جرائم المعلوماتية... وصديقي

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احد اصدقائي من الاسرة الصحفية، وعلى ضوء احد التقارير، التي تذكرنا بتقارير الحقبة البعثية السابقة، متهم بالتعاون مع القطريين.. لا اعرف اوجه هذا التعاون التي ادعاها كاتب التقرير، لكني اعرف ان صديقي لا يمتلك حتى الان قطعة ارض يبني عليها بيتا صغيرا له ولعائلته، ولم اشاهده يقود سيارة حديثة كاملة الاوصاف من موديلات السنة الحالية، انه يقود السايبة الايرانية والتي تعود الى المؤسسة التي يعمل فيها.

وصديقي بعد هذا وذاك، يكتب ضد كل ماهو قطري وسعودي وتركي انطلاقا من حبه للعراق، ولم اقرأ له يوما مديحا لحاكم قطر او وزير خارجيته او حتى زوجته، وهو لا يكتفي بمطاردة القطريين بمقالاته بل يتعدى ذلك الى صفحته في الفيس بوك.

لا ادري ماهي حيثيات هذا الاتهام لهذا الصديق من قبل كاتب التقرير السري، لكني اعرف واعلم انه جزء من الكيديات التي يزخر بها الوسط الصحفي العراقي، في محاولة لاعادة العمل بالمخبر السري السيء الصيت الذي عرفناه قبل فترة سابقة وعودة الى التذكير بثقافة بعثية نحاول تجاوزها ونسيانها.. وهي ايضا لها علاقة ربما بقانون جرائم المعلوماتية الذي لم ير النور لحد الان والذي قوبل بالرفض الشديد من قبل المثقفين العراقيين ومنظمات حقوق الانسان العراقية والعالمية لما فيه من فقرات لاتترك اي هامش لحرية التعبير الالكتروني.

في احدث تصريح من منطلق هاجس المؤامرة العروبي الشهير كشف النائب عن كتلة الاحرارالنيابية محمد رضا الخفاجي عن خطورة مرور الكابل الضوئي للانترنت القادم من اوربا الى العراق. ووصف هذا الخط بأنه(الجاسوس العالمي الجديد الذي يمكنه من كشف جميع المكالمات والرسائل في البلد).

واوضح أن(المخابرات الامريكية رفعت تقريرها الذي كان يحمل مخاوف من امتلاك ايران من مجسات ذات تقنية عالية تمكنها من اختراق الالياف الضوئية لهذا الخط، ويمكنها من التنصت على المكالمات ورصد الرسائل الالكترونية التي تمر عبره، لذا قامت امريكا بتحويل مرور هذا الخط عبر الاراضي العراقية).

الكلام اعلاه بهواجسه تلك ينسجم مع تلك الصياغات الغامضة لقانون جرائم المعلوماتية العراقي والذي صدرت مسودة هذا القانون كتشريع لمكافحة الجرائم المعلوماتية من قبل المجلس الرئاسي العراقي في أيلول 2011، مع تعليل أسباب صدورها كحرص من الحكومة على الارتقاء بالمستوى الرقابي واحتواء وتقويض جرائم المعلوماتية ونظم الحاسوب ولتوفير الحماية القانونية لنظم الحاسوب التي تعمل الدولة على تشجيع الاعتماد عليها في الأنشطة كافة. وجاءت هذه المسودة من خلال الإطلاع والاستفادة من القوانين التي تتناول الجرائم المعلوماتية كالقانون الأميركي والبريطاني والإماراتي والأردني والتونسي والفرنسي, بغض النظر عن سلبيات هذه القوانين والانتقادات الدولية التي وجهت للكثير منها، مثل القانون الأمريكي. وقد قرر مجلس الوزراء الموافقة على مشروع قانون جرائم المعلوماتية المُدقق من قِبل مجلس شورى الدولة وإحالته إلى مجلس النواب استنادا إلى أحكام المادتين (61/البند أولاً و80/البند ثانياً) من الدستور، مع الأخذ بنظر الاعتبار رأي اللجنة القانونية في الأمانة العامة لمجلسِ الوزراء والملاحظات المطروحة من قِبل السادة الوزراء.

يذكر ان مشروع القانون تمت قراءته مرتين في البرلمان العراقي، وطالبت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب بتوضيح وتفصيل العديد من الفقرات "المبهمة" في قانون الجرائم المعلوماتية، مبدية "تحفظها" على حجم العقوبات المقترحة في القانون، مبينة أن هذا القانون يتضمن الكثير من العبارات والمفردات الفضفاضة التي تتيح للسلطة التنفيذية أن تفسرها كما تشاء، وبشكل مخالف لمبادئ حقوق الإنسان التي اقرها الدستور العراقي.

وكان مقرر لجنة الأمن والدفاع النيابية قاسم الأعرجي قد بيّن، في وقت سابق، إن "من بين أهم التعديلات على قانون الجرائم المعلوماتية، التي طالبت بها الكتل السياسية، هي تخفيف العقوبات الواردة ضمن مسودة مشروع القانون بحق مرتكبي جرائم المعلوماتية التي تتعلق بمدد عقوبات السجن والغرامات المالية". مضيفاً انه "يجب ضمانة ألا يعرض القانون الحريات وحقوق الإنسان للانتهاك أو التجاوز"، وشدد على "ضرورة الإسراع بإقرار هذا القانون للحاجة الراهنة إليه".

الأستاذ الجامعي ومدرس مادة الديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة القادسية جبار عليوي بين إن القانون لم ينشر في وسائل الإعلام فكان من الصعب الاطلاع على مضمونه وهذا الأمر بحد ذاته يشكل خللاً في عملية التشريع، فيجب أن يكون هناك إشراك جماهيري واسع في مناقشة مواد هذا القانون، خاصة وهناك جهل واسع في مجال الثقافة القانونية داخل الأوساط المجتمعية. ومن المواد التي نرى فيها غموضاً ومغالاة واضحة في فرض العقوبات هي المادة (4) من مشروع قانون الجرائم المعلوماتية، التي تعتبر من المواد المبهمة وذات ضبابية واضحة بأن: "يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن (25000000) خمسة وعشرين مليون دينار ولا تزيد على (50000000) خمسين مليون دينار كل من أنشأ أو أدار موقعاً على شبكة المعلومات بقصد ارتكاب إحدى الأفعال الآتية: أولاـ تنفيذ برامج أو أفكار مخالفة للنظام العام أو الترويج لها أو تسهيل تنفيذها". أما المادة (6) فتنص: "يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن (25000000) خمسة وعشرين مليون دينار ولا تزيد على (50000000) خمسين مليون دينار كل من استخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد ارتكاب إحدى الأفعال الآتية: أولا: إشاعة الفوضى بقصد إضعاف الثقة بالنظام الالكتروني للدولة".

ثانيا: إثارة العصيان المسلح أو التهديد بذلك أو الترويج له أو إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو الفتن أو تكدير الأمن والنظام العام أو الإساءة إلى سمعة البلاد".

وأشار عليوي إلى أن العقوبة المحددة هي عقوبة شديدة جدا ولا تتناسب مع خطورة الأفعال خصوصا إن القانون لم يوضح المقصود بمصطلح النظام العام وهو مصطلح مرن ومطاط، والقانون بصيغته الحالية يمثل تحديداً واضحاً لحرية التعبير المضمونة للمواطنين في نص المادة 38 من الدستور العراقي. مؤكدا أن هذه المواد وغيرها بحاجة إلى المزيد من التعديلات بشكل يتواءم مع احترام حرية الفرد في التعبير وإبداء الرأي.

وكانت أول الجهات المعترضة هي منظمة (هيومن رايت ووتش) حيث وصفت مشروع القانون هذا بأن من شأنه ان يعطي السلطات العراقية وسيلة جديدة لقمع المعارضة، ولاسيما على الانترنت الذي بات عدد متزايد من الصحافيين والناشطين يستخدمونه للحصول على المعلومات ومناقشتها بصورة مفتوحة".

وقالت هيومن رايت ووتش في بيانها "نظرا للغموض واتساع هذه النصوص، فضلا عن شدة العقوبة عن الانتهاكات، فان السلطات قد تستخدم القانون لمعاقبة اي تعبير تدعي انه يشكل تهديدا لبعض المصالح الحكومية والدينية، أو الاجتماعية".

فما معنى القول بعقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة لمن ينشر معلومات أو مقالات أو وثائق تعمل على النيل من استقلال ووحدة وسلامة البلاد ومصالحها العليا أو مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية.

فمن هي الجهة التي ستفصل في (مقال) يحتمل معنيين أو ثلاثة معانٍ ومَنْ يَفصل في (كاريكاتير)م يراه أحدهم مهينا للسلطة أو لرؤوسها؟؟ أو مقال ساخر ضمن أدب السخرية الذي تنفتح عليه شهية عشرات الكتاب كلما نظروا إلى مآسي ما يجري في بغداد والمحافظات.

إن فتح باب الاجتهاد في التفسير والتأويل والرضا والسخط على درجة من السعة المخيفة، والتأويل المبالغ فيه؟ فقد حذرت الهيومان رايتس ووتج من إمكانية استخدام القانون في "قمع الانتقادات المشروعة أو التجي السلمي للمسؤولين الحكوميين أو الدينيين او السياسيين".

مرصد الحريات الصحفية في العراق وصف مشروع قانون جرائم المعلوماتية المقدم من الحكومة العراقية الى البرلمان والذي يقضي بالسجن مدى الحياة على مستخدمي النشر عبر شبكة الانترنت لأسباب غير محددة، بانه ينتهك القوانين الدولية لحرية التعبير كما ينتهك الدستور العراقي ويكمم الافواه. وترى بأن الهدف من القانون هو تكميم الافواه ونصب فخاخ لفقرات الدستور الخاصة بحرية الرأي، رغم ضيقها لاصطيادها ومصادرتها بواسطة القانون الجديد اذا تم اقراره.

ان مشروع القانون الجديد اذا اقر سوف يفرض الانغلاق على المجتمع العراقي ويحول شبكة الانترنيت الى وسيلة اعلامية بيد السلطة. فيما تستمر عمليات التنصت على محادثات الهواتف الجوالة ورسائلها.

 وكانت الولايات المتحدة قد زودت الحكومة العراقية بنظم متطورة للتنصت على شبكات الاتصالات تحت ذريعة انه يستهدف المساعدة في مكافحة الارهاب. ومن شأن النظام ان يسمح لمسؤولين عراقيين بمراقبة وتخزين المكالمات الصوتية وعمليات نقل البيانات والرسائل النصية، ويتمتع الجهاز الجديد بقدرة استهداف 5000 هاتف على الاقل، بحيث يتمكن من تغطية انظمة الهواتف المعتمدة على خطوط ارضية والاتصالات الهاتفية الدولية.

وقد سبق أن تحدث الميجر جنرال جيفري بيوكانن، المتحدث الرسمي باسم القوات الامريكية في العراق، عن ذلك النظام، وقال: ان معدات النظام ستكون شبيهة بالتقنية المستخدمة من قبل وكالات فيدرالية واخرى معنية بفرض القانون في الولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/أيلول/2012 - 14/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م