مشكلات شعرية في النشيد الوطني

لطيف القصاب

تشارلز ديكنز شاعر انكليزي كتب في أغراض الشعر المختلفة ويعتبره بعض النقاد أفضل من الشاعر العملاق وليم شكسبير، وذلك لأن تشارلز دكنز شاعر مجدد بخلاف شكسبير المغرق في كلاسيكيته. لكن هذا الرأي يلقى معارضة مستميتة لدى من يرى شكسبير هو الشاعر الأول والأخير في عالم الشعر الانكليزي. ووسط دوامة السجالات التي تخوض في أي من هذين الشاعرين هو الأولى والأجدر بالتقدير والإعجاب من صاحبه، يحدث أحيانا أن ينسب احدهم قصيدة لتشارلز دكنز المجدد بزعم أنها لوليم شكسبير الكلاسيكي. والعكس صحيح في أحيان أخرى.

ولعل من جملة ما ينسبه بعضهم إلى الشاعر الكلاسيكي في حين ينسبه غيرهم إلى الشاعر المجدد تشارلز قصيدة يقول مطلعها : "السياسة هي الشيء الوحيد الذي يغفر للمرأة تفاهتها".

ظاهرة تفضيل شاعر على آخر أو نسبة قصيدة إلى صاحبها الحقيقي ظاهرة ليست حكرا على الشعراء الانكليز فحسب. الشعراء العرب لهم حصتهم الوفيرة في هذا المضمار أيضا. وكل من درس تاريخ الشعر العربي القديم لابد أن يكون قد وقف على ظاهرة تفضيل شاعر على غيره وظاهرة الاختلاف في نسبة بعض القصائد إلى قائليها الحقيقيين. ليس الشعر العربي القديم هو من يعاني من هذين المشكلتين النقديتين المزمنتين. الشعر العراقي المعاصر يعاني منهما أيضا.

ولنضرب مثالا بمجلس النواب العراقي الذي ما يزال يحاول ومنذ تسع سنوات متتالية انتقاء قصيدة لشاعر عراقي من بين مجموعة من القصائد المرشحة بغية تحويل القصيدة المنتقاة إلى نشيد وطني جديد للعراقيين يخلف النشيد الوطني الحالي. هناك من النواب من طالب باعتماد قصيدة (سلام على هضبات العراق) للشاعر محمد مهدي الجواهري نشيدا وطنيا للعراق باعتبار أن الجواهري هو الشاعر الأول والأخير في عالم الشعر العربي.

لكن بعض النواب اعترض بشدة على قصيدة الجواهري لكونها من وجهة نظرهم قصيدة كلاسيكية جدا مطالبا بان تكون كلمات قصيدة (الشمس أجمل في بلادي من سواها) للشاعر بدر شاكر السياب هي النشيد الوطني الجديد باعتبار أن شاعرها - كما يقولون- هو حامل راية التجديد في الشعر العربي الحديث.

احدى نائبات البرلمان العراقي انفردت وحدها بمطالبة غريبة من نوعها تقضي باعتماد قصيدة (سلام عليك على رافديك) للشاعر اسعد الغريري لتكون نشيداً وطنياً جديداً للعراق. الغريب في هذه المطالبة الأخيرة أن قصيدة (سلام عليك على رافديك) لم تكن في ضمن القصائد المرشحة لاختيار نص النشيد الوطني الجديد.

والأغرب من ذلك كله أن النائبة نسبت القصيدة إلى المطرب كاظم الساهر بدلا من نسبتها إلى الشاعر اسعد الغريري. هناك من علل موقف النائبة بظاهرة تفضيل بعض الشعراء على غيرهم أو الاختلاف في نسبة القصيدة لصاحبها الفعلي. وهناك من راح يردد بيت الشعر الذي يقول: "السياسة هي الشيء الوحيد الذي يغفر للمرأة تفاهتها". ويترحم على قائله كائنا من كان.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/تموز/2012 - 1/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م