلائي الناشئ من العقل العملي القاضي باستحقاق من فرط في تطبيق العدل أو حفظ الحق الذم والعقوبة.

الثالث: حكومته بلزوم رعاية الأهم والمهم، فإن التشديد على الحاكم وإن كان ربما يقيّد في حرّيته أو يتصرّف في سلطنته على نفسه إلا أن مصلحة العدل وحفظ الحق وحماية الناس من الاستبداد أهم فتقدم عليه، وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء طرّاً في وضع الضوابط والقيود على الحكام خوفاً من استبدادهم وتفردهم.

الرابع: الأولوية القطعية المستفادة من باب القضاء، فقد دلت الاخبار الخاصة على وجوب مراعاة القاضي لغاية الاحتياط في أحكامه، فتدلّ على وجوب ذلك على الحاكم والرئيس بالأولوية لأخطرية منصبه من القاضي.

منها: ما عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): قال: «من جعل قاضياً فقد ذُبح بغير سكين»[9] ويمكن قراءة الحديث أيضاً بصيغة المعلوم، أي من جَعل قاضياً ذَبح بغير سكين، والفرق بين القراءتين أن الأولى ناظرة إلى نفس القاضي والثانية ناظرة إلى الناصب له.

وفي رواية البرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنة؛ رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم أنه قضى بجور فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو يعلم فهو في الجنة»[10] والحديث صريح في موضوعية العلم بالنسبة للحكم؛ ولذا يعاقب بالنار حتى في صورة قضائه بالحق جاهلا.

ومن ذلك أيضاً رواية الصدوق(قدس سره) التي رواها في الفقيه: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عز وجل فقد كفر بالله»[11] وهو صريح في أن الملاك ليس في القلة والكثرة، وإنما لزوم اتباع حكم الله عز وجل في ذلك.

 وفي رواية أخرى: «من حكم بدرهمين فأخطأ كفر».[12]

وفي صحيحة أبي بصير: «من حكم بدرهمين بغير ما أنزل الله فهو كافر بالله العظيم»[13] والظاهر أن المراد بالكفر هنا ليس العقيدي، وإنما العملي؛ بداهة أن لازم الإقدام على الحكم من قبل الجاهل هو كفران الحق وجحود الحقوق، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار الشريفة من أن تارك الحج كافر[14]، وأن النمّام كافر[15]، أو المراد التشبيه من جهة التخويف والمبالغة لضرورة أن المعصية بغير انكار الضروري ليست سبباً للكفر، أو لجهة التنزيل في مقام العقوبة كتنزيل آكل الربا بمنزلة المحارب لله والرسول[16] ؛ لبيان وحدة الجزاء والعقوبة فيهما، أو لغير ذلك من الجهات.

وأما الشرع فهو ما قامت عليه السيرة العملية للمعصومين (عليهم السلام) من التشديد على الحكام حذراً من المحذور المذكور، وبضميمة وجوب الاقتداء والتأسي يحكم بوجوب الأخذ بها، والشواهد على تشديدهم (عليهم السلام) كثيرة.

 منها: ما أورده في العوالي والمستدرك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولّى أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله، فقال أبو الأسود له: لم عزلتني وما خنت ولا جنيت؟ فقال (عليه السلام): «إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك»[17] ونلاحظ أن مجرّد رفع الصوت لأنه فيه إهانة او سوء ادب أو لان فيه نوعا من التهديد أو الإخافة للمتقاضي اوجب عزله، ومن الثابت أن أبا الأسود الدؤلي كان من الفضلاء الفصحاء، ومن طبقة الشعراء الأولى في الإسلام، وكان من شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام)، ويعد من الفرسان والعقلاء، بل وهو الذي ابتكر علم النحو بتعليم أمير المؤمنين (عليه السلام)، لكن مصلحة التشديد في العدل ومحذور الوقوع في خلافه أوجب عزله للأهم والمهم.[18]

وفي سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه عزل واليه فوراً لشكوى جاءت بها امرأة من بني همدان هي سودة بنت عمارة حينما شكت واليهم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) لكونه كان يجور عليهم فعزله فوراً،[19] وكان (عليه السلام) يراقب أحوال ولاته وعمّاله ويحاسبهم لكيلا يظلم بعضهم الناس، فكتب (عليه السلام) إلى بعض ولاته حينما بلغه عنه بعض سوء التصرف: «أما بعد، فقد بلغني عنك أمرٌ إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك، بلغني أنك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس والسلام».[20]

والمستفاد من مثل هذه الرواية أن منطق «من أين لك هذا؟» اذا لا يجري في سائر الناس فإنه يجري بالنسبة للحاكم لعدم جريان أصالة الصحة فيه؛ لكون الأصل في الحكام والأمراء هو التهمة حذراً من الوقوع في مفاسد الحكم والسلطة.

وفي الاختصاص في حديث طويل جاء فيه: ذكر الكوفيون أن سعيد بن قيس الهمداني رآه ــ يعني علياً (عليه السلام) ـ في شدة الحر في فناء حائط، فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟ ــ أي كيف تخرج في هذه الساعة الحارة وأنت الحاكم والأمير؟ ــ قال (عليه السلام): «ما خرجت إلاّ لأعين مظلوماً أو أغيث ملهوفاً».[21]

 وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب رضوان الله عليه عن ابن مردويه قال: وسمعت مذاكرة أنه (عليه السلام) دخل عليه عمر بن العاص ليلة وهو في بيت المال فأطفأ السراج وجلس في ضوء القمر، ولم يستحل أن يجلس في الضوء من غير استحقاق[22].

وكان من وصاياه (عليه السلام) التي يكتبها لمن يستعمله على الصدقات:

«انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروّعن مسلماً، ولا تجتازن عليه كارهاً، ولا تأخذنّ منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج ــ أي لا تبخل ــ بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم ــ أي قال: نعم ــ لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه ــ أي تأخذه بشدة ــ أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّطٍ عليه، ولا عنيف به»[23].

 وقد اتفقت كلمة المؤرخين على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعلم بقاتله قبل قتله، وكان يخبر بذلك إلا أنه لم يتعرّض إليه بشيء مع أنه الحاكم والسلطان، و في الأخبار أن عليا (عليه السلام) كان يقول لعبد الرحمن بن ملجم: «أنت قاتلي» وكان يكرر عليه هذا البيت:

أريد حياته ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مرادي

فيقول له ابن ملجم: يا أمير المؤمنين، إذا عرفت ذلك مني فاقتلني، ويقول له: «إنه لا يحل ذلك أن أقتل رجلاً قبل أن يفعل بي شيئاً» فسمعت الشيعة ذلك، فوثب مالك الأشتر والحارث بن الأعور وغيرهما من الشيعة فجرّدوا سيوفهم وقالوا: يا أمير المؤمنين، من هذا الذي تخاطبه بهذا الخطاب مراراً وأنت إمامنا وولينا وابن عم نبينا، فمرنا بقتله؟ فقال لهم: «اغمدوا سيوفكم، وبارك الله فيكم، ولا تشقوا عصا هذه الأمة، أترون أني أقتل رجلاً لم يصنع بي شيئا»[24]ً وفي بعض الأخبار: «أنه لا قصاص قبل الفعل»[25].

ومن الواضح أن هذه السياسة غاية في مراعاة الاحتياط والعدل وعدم أخذ الناس بالظنة والتهمة، وهي سيرة لم تعرف لها البشرية نظيراً في غير سياسة رسول الله وأمير المؤمنين (عليهم السلام)، فان المعروف من أساليب الحكام والأمراء هو أنهم يأخذون من يظنون، أو يتوهمون أنه ينوي لهم سوءاً، فكيف بهم اذا أيقنوا بذلك؟

هذا ولا يخفى عليك أن علم الإمام (عليه السلام) هنا لا يمنع من عفوه (عليه السلام) عنه؛ وذلك لما حقق في علم الكلام من أن علم الإمام بالغيب لايمنع من وقوع الحوادث النازلة به ونحوها؛ لأن مما يعلمه الامام أيضا هو حب الله سبحانه لوقوع الحادثة أو نزول البلاء به؛ لأنه من مقتضيات السنن، فكان يصبر على ما اراده الله سبحانه حبا وتسليما لما فيه من الخضوع والعبادة، ولما فيه من زيادة في درجاته وعلو مقاماته، ولان ذلك مقتضى كونهم القدوة والحجة على الخلق، ومن هنا فانه على الرغم من علمه بما يجري وسيجري عليه الا انه لم يدع لذلك العلم ان يؤثر في سلوكه او موقفه الخارجي، لكونهم (عليهم السلام) مكلفين بالتعامل مع الناس بالظاهر، والا لم تتم سنن الامتحان الإلهي الذي لاجله خلق الله تعالى الدنيا، ولم تتم الحجة التي لأجلها نصب الله تعالى الإمام، ومن هنا فان السلوك الخارجي للإمام (عليه السلام) في نفسه ومع المجتمع كان مطابقا للظواهر والاسباب العادية كسائر الناس [26].

كما أن طبائعه البشرية في ظاهرها كسائر الناس. قال سبحانه: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي}[27] وقال عزوجل: {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}[28] وقال عز وجل: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}[29].

وعليه فإن الإمام بحسب ما أعطاه الله من مراتب الإمامة لا ينبغي أن يؤثر في سنة الامتحان والاختبار لسائر الناس في تعاملاتهم معه كما في سنة الله سبحانه وتعالى ومع البشر، فمع أنه قادر على كل شيء وعالم بكل شيء إلا أنه لا يصرف الظالم عن ظلمه بالغلبة، ولا يمنع عن المظلوم ظلامته بالقهر، ولو أراد الله سبحانه أن يدفع الظلم عن المظلوم ويأخذ بيد الظالم حتى لا يظلم لم يتخلف عنه مراد، ولكن يلازمه ابطال سنة امتحان الناس وهو مناف للحكمة، وهكذا بالنسبة إلى تصرفات رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الذين بقدرة الله وتعليم الله لهم صاروا قدوة وأسوة، فلا يتصرفون بحسب العلوم الغيبية أو القدرات الالهية غالبا، وانما بحسب الظواهر والاسباب العادية.

وكيف كان، فإن سياسة التشديد هذه لم تنحصر في سياسة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل هو أسلوب أسسه وصنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبله، ففي الأخبار: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث خالد بن الوليد مع جماعة في مهمّة الدعوة إلى الإسلام إلى بني جذيمة، وهم من بني المصطلق كان قد سبق أن أسلموا ولم يأمرهم بقتال، فأوقع بهم خالد، وقتل منهم جماعة لترة كانت بينه وبينهم، فبلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبكى النبي، وقام وصعد المنبر ورفع يديه إلى السماء، وقال ثلاثاً: «اللهّم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، اللهّم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، اللهّم إنّي أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد» ثم دعا النبي (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فدفع إليه سفطاً ـ أي صندوقاًـ من الذهب، وأمره أن يذهب إلى بني جذيمة ويدفع إليهم ديات الرقاب وما ذهب من أموالهم، فجاء علي (عليه السلام) وقسّم المال كالتالي:

1. دفع أولاً ديات المقتولين ظلماً إلى ورثتهم عن كل واحد منهم ألف دينار ذهب، وهو ما يعادل ثلاثة آلاف ومائتين وخمسين غراما تقريباً من الذهب الخالص.

2. دفع إليهم ثانياً ثمن كل جنين غرة، يعني عبدا أو أمة.

3. ودفع إليهم ثالثاً ثمن ما فقدوه من المبالغ والعقل والمقصود من المبالغ الأواني المعدة لسقي الكلاب أو إطعامهم، والعقل هي الحبال التي تربط بها أيدي وأرجل الإبل.

4. دفع إليهم رابعاً ثمن ما ربما فقدوه مما لم يعلموا بفقده مما أخذه خالد أو من كان معه أو مما تلف أثناء القتال.

5. دفع إليهم خامساً ثمناً لروعة نسائهم وفزع صبيانهم.

6. دفع إليهم سادساً مقابل كل مال فقدوه مثله من المال.

7. دفع إليهم سابعاً مالا ليرضوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

8. دفع إليهم ثامناً ما يفرح به عيالهم وخدمهم بقدر ما حزنوا.

ثم رجع علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بما فعل من توزيع الذهب عليهم بثمانية أقسام، فقال: «يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عمدت فأعطيت لكل دم دية، ولكل جنين غرة، ولكل مالٍ مالاً، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون وما لا يعلمون، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله» فتهلل وجه النبي (صلى الله عليه وآله) وضحك حتى بدت نواجذه، وقال: «يا علي، أعطيتهم ليرضوا عني رضي الله عنك» ثم قال (صلى الله عليه وآله): «يا علي، إنما أنت مني بمنزولة هارون من موسى إلا أن لا نبي بعدي»[30] إلى غير ذلك من الشواهد العظيمة الدالة على مستوى كبير من التشديد يمارسه الحاكم المعصوم (عليه السلام) على الرغم من عصمته وتسديده الغيبي من الله سبحانه، ليكون قدوة وأسوة لغيره في ملازمة ذلك، حذراً من الوقوع في مفاسد السلطة وطغيان السلطان.

سؤال وجواب

وهنا ربما يرد سؤال يقول: إذا كان خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة لعداوة كانت في الجاهلية بينه وبينهم فلماذا لم يقتص رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه، ويقتله بهم قصاصاً، مع أن الدية متأخرة رتبة عن القصاص في قتل العمد؟

والجواب عن ذلك من وجوه عديدة:

الأول: أنه يشترط في القصاص أن يكون بطلب من ولي الدم، وحيث إن بني جذيمة وهم أصحاب الدم لم يطلبوا القصاص انتقل الحكم إلى الدية.

الثاني: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما أنه هو الولي للجميع بالولاية المطلقة حتى لأولياء الدم وذلك بحكم القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}[31] فكان للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يعفو عن القصاص إلى الدية.

الثالث: أن تزاحم المهم والأهم اقتضى ترك القصاص الى الدية حذراَ مما كان يترتب على القصاص في تلك الظروف الخاصة بالرسالة وبالرسول (صلى الله عليه وآله) من الاضرار، حيث كان المسلمون على أبواب الفتح الإسلامي والنصر الواسع ودخول الناس في دين الله أفواجاً بعد فتح مكة مباشرة، فمثل هذا القصاص في تلك الظروف ربما كان يؤدي إلى رعب المسلمين وحدوث البلبلة فيهم، مما كان أضرّ على حاضر الإسلام ومستقبله، وكم لذلك من نظائر في تاريخ الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) كما شهدت به كتب التواريخ[32].

ملامح العدالة العملية

تتجلّى العدالة العملية للحاكم في أمور، لعلّ من أهمّها ما يلي:

الأول: مراعاة مصلحة الأمة في دينها ودنياها

فليس للحاكم سواء كان فقيهاً أو منصوباً من قبله الخروج عن ذلك، وإلا استحق العزل؛ وذلك إما لكونه شرطاً في ضمن العقد، أو لكونه مقتضى حكم العقل لاستقلاله بحسنه، أو مقتضى السيرة العملية للمؤمنين، حيث نص الشارع على وجوب مراعاتها في مثل قوله سبحانه: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}[33] الدالة على أن سبيل المؤمنين بنفسه ملاك وحجة على الناس، ومنه الحاكم، أو لكون الاخلال في رعاية ذلك يدخله في مصاديق الغش والخيانة، وهما من أعظم القبائح عقلا والمحرمات شرعا.

 وفي الخبر عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة»[34] ويعضد ذلك المرتكز العقلائي القائم على أن الحكومة ليست من مخترعات الشرع، بل هي أمر دائر بين العقلاء، وجرت عليه سيرتهم منذ قديم الأيام في تدبير أمورهم الاجتماعية والسياسية والمعاشية، والشارع المقدس أمضاها لكن مع قيود وشرائط.

 ومن المعلوم أنها شرّعت بين العقلاء لحفظ مصالح المجتمع وغبطة الناس صغيرهم وكبيرهم وإن قل من قام به وأدى حقه كما هو المشهود في سياسة الدول في التاريخ، فالحكومة القائمة على أساس حفظ مصالح الناس وتطبيق العدل بينهم أمضاها الشارع المقدس، فليس للفقيه ولا غيره ترخيص في الأخذ بغير ما هو المصلحة للناس.

هذا مضافاً إلى ما ربما يمكن قوله من أن المنصرف من بعض أدلة ولاية الفقيه هو اشتراط المصلحة، كما في مثل حديث: «مجاري الأمور»[35] فإن المتبادر منه عرفاً أن مجاري أمور إصلاح المجتمع وإقامة نظام الأمة بيد الفقيه لا مطلقا وإن كان فيه ضرر على الأمة، أو لم يكن فيه مصلحة، وعلى فرض عدم الانصراف فان القرينة العقلية تصلح لحمله على ذلك، فتصرف الاطلاق الى ما كان فيه مصلحة الامة؛ بداهة ان جعل مجاري الامور بيده وتسويغ تصرفه حتى فيما كان فيه مضرة او خلى من المصلحة قبيح لمنافاته للحكمة، وقريب منه يقال في رواية: «الحوادث الواقعة»[36] فإنها إشارة إلى الحوادث المهمة التي ترتبط بكيان الأمة وسعادتها الدينية والدنيوية، بل لو قلنا بأنها تشمل كل حادثة فلا شك أن الرجوع إليهم إنما هو لإصلاح أمر الحوادث والأخذ بما هو أحرى وأصلح لا أن الأمر مفوض إلى الفقيه يأتي بما يشاء، ويحكم بما يريد حتى فيما كان على خلاف مصلحة الامة، ويقوم لذلك دليلان:

أحدهما: سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) والائمة الطاهرين (عليهم السلام)، حيث لم تستقر إلاّ على ذلك، فلم يثبت التأريخ مورداً من الموارد إلاّ وقد أخذوا بما هو صلاح الأمة، وما هو أجمع لمصلحة المؤمنين، وكلماتهم متضافرة في هذا المجال، وقد عرفت بعضها مما تقدم[37].

ثانيهما: الآيات والروايات الكثيرة الدالة على وجوب تحري الصالح أو الأصلح على أئمة المسلمين وقادتهم، وأنه لا يجوز لهم غير ذلك، لعل منها قوله تعالى: {ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز* الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}[38] حيث دلت على أن الحكومة طريق لمراعاة هذه المصالح الأخروية والدنيوية للأمة، كما دلّت على أن النصر الإلهي للدولة والشعب متوقف على مراعاة هذه المصالح إما لجهة المبادلة بين حسن الفعل والثواب وقبحه والعقاب، أو للأثر الوضعي الذي قرره الله سبحانه في الكون من ترتب الآثار الحقيقية على أفعال الإنسان، ومن الآيات الدالة على ذلك قوله سبحانه حاكياً عن شعيب: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله}[39] فإنها دالة على أن الإصلاح مطلوب لذاته في تصرفات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) الذين نصّبهم الله سبحانه سادةً وحكاماً على الناس، والآية ظاهرة في الحصر لكونها إثباتا بعد النفي، فيستفاد منها بمفهوم المخالفة أنه إذا كان الحاكم أو الإمام لا يريد الإصلاح في تصرفاته كانت حكومته باطلة، وعمله محرّما.

ولعلّ من الآيات الدالة على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}[40] فإنه يفهم منها الأولوية في عدم جواز التصرف في أمور الأمة بدون الصلاح؛ وذلك لعدم الشك في كونه أهم من مال اليتيم، ولعل مما يؤيده ما اتفقت عليه كلمة الفقهاء من أن الفقيه الذي هو ولي من لا ولي له من القاصرين وما أشبه لا يجوز له أن يتصرف في أموالهم إلا بالتي هي أحسن، فكيف بالتصرف في أنفسهم؟[41]

هذا وربما يمكن أن يستدل لذلك أيضاً بقوله سبحانه: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}[42] بضميمتين:

الأولى: القول بحجية الشرائع السابقة ولو بواسطة الاستصحاب.

الثانية: دعوى أن الأخذ بالأحسن عرفاً هو ما كان فيه المصلحة، ولا يكفي فيه عدم المفسدة.

هذا بعض ما يمكن الاستدلال به من الآيات الشريفة.

 وأما الروايات فهي متضافرة.

 منها: ما ورد عنهم (عليهم السلام): «لئلا يتوى حق امرئ مسلم»[43] وفي رواية أخرى: «لا تبطل حقوق المسلمين بينهم»[44] بتقريب أن عدم ملاحظة المصلحة هو إبطال لحق المسلمين، فمثلاً إذا كانت قيمة الطائرات في الأسواق مليون دينار مثلاً وتمكن الحاكم أن يشتريها بمليون إلا خمسين ألف فلم يفعل ذلك فإنه يصدق عرفاً أنه أبطل حق المسلمين، بل وربما يصدق عليه أنه ضيّعهم وضيّع حقوقهم، مما يصدق عليه في كثير من الأحيان أنه أضرهم فتشمله أدلة لا ضرر ونحوها.

ومنها: ما في نهج البلاغة: «أيها الناس، إن لي عليكم حقاً، ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعملوا»[45] وفيه أيضاً: «وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه فجعلها نظاماً لألفتهم، وعزاً لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية»[46] فالوالي لابد أن يكون سبباً لنظام الأمة، وعزاً لدينهم، وحافظاً لمصالحهم، لا أن يفعل فيهم ما يشاء من دون رعاية لها.

ومنها: ما في الكافي، وقد ذكر باباً لما يجب من حق الإمام على الرعية، وحق الرعية على الإمام، وفيه عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) ما حق الإمام على الناس؟ قال: «حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا» قلت: فما حقهم عليه؟ قال: «يقسم بينهم في السوية، ويعدل في الرعية»[47].

وفي مرفوعة عبد العزيز بن مسلم عن الرضا (عليه السلام): «إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام، إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أسّ الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد»[48] إلى غير ذلك مما هو كثير ومتضافر،[49] بل متواتر مما يغنينا عن ملاحظة أسنادها.

ويؤيد ذلك كله ما ذكروه في علم الكلام في باب وجوب نصب الإمام بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من أن الإمامة لطف واللطف واجب، أما الصغرى فمعلومة للعقلاء، إذ العلم الضروري حاصل بأن العقلاء متى كان لهم رئيس يمنعهم عن التغالب والتهاوش، ويصدهم عن المعاصي، ويعدهم ويحثهم على فعل الطاعات، ويبعثهم على التناصف والتعادل كانوا إلى الصلاح أقرب، ومن الفساد أبعد، وهذا أمر ضروري لا يشك فيه عاقل[50].

وعليه فإنه إذا كان الإمام المعصوم (عليه السلام) كذلك فما ظنك بغير المعصوم مع أنه يظهر من طائفة من الروايات أنهم (عليهم السلام) مالكون للأرض وما فيها،[51] بل الدنيا وما فيها للامام[52]، ومع ذلك لم نر منهم في عصر حكومتهم على الناس وعند بسط أيديهم إلا العمل بما هو خير وصلاح للأمة، لا ما هو صلاح لأنفسهم، بل كانوا يؤثرون أنفسهم لصالح الناس، ويعانون ويعيشون الجوع والفقر والألم لأجل مصالح الناس، فما بالك بالفقيه فضلاً عن غيره.

هذا وربما يستدلّ لذلك أيضاً بالإجماع والعقل، أما الإجماع فهو المدعى في المسألة ممن شرح العروة الوثقى في باب التقليد وولاية الفقيه، كما ذكره السيد الاستاذ (قدس سره) [53]، وأما العقل فمضافاً إلى الجهات المتقدمة فانه يمكن الاستدلال به من جهة أخرى، وهي أن جعل الولاية إنما هو باعتبار المحافظة على مصلحة المسلمين، فعدم رعايتها سواء بنحو الوقوع في المفسدة أو الاكتفاء بعدم المفسدة هو ناقضا للغرض الذي جعلت لأجله الولاية، وبذلك يظهر أن قول بعضهم بكفاية عدم المفسدة في ذلك مستدلا عليها بالاصل محل منع.

الثاني: مشاورة أهل الخبرة

وخصوصا في تشخيص المصالح وتعيين الأهم والمهم من الموضوعات واتخاذ القرارات والخطط التي ترسمها الدولة أو تتبعها؛ وذلك لما عرفت من أن الموضوعات التي تدور عليها سياسة الحكومة على أقسام: منها ما يكون شرعياً محضاً منصوصاً عليه في الكتاب والسنة أو فروعها من الأدلة كالصلاة والصيام والحج والطواف وغيرها من أشباهها، والأخرى ما ليس كذلك، بل هو عرفي يرجع في تشخيصه إلى العرف، وهذا على نحوين:

أحدهما: موضوع صرف فيمكن معرفته من قبل الجميع، فيعرفه العالم والجاهل والمتعلم وغير المتعلم، كالماء المطلق والمضاف والدم والبول، والفراسخ في باب صلاة المسافر وصيامه، والغنم والبقر في أبواب الزكاة، وغيرها من أشباهها، ولا شبهة في حجية نظر العرف العام فيه، والشرع يتبعه في ذلك.

ثانيهما: موضوع خفي لا يمكن تشخيصه أو معرفته إلا بعد علم وخبرة ودقة نظر، فيحتاج فيه إلى الخبراء من أهل العلوم والفنون والاختصاصات المختلفة، مثل: مسائل الطب والهندسة، والحرب والصلح، والشؤون المالية والاقتصادية، وتحديد المصالح العامة للدولة والأمة، وإيجاد الموازنات بين الحاجات والإمكانيات، ووضع الخطط الخمسية أو العشرية أو غيرها لتحسين الأوضاع الاقتصادية، أو إجراء الانتخابات وما أشبه، ففي مثل هذه الموارد غير المنصوصة شرعاً ولا المعلومة عرفاً ينبغي مراجعة أهل الخبرة في شأن كل واحد منها، وهي ما يصطلح عليها بين الفقهاء والأصوليين بالموضوعات المستنبطة حتى لو كان الحاكم فقيهاً، بل يجب ذلك لأنه من قبيل رجوع الجاهل إلى العالم في مورد العلم الذي دلّ عليه الشرع والسيرة العقلائية، أو هو من قبيل الفحص عن الموضوع وتشخيصه الذي يحكم العقل بوجوبه لكونه طريق الطاعة، مضافاً إلى أنه مقدمة الواجب الذي يحكم العقل والشرع في مثله بوجوبه حتى عند القائلين بعدم وجوبها شرعاً.

هذا في أصل التقسيم ووجوب الرجوع لأهل الخبرة، لكن هل يكتفى بأهل الخبرة بالوثاقة أم يشترط فيهم العدالة والإيمان؟ احتمالان، بل قولان، لكن الظاهر أنهم إذا كانوا مؤمنين ومن عدول المؤمنين كان أحسن وأفضل، ولا يبعد استحبابه، بل ما دام يمكن الوصول إلى أهل الإيمان مع توفر الخبروية فلا ينبغي الرجوع إلى غيرهم، ولكن قد لا يكون الخبراء إلاّ من غير أهل الإيمان مع الأمن منهم والوثاقة بهم، فحينئذٍ لا مناص من الرجوع إليهم، ولكن مع مراعاة الاحتياط والحذر اللازمين، وهذا ما تعضده بعض المرويات عن السيرة، حيث حكت عن معالجة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما ضربه ابن ملجم عند طبيب غير مسلم[54]، مضافاً إلى سيرته (صلى الله عليه وآله) حينما أمر عبد الله بن رواحة لتخمين مقدار الثمر لأخذ الزكاة، وغيرها من أمثالها[55].

وعليه فإن من شرائط الحاكم ومؤهلاته التنصيبية هو رجوعه إلى أهل الخبرة في كل موضوع يحتاج فيه إلى ذلك، وإلا كان مضيعاً لمن يعول، ومبطلاً لحقوق المسلمين، فيستحق به العزل.

الثالث: العلم بضوابط الاحكام وتطبيقها

إن الأحكام تتبع العناوين ولا تخلو واقعة من الوقائع من حكم إلهي واقعي أو تعبّدي. نعم هناك ترتب طولي بين تلك العناوين، فلا يجوز تطبيق العنوان الثانوي في صورة تمامية الموضوع للعنوان الأولي ومنجزية الحكم فيه مع عدم المانع من تطبيقه، كما لا يجوز تطبيق العنوان الأولي في صورة منجزية الحكم الثانوي ووجود المانع من الأولي، فإن لكل واحد من الحكمين موضوعه ومورده، والتقدم الرتبي بينهما يمنع مِن تطبيق أحدهما في موضع الآخر، والنسبة بينهما في مواقع الاجتماع هي الحكومة؛ لتقدم العناوين الثانوية على العناوين الأولية في صورة التعارض؛ وذلك لأنها ضرورات، وهي استثناءات تقدر بقدرها، فلا مجال لتقديم العنوان الأولي على الثانوي في صورة التعارض؛ لاستلزامه لغوية الثانوي بخلافه في صورة تقديمه.

وعليه فإنه يجب على الحاكم أن يكون عالما بضوابط تطبيق الأحكام على عناوينها الأولية والثانوية، وإلاّ سقط عن الأهلية؛ وذلك لأن التطبيق المعكوس للأحكام ينشأ عادةً من احتمالات ثلاثة:

أحدها: الجهل.

ثانيها:العصيان.

ثالثها: الاشتباه.

والفرق بينها أن الأول يختص بالجهل البسيط، والثاني بالعلم مع تعمد التطبيق الخاطئ، والثالث يختص بالجهل المركب، فإن كان التطبيق الخاطئ ناشئاً من الاحتمال الأول يسقط الحاكم عن الأهلية؛ لما عرفت من شرطية العلم والخبرة، وإن كان من الثاني يسقط أيضاً للفسق من جهة إقدامه على التشريع المحرم بالأدلة الأربعة، وقد عرفت شرطية العدالة فيه، وإن كان من الثالث فإنه لا يسقط عن الأهلية إلا بعد الإلفات والتعليم ومشاورة أهل الخبرة وإصراره على الخطأ بعد ذلك لدخوله موضوعاً في القسم الثاني.

وبذلك يظهر أن التقسيم الثلاثي للأحكام الشامل للاثنين المتقدمين مضافاً إلى الحكم الولائي الناشئ من سلطة الحاكم وولايته غير تام إذا أريد من الثالث أنه حكم مستقل عن الحكمين الأولين، ولبيان ذلك نقول: إن بعض الفقهاء من متأخري المتأخرين والمعاصرين قسموا الأحكام الشرعية إلى ثلاثة أقسام هي:

1- أحكام أولية.

2- أحكام ثانوية.

3- أحكام ولائية.

وقالوا: ان الحاكم غير مقيد بالأخذ بالأحكام الأولية والثانوية دائما، بل له حكم مستقل ينشأ من ولايته وسلطنته، وهذا الحكم في عرض الأحكام الأولية والثانوية؛ لتكونه من المزج بين الأحكام التشريعية والإجرائية، والفرق بينها أن الأحكام الأولية مثل: وجوب الصلاة والزكاة والجهاد. والثانوية مثل: نفي الضرر والحرج والأهم والمهم ولزوم حفظ النظام ونحوها، هي أحكام كلية إلهية وقوانين عامة شرعية تنطبق على موضوعاتها في ظروفها الخاصة؛ ولذا تكون من مهام الفقهاء جامعي الشرائط، بخلاف الحكم الولائي فهو حكم جزئي من ناحية الحاكم، ويقع أمره بيده أيضاً، و يحصل ذلك من تطبيق القوانين الكلية على مصاديقها الجزئية، ولا يختلف الحال فيه بين المعصوم وغير المعصوم.

 مثلاً: ما حصل في فتوى المجدد الشيرازي (قدس سره) في تحريم استعمال التنباك لإلغاء اتفاقية الحكومة الإيرانية مع بريطانيا، وعده للاستعمال في عداد محاربة الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لم ينشأ هذا التحريم من الحكم الشرعي الأولي أو الثانوي؛ لأن الأولي منه هو الحلية المستفادة من أصالة الحل لعدم قيام الدليل على الحرمة، والثانوي منه غير محرز؛ بداهة أنه ينحصر في مثل الضرر والحرج ونحوها، وهي تختص بالشؤون الشخصية الخاصة، ولا تجري في الأمور العامة على ما ذهب إليه البعض[56]، وإنما كان هذا الحكم ولائيا ناشئا من ولايته العامة ومقام نيابته عن الإمام المعصوم (عليه السلام) في رعاية شؤون المسلمين وحفظهم من الأخطار الخارجية.

ومثل هذا مستفاد ايضا من مسألة سمرة بن جندب حينما رفض الاستئذان في دخوله بستان الرجل الأنصاري بحجة وجود نخلته فيها، كما رفض المقايضة بنخل آخر في موضع آخر يعطيه له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذا رفض استبدالها بما عرضه عليه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من إعطائه نخلاً في الجنة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري حينما وجد سمرة مستعصيا على المصالحة ورفع الخصومة: «اذهب واقلعها وارم بها إليه فإنه رجل مضار، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام» [57] حيث قالوا: إن هذا الحكم لم يكن ناشئاً عن تشريع في نفي الضرر، وإنما هو حكم ولائي ناشئ من سلطنة النبي (صلى الله عليه وآله) في حل الخصومات الواقعة بين المسلمين وولايته على اموال الامة وانفسهم [58].

والثمرة الفقهية المترتبة على ذلك كثيرة:

 منها: أن الحكم الولائي خاص وجزئي ولا يجب فيه الاقتداء والتأسّي وإن وجبت الطاعة له في حينه؛ لكونه يرجع إلى كل مسألة مسألة وظروفها وملابساتها، كما أنه شأن الحاكم لا غير، بخلاف الحكمين الأولي والثانوي، وحيث إن المقام لا يسمح لنا للدخول في تفصيل ذلك نكتفي بالحاصل الذي ذهب إليه الأعلام ممن صنفوا الأحكام إلى ثلاثة. هذا ولكن الظاهر أن التقسيم المذكور لا يرجع إلى حاصل؛ بداهة إمكان رجوع الحكم الولائي إلى أحد الحكمين الأولين؛ لأن كل حكم ولائي لا بد وأن يرجع إلى عنوان كلي ينطبق عليه، والمثالان المذكوران يرجع الأول منهما إلى حكم كلي، وهو أن كل ما يوجب تضعيف المسلمين وكسر شوكتهم ويسبب هيمنة الأعداء عليهم يعد حكماً من المحاربة لمولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، واستعمال التنباك في تلك الظروف كان بنظر الفقيه الجامع للشرائط من مصاديق ذلك، فيحكم بهذا الحكم الولائي باتاً.

فإذا ارتفعت العلة الموجبة له يحكم بجوازه، وذلك ليس لمقام الولاية والسلطنة، بل لتبدل موضوع الحكم كما وقع كلاهما للسيد الميرزا الشيرازي الكبير(قدس سره)، وكذا الكلام فيما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقطع النخلة، فإنه (صلى الله عليه وآله) أمر بقطعها لكونه صغرى دليل لا ضرر الذي علل القلع به الظاهر في أنه عنوان كلي وانطبق المورد عليه، وكذا الكلام في حكم الفقيه برؤية الهلال فإنه ينشأ من الأخذ بالشهادة وتطبيق أدلة حجيتها على مصداقها الخاص[59].

ومثله حكم الفقيه الولائي بلزوم إعداد القوة وأخذ الاستعداد، وأخذ مقدار من الأموال زيادة عن الحقوق الشرعية في برهة من الزمن؛ لغرض الدفاع أو مجاهدة الأعداء أو تطوير البلد، فإن الحكم الكلي في جميع هذه المقامات معلوم، وهو قوله تعالى: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة}[60] أو وجوب مقدمة الواجب، أو لا ضرر، أو الأهم والمهم، وما أشبه ذلك من أدلة وعناوين يطبقها الفقيه على مواردها حينما يرى صدق الموضوع في الخارج، ويحرض الناس عليه بمقتضى وظيفته وتكليفه.

والشواهد الفقهية لما ذكرنا منتشرة في أبواب الفقه المختلفة، فمن القسم الولائي ما يدخل فيه نصب أمراء الجيوش والقضاة والموظفين في دائرة الحكومة، فإنها أحكام إنشائية في مواردها، وتحصل من تعيين الحاكم لمن توفرت فيه الصفات المعتبرة في هذه المناصب، وأحياناً يطبق الفقيه الأحكام الخاصة المتفرعة عن كبرياتها الكلية من الأحكام الأولية، كالأمر بجباية الزكاة والأخماس ووضعها في مواضعها، وإعداد القوى لحرب الأعداء، وتعيين زمان الحرب والصلح إلى غير ذلك من الموارد.

وتارة ثالثة يطبق أحكاما خاصة حاصلة من تطبيق كبريات الأحكام الثانوية على مواردها، كإيجاب العمل بما يقتضي النظام في مثل: تنظيم مرور السيارات في الشوارع داخل البلاد وخارجها، فإنها وإن كانت تتنافى مع سلطنة الناس على أنفسهم لكن مقدمة الواجب الناشئة من لزوم حفظ النفوس والدماء وأمن السبل وما أشبه ذلك تجيز للفقيه أن يطبق عليهم النظام وان خالف السلطنة فيه ما دامت المصلحة الأخرى أهم، وكتحريم بعض التجارات مع الأجانب، أو إيجاد بعض الزراعات في برهة من الزمن لكسر شوكة الاعداء، أو لمصلحة الاكتفاء الذاتي، أو لمنع تدخل الأعداء في سوق المسلمين، وحفظ نظام أرزاق الناس، والقيام بدفع غلاء الاسعار وقحط الاسواق مما يكون تركه مضرة للناس، لا سيما الفقراء ونحوهم، وقسم منها يكون لدفع ظلم الظالمين واعتداء بعض الناس على بعض، كإجبار الحاكم المحتكرين على بيع الطعام على الناس في وقت الحاجة الشديدة[61]، بل وغيره من الضروريات مع الحاجة،[62] وتعيين الأسعار فيما يحتاج إليه المجتمع عند وقوع الإجحاف من قبل بعض التجار وذوي الصناعات والحرف في التسعير وما أشبه ذلك[63].

وقد وردت الإشارة إلى كثير من هذه الأقسام في عهد مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي كتبه إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر[64]، كما له نظائر من بعض الجهات في العهود التي عهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بعض أمرائه حينما أرسلهم إلى بعض البلاد[65]، ولكن كل هذه الأحكام تدور في فلك الأحكام الكلية الإلهية التي وردت في الكتاب والسنة من الأحكام الكلية والثانوية، ولا يخرج التطبيق عن أحد هذين الحكمين، فليس للوالي حكم خاص في عرض الأحكام الإلهية يسمى بالحكم الولائي، بل له أحكام إجرائية في طولها، ولعل مراد من صنف الأحكام إلى أولية وثانوية وأضاف لها ثالثاـ وهو الأحكام الولائيةـ أراد ذلك منه[66]، لكنه ميز الحكم الولائي بالذكر لأهميته، أو للقيد التوضيحي لا الاحترازي؛ إذ ليس للحاكم حتى الفقيه التشريع وجعل الأحكام الكلية مما لم يرد في الشرع منه دليل، لكونه اجتهادا في مقابل النص، بل وليس للرسول والإمام المعصوم (عليهم السلام) ذلك، بل كل ما يقولونه هو من وحي الله وإذنه، كما قال سبحانه: {وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى}[67] وقال تبارك وتعالى: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين}[68] فدلت الأدلة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل دينه ولم يبق شيئا إلا وقد أنزل فيه حكماً حتى ارش الخدش،[69] كما لا توجد واقعة ليس فيها حكم إلهي، وفي الروايات الشريفة: «ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم إلى النار ويبعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه»[70] كما في الاحاديث المتضافرة.

ومما ذكرناه يظهر عدم الفرق الجوهري بين الحكم الولائي والأحكام التشريعية الأولية والثانوية؛ إذ الأحكام الولائية في الغالب ترجع إلى الأحكام الثانوية لكون المسائل الراجعة إلى الأحكام الولائية ترجع في الواقع إلى تشخيص الموضوع؛ لما عرفت من أنها تقع في طريق إجراء الأحكام الكلية الإلهية، بخلاف الأحكام الكلية، فوظيفة الفقيه بما انه مفت ومجتهد استنباط هذا القسم من الأحكام من الكتاب والسنة وفروعهما من الأدلة، ولكن بما أنه وال وحاكم، فمهمته تطبيق الكليات على مواردها، وهذا ليس بحكم جديد غير الحكمين الأولين.

وعليه فإن الأحكام الولائية إنما تقع في طول الأحكام الشرعية الأولية والثانوية لا في عرضها؛ لكونها في رتبة الموضوع، بينما تلك في رتبة الحكم. ومن الواضح أن تشخيص الموضوع ليس بحكم شرعي حتى يصنف الحكم الجامع للأصناف الثلاثة، وإنما الحاكم يشخّص الموضوع بحكم سلطانه وولايته بحسب موازين الشورى والرجوع إلى أهل الخبرة وما أشبه ذلك، ثم ينظر إلى الأحكام الكلية الإلهية، ويرى انطباق أي الاحكام على هذا الموضوع، وفي الجميع ينبغي أن يكون الحاكم عالماً وعارفاً بكيفية تطبيق الأحكام في مواردها، فلا يخرج عن ضوابطها وقوانينها، فيطبق الحكم الأولي في موقع الثانوي وبالعكس؛ لأنه بذلك يخرج عن الأهلية.

ومن ذلك يظهر أيضاً رجوع القرارات الإدارية التي تصدرها الدولة وأحكامها بتفاصيلها إلى الحكمين الأولين أيضاً، وليست هي حكماً رابعاً غير الولائي يقع في عرض الحكم الأولي أو الثانوي كما قد يدعى ظهوره من كلمات البعض، فإن كل ذلك يدخل تحت الكبريات الكلية في العناوين الأولية أو الثانوية، وعليه كما أن مثل صنع الخمر وبيعه محرمان في أصل الشريعة، فإذا أصدرت السلطة الإدارية في الدولة تعميماً إدارياً يمنع من صنع الخمر وبيعه واتخذت إجراءات وتدبيرات في سبيل تنفيذ ذلك فإنه يدخل تحت العناوين الأولية من باب تطبيق النص الدال على الحرمة الشامل حتى لمثل بيعه، أو يدخل في باب تعليم الجاهل، أو في باب النهي عن المنكر وما أشبه، فكذلك إذا ألزمت مؤسسات الدولة وإداراتها مزارعي العنب بأن يجففوا منه مقداراً معيناً مثلاً، أو ألزمتهم بأن يصدّروا أو لا يصدّروا العنب إلى الخارج، فهذان أمر ونهي إداريان لكنهما يدخلان تحت العناوين الأولية من وجوب حفظ النفوس، أو التنافس على الخير، أو التجارة، أو التوسعة على الناس، أو نحو ذلك، أو يدخل تحت العناوين الثانوية من الأهم والمهم، أو دفع الضرر الناشئ من عدم التجفيف أو ما أشبه ذلك.

هذا في مجال ما يقيد من سلطة الإنسان على نفسه وماله في قرارات الدولة. وكذا الكلام بالنسبة إلى قرارات الدولة في شأن الطبيعة، فإنه يظهر في الإجراءات التي تتخذها الإدارات بالنسبة إلى الطبيعة ذات الحقوق العامة، وما يسمى عادة بالمباحات الأصلية من قبيل الأراضي والمياه الجوفية والسطحية والغابات والمناجم والحياة البرية والأنهار والفضاء[71]، كما لو وضعت نظماً وقيوداً لاستعمالها وكيفية الاستعمال أو حدوده أو الانتفاع به، فإن كل ذلك لا يخلو من رجوعه إلى أحد الحكمين المذكورين.

وعليه فإنّ ما ربما يتوهم أو يتصوّر من كلمات بعض الفقهاء من وجود أحكام ولائية وأخرى إدارية فغير تام، وإنما الأحكام لا تخلو من صنفين: إما أولية وإما ثانوية، وهذا ما ينبغي على الحاكم للدولة الإسلامية معرفته حتى يكون مؤهلاً لتولي هذا المقام. هذا بعض ما يرتبط بشروط الحاكم بشخصيته الحقيقية والحقوقية بنحويها، وهناك جملة من الشروط الأخرى ترجع في مجملها إلى واحدة من الشروط المتقدمة، ولا يسعنا المجال لبيانها هنا.

....................................................

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

...................................................

[1] انظر العروة الوثقى:ج1 ص12 ؛ مستمسك العروة الوثقى: ج1 ص46 ؛ مهذب الاحكام: ج1 ص33.

[2] انظر الفقه: كتاب الاجتهاد والتقليد: ج1 ص236.

[3] الكافي: ج2 ص362 ح3 ؛ الوسائل: ج12 ص302 ح16361 باب 161 من ابواب احكام العشرة ؛ البحار: ج71 ص186-187 ح7.

[4] انظر كشف الغطاء: ج1 ص203 ؛ عوائد الايام: ص234 ؛ الوافي: ج2 ص150 ؛ القواعد والفوائد: ج1 ص229 ؛ السياسة من واقع الاسلام: ص138.

[5] انظر البحار: ج32 ص26 ؛ وفي نهج البلاغة: ص500 قصار الحكم 160 من ملك استأثر» وفي قوله سبحانه: ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها سورة النمل: الآية 34 اشارة الى ذلك.

[6] انظر الكافي: ج1 ص201 ح1.

[7] انظر المبسوط: ج8 ص88-89 ؛ الخلاف: ج6 ص233 المسألة 31؛ الجواهر: ج4 ص83-84 ؛ نهج البلاغة: ص416-421 الكتاب 45 ؛ كشف الغمة: ج1 ص181-183.

[8] نهج البلاغة: ص325 الخطبة 209 ؛ وانظر الكافي: ج1 ص410 باب سيرة الامام في نفسه وفي المطعم والملبس اذا ولي الامر.

[9] عوالي اللآلي: ج2 ص342 ح3 ؛ الكافي: ج7 ص407 ح1 ؛ الوسائل: ج27 ص19 ح33097 باب 3 من ابواب صفات القاضي.

[10] الوسائل: ج27 ص22 ح33105 باب 4 من ابواب صفات القاضي.

[11] الفقيه: ج3 ص4 ح6.

[12] الفقيه: ج3 ص5 ح14.

[13] الكافي: ج7 ص408 ح2.

[14] الوسائل: ج1 ص31-32 ح14163 وح14165 باب7 من ابواب وجوب الحج وشرائطه.

[15] المصدر نفسه: ح14164.

[16] انظر الآيتين: 278و279 من سورة البقرة.

[17] عوالي اللآلي: ج2 ص343 ح5 ؛ مستدرك الوسائل: ج17 ص359 ح21581 باب11 من ابواب كتاب القضاء.

[18] انظر سفينة البحار: ج4 ص320-321.

[19] كشف الغمة: ج1 ص180-181.

[20] نهج البلاغة: ص412 الكتاب 40.

[21] الاختصاص: ص157؛ البحار: ج40 ص113.

[22] مناقب آل ابي طالب: ج2 ص110.

[23] ـ نهج البلاغة: ص380 ـ 381 الوصية 25.

[24] البحار: ج42 ص262 -263 ح58.

[25] البحار: ج42 ص275 ح58.

[26] انظر الكافي: ج1 ص261 – 262 ح4 ؛ البحار: ج42 ص257 -259 ح58 ؛ الفقه كتاب البيع: ج4 ص271-272.

[27] سورة الكهف: الآية 110.

[28] سورة الفرقان: الآية 7.

[29] سورة يونس: الآية 14.

[30] البحار: ج21 ص142 ح5؛ الارشاد ج1 ص55 ؛ الخصال: ص562 ؛ الكامل: ج2 ص255-256 ؛ الامالي للشيخ الطوسي: ص510.

[31] سورة الاحزاب: الآية6.

[32] انظر السياسة من واقع الاسلام: ص31.

[33] سورة النساء: الآية115.

[34] نهج البلاغة: ص383 الكتاب 26.

[35] تحف العقول: ص172.

[36] الوسائل: ج27 ص140 ح33424 باب 11 من ابواب صفات القاضي.

[37] الكافي: ج8 ص 295 – 196 ح454 ؛ وانظر ص330 ح 506 ؛ وانظر مناقب آل ابي طالب: ج2 ص 57-79 ؛ البحار: ج44 ص26 ح9 ؛ كشف الغمة: ج2 ص527 ؛ البحار ج42 ص258 ح58.

[38] سورة الحج: الآية 40-41.

[39] سورة هود: الآية 88.

[40] سورة الانعام: الآية 152.

[41] انظر كشف الغطاء: ج1 ص209؛ العناوين:ج2 ص 55 – 560؛عوائد الايام:ص 555 -562.

[42] سورة الاعراف: الآية 145.

[43] مستدرك الوسائل: ج17 ص447 باب 46 من ابواب كتاب الشهادات ح21826 ؛ عوالي اللآلي: ج1 ص315 ح36 ؛ البحار ج51 ص 375 ؛ فقه الرضا: ص308.

[44] الكافي: ج7 ص198 ح2 ؛ التهذيب: ج7 ص383 ح1544.

[45] نهج البلاغة: ص79 الخطبة 34.

[46] نهج البلاغة: ص333 الخطبة 216.

[47] الكافي: ج1 ص405 ح1؛ البحار: ج27 ص 244 ح4.

[48] الكافي: ج1 ص200 ح1.

[49] انظر الكافي: ج1 ص405 باب مايجب من حق الامام على الرعية وحق الرعية على الامام.

[50] كشف المراد: ص388 ؛ تلخيص الشافي: ج1 ص59 – 61 ؛ حق اليقين: ج1 ص252.

[51] الكافي: ج1 ص408 ح3؛ التهذيب: ج4 ص144 ح403 ؛ الوسائل: ج9 ص548 ح 12686 باب 4 من ابواب الانفال ؛ المصدر نفسه: ج25 ص414 ح32246 باب 3 من ابواب احياء الموات.

[52]الكافي: ج1 ص 408-410 الاحاديث 2و 4و 6و 7و 8؛ وانظر الجواهر: ج16 ص 2-5.

[53] الفقه كتاب الحكم في الاسلام: ج99 ص 59.

[54] انظر البحار: ج42 ص 234 ح41.

[55] الحدائق الناضرة: ج21 ص343 ؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج4 ص122.

[56] انظر بيان الاصول: ج5 ص66 ؛ قاعدة لا ضرر ادلتها ومواردها: ص225ـ 227 ؛ عوالي اللآلي: ج1 ص220 ح93.

[57] الفقيه ج3 ص147 ح648 ؛ الكافي ج5 ص292 ح2 ؛ الوسائل ج25 ص427-429 ح32279 باب12 من ابواب احياء الموات؛ التهذيب ج7 ص146 ـ 147 ح651.

[58] مصباح الاصول: ج2 ص532.

[59] العروة الوثقى: ج2 ص144 -145 ؛ مستمسك العروة: ج8 ص459 ؛ عوائد الايام: ص547.

[60] سورة الانفال: الآية 60.

[61] النهاية ونكتها: ج2 ص114 – 116 ؛ الشرايع: القسم الثاني ص286 ؛ الروضة البهية: ج2 ص35 ؛ مسالك الافهام: ج3 ص191-193 ؛ المكاسب: ج4 ص363-374.

[62] المختلف: ج5 ص72 ؛ مسألة 34 ؛ الفقه كتاب البيع: ج5 ص235-236.

[63] الفقه كتاب البيع: ج5 ص230.

[64] انظر نهج البلاغة: ص426-445 الكتاب 53.

[65] السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص237.

[66] انظر قاعدة لاضرر ادلتها ومواردها: ص117.

[67] سورة النجم: الآية3.

[68] سورة الحاقة: الآية 46.

[69] التهذيب: ج10 ص228 ح899.

[70] البحار: ج67 ص96 ح3 ؛ الكافي: ج2 ص74 ح2.

[71] انظر الفقه كتاب احياء الموات: ج80 ص199-200.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تشرين الأول/2012 - 19/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م