تنبيه الغفلان إلى فتنة الإخوان

ياسر الحراق الحسني

الإخوان في مصر اليوم نجحوا في ضمان مناصب لكوادرهم كما نجحوا في الحصول على دور سياسي أدنى لا يتعدى في حقيقته دور تصريف الأعمال. دور رخيص باع به الإخوان مطالب تعزيز الديموقراطية والمساواة في وقت يعيش فيه الشعب المصري حالة إقتصادية وحقوقية أقرب إلى النكبة في تداعياتها. ولا تخلو الدعاية الإخوانية ومواقف انصارهم من الذين عقدوا الآمال على الحلم الخلافوي من خطابات تبريرية بحيث أصبحنا نسمع ممن عهدنا منهم جنبلاطية المواقف حديثاً عن البراجماتية في السياسة، بعدما كانوا يلقون على العوام خطب الجهاد والزحف الإخونجي إلى القدس وتركيع امريكا. إذا كان الحديث عن مثل هذا من الناحية السياسية سبق أن تطرقنا له في محله آنفاً، فهذه الورقة تتطرق إلى تجليات فتنة الإخوان في المجتمع المصري، لنكون بذلك قد اضفنا إلى الجانب السياسي جانباً إجتماعياً يعزز نقل الصورة الحقيقية لحالة مصر في عصر الإمتداد الإجتماعي والسياسي للإخوان.

فتنة جهاد الصناديق وطاعة الخليفة

جهاد الصناديق في ثقافة الإخوان ليس إيماناً بالديموقراطية، ولكنه تكتيك يتم فيه إستعمال آلية ديموقراطية من أجل السيطرة على الحكم. ولأجل هذا لا تجد مثلاً عالماً إخونجياً يدعو الشعب المصري للإنتخاب أو يدعو مثلاً أنصار جماعته للمشاركة والتصويت لصالحها، لكن الذي تجده في عالم الإخوان هو فتاوى تجعل من إنتخاب شخص معين واجباً شرعياً ما يجعل التصويت ضدهم مخالفة لأمر الله.

ومما شاع من فتاوي في هذا الصدد فتوى حازم شومان المشهورة بأن إنتخاب صلاح أبو إسماعيل جهاد في سبيل الله، وكون من يستشهد اثناء مشاركته في حملة الشيخ الانتخابية له الجنة. وكذلك تجد فتوى مشهورة أخرى لطلعت زهران الذي ذهب أبعد من ذلك وأفتى بوجوب تزوير الإنتخابات في مقابل تزوير الحكومات الماضية لأجل إعادة الامور إلى نصابها. وهذا ليس صيداً في الحالات الناذرة من عالم الإخوان وانما هو تعبير عما ينطلي عليهم قاطبةً. ولعل فتوى يوسف القرضاوي بإعتباره أحد أوتاد حركة الإخوان العالمية بوجوب إنتخاب الإسلاميين الذين يواجهون "الفلول" كما قال دليل لتأكيد ما تقدم. الثقافة التي يريد الإخوان تعميمها هي التمهيد لخلافة يكون أول الراشدين فيها مرسي. فقد جاء في صريح قول الدكتور محمود عبد الله بكار إمام وخطيب مسجد عمر بن عبد العزيز الكائن أمام قصر الاتحادية بمصر الجديدة للمصلين كون الرئيس مرسي له في أعناق الرعية بيعة تلزمهم بالسمع والطاعة، وذلك في خطبة الجمعة بتاريخ 10/08/2012.

جمع الأصوات وتفريق المجتمع

ما تقدم ذكره حول انحشار الشيوخ النفعيين بإسم الله زوراً للسيطرة على قرارات المواطنين المؤمنين، وإستعمالهم للدين في توجيه الناس سياسياً له عواقب اجتماعية مباشرة وأخرى غير مباشرة. وإذا كان الحديث عن الغير مباشر من العواقب يعد ضرباً من التحدث في المستقبليات مما يستوجب بحثاً خاصاً، فيكفينا إذن التطرق هاهنا للمباشر من العواقب مما لامس أرض الواقع وترك الأثر البالغ على المجتمع. فهذه بعض النماذج:

- ذكرت صحيفة الوطن (16-6-2012) أن أحد مؤيدي مرسي وإسمه عبد الرحمن رمضان سيد أحمد- 26 سنة -طعن المواطن السيد السيد عبد الحليم- 50 سنة- فلاح، لقيامه بوضع صورة الفريق أحمد شفيق على دراجته البخارية بقرية الطوابرة.

- ذكرت قناة العربية (24-6-2012) أن أحد مؤيدي مرسي قام بضرب زوجه الحامل إلى أن فارقت الحياة بعد علمه بأنها لم تصوت لصالح الإخوان.

- نقلت روسيا اليوم ( 18-6-2012) أن أحد أنصار مرسي قام بضرب والدته بعدما علم أنها لم تصوت لصالح الإخوان.

-نقلت روسيا اليوم ( 18-6-2012) أن أحد أنصار مرسي قام بتطليق زوجه بعدما عالم أنها لم تصوت لصالح الإخوان.

من الملاحظ أن كل هذه الأحداث ونظيراتها حدثت في ظرف زمني متقارب جداً وهوما يبعث عن التساؤل عما إذا كان كبار الجماعة عمموا بين انصارهم فتوى جهادية في جميع أنحاء مصر استنفاراً من أجل انجاح مرسي بأي ثمن بإعتبار ذلك من أمر الله. وهذا لا يستبعد لثلاث أمور أولها يتمثل في وجود الفتاوي الآخذة لهذا المنحى، والثاني يتمثل في ظرفية الأحداث الزمنية، والأمر الثالث غياب التشجيب والإستنكار من طرف الجماعة.

ثقافة القمع بمختلف الوسائل

من بركات صعود التيار الاخونجي تعرض وجهة النظر المخالفة له للقمع بمختلف الوسائل ومتنوعها، قمع يبدأ بالإعلام ولا ينتهي عنده. فقد اوردت صحيفة الإي إن إن (11/8/2012) خبر تدخل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين لدى جريدة الأهرام لإلغاء باب "100 يوم من الوعود الرئاسية" الخاص بوعود مرسى رئيس الجمهورية. كما اوردت صحيفة المصري اليوم (11-8-2012) خبر إرسال الداخلية لتابعين لها لمصادرة صحيفة الدستور من مطابع الجمهورية. ينضاف إلى هذا قمع الشيعة كما في قضية الأستاذ أحمد عصفور والإستخدام المفرط والعشوائي للقوة كما في قصف الجيش لمنازل الأهالي في سيناء بمنطقة لم تحدث فيها أي اشتباكات تعرضت لقصف عشوائي سبب اضراراً ورعباً لدى الأهالي.

ولا يستثنى من أدوات القمع الإخونجي ميليشيات السلاح الأبيض التي نقلت في شأنها شبكة أصوات (9/8/2012) القيام بهجوم همجي على أفراد معارضين للرئيس أمام الباب الخلفي لقصر الاتحادية الرئاسي بدون تدخل من الجهات الأمنية التي اكتفت بدفع تعزيزات أمام بوابة القصر الأمامية. ودخل معارضو الإخوان إلى مسجد عمر بن عبد العزيز للاحتماء به من بطش الإخوان، وتواصلت الاشتباكات بين أشخاص تضامنوا مع المعارضين، وقام شباب الإخوان بسحل وضرب عدد منهم في عرض الشارع مما أدى ذلك إلى وفاة ثلاثة متظاهرين. وهناك مشاهد مشابهة لا متسع لذكرها هاهنا من قبيل قيام ميليشيات السلاح الأبيض الداعمة للإخوان بتنفيذ أعمال ارهابية مماثلة ضد الأقباط والتهديد كذلك بتفجير أي نشاط للمصريين الشيعة من دون أي بيان رسمي يستنكر مثل هذه التوجهات. وهذا ما يؤكد كون مثل هذه التوجهات العنيفة والمتطرفة تحظى بدعم المكنة السياسية للإخوان في مصر.

في الختام أشير إلى شيء قد يؤدي إلى الإشتباه، ألا وهو تعارض القول بخضوع الإخوان لهيمنة العسكر مع القول بتمهيدهم للحكم الخلافوي. ولعل الذي يرفع الشبهة هو الحديث عن انشغالهم بالتمهيد والذي يعطي رؤيا واضحة حول المرحلة الحالية التي لم تتوج بعد بالتمكين. فإذا كان العسكر هم أصحاب القرار المهم، فإن الإخوان ومن خلال دورهم الأدنى في الواجهة الشعبية يهيئون ما استطاعوا للتمكن من إتخاذ القرارات المهمة عبر إستعراض القوة الجماهيرية كما في جماعات الدعم الممارسة للتهديد والعنف على مستوى الشارع، وكذلك عن طريق التغلغل في الإعلام عبر تعيينات مدراء التحرير والضغط على وسائل الإعلام. وسبق أن أصدرت الصحف المصرية بهذا الخصوص نشرات تحتوي على مساحات بيضاء وبدون مقالات احتجاجا على تعيينات رؤساء التحرير وسيطرة الإخوان على الإعلام. هذا إضافة إلى ممارسة سياسة المنبر والفتاوي كما سبق أن ذكرنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آب/2012 - 25/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م