سوريا: الأزمة، الثورة، المؤامرة!

حيدر قاسم الحجامي

"الأزمة، الثورة، المؤامرة" مصطلحات ثلاثة تستخدم الآن في العراق للتعبير عن الموقف مما يجري على الاراضي السورية منذ أكثر من عام.

فالكثير من الشيعة العراقيين في الوسط والجنوب، يعدونها مؤامرة قطرية ـ سعودية ـ تركية، بمساندة اميركية ضد النظام السوري الممانع وبالتالي ضد العراق الذي يحكمونه بدرجة أقل.

السنة في المنطقة الغربية من العراق، يسمون ما يحدث بالثورة ضد النظام الطائفي العلوي في سوريا!، ويدعمونها بشدة ويعبرون عن مواقف لافتة في هذا الاتجاه، ويقولون بحق الاكثرية "السنية" في التخلص من الاقلية "العلوية "الحاكمة!، وهو ذات المنطق الذي يرفضونه هم في العراق منذ زمن بعيد.

الموقف الكردي الاكثر جذباً للانتباه من حيثُ تجاوزهم لكلا الموقفين السابقين، الى الدخول كعنصر مواجهة فعلية مع النظام والاشتراك في ما يجري من خلال تدريب الاكراد السوريين والدفع بهم الى المواجهة، وهو ما يعني بالضرورة الاشتراك العملي في الحرب الاهلية الدائرة الان في سوريا في مسعى واضح للتخلص من احد الاضلاع التي يعدونها معادية للطموح الكردي في الاستقلال.

بعض القوى العلمانية والقومية العراقية حائرة ومترددة في أتخاذ مواقف واضحة مما يجري مكتفية بوصف ما يجري في سوريا بالأزمة.

في ظل هذا الانقسام يلحظ المتابع للشأن العراقي أن الإشكالية لا تكمن في طريقة التفكير ولا الرؤية، فهي حق مشروع لكل طرف عراقي سواء أكان فرداً او جماعة، ولكنها تكمن في ان طرق التعبير لدى هذه الجماعات، تتجاوز الى اتخاذ مواقف وافعال على الارض لا تنسجم مع المواقف العامة للدولة العراقية التي حاولت الامساك بالعصى من المنتصف، ولكنها فشلت في بلورة هذا الموقف على ارض الواقع، لأن كل طرف عبر عن موقفه بشكل منفرد، فبين من رفض موقف الحياد، ودعا الى مساندة النظام السوري والوقف معهُ في تجاوز ما يجري، في تعبير عن موقف خارجي بالضرورة، وهو ما اتخذتهُ جماعات واطراف تحسب على خط الممانعة ومحورها.

الى أطراف أخرى رفضت هي الاخرى موقف الحكومة ولكن في الاتجاه الأخر، فقد دعت الجماعات والعشائر السنية الى التدخل المباشر ودعم المجاميع المسلحة المتمردة على النظام، وبل واعلن مجموعة من "شيوخ" العشائر الغربية، انهم لا يلتزمون بما قررته الحكومة من موقف وانهم سيدعمون "إخوتهم" السوريين في ثورتهم ضد النظام الاسدي.

وسائل الاعلام والصحافة العالمية تتحدث عن فريق عراقي "مفترض" يدعم النظام وعن جماعات تقاتل الى جانبه دون أن تقدم ما يثبت هذا الادعاء الى الان بالرغم من الترويج الواسع له، وفي المقابل تتحدث هذه الوسائل عن تحول محافظتي الرمادي والموصل المحاذيتين للحدود السورية الى ممرات أمنة للأسلحة القادمة من المملكة العربية، وقطر، كما تحولت الموصل بحسب هذه المصادر الى منطلقات وقواعد لوجستية للجيش السوري الحر في تنظيم هجماته ضد قوات الحكومة السورية.

وهذان الموقفان، يضاف اليهما موقف الأكراد، لا يمكن عدها من مبادئ التعبير والرؤية السياسية فقط، بل ـ في حال ثبوتها ـ هو اشتراك غير مشروع في حرب دائرة والضر بالسياسة العامة للعراق كدولة سبق واعلنت موقف معين، وبالتالي يجب محاسبة متخذي هذه المواقف، وعدم السماح لهم بالتمادي في شق الموقف العراقي والتجاوز على مهام الدولة ومسؤولياتها الشرعية والقانونية.

سوريا.. عورة الانقسام العراقي!

ختاماً ينبغي وصف ما يحدث في العراق تجاه احداث سوريا بأنه انقسام عميق أكثر مما ينبغي، بل وأكثر من المعقول والمسموح به بين أي قوى اجتماعية أو سياسية تتقاسم وطن ما وتعيش فيه، ضمن إطار عام يفترض ان يحفظ الخصوصيات والثقافات والتعدد الاثني والعرقي والمذهبي في اطاره الثقافي فقط، حتى لا يهدد مشروع الدولة القائمة، وكي لا يتعارض التعدد مع الرؤية العامة لمختلف القضايا الأساسية وخصوصاً الخارجية منها التي هي من مهام الدولة حصراً ولا يجوز لاي جماعة الحلول كبديل عن الدولة.

بمعنى آخر ان لكل جماعة عرقية أو طائفية الحق في العيش والممارسة والتعبير عن ثقافتها في اطار الدولة، وضمن المتفق عليه في الوثيقة الاجتماعية المقرة بين الاطياف" الدستور"، وبالتالي لا يمكن الخروج عن سياقات التعبير المرسومة الى رسم خطوط تعارض خطوط السياسة العامة للدولة كما يجري حالياً في العراق، المتشظي إزاء الازمة في سوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/آب/2012 - 16/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م