السقوط... نهاية الحكومات القمعية

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتساءل الناس احيان لماذا تسقط هذه الحكومة ورئيسها، وتنجح حكومة اخرى ويطالب الشعب ببقاء الرئيس في منصبه؟ هذا التساؤل على بساطته لكنه يختصر الفرق الشاسع بين الحكومة التي يختارها الشعب ويرضى بها، وبين الحكومة التي تفرض نفسها على الشعب بالقوة الغاشمة.

من هنا يكون الفرق بين الحكومتين والحاكميْن كبيرا جدا، ليس من حيث القمع والحرية فحسب، إنما ينسحب الفرق ويتسع ليشمل معظم ميادين الحياة، فاذا وجدت اقتصادا قويا في دولة ما ستجد ان حكومتها ناجحة والعكس يصح تماما، وهكذا بالنسبة للامور والجوانب الحياتية الاخرى.

لماذا تسقط الحكومة

هناك اسباب مباشرة واخرى غير مباشرة تسهم في اسقاط الحكام وحكوماتهم، على حين غرة، على الرغم مما كان يتوقعه لها المراقبون من ديمومة في الحكم، وحين يبحث المراقب المختص في الاسباب التي تقف وراء هذا التفاوت في اعمار الحكومات، سيصل الى عدة اسباب رئيسة تسهم بشكل او آخر في اطالة او تقصير أعمار الحكومات، وهناك سبب ربما يكون الأهم أو الأكثر تأثيرا في هذا الجانب، فالعدل على سبيل المثال هو الداعم الأمثل لاستقرار الحكومات وديمومتها، وبخلافه سيحدث العكس كما تذكر لنا الوقائع على امتداد التأريخ السياسي، فالظلم والقهر والتهميش عوامل تسهم بشكل او بآخر في زعزعة الحكومة، غير أن العامل الأكثر تأثيرا في هذا الجانب هو تلويث صورة الدولة وحكومتها بالدم.

ويُقصد بذلك اذا تجبَّرت الحكومة وشرعت بتقتيل الناس تحت شتى الاسباب وربما لأبسطها، حيث تجعل من الاسباب التافهة دوافع لتكميم الافواه المعارضة لها من خلال إلصاق التهم المجانية بها ثم تذهب بالناس الى حبال المشانق ومنصات الاعدام.

وفي هذا الصدد يحذر الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) من تلويث الحكومات بالدم لاسيما تلك التي تتولد عن ثورات مناهضة لحكومات ظالمة سبقتها، فيقول: (ان الحكم الذي يوغل في قتل الناس ويتورط في دمائهم يبدأ العد العكسي لسقوطه، فإن الناس لا يصبرون على قتل أولادهم وإخوانهم وآبائهم وذويهم وأصدقائهم فيأخذون في ذم القاتل وترصد عثراته وينصرفون إلى هدم كيانه وإسقاط شرعيته وإثارة الرأي العام ضده فالحكم الذي لا يقوم على ولاء الشعب يفقد مقومات البقاء.

وسقوط الحاكم المتلوثة يده بدماء شعبه يبدأ من جرائم متناثرة.. فقتل هنا وقتل هناك وهكذا تتراكم حتى يسقط الحكم ).

مراعاة حقوق الشعب

ويمكن أن نلاحظ في هذا الجانب إمكانية ان تتخذ الحكومة - لاسيما الثائرة على حكومة سابقة ظالمة - من عامة الشعب رصيدا ساندا لها بدلا من معاداتها ومن ثم اسقاطها، حيث ان مراعاة حقوق الشعب والأخذ بيده نحو الحرية والتقدم والاعتداد بالنفس سيشكل دعامة اساسية لتقوية عناصر الحكم، في حين ان التجبّر والظلم وعدم المساواة بين مكونات الشعب ستؤدي حتما الى حدوث اضطرابات وإن بدأت قليلة وغير ذات اهمية لكنها ستكون الشرارة التي تولد حريقا كبيرا يأتي على الحكومة الظالمة وكل من يسندها.

وفي هذا الجانب يقول الامام الشيرازي: (إذا تبنت الدولة قتل الأفراد تحت ستار أنها من فئة معينة تختلف معها، أو من حزب سياسي أو جماعة دينية أو مجموعات انخرطت في تجارة السلاح أو المواد المخدرة أو ما أشبه ذلك حيث إن هذه الجرائم والمجازر وإن حصلت تحت مظلة القانون عبر تشكيل المحاكم الصورية التي ظاهرها القانون والعدالة وحفظ النظام وباطنها تعبيد الطريق للحاكم وأعوانه وتثبيتهم في الحكم أكثر فأكثر... كما يتوهمون.

ومن المعلوم، أن ذلك من أكبر معاول هدم الدولة، إذ إن الدولة تحتاج إلى أكثر قدر من الالتفاف الشعبي والشرعي حولها ومعاونتها والدفاع عنها.. فإذا لم يتحقق ذلك كانت في طريق الزوال فكيف إذا انقلب الأمر فصار الأعوان أعداءً والأنصار خصماء).

ويضيف الامام في هذا الجانب قائلا: (وقد رأيت أنا دولاً، وكما يتحدث التاريخ عن إمبراطوريات ودول، كانت فيها مقومات البقاء مئات السنين إلا أنها قلصت أعمارها لسنوات معدودات فقط لشهوتها في قتل الناس وولوغها في دمائهم).

إن هذه الشواهد تؤكد على ان منطق القوة غير المحسوبة او غير العادلة سيقود الى انهاك الحكومة واركان الدولة في آن واحد، وسيجعل من زوالها أمرا محتوما، بسبب الاخطاء القاتلة التي ستقع فيها، ولعل في ذلك دروس وعبر لمن يرغب من الحكومات بالافادة من اخطاء الغير.

بناء التجربة الديمقراطية

لاشك ان بناء التجربة الديمقراطية المتحررة نظريا وفعليا، يتطلب سلسلة من الاشتغالات التنظيمية الفكرية والعملية، حتى يترسخ هذا المنهج في حياة الناس وتصبح الديمقراطية سلوكا يوميا مقبولا ومعمولا به من لدن الجميع، أي يشترك في الطبائع التي يتطبع عليها افراد المجتمع، وحين تصل الحرية الى مصاف العمل المعتاد والمنظم عند الجميع، حينذاك تصبح الحرية منهجا حياتيا للشعب او الامة، أما بخصوص العراق وحكومته الحالية او الحكومات المقبلة، فهي ايضا مشمولة بوضع هذه الامور نصب أعينها، نعم نحن نبني تجربة ديمقراطية تؤكد على التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، لكن تبقى النوازع الفردية لمن يتصدر دفة الحكم هي مصدر القلق أو زواله بهذا الخصوص، فلربما تكون النزعة الفردية للحكم الأعلى أقوى من الديمقراطية على سبيل المثال، عند ذاك فإن هذا العامل سيشكل خطورة على الحكومة القائمة بل على التجربة الديمقراطية برمتها، وهنا يتوجب التعامل القانوني المنطقي مع الاخطاء التي قد تقع بسبب الجهل او الاهمال، وفي هذا يقول الامام الشيرازي: (إذا اضطرت الدولة إلى استخدام القوة في تطبيق القانون فاللازم أن لا يعدو ذلك السجن في الموارد الخاصة القليلة جداً وبعض الغرامات البسيطة وذلك عبر المحاكم الشرعية والإنسانية التي توفر جميع الضمانات الحقوقية لإجراء العدالة).

إن مثل هذا السلوك المتوازن من لدن الحكومات مع الشعب، سيؤدي الى إطالة أعمارها حتما، أما تلك الحكومات صاحبة الاعمار القصيرة فإنها بأفعالها واجراءاتها الفردية العشوائية الظالمة، قادت نفسها الى مصير الهلاك وصنعت بنفسها صيتها السيّئ في سجل التأريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيلول/2012 - 22/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م