مهمة لم تكتمل

آيدلوجية القاعدة أزمة مستعصية

علي الطالقاني

تواصل التنظيمات الارهابية الحفاظ على مكانات تواجدها واستمرارية عملياتها في أجزاء من العراق. وغير ذلك أن وجودها اصبح أمراً مألوفاً في سعي لأن يكون ذلك الوجود محورياً واستراتيجيا من أجل مستقبلها.

كما ان التنظيمات الارهابية ومنها تنظيم القاعدة الذي يعد وجوده الأبرز على الساحة العراقية يعمل على حث طبقات محرومة ومهمشة ومحبطة سياسياً واقتصادياً عبر أساليب توجيهية مما يشكل خطراً مستقبلياً على المنطقة.

ونتيجة لذلك تمكنت التنظيمات الارهابية من ملء الفراغ وزيادة نفوذها في بعض المناطق في ظل غياب التطور الميداني للقوات الأمنية.

وبموت واعتقال عدد من قادة التنظيم حدث تشظ لتتشكل مجاميع متعدد لها قيادات جديدة تعمل بطرق واستراتيجيات مختلفة، فهناك مجاميع صغيرة تستغل الفجوات السياسية وتعمل بالتنسيق مع قوى مؤثرة في الساحة العراقية من أجل تنفيذ أجندات معينة كما انها يصعب تعقبها وتحديد هويتها.

ويرى خبراء بشؤون الارهاب ومنهم أندرو ليبمان وهو مستشار رفيع المستوى لشؤون مكافحة الإرهاب للرئيس باراك أوباما بأن أي تنبؤات عن سقوط القاعدة تبدو سابقة لأوانها.

فإن المهمة لم تكتمل بعد، لم تهزم القاعدة استراتيجياً. سوف نكون قد أتممنا المهمة حين لا يكون لايديولوجية بن لادن الجهادية العالمية أي صدى على الإطلاق. وأعتقد أننا بعيدون كل البعد عن ذلك. حسب قوله.

من هنا نستنتج ان التنظيمات الارهابية تعمل على انتهاز فرص جديدة مستغلة الثغرات الأمنية والنزاعات السياسية. وعليه فينبغي على الأجهزة الأمنية العمل بطرق أكثر تطوراً عبر استراتيجية جديدة وصياغة رؤية وسياسة واضحة من أجل تفادي التهديد الحاضر.

ورغم ما تعمل عليه القوات الأمنية من خطط مكشوفة وكلاسيكية إلا أنه يبقى ذلك تكتيك غير استراتيجي. ويبقى الأمر مرهونا بقدرة القوات الأمنية على اختراق المجاميع الارهابية وتفكيك خلاياها.

وفي الوضع الحالي فان ما هو مطلوب من الحكومة العراقية أن تفهم جيدا ما يدور، وان ترد بسرعة وبقوة. ويجب على الإدارة الأمنية تجنب غمرة فرح الإنجازات الأمنية الحالية لأن ما يواجه العراق من تحديات وازهاق للأرواح يومياً ما هو إلا نذير صراع دامي بين من يريد ان يصبح العراق دولة متقدمة وفق المنظور الحضاري وبين من يريد من العراق ان يكون محطة لانطلاق اجندات معينة.

ومنذ ان ضرب الارهاب مدن متعددة في العراق اعتمد بعض القادة الأمنيين على اتباع نهج سلبي غير مبالي وتصوير الأمر إنه ارهاب محلي يقع في منطقة ما ويترك أخرى مما جعل من بعض القادة الأمنيين غير مهتمين بما يحدث في مناطق غير مناطقهم. ويمكن كشف هذا من خلال عدم اكتراث مدينة معينة عندما يضرب الارهاب مدينة أخرى.

بدوره يرى الخبير في شؤون الارهاب ميري هابيك بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن القاعدة تصير محل اهتمام عندما تهدد باغتصاب دور الحكومات المحلية بطريقة تعزز طموحاتها العالمية.

ويضيف ميري هابيك أن الهجمات التي تشنها القاعدة هي ببساطة وسيلة لتحقيق الهدف الرئيس للجماعة، وهو ترسيخ نفسها... على مستوى العالم.

من هنا يتطلب من الأجهزة الأمنية ان تعمل بشكل جاد وان لا تفقد الأمل في السيطرة على الوضع الأمني الخطير وان لا تفقد الثقة بقدراتها، كما يجب ان تكون هناك ردود فعل مدروسة فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها القوات الأمنية، وتحقيق أهداف استراتيجية في المستقبل عبر السيطرة على المنافذ الحدودية وعقد اتفاقات دولية جادة وحازمة من أجل حماية مصالح العراق.

ويمكن للقادة السياسيين منع اندلاع ازمات سياسية أخرى تهز العراق بعد ان يكون هناك فهم واضح للتحديات التي تواجه البلد واجراء اصلاحات سياسية واقتصادية، فان التنظيمات الارهابية تعيش في اجواء تشجعها على فعل الجرائم التي عجزت القوى الأمنية من السيطرة عليها.

وما يحدث من اختراقات كبيرة وعدم الرد المناسب أمر سيزيد من الانتهاكات وقد يؤدي ذلك الى عنف كبير ضد الحكومة والمدنيين. ويتطلب من الحكومة العراقية وبمساندة حلفاؤها تقاسم المعلومات الاستخبارية عن الحركات الارهابية.

يقول خبير شؤون الارهاب ماثيو ليفيت بالملخص التنفيذي لبرنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن إن تبادل المعلومات بصورة فعالة وفي الوقت المناسب من خلال التعاون بين الحكومات المحلية والمركزية هو أمر بالغ الأهمية على وجه الخصوص. فالسلطات المحلية هي في أفضل موقع للتعرف على أي نشاط مشبوه في قطاعاتها السكانية، في حين ان وضع هذه المعلومات في سياق أوسع يتضمن دروس مستفادة من خلال الحوار الدبلوماسي الخارجي وجمع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بقدرات ونوايا الجماعات الإرهابية.

لكن من نقاط الضعف الحالية هناك شبه غياب للسلطة المركزية وهناك سلطات محلية تتقوى بها تنظيمات القاعدة مستغلة النزاعات الطائفية والسياسية والأمنية.

كما لا يخفى ان هناك مسؤولية تقع على عاتق العرب والمسلمين لأن ما وقع من أعمال عنف كان ضمن المدن العربية والاسلامية وباسم الاسلام، فان تقويم المناهج الدراسية وتقويم الفكر ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح ونبذ العنف كل ذلك عوامل تساعد من أجل التخلص من الارهاب.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/أيلول/2012 - 8/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م