الخطاب الأخلاقي.. هامش منسي

رسول الحجامي

منذ استفاقة الوعي الإنساني والأخلاق تنتمي إلى العلوم العملية, هذا الانتماء جعلها تلتصق بسلوك الإنسان ونهجه في الحياة. فأعمال الفرد ومواقفه هي حروف فوق سطور الأخلاق بالطبع إن الأخلاق لا تعطل وصف اللغة بالكتابة عنها، ولا توقف السطور في سرد كينونتها، لكنها تمنع اللغة على أن تكون وسيلة لاكتشافها، أو للتفاعل معها، إلا أن تتخلى اللغة عن وظيفتها في التعرف وتصبح جزء من السلوك الإنساني بهويته الأخلاقية.

هل هذا ما يحتجزنا عن الخوض عميقا في الخطاب الأخلاقي؟ ربما، لكنه ليس السبب الوحيد في عصر فقدنا فيه الكثير من آليات الوعي الأخلاقي، وسبل التفاعل السليم معه، ربما أجهد البعض لغة تفكيره في رسم أخلاقنا المعاصرة فأولد صور وملامح وشعارات وحكم من عصور شتى، لكنها لا تنتمي للان، لأننا لم نخوضها، لأننا نريد أن نتوهم بولادة الأخلاق من لغتنا ومن ملحقاتها، أصبحنا نمل الخطاب الأخلاقي لأنه نتاج اللغة وليس نتاج السلوك الإنساني، هذا الملل افقدنا حميمية التفاعل مع الأخلاق، وقذف بنا الى خيالات أخلاقية كأخلاق المهنة، وأخلاق السوق، وغيرها مما نروجه في مطاعم الأخلاق للوجبات السريعة، لا أقول لنسكت به ضمائرنا بل لنبرهن لأنفسنا بأننا ما نزل ننتمي للهوية الإنسانية.

ما يزل الخطاب الأخلاقي خطاب تلقيني (لغوي) سيكولائي، لم يغادر لحظة ولادته، ما يزل يعيد إنتاج هذه اللحظة بمزيد من الانبهار والدهشة والتمجيد، لم يغادرها الى الداخل ليختط وعيا نقديا قادرا على إعادة النمو والتطور، ولم يفارقها الى الخارج ليتفاعل مع المحيط ليرى على الأقل صورته في مرايا السلوك والوعي البشري.

ما يزل الوعظ والإرشاد (بنسقه الاستعراضي) وبعض مفاتيح الترهيب والترغيب تمثل أبجدية خطابنا الأخلاقي (الديني / التربوي) لكنه خطاب مثير من الخارج، ولو اخرج بشكل مشوق يمكن أن يكون جذاب، لكنه يبقى خطابا محيرا من الداخل، لأنه لا يصل بمستمعه الى بداية تغيير بل الى نهايات سائبة لها امتدادات مفتوحة في آفاق اللغة لكنها لن تصل الى حدود السلوك.

الخطاب في العلوم العملية يتبئر حول الوعي بالكيفية سواء على المستوى التنظيري أو التطبيقي، لذا فان أهم ما يميز الخطاب الأخلاقي إن الوعي به ليس وعيا تحصيليا (للمعرفة) بل وعيا كيفيا (لتطبيق المعرفة)، فهل أجاب خطابنا الأخلاقي عن (كيف؟) أما يزل في مقدمات هناك إشكاليات كبيرة في صحة انتمائها له؟

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/تموز/2012 - 24/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م