الأولمبياد، الخلفاء، الإرهاب والانتفاضات!

خليل الفائزي

الحمد لله لازلنا نمتلك عقولا حكيمة وذاكرة قوية حتى الآن ونتذكر جميعا ما فعله الجناة المستعمرون لاسيما بريطانيا بالعالم والمنطقة وما زرعته من حقد وخلافات بين الدول العربية والإسلامية لاسيما دول قارتي أفريقيا واسيا.

بريطانيا هذه هي التي نصبت وأكلت الحكم والسلطة في دول المنطقة للكثير من زعماء قبائل أجلاف وقطاع طرق همج من الذين وصفهم القرآن( اشد كفرا ونفاقا)، بريطانيا هذه التي لا تزال تسمى بالمستعمر الخبيث والعجوز خرجت علينا بمسرحية سخيفة جدا سميت بالعرض او الحفل الافتتاحي لمونديال أولمبياد لندن وهو العرض الذي زعمت الحكومة البريطانية إن نفقاته فاقت 12 مليار يورو! (بالطبع جمعت أموال هذا الاحتفال من الأنظمة العميلة لها).

 وقسما إن هذا الاحتفال لا يساوي 12 دولارا لأنه زور التاريخ وحوّر الحقائق وحاول عبثا إظهار ما سميت بحضارة بريطانيا وخدماتها الإنسانية المزعومة للعالم في حين إننا ندرك تاريخ بريطانيا الملطخ بالدم ونعرف جليا حضارتها المتخمة بالجرائم والنفاق واضطهادها للشعوب ونهبها خيرات معظم دول العالم منذ 200 عام وحتى الآن .

 بريطانيا المستعمرة كانت أول دولة تستعبد الزنوج ونقلت ملايين البشر السود دون إرادتهم بالقوة الى أمريكا واوربا لاضطهادهم والتعامل معهم أسوء من التعامل مع الحيوانات، بريطانيا هذه عرضت في حفل افتتاح الأولمبياد مسرحية أسمتها حرية العبيد السود وزعمت ان هؤلاء كانوا من اشهر مجلسي اللوردات والعموم وانهم من كبار رجال الأعمال وأصحاب المصانع وانهم كانوا من أعمدة الثورة الصناعية وحالهم حال البيض العنصريين!.، في حين إننا ندرك ونعلم جميعنا إن السود نالوا جزءا من حرياتهم في الستينات من القرن الماضي اي قبل 5 عقود وليس قبل 15 عقدا كما زعمت بريطانية الخبيثة في حفل في الأولمبياد، وان السود كانوا محرومين في أوروبا وأمريكا من الدراسة والعلاج وحتى ركوب الحافلات العامة وكانوا يعاملون أسوأ من معاملة الحمير!.

انتقادنا الآخر يعود إلى إنفاق كل هذه الأموال المزعومة اي اكثر من 14مليار دولار على حفل الافتتاح ودام 7 أعوام من الإعداد والتخطيط!، كان من الممكن إنجاز مثل هذا حفل لأولمبياد لندن خلال شهر أو شهرين على الأكثر ونفقته لا تجاوز 14مليون دولار وليس 14 مليار دولار، كما حاولت بريطانيا الخبيثة إقناعنا به!.

وإذا كان للدول الغربية بالأخص بريطانيا والدول الممولة اي حس إنساني أو روح رياضية واقعية إنفاق وتوزيع بعض المليارات على شعوب أفريقيا الجائعة خاصة الصومال الذين لا يأكل أهله سوى وجبة واحدة في اليوم من شدة الفقر والحرمان اوحل أزمة الجفاف ومساعدة المنكوبين في دول آسيا وأمريكا الجنوبية او على الأقل توزيعها على جياع أوروبا وأمريكا الذين نراهم ينامون في الشوارع والأزقة والمشاركة في حل للأزمات الاقتصادية التي تعصف حاليا بالدول الأوروبية مثل أسبانيا واليونان.

*******

الموضوع الآخر الذي لفت أنظارنا في هذه الأيام الماضية هو عرض مسلسل تاريخي ضخم من أشهر القنوات الفضائية العربية يصور لنا الأوضاع والشخصيات خلال البعثة النبوية وبتحديد شخصية أحد الخلفاء الراشدين.

اللافت هو اعتراف الجميع بما فيهم كتّاب ومؤيدو ومنتجو هذا المسلسل من أن بعض الشخصيات التاريخية والدينية التي يقدسها الكثيرون في يومنا هذا كانوا من أبرز معذبي المسلمين وقاتلي صفوة المؤمنين الذين دخلوا الإسلام عن وعي وإدراك وإيمان وليس كالذين اسلموا بقوة السيف او الخداع والنفاق ورضوا بالإسلام عنوة وبالإكراه وحفاظا على أرواحهم وممتلكاتهم بعد سقوط مكة بيد المسلمين!.

أسئلة نطرحها للذين يرفضون قول الحق هذا: هل يمكن اعتبار الذين عذبوا وقتلوا صفوة المسلمين في صدر إسلام أئمة وخلفاء لنا، وهل يمكن أن نصفح عن أشخاص غدروا بالمسلمين وقتلوا المئات منهم خاصة في واقعة (أحد) وأمهاتهم أكلت أفئدة فطاحل أبطال المسلمين في صدر الإسلام ونصفهم بأمراء المؤمنين وخلفاء للمسلمين ونقدسهم ونشيد لهم المباني والصروح ونخلدهم في الكتب التاريخية!؟.

وبعبارة ابسط نسأل: لا سامح الله .. إذا كان النبي موسى أو النبي عيسى أو حتى احد الأئمة المعصومين نفسه قد شارك مثلا في تعذيب وقتل المسلمين وسفك الدماء العشرات وربما المئات من المجاهدين والعبيد والفقراء والمحرومين الذين أدخلوا في دين الله أفواجا في صدر الإسلام، وننعته بعد ذلك بالخليفة وأمير الأمة الإسلامية ونوليه طوعا على رقاب الناس وديار المسلمين ؟!.

انه والله خزي وعار وسفاهة وغباء ان نرضى بان يكون اي شخص مهما كانت منزلته ومهما قدّم من إنجازات وخدمات مزعومة، خليفة او أميرا للمؤمنين - كما يوصف من قبل البعض- وهو قد شارك في السابق في تعذيب وهدر دماء صفوة خلق الله في صدر الإسلام والبعض من هؤلاء الأمراء وناهبي حقوق آل بيت الرسول (س) وخلافتهم الحقة، لا غفران ولا سماح ولا عفو ولا مكانة لأي من هؤلاء عندنا ولا شفاعة لقتلة اخلص واكثر المسلمين أيمانا في صدر الإسلام حتى يوم الدين والحساب!.

*******

اما الموضوع الأهم والأخير الذي نود طرحه ونحن في ايام رمضان المبارك هو اشتداد المواجهات العنيفة في سوريا البلد الآمن وأهله من أطيب وأنبل شعوب العالم لكن ماذا نفعل وقد ابتلاهم الله بطرفين لا خير في سلوكهما ولا أمل ببقائهما. النظام السوري ونظرا لظروف المواجهة مع إسرائيل قد احكم قبضته الأمنية والعسكرية على شعبه منذ عقود وسلب الحريات واستفرد بالحكم واحتكر السلطة كسائر الأنظمة المستبدة التي تتصور انها باقية في الحكم الى مدى الدهر، ومن جهة أخرى فان الجماعات المتطرفة والرافعة كذبا وبهتانا شعارات الثورة والجهاد في سبيل الله التصدي لاعداء الدين والمسلحة من الرأس حتى أخمص القدمين بأسلحة أمريكية ومدعومة من قبل أنظمة تتفاخر بالعمالة والتبعية لأمريكا ولإسرائيل وحليفة لاعداء المسلمين، استغلت هذه الجماعات أخطاء النظام السوري الذي كان من المؤسف هو او بعض الجهات الفاعلة فيه قد سمح في الأعوام الماضية لتلك الجماعات المتطرفة والمسلحة بالعبور والنشاط الإرهابي في العراق بذريعة محاربة ومواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق الا ان 99% من العمليات المسلحة والتفجيرات والاغتيالات التي كانت تقوم بها هذه الجماعات المنحرفة موجهة بالأساس ضد الأبرياء والعزل او ضد عناصر الجيش العراقي وقوات الشرطة المحلية او شرطة المرور.

هذه الجماعات التي فشلت واندحرت تقريبا بإذن الله في الساحة العراقية ارتدت كالنوابض اللولبية على النظام السوري مما جعل الجماعات المتطرفة تركب موجة الأحداث وتستغل الاعتراضات السلمية التي كانت قد اندلعت في سوريا لاصلاح الأوضاع السياسية وتحسين المعيشة الاقتصادية وربما استكمالا للانتفاضات العربية التي بدأت من تونس الخضراء وتمكنت تلك الجماعات المنحرفة من التغلغل بين المعترضين بدعم أمريكي- عربي رجعي سافر ودون حدود تصورا منها ان الشعب السوري الباحث عن حريته سوف يكون لقمة سائغة بيد تلك الجماعات المتطرفة او الأنظمة الرجعية التي ترتعد من الحريات الشخصية وتروج للأفكار المتحجرة ولاتسمح حتى للسيدات قيادة السيارات!.

 من الغباء والحماقة جدا ان تتصور تلك الأنظمة الداعمة للجماعات المتطرفة انها ستكون مصونة او محصنة من رياح الانتفاضات الجماهيرية او حتى خطر الجماعات المتطرفة ذات العقيدة الطالبانية الأفغانية خاصة وان هذه الجماعات أثبتت مدى عمالتها وعبوديتها للمادة وان دينها دولارها ( تصوروا عناصر هذه الجماعات يزهقون روحا بريئة لإنسان في العراق من اجل مئة دولار فقط!) وأثبتت هذه الجماعات ايضا غباءها وحماقتها في أفغانستان وجلبت الويلات والحقد الطائفي البغيض للعراق وهي الان تهدد الوضع الاجتماعي في ليبيا وقطعا ان أفكارها وسلوكياتها الهدامة ستطول الكثير من الأنظمة النفطية وان سقوط مثل هذه الأنظمة سيكون على يد هذه الجماعات المتطرفة ان استقوت بغباء أنظمة المنطقة وترعرعت كالأفاعي السامة في أحضانهم.

ونحن مستغربون أيضا من حماقة أمريكا ذاتها وعدم تصور الغرب مدى خطورة تشكيل دولة تحكمها جماعات متطرفة قد تمتلك أسلحة كيماوية وجرثومية ومدى خطر هذه الدولة على التعايش الإقليمي في الشرق الوسط.

من المؤكد ان إسرائيل هي المستفيد الأبرز من الأحداث في سوريا ودول أخرى وليس لإسرائيل اي قلق من الجماعات المتطرفة التي شكلت ونمت في حضن الام الأمريكية الحنونة في أفغانستان لمحاربة الخطر الشيوعي المزعوم لان هذه الجماعات لها التزامات وتعهدات مدونة بالعمل فقط ضمن المصالح الأمريكية وعدم تهديد مصالح إسرائيل وخير دليل على قولنا هذا ان تلك الجماعات لم تطلق حتى الان ولا طلقة واحدة ولا حتى فشفشة ضد إسرائيل ولم تنفذ اي عمل فدائي او مسلح ضد مصالح إسرائيل بل ولم تصدر هذه الجماعات اي بيان يهدد أمن إسرائيل في اي من دول العالم ومن يدعم تلك الجماعات اوله فكر سوي وداعم لها يعمل في مضمار حماية مصالح أمريكا وعدم تهديد امن إسرائيل وهذا الأمر ينطبق أيضا على جميع الأنظمة والرؤساء الداعمين لسلوك وأفكار الجماعات المتطرفة.

فأين هي شعارات الجهاد المزعوم في سبيل الله وتحرير الشعوب وهذه الجماعات تستثني أمريكا وإسرائيل من الجهاد المسلح؟!.

قطعاً لسنا قلقون من مصير الوضع في سوريا ولا في اي من دول المنطقة لان امريكا وحلفاءها هم ايضا سوف يتضررون قطعا وبشكل فادح من غباء وسلوك الجماعات المتطرفة وخير دليل على ذلك، أحداث 11 سبتمبر الدامية حيث كانت أمريكا قد دعمت القاعدة في أفغانستان وهي التي نفخت بالون هذا التنظيم لكنه وربما بتنسيق مسبق مع بعض الجهات في امريكا قام بارتكاب ابشع جريمة ضد الإنسانية ومهد الطريق واسعاً امام غزو أمريكا لافغانستان والعراق واحتلال أجزاء اخرى في المنطقة من خلال تكثيف التواجد العسكري الأمريكي المحتل.

 قد تكون دعوتنا لا صدى ولا مناصر لها ولكن مع ذلك نطرحها مرة اخرى وندعو ونطالب كافة الذين لهم التزامات دينية او وطنية او حتى أخلاقية تهدئة النفوس والبحث عن حلول سلمية وإنهاء احتكار السلطة وابعاد كافة قادة الجيش والامن واي مسئول عسكري مهما كان من الحكومة والعمل على إرساء أسس المجتمع المدني وإجراء انتخابات حرة وشفافة تحت إشراف منظمات دولية معترف بها جماهيريا وعدم تورط المواطنين والعزل والأبرياء في اي مواجهات عسكرية او تصفية حسابات وعمليات انتقامية، واذا كان للمواطنين اي اعتراضات ومطالبات فيحق لهم القيام بها بشكل حضاري وسلمي دون اي قيود او ضغوط او قمع امني من جانب اي نظام، وإلغاء كافة الانتخابات السابقة وإقالة المسئولين عدم الأكّفاء مع إجراء انتخابات عاجلة لتقرير مصير نوع الأنظمة مع سلب كافة السلطات المطلقة للمسئولين لانه لا توجد قدرة اي مسئول مهما كان فوق القانون او فوق سلطة الناس.

 وبدلاً من إنفاق المليارات لشراء الأسلحة التي تستخدم عادة ومنذ عقود فقط ضد أبناء البلد نفسه، فمن الضروري تكريس كل العائدات والطاقات لخدمة المواطنين وتحسين الوضع الاجتماعي لهم مع تنفيذ المشاريع الإنمائية والتخلي عن ذريعة وجود الأعداء الأجانب الوهميين او حتى خطر إسرائيل المزعوم لان إسرائيل أثبتت عمليا انها غير قادرة احتلال اي بقعة أخرى من دول المنطقة لانها لا تستطيع البقاء في اي بقعة تحتلها حديثاً، وخير دليل على ذلك أحداث غزة والقطاع وجنوب لبنان.

 تحديد مصائر الشعوب ليس بيد أمريكا ولا أوروبا ولا الأمم المتحدة ولا بيد اي من قادة دول المنطقة بل كل شعب في بلده هو المسؤول عن مصيره، وإذا وافقت الأطراف المعنية في اي أزمة من الأزمات التي نشهدها على الحل السلمي والدخول في حوار حضاري فيمكننا جميعاً دعمها بالخطط والأفكار والترتيبات التي تؤهل لاقامة المجتمعات المدنية وإنهاء حقبة سيطرة القادة العسكريين التافهين والمجرمين على مصائر الشعوب والمساهمة بشكل جدي في بناء مستقبل حضاري ومشرّف لدول المنطقة.

* إعلامي وقانوني مقيم في السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/آب/2012 - 17/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م