الصعود المفاجئ للنازية الجديدة في أوربا

(1)

علي الأسدي

تعاني الحركة الشيوعية في العالم خاصة واليسارية عامة انكماشا وتشرذما لم يتوقف منذ ما قبل التسعينيات، وازدادت وتيرته سوء بعد ذلك مع بدء انهيار المنظومة الاشتراكية في أوربا. لقد كتب الكثير عن هذه الظاهرة تقييما وتقويما ونقدا، وما يزال سيل الكتابات مستمرا بينما لا توجد اي مؤشرات على تعافيها وصعودها من جديد. بنفس الوقت وعلى النقيض من ذلك تحرز النازية الجديدة مواقع مهمة في الواقع السياسي في أوربا وفي مناطق أخرى، وتنتقل القوى اليمينية المتطرفة من العمل في الخفاء الى النشاط السياسي العلني وتحتل مواقع متقدمة في البرلمانات الأوربية وحكوماتها ووسائل اعلامها.

ظاهرة خطيرة كهذه يجب أن تثير الانتباه، وتخضع للمحاسبة الصارمة وتحذير الرأي العام من أخطارها، فمن غير المعقول أن تمر النازية من جديد بعد كل ما سببته من كوارث لشعوب العالم في الحرب العالمية الثانية.

ففي اليونان كوفئ الحزب النازي الجديد " الفجر الذهبي " بـ 7% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وهي مكافئة ينالها لأول مرة منذ قيامه.(1) وحال اعلان فوز الحزب توعد رئيسه ميخاولولياكوس المهاجرين الأجانب المقيمين مؤقتا أو بصفة دائمة بأنهم سيجبرون على القيام بأعمال شاقة اذا لم يتركوا اليونان ذاتيا، وسيطردون من المستشفيات والمدارس. فهل هذا ما كان ينتظره اليونانيون من قادة أحزابهم في وقت تتحول ملايين من أبنائهم الى فقراء بسبب سياسة التقشف التي قادتها حكوماته البرجوازية ذات السجل السيئ في الادارة الاقتصادية للبلاد. لقد شعر بالرعب من هذا الصعود الأقليات اليونانية وبخاصة اليونانيون اليهود والمهاجرون من جنسيات عربية واسلامية ممن تدفقوا اليها من الدول المجاورة لأسباب سياسية واقتصادية.

 لقد عبرت عن مخاوفها الجدية من هذا التطور الخطير المنظمة الممثلة للأقلية اليهودية في اليونان والبالغ عددها حوالي 5000 مواطن يهودي. ومع أن الحزب النازي لم يطلق استفزازاته تجاه اليهود، لكن تعزيز موقعه في البرلمان سيرفع من وتيرة العداء للأقليات بما فيهم اليهود، فتاريخ النازية ملطخ بدماء ملايين اليهود من مختلف الجنسيات. كان قد صرح رئيس الفجر الذهبي أنها البداية اشارة الى تطلعاته المستقبلية كقوة لها تأثيرها في اعادة بناء سياسة الحكومة اليونانية الجديدة من منظور الفكر الفاشي الجديد. وبالفعل قامت السلطات اليونانية من الجيش والشرطة في الأيام القليلة الماضية بالقاء القبض على 6000 مواطن اجنبي يقيمون بصورة شرعية أو غير شرعية في البلاد، 1600 منهم سيسفرون فورا الى بلدانهم، وسيبت بمصير الآخرين لاحقا.(2)

 قيام الحكومة اليونانية الجديدة بهذا الاجراء الآن بالذات،لا يمكن تفسيره بغير كونه هروبا من المشاكل الجدية التي تواجه المجتمع اليوناني والتي فشلت في إيجاد الحلول لمعالجتها، وبدلا من صياغة سياسة اقتصادية تعالج بها تلك المشاكل تحاول إيهام شعبها بأن سبب معاناتها يكمن في وجود المهاجرين في البلاد، وهي الفكرة التي يبني عليها النازيون الجدد. قيام الحكومة باجراءاتها تجاه الأجانب هو دون شك نتيجة صفقة عقدها رئيس الوزراء المكلف مع الحزب النازي كخطوة استباقية لتهديد أحد حليفيه أو كليهما في الحكومة وهما بازوك وتحالف الديمقراطيين بأن خروجهما من الحكومة سيمهد دون صعوبة لدخول حزب الفجر الذهبي للحكومة بديلا عنهما.

 الصعود المفاجئ للنازية في اليونان لا يجب النظر اليه باعتباره ظاهرة يونانية بحتة ومعزولة عالميا، بل بالعكس هي جزء من ظاهرة عالمية ينشط أنصارها دون عقاب وبحرية في الكثير من بلدان العالم.

وحتى تكون الصورة اكثر وضوحا عن الظاهرة النازية الجديدة يكون من المفيد تسليط الضوء على التيارات النازية الجديدة في الدول الأوربية الأخرى لنتعرف عن قرب على جدية الخطر الذي تشكله تلك القوى على الحركة الديمقراطية والاشتراكية والشيوعية من الآن فصاعدا. ففي فرنسا أحرز حزب الجبهة الوطنية بزعامة ماري لي بان على 18% من أصوات الناخبين في انتخابات شهر ابريل/نيسان الماضي من هذا العام 2012 في الدورة الاولى حيث جاء الثالث بعد حزب الرئيس السابق ساركوزي في الانتخابات الأخيرة. اما في الانتخابات السابقة في 2007 فقد شكل القوة الثانية بعد حزب ساركوزي، ويعتبر قوة لا يستهان بها، ولا شك فان قوة بهذا الوزن لن تستسلم بسهولة لواقع الحال، فالحالة الاقتصادية الراهنة فرنسيا وأوربيا وعالميا تجعل مهمة الرئيس هولند صعبة للغاية. فالرئيس ساركوزي ترك فرنسا مثقلة بديون سيادية هائلة تصل الى 146% ناتجها القومي الاجمالي البالغ 2.2 تريليون دولار، وبطالة تزيد عن 11% قوة العمل الحية، وبعجز مالي يبلغ في المتوسط أربعة ونصف بالمائة الناتج القومي الاجمالي سنويا، متجاوزا نسبة 3% التي حددها الاتحاد الأوربي. الرئيس الفرنسي الجديد الذي يواجه هذه الأعباء لن يتمكن بسهولة من تحقيق وعوده التي وعد بها ناخبيه، وبناء عليه فأن القوى النازية ستجد أسلحة كافية تستخدمها لتعزيز مواقعها والتنافس للوصول الى قصر الأليزيه في باريس.

عقدة الحزب النازي هي العنصر الآخر " الأجنبي " اليهودي إبان النازية الهتلرية، واليوم المسلم واليهودي والملون الذين تتوعدهم النازية الجديدة بالطرد من المدارس والمستشفيات تمهيدا لطردهم من البلاد. هتلر أرسلهم الى غرف الغاز، وحزب الفجر الذهبي اليوناني يرسلهم الى دولهم أو الى مخيمات الأعمال الشاقة حتى الموت، فأين سيرسل نازيي حزب الجبهة الوطنية الفرنسية الأجانب في فرنسا..؟؟

 وعن أي أجانب تتحدث زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، هي بالتأكيد لا تقصد مواطني الاتحاد الأوربي أو اصحاب البلايين من زعماء مستعمراتها السابقة في أفريقيا وأمراء الخليج سارقي ثروات شعوبهم. انها تقصد أكثر من ستة ملايين فرنسي من أصول مغاربية وأفارقة سود من المستعمرات الفرنسية السابقة من أبناء الجنود والعسكريين السابقين الذين شاركوا في حروب فرنسا الاستعمارية وكانوا وقودا مجانيا لها، هم فقراء وكادحي الطبقة المسحوقة من العاطلين عن العمل الذين يرفض أرباب الأعمال تشغيلهم لا لشيء إلا لأنهم من أصول عربية مغاربية أو افريقية. ماري لي بان وأولئك الذين منحوها أصواتهم يحلمون بالتخلص من أولئك الذين لا يحبونهم، لكن كيف؟

 في هولندا أحرز النازيون الجدد تحت مظلة حزب الحرية اليميني بقيادة جيرت ولدرز المركز الثالث في البرلمان، وكان خروجه من حكومة الأقلية الائتلافية قد اضطر الحكومة على الاستقالة. وفي النمسا يملك حزب الحرية النازي 34 مقعدا من مجموع عدد المقاعد البالغ 183 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، وبحسب آخر استطلاع للرأي أجري أخيرا أظهر أن الناس الذين استطلعت آرائهم وضعوا الحزب النازي في المرتبة الثانية كقوة سياسية كبرى، فأي أحلام شيطانية دفعت بالمستطلع آراءهم ليرشحوا مجرمين تحت الطلب ليحتلوا المركز الثاني في مجتمع هو من أعلى المجتمعات دخلا، واطولهم عمرا، وأفضلهم صحة وعافية، فما يدفعهم للوقوف الى جانب الحركات النازية التي قاد اسلافهم الهتلريون النمسا وأوربا الى جحيم الحرب والدمار عام 1939؟

يتبع...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/آب/2012 - 24/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م