السهر الطويل تحت ضوء القنديل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كنت مع من احب في ليلة ليلاء، غاب فيها القمر وانقطع نور الكهرباء، اشرت بيدي الى مجموعة الاحباب، اطفئوا سكائركم، فاني سوف اغلق الابواب، فالهواء سيصبح راكد، من انفاسنا ودخاننا الجامد، وسنستمر بالسهر الطويل، تحت ضوء القنديل..

استبشر الاصحاب بالخير الوفير، وتعالت اصواتهم بين الشهيق والزفير، وبدؤوا باستذكار نكات الاغبياء والحمير.. قال احدهم: نمت ليلة البارحة، لشدة قلقي ظننت الفراش اشواكا جارحة، تقلبت عليها كثيرا، وللهواجس والافكار اصبحت اسيرا، وكاني في ما يرى النائم، شاهدت ماردا بقرب السرير قائم، تملكني الخوف والجزع، وبدأت اطرافي تصطك من الرعب والفزع، لكنه طمأنني، واخذ برقة يحدثني، حتى استكان خوفي، وسكنت الحركات في جوفي، سألته عن العراق، عن الموت اليومي والدم المراق، ابرز لي صحيفة، فيها كلام كثير وصور مخيفة، ثم دغدغني وهو يقول: الله يطيح حظج امريكا.. ضج الاصحاب بالضحك، وعرفوا انه حديث اوهام وافك... حتى طلع علينا الصباح، وسكتنا عن الكلام المباح، وتفرقنا بما تشتهيه الرياح..

ذلك مقطع من مقامة طويلة، انيقة، بليغة، جميلة، انسج فيها على منوال الاولين، الذين سبقونا منذ دهور طويلة، حتى نسينا هذا الفن الجميل، وارتحنا الى كتابات القال والقيل، والى همهمات الصراخ والعويل.

يرى اصحاب الشان اللغوي ان الأصل في المقامة أنها اسم مكان من أقام، ثم أطلقت على المجلس، فقيل: مقامات الناس، أي مجالسهم التي يتحدثون فيها ويتسامرون. ثم أصبحت تطلق على الحديث الذي يدور في مجالس السمر من باب المجاز المرسل.

أما المقامات في اصطلاح الأدباء فهي حكايات قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة لبطل المقامات، يرويها عنه راوٍ معين، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ أو طرف وملح.

يقال: إن أول من أنشأ المقامات في الأدب العربي هو العالم اللغوي أبو بكر بن دريد (المتوفى عام 321 هـ)، فقد كتب أربعين مقامة كانت هي الأصل لفن المقامات، ولكن مقاماته غير معروفة لنا.

ثم جاء بعده العالم اللغوي أحمد بن فارس (المتوفى عام 395 هـ)، فكتب عدداً من المقامات أيضاً.

ثم جاء بعده بديع الزمان الهمذاني، وكتب مقاماته المشهورة، وقد تأثر فيها بابن فارس حيث درس عليه. ويعتبر البديع هو الرائد الحقيقي للمقامات في الأدب العربي. ثم جاء بعده كتاب كثيرون، أشهرهم أبو محمد القاسم بن على الحريرى صاحب المقامات المشهورة بمقامات الحريري.

ثم كثر كتاب المقامات كالزمخشري العالم اللغوي المفسر، وقد سمى مقاماته (أطواق الذهب)، وابن الاشتركوني السرقسطي الأندلسي (توفي عام 538 هـ)، صاحب المقامات السرقسطية، وبطلها المنذر بن حمام، وراويها السائب بن تمام، ومقامات الإِمام السيوطي.

 وفي العصر الحديث أنشأ محمد المويلحي حديث عيسى بن هشام، وناصيف اليازجى "مجمع البحرين"…

وللمقامات عدة خصائص:

1- أسلوب المقامات مملوء بالصناعة اللفظية من جناس وطباق والتزام تام بالسجع.

2- تغلب على ألفاظها الغرابة.

3- مليئة بالقصص والحكم والمواعظ.

4- يختار كاتب المقامات لمقاماته بطلاً تدور حوادث المقامات حوله، وراوية يروي تلك الأحداث. فبطل مقامات بديع الزمان الهمداني أبو الفتح الإسكندري، وراويها عيسى بن هشام. وبطل مقامات الحريري أبو زيد السروجي، وراويها الحارث بن همام وهكذا.

5- للمقامات فائدة تعليمية، فعندما يحفظها شداة الأدب فإنها تزودهم بذخيرة لغوية مفيدة.

6- يدور أغلبها على الاحتيال والطواف بالبلدان لجلب الرزق.

العراقيون، ومنذ ابو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري الحرامي. فالحريري نسبة إلى الحرير وعمله أو بيعه، والحرامي نسبة إلى سكة بني حرام، وهم قبيلة من العرب سكنوا هذه السكة بالبصرة فنسب إليهم، وكان يزعم أنه من ربيعة الفرس.. ولد الحريري ونشأ في المشان أو (مشان البصرة) وهي بليدة فوق البصرة كثيرة النخل، وموصوفة بشدة الوخم، كان له فيها ثمانية عشر ألف نخلة، ولعله بملكيتها عُدَّ من ذوي اليسار.

العراقيون كان لهم باع طويل في فن المقامات، لتصوير احوالهم، والتفنن في كسب عيشهم، وهو تصوير موصول، وتفنن معمول، لم ينقطع حتى الان، رغم اختلاف الاحوال والازمان..

ويمكن ان يؤلفوا في زمننا الحالي جملة من المقامات، ويفتخروا بها على اقرانهم من عرب عاربة، وقبائل غاربة، من ذلك:

المقامة الكهربائية بين الوطنية والمولدات الاهلية

النمور الجائعة والحظوظ العاثرة

الشهادات الجامعية والحسرات الشبابية

النساء الضائعات والنخيل الشامخات

تركيا في اربيل والموساد في طريبيل

المال المهدور والحرامي المعذور

الديمقراطية التوافقية والاحزاب الانشقاقية

تركيا الشقيقة والسعودية الصديقة

ايران الملالي ما تركتني على حالي

وغيرها من عناوين يمكن ان يبدعها الحكام والمحكومين في العراق، نتيجة لهذا الحراك، او العراك السياسي المستمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آب/2012 - 18/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م