الحظر الغربي لنفط ايران... سدود لكن من ورق!

 

شبكة النبأ: لايزال ملف تشديد العقوبات الاقتصادية المفروض على ايران بسبب برنامجها النووي مثار الجدل محط اهتمام وترقب من قبل الكثير خصوصا تلك الدول التي تعتمد بشكل كبير على النفط الايراني والتي تأثرت ايضا من تلك العقوبات، ويرى بعض المراقبين انه وبرغم من تشديد تلك العقوبات فلا تزال هنالك بعض الثغرات التي تتيح لإيران تصدير قسم بسيط من انتاجها النفطي وبأسعار مخفضة من خلال اتباع بعض الخطط البديلة بحسب اعتقادهم، وفي هذا الشأن تعرض شركات خاصة غامضة بيع النفط الخام الإيراني بخصوم كبيرة إلى تجار نفط أوروبيين إذ تبحث طهران عن سبل لاستعادة تدفقات صادراتها النفطية التي تأثرت بالعقوبات الغربية. ويقول التجار الذين يشترون النفط الخام لحساب المصافي الأوروبية إنهم يتلقون يوميا اتصالات هاتفية تعرض عليهم الخام الإيراني وأحيانا تصاحبها وعود بتقديم وثائق مزيفة تظهر أن الخام من منشأ مختلف. وفي إطار سعيها لوقف هبوط الصادرات الذي سببته العقوبات الأمريكية والأوروبية تخلت طهران في وقت سابق عن سياسة صارمة لتسويق النفط من خلال شركة النفط الوطنية الإيرانية فقط لتسمح للشركات الخاصة بالقيام بهذا الدور.

وأوقفت العقوبات التي تهدف للضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي كل مبيعات النفط الإيرانية إلى أوروبا تقريبا. وبدأ الاتحاد الأوروبي حظر استيراد النفط في الأول من يوليو تموز. وخفضت تركيا التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي مشترياتها أيضا. ويتراكم حاليا النفط الإيراني الذي كان متجها إلى تركيا في البداية في ميناء سيدي كرير المصري على ساحل البحر المتوسط ويقوم عدد متزايد من الشركات الصغيرة بعرضه للبيع في سوق النفط الأوروبية. وقال تاجر كبير لدى شركة نفطية حكومية كبيرة "كلها شركات أجنبية مجنونة ويقف خلفها أشخاص إيرانيون في الغالب." وأضاف أن معظم العروض قدمت عبر الهاتف.

وتضطر إيران تحت وطأة العقوبات الغربية الصارمة لاتخاذ إجراء مؤلم يتمثل في إغلاق آبار في حقولها النفطية الشاسعة الأمر الذي دفع الإنتاج لمستويات لم يبلغها منذ أكثر من عقدين وأفقد طهران إيرادات بالمليارات. وجاهدت إيران لبيع نفطها قبل بدء سريان حظر أوروبي وأبقت في الوقت ذاته على إنتاجها النفطي عند مستويات عالية تتجاوز ثلاثة ملايين برميل يوميا بعد أن خزنت الكميات غير المطلوبة في صهاريج على البر وناقلات في البحر.

لكن المبيعات النفطية تراجعت الآن إلى نصف ما كانت عليه قبل عام كما أن أماكن التخزين تكاد تنفد. وكملاذ أخير تجري إيران صيانة "اضطرارية" للمكامن النفطية المتقادمة حسبما تقول مصادر نفطية إيرانية وغربية وهو ما من شأنه خفض الإنتاج لما دون ثلاثة ملايين برميل يوميا.

وقال مصدر نفطي إيراني طلب عدم نشر اسمه لحساسية المعلومات "نحن الآن في وضع مضطرون فيه لتقليل الإنتاج لذا سنطيل أمد إعادة تأهيل حقولنا النفطية." وأضاف "لكن من الخطأ الظن أن هذا سيجعلنا نستسلم. إيران لن تستسلم."

وليس من المتوقع أن تبوح إيران بالكثير. فحين بدأت مبيعات النفط في التراجع بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تقر إيران إلا في يونيو حزيران بأن صادراتها انخفضت انخفاضا كبيرا. وفيما يتعلق بتراجع الإنتاج -وهو نتيجة حتمية لاستمرار تراجع الصادرات- استمرت إيران في التزام الصمت وبات الحصول على معلومات دقيقة أمرا في غاية الصعوبة.

وقال مسؤول نفطي إيراني أصر على عدم نشر اسمه "في العمليات سواء عمليات المنبع أو المصب الصيانة ليست بالأمر غير المتوقع... من الطبيعي جدا إجراء بعض الصيانات." وأحجم عن التعليق عما إذا كانت إيران تغتنم الفرصة لإجراء صيانة في حقولها النفطية مع تراجع الصادرات الآن بنحو مليون برميل يوميا عن مستواها في العام الماضي.

ويرى خبراء نفط غربيون أن عدم توافر أماكن التخزين وهبوط المبيعات النفطية ربما أجبرا طهران على خفض الإنتاج بمئات الآلاف من البراميل يوميا على الأقل. وقال مسؤول نفطي غربي كبير "هناك ضغوط بالقطع لكن من الصعب معرفة التفاصيل... الواضح أن الموقف في غاية التعقيد والحساسية ولا تعلن الأشياء على الملأ." ومما يزيد الأمر تعقيدا تغيير بعض القيادات في شركة النفط الوطنية. فقد تم تعيين محمد علي خطيبي مندوب إيران في مجلس محافظي منظمة أوبك مديرا لإدارة الشؤون الدولية بالشركة خلفا لمحسن قمصري الذي تولى المنصب قبل نحو عام فقط. وتراجعت شحنات النفط باطراد مع تقليص المشترين لوارداتهم امتثالا للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب القلق من أن تكون إيران تسعى لإنتاج قنبلة نووية. وأقرت إيران بأن صادراتها انخفضت انخفاضا حادا بما بين 20 و30 في المئة من الأحجام المعتادة حول 2.2 مليون برميل يوميا.

من جانب اخر قال مصدر في صناعة النفط مطلع على خطط الشحن البحري الايرانية إن صادرات ايران في يوليو تموز ستنخفض إلى 1.1 مليون برميل يوميا كحد أقصى بسبب العقوبات الغربية الصارمة المفروضة على ايران. وأوقفت اليابان وكوريا الجنوبية وهما من أكبر مستوردي النفط الايراني كل الواردات الايرانية هذا الشهر بسبب العقوبات التي تقررت في بروكسل يوم الأحد والتي تهدف لخفض ايرادات ايران من النفط وارغام طهران على وقف برنامجها النووي المثير للجدل. بحسب رويترز.

وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه نظرا لحساسية الموضوع إن الصادرات الفعلية ستكون أقل على الأرجح نظرا لنزاع بين الصين وأكبر شركة ناقلات ايرانية على تكلفة الشحن البحري مما يؤخر تحميل الشحنات المقرر ارسالها للصين. كما أن الهند قد تخفض مشترياتها في يوليو بينما تعاني ايران للعثور على ناقلات بالحجم الذي تطلبه المصافي الهندية التزاما بقواعد الموانئ. والهند هي ثاني أكبر مشتر للنفط الايراني.

مستجدات الحظر

في السياق ذاته قالت الحكومة السويسرية إنها ستوسع نطاق العقوبات المفروضة على إيران لكنها لن تنفذ حظر الاتحاد الأوروبي على تجارة النفط الإيراني لأسباب "تتعلق بالسياسة الخارجية." وبدأ سريان حظر فرضه الاتحاد الاوروبي على استيراد وشراء وشحن النفط الإيراني في الأول من يوليو تموز في إطار جهود للضغط على الجمهورية الإسلامية بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

ويمنح هذا التحرك شركات الاتجار في النفط التي يوجد مقرها في سويسرا مثل جلينكور وترافيجورا ثغرة قانونية تمكنها من التعامل في الخام الايراني لكن من شبه المؤكد ان احتمال مخالفة القيود التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيثنيها عن ذلك. وكانت الشركتان قالتا انهما اوقفتا كل المعاملات في النفط الإيراني. وسويسرا من المراكز الرئيسية للتعاملات الحاضرة في النفط ويوجد فيها أيضا فرع لشركة النفط الوطنية الايرانية مع ان البلاد لا تستورد النفط من ايران. بحسب رويترز.

وقالت الإدارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية إن العقوبات السويسرية الجديدة ستشمل الامدادات لصناعة البتروكيماويات ومعدات الاتصالات وكذلك شراء وبيع المعادن النفيسة والألماس. وكانت سويسرا تعرضت لضغوط دبلوماسية من البلدان الغربية مثل الولايات المتحدة لتحذو حذوها في فرض عقوبات مشددة على ايران. وسويسرا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي وتتبع سياسة الحياد تقليديا ولذا فانها ليست ملزما قانونا بأن تحذو حذو الاتحاد الاوروبي فيما يفرضه من عقوبات لكنها في السنوات الاخيرة كانت تميل الى التوفيق بين قوانينها وقوانين شركائها التجاريين الرئيسيين. وقالت الادارة الاتحادية ان كل الصفقات النفطية مع ايران يجب ابلاغ وزرة الاقتصاد السويسرية بها وان الحكومة قد تتخذ مزيدا من الإجراءات على اساس هذه التقارير.

من جانبها عدلت كينيا عن شراء النفط من ايران والغت اتفاقا وقعته لهذا الغرض، كما اعلن موظف كيني كبير متحدثا عن "الضغوط الدولية" بسبب الحظر الغربي على النفط الخام الايراني وكانت طهران ونيروبي وقعتا اتفاقا ينص على تسليم كينيا اربعة ملايين طن من النفط الخام في السنة عبر الشركة الوطنية الايرانية. واعلن باتريك نيواكي رئيس ادارة وزارة الطاقة الكينية "لم يكن في الواقع اتفاقا وانما اتفاقا مبدئيا وضعنا حدا له بسبب الضغوط الدولية". بحسب فرنس برس.

واضاف نيواكي "ما كان بإمكاننا الاستمرار في هذه الطريق بسبب الحظر" الدولي على النفط الايراني. والعلاقات بين كينيا وايران تدهورت مؤخرا في نهاية حزيران/يونيو بعد اتهام نيروبي مواطنين ايرانيين اخذ عليهما القضاء الكيني حيازة 15 كلغ من مادة متفجرة عثر عليها في مومباسا (جنوب شرق البلاد) بعد توقيفهما.

في مواجهة العقوبات

الى جانب ذلك خصصت ايران خطوط قروض بقيمة عدة مليارات الدولارات لضمان ناقلاتها للنفط ومواجهة عقوبات الاتحاد الاوروبي التي تحظر على الشركات الاوروبية تامين اي سفينة تنقل نفطا ايرانيا، على ما ذكرت الصحف. والاسطول الايراني مكون من 47 ناقلة نفط وهو احد اكبر اساطيل العالم وكان مؤمنا بنسبة 90 بالمئة من قبل شركات تامين اوروبية قبل عقوبات الاتحاد الاوروبي. وقال محمد علي الخاطبي ممثل ايران لدى منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) بحسب ما اوردت صحيفة ايران الحكومية "لدى زبائن النفط الايراني خياران اثنان، اما استخدام ناقلاتهم او استخدام الناقلات الايرانية".

واضاف "ان ايران على استعداد لمنح تامين كامل لنقل نفطها والتزامات المؤمنين الايرانيين لا تختلف في شيء عن التزامات المؤمنين الغربيين". واكدت وكالة فارس شبه الرسمية ان الحكومة الايرانية كانت منحت شركة التامين الرسمية بيماه مركازي خط قرض بقيمة عدة مليارات لتامين ناقلات النفط الايرانية. وبحسب هذا المصدر فان 10 بالمئة من هذه الاموال تم صرفها. ويهدف هذا الاجراء الى مواجهة العقوبات ضد صادرات النفط الايرانية.

وتستخدم الصين والهند اهم زبائن النفط الايراني، ناقلات نفط ايرانية لتوريد الخام من هذا البلد، وتعتزم كوريا الجنوبية النسج على منوالهما. اما اليابان الزبون الاخر المهم للنفط الايراني فقد تبنت قانونا يسمح للدولة ان تحل محل شركات التامين الاوروبية لتخصيص ضمان يصل حتى 7,6 مليارات دولار، لتامين الناقلات التي تجلب النفط الايراني.

وذكرت وكالة الانباء الايرانية (ارنا) ان ايران بنت لحساب فنزويلا اول ناقلة نفط من نوع افراماكس القادرة على نقل 113 الف طن من النفط. وهذه الناقلة التي يبلغ طولها 250 مترا وعرضها 44 مترا وزنتها 21 الف طن، هي الاولى التي تبنيها ايران بهذا الحجم. وقد انزلت الى الماء في بوشهر في جنوب ايران. وطلبت فنزويلا من ايران بناء اربع ناقلات نفط عملاقة بمبلغ اجمالي يبلغ 230 مليون يورو. وبدأ بناء هذه الناقلة قبل سنتين، كما ذكرت وسائل الاعلام الايرانية. وايران هي اول بلد في المنطقة يبني ناقلات. وتمتلك ايران اسطولا كبيرا من ناقلات النفط التي اشترتها من كوريا الجنوبية والصين. بحسب فرنس برس.

وفنزويلا هي ابرز حليف لايران في اميركا اللاتينية. وطور البلدان اللذان لا يخفيان عداءهما للسياسة الاميركية، علاقات اقتصادية وسياسية في السنوات الاخيرة. وتدعم فنزويلا البرنامج النووي الايراني وتنتقد العقوبات الاميركية والاوروبية المفروضة على ايران. وطلبت الولايات المتحدة من فنزويلا مرارا الحد من علاقاتها مع ايران والتقيد بالعقوبات الاقتصادية.

في السياق ذاته زادت الولايات المتحدة من الضغوط على قدرات ايران لتصدير النفط وصنفت شركة الناقلات الايرانية الرئيسية وعشرات من سفنها على أنها كيانات تسيطر عليها الحكومة. وفي أحدث مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى منع ايران من الحصول على أسلحة نووية حددت وزارة الخزانة الأمريكية شركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية و58 من سفنها و27 من الفروع التابعة لها على أنها امتداد للدولة وهو ما يقوض محاولات إيران لاستخدام سفن أعيد تسميتها لتخفي حقيقتها في التهرب من العقوبات.

وشمل هذا التصنيف أيضا ما تقول واشنطن انه أربع شركات تعمل كواجهة لشركة النفط الحكومية الايرانية. ويساعد هذا الإجراء الدول والشركات الأجنبية على الامتثال للعقوبات الغربية على طهران. وقال مسؤول في حكومة الرئيس باراك أوباما إن هذه الإجراءات سيكون لها بعض الأثر على قدرات ايران على بيع النفط. وقال المسؤول للصحفيين "انها ستجعل من الصعب للغاية على ايران خداع المشترين المحتملين بشأن منشأ النفط." ويحظر على الشركات الأمريكية والمواطنين الأمريكيين بالفعل التعامل مع كيانات تسيطر عليها الحكومة الايرانية.

وكانت شركة ناقلات النفط الوطنية الايرانية غيرت الأسماء والأعلام على كثير من ناقلاتها قبل بدء نفاذ حظر للاتحاد الأوروبي على واردات النفط الايراني. وشمل ذلك استبدال أعلام مالطا وقبرص بأعلام توفالو وتنزانيا. وقال ديفيد كوهين وكيل وزارة الخزانة الأمريكية في بيان "سنواصل تكثيف الضغوط ما استمرت ايران في رفض التجاوب مع مخاوف المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي." بحسب رويترز.

وحدت العقوبات الأمريكية من قدرة شركاء ايران التجاريين الرئيسيين على شراء النفط الايراني. وحددت الادارة الأمريكية شركة نور للطاقة ومقرها ماليزيا وبترو سويس وبترو إنرجي ومقرها دبي وانترتريد هونج كونج ككيانات تسيطر عليها الحكومة الايرانية أو تعمل بالنيابة عنها. وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية ان هذه الشركات تعمل كواجهة لشركة ناقلات النفط الوطنية الايرانية وغيرها من الكيانات الايرانية المدرجة على اللائحة السوداء. ووصف مشرعون أمريكيون اجراءات وزارة الخزانة بانها خطوة في الاتجاه الصحيح لكنهم قالوا إن هناك الكثير الذي ينبغي فعله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آب/2012 - 12/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م